كتاب المباحث المشرقية للفخر الرازي

كتاب المباحث المشرقية للفخر الرازي

اهتم الرازي بتتبع كتب ابن سينا وغيره من الفلاسفة وبسط كلامهم لنقضها و بيان بطلانها.

ففي المباحث المشرقية مثلا، نقل الرازي الكثير من أقوال ابن سينا، و شرح مواضع من كتاب الإشارات له، واختصرها، وشرح عيون الحكمة له أيضا، وفصّل في كلام الفلاسفة.

وقد تتبع الرازي كلام ابن سينا خاصة، لأنه كان أحسن من نقل كتب المتقدمين من الفلاسفة دون تحريف لمقالاتهم، بغرض الرد عليهم بردود شاملة ومفصلة.

قال الرازي في كتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين

تحت الفصل السادس: فِي أحْوال الفلاسفة، ما نصه : “مَذْهَبهم أن العالم قديم وعلته مُؤثرَة بِالإيجابِ ولَيْسَت فاعله بِالِاخْتِيارِ وأكْثَرهم يُنكرُونَ علم الله تَعالى ويُنْكِرُونَ حشر الأجساد وكانَ أعظمهم قدرا ارستطاليس وله كتب كَثِيرَة ولم ينْقل تِلْكَ الكتب أحد أحسن مِمّا نَقله الشَّيْخ الرئيس أبُو عَليّ بن سينا الَّذِي كانَ فِي زمن مَحْمُود بن سبكتكين وجَمِيع الفلاسفة يَعْتَقِدُونَ فِي تِلْكَ الكتب اعتقادات عَظِيمَة وكُنّا نَحن فِي ابْتِداء اشتغالنا بتحصيل علم الكَلام تشوقنا الى معرفَة كتبهمْ لنرد عَلَيْهِم فصرفنا شطرا صالحا من العُمر فِي ذَلِك حَتّى وفقنا الله تَعالى فِي تصنيف كتب تَتَضَمَّن الرَّد عَلَيْهِم ككتاب نِهايَة العُقُول وكتاب المباحث المشرقية وكتاب الملخص وكتاب شرح الإشارات وكتاب جوابات المسائِل البخارية وكتاب البَيان والبرهان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان وكتاب المباحث العمادِيَّة فِي المطالب المعادية وكتاب تَهْذِيب الدَّلائِل فِي عُيُون المسائِل وكتاب إشارَة النظار الى لطائف الاسرار وهَذِه الكتب بأسرها تَتَضَمَّن شرح أصُول الدّين وإبْطال شُبُهات الفلاسفة وسائِر المُخالفين وقد اعْترف الموافقون والمخالفون أنه لم يصنف أحد من المُتَقَدِّمين والمتأخرين مثل هَذِه المصنفات وأما المصنفات الأُخَر الَّتِي صنفناها فِي علم آخر فَلم نذكرها هُنا. ومَعَ هَذا فَإن الأعْداء والحساد لا يزالون يطعنون فِينا وفِي ديننا مَعَ ما بذلنا من الجد والإجتهاد فِي نصْرَة اعْتِقاد أهل السّنة والجَماعَة ويعتقدون أنِّي لست على مَذْهَب أهل السّنة والجَماعَة وقد علم العالمُونَ أنه لَيْسَ مذهبي ولا مَذْهَب أسلافي إلّا مَذْهَب أهل السّنة والجَماعَة ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والِدي فِي سائِر أطْراف العالم يدعونَ الخلق الى الدّين الحق والمذهب الحق وقد أبطلوا جَمِيع البدع ولَيْسَ العجب من طعن هَؤُلاءِ الأضداد الحساد بل العجب من الأصْحاب والأحباب كَيفَ قعدوا عَن نصري والرَّدّ على أعدائي”. انتهى

وقد كان الفخر الرازي رحمه الله ينقل أقوال الفلاسفة ويتتبعهم بالنقد أحيانا، ويتعجب من حججهم أحيانا أخرى، حتى قال في ما نقله عنه التفتزاني في المقاصد: “العجبُ ممَّن يُفني عمرَه في المنطقِ ليعصمَه عن الغلط، ثم يهملُه في مثل هذا المطلبِ الأعلى، فيقعُ في الغلطِ الذي يضحكُ منه الصبيان”. انتهى

وقال في المباحث المشرقية، تحت مبحث الإرادة الإلهية، ما نصه : ” وأنا أتعجب من الشيخ – أي ابن سينا-أنه كيف يستجيز استعمال أمثال هذه الحجة”. انتهى

ومن المقالات التي تتبعها الفخر الرازي في المباحث المشرقية، قول ابن سينا في كتاب النجاة : “فالواجب الوجود الذي فى غاية الكمال و الجمال‌ و البهاء، الذي‌ يعقل ذاته بتلك الغاية من‌ البهاء و الجمال و بتمام التعقل. و يتعقل العاقل و المعقول على انهما واحد بالحقيقة، يكون ذاته لذاته أعظم عاشق و معشوق، و اعظم لاذ و ملتذ. فان‌ اللذة، ليست الا ادراك الملائم‌ من جهة ما هو ملائم. فالحسية منها احساس بالملائم، و العقلية تعقل الملائم. و الأول‌ أفضل مدرك، بافضل ادراك، لا فضل مدرك، فهو أفضل لا ذو ملتذ. و يكون ذلك أمرا لا يقاس اليه شى‌ء. و ليس عندنا لهذه المعانى أسام غير هذه الاسامى. فمن استبشعها ، استعمل غيرها”. انتهى

فنقله الفخر الرازي وشرحه بقوله: فواجب الوجود له البهاء المحض والجمال المحض بل هو المفيض لكل بهاء وجمال والجمال محبوب لذاته وكل ما كانت القوة ادراكا للجمال كانت المحبة اكثر والعشق اتم واكمل فواجب الوجود اذا ادرك ذاته بادراكه الاقوى الاكمل وذاته في غاية الجمال والجلال فيكون قد ادرك اكمل الموجودات واجلها باتم ادراك فيلزم ان يكون ابتهاج ذاته بذاته اكمل انواع الابتهاج فتكون ذاته لذاته اعظم عاشق ومعشوق واعظم لاذ وملتذ به وليس لتلك المعاني عندنا اسامي غير هذه التي اطلقناها فمن انكرها استعمل غيرها”. انتهى

وهذه الشروح لا تعني ان الفخر الرازي يوافقهم فيها، بل غاية أمره أنه كان يبسط مقالاتهم حتى يتناولها لاحقا بالنقض. فقد نفى قبل التعرض لهذه المقالة الشهوة و النفرة عن الله عز وجل، ثم سرد مقالات ابن سينا بتمامها وتعرض لتناقضه. ومع ذلك نجد بعض الطاعنين في الفخر الرازي يزعمون أنه هو قائل هذا الكلام، وأنه ذكره كالمحتج به على خصومه و العياذ بالله، حتى قال بعض الحمقى ان الرازي ينكر صفات الله عز وجل و يثبت له في المقابل اللذة والعشق والابتهاج والشهوة.