مقالات العز بن عبد السلام في المجسم والجهوي – الشبهات المثارة حول ترك اكفار العز بن عبد السلام للمجسم والجهوي

  1. الشبهة الأولى:
  2. الشبهة الثانية:
  3. الشبهة الثالثة:
  4. الشبهة الرابعة:
  5. روابط ذات علاقة:

قال العز بن عبد السلام في كتابه مقاصد الصلاة صحيفة 21 ما نصه: و الشرك يطلق باعتبارات:
احدهما اﻹﺷﺮاك ﻓﻲ اﻷﻟﻮهية : وﻧﻔيه ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف أنه ﻻ إله ﺳﻮاه، ﻓﺘﺒﺮأ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺎرى وﻋﺒﺪة اﻷوﺛﺎن
اﻟﺜﺎﻧﻲ: اﻹﺷﺮاك ﺑﺎﻟﺘﺸبيه: وﻧﻔيه ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄن ” ليس كمثله شئ وهو السميع العليم” ، ﻓﺘﺒﺮأ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﺸﻮية وأﺿﺮاﺑهم. انتهى

و قال العز بن عبد السلام في رسالته للسلطان الأشرف: ومذهبنا: أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا يشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في شيء من صفاته أن تفارق ذاته؛ إذ لو فارقته لصار ناقصا، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا! وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد للكاتبين، ولا ألفاظ اللافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدين، وخرج عن عقائد المسلمين، بل لا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي “وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون “[الأنبياء:112]. انتهى

نقله الإمام تاج الدين السّبكي في طبقات الشافعية الكبرى في ترجمة سلطان العلماء.

وقال العز بن عبد السلام في فتاويه :”القرءان كلام الله صفة من صفاته قديم بقدمه ليس بحرف ولا أصوات ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين وكتابة الكاتبين فقد ألحد في الدين وخالف إجماع المسلمين بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق ولا ترك البدع سارية في المسلمين ويجب على ولاة الأمور إعانة العلماء المنزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين، ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها، ولا يحل لولاة الأمور تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير والله اعلم” انتهـى

هذا وقد نسب الحافظ الكبير ملاّ علي القاري في شرحه على الفقه الأكبر (انظر صحيفة 333 طبعة دار البشائر). للعزّ ابن عبد السّلام أنه نقل في كتابه “حل الرموز” في علم التصوف تفسير ما قاله الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأبسط: “من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر, وكذا من قال إنه على العرش, و لا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض” قال ابن عبد السلام: ” لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا, ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه” انتهى

وقد ارتضى ملاّ علي القاري من العز بن عبد السلام هذا التفسير وقال ” ولا شك أن ابن عبد السلام من أجلّ العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله”. انتهى

وليس بمستبعد أن يكون هذا الكتاب من تأليف سلطان العلماء فقد قال ابن السبكي في طبقاته (8/ 214-215) ما نصه: “وقد كان الشيخ عز الدين لبس خرقة التصوف من الشيخ السُّهروردي، وأخذ عنه، وذُكر أنه كان يقرأ بين يديه “رسالة القشيري” .ثم قال ابن السبكي: “وقد كان الشيخ عز الدين اليد الطولى في التصوف وتصانيفه قاضية بذلك”.
و حتى على تقدير أن كتاب حل الرموز لم تثبت نسبته لسلطان العلماء وأنه للشيخ عز الدين المقدسي فهذا لا يُعكر علينا المسألة لأن الطّحاويّ نقل الإجماع على كفر المجسّم و الجهوي قبل ولادة ابن عبد السلام بنحو 300 سنة و الإجماع منعقد بأهل السّلف فقد قال الطّحاويّ هذا ذكر بيان عقيدة أهل السّنة و الجماعة أي هذا إجماع ثمّ قال: “و من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”. و الإجماع إذا انعقد لا يصح و لا يجوز مخالفته وهو حجة كما قال العز بن عبد السلام في كتابه ﺗﻔسير اﻟﻘﺮآن اﻟﻌظيم جزء 2 صحيفة 567 – ﺗﺤقيق اﻟﺸﺎﻣسي ونص عبارته: ﻗﻮله صلى الله عليه وسلم: “وإنﱠ ﻣﻦ أﻣﺘﻲ ﻗﻮﻣًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖﱢ ﺣﺘﻰ ينزل عيسى. وفيها دليل ﻋﻠﻰ أن إﺟﻤﺎع ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﺣﺠﺔ”

رد بعض الشبهات حول العز بن عبد السلام في ترك اكفار المجسم – الجزء الأول-

الشبهة الأولى: بيان ما يُنقل عن العز بن عبد السلام من تركه تكفير الجهوي

ما قاله العز بن عبد السلام في قواعده من ترك تكفير الجهوي نقله عنه غير واحد من العلماء: كالشيخ محمد بن خليفة الأبي التونسي المتوفى سنة 728 هـجري، حيث قال في تقييده عن شيخ الإسلام بالمغرب الإمام ابن عرفة في أول سورة طه ما نصه: “واختار عز الدين ابن عبد السلام عدم تكفير من يقول بالجهة.” انتهى

وكذلك نقله عن ابن عبد السلام الشيخ ابن عرفة المتوفى سنة 803 هجري و تلميذه أبو العباس البسيلي التونسي المُتوفى سنة 830 هجري فقد قال في تقييده على ابن عرفة ايضا: “واختار الشيخ عز الدين عدم تكفير من يقول بالجهة, ونسب القول بالتجسيم لابن تيمية من فقهاء المشرق. انتهى

وكذلك نقل كلام ابن عبد السلام، الامام البرزلي المتوفى سنة 844 هجري و الشربيني المتوفى سنة 977 هجري و الرملي المتوفى سنة 1004 هجري و غيرهم من الفقهاء الذين جاؤوا بعدهم كاللقاني و غيره. وكل هؤلاء مع نقلهم لكلام ابن عبد السلام فهم لم يعتمدوا رأيه ولا أقروه على ذلك لأن كثيرا من الفقهاء تجدهم ينقلون في كتبهم حتى مقالات الفرق المخالفة ولا يعقبون عليها.

ثم هؤلاء العلماء لسيوا معاصرين للعز ابن عبد السلام، فنسبتهم لتلك المقالة إليه لا تثبت بصفة قطعية و يكون اعتمادهم فقط على ما وجدوه في مخطوط كتاب القواعد، و امكانية الدس فيه واردة جدا لكثرة اعداء سلطان العلماء في حياته و بعد مماته. بل لم يثبت عن واحد من تلاميذ العز بن عبد السلام كابن دقيق العيد وشهاب الدين القرافي و أحمد بن فرح الأشبيلي وشرف الدين الدمياطي و أبو شامة وغيرهم أنهم نقلوا عنه تلك المقالة.

ثم هذا الكلام المنسوب للعز بن عبد السلام – ان صح عنه – فهو مخالف لكلام شيخه الآمدي في كتابه “الإحكام” عند كلامه على شروط الرواية و نص عبارته: “الشرط الثاني أن يكون مسلما، وذلك لأن الكافر إما أن لا يكون منتميا إلى الملة الإسلامية كاليهودي والنصراني ونحوه أو هو منتم إليها كالمجسم” انتهـى

وقد عقب الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقالاته في الصحيفة 261 على كلام العز فقال: “نعم يعد ابن عبد السلام في قواعده الكبرى العامي معذورا في الكلمة الموهمة لكن ناقشه المقبلي في ذلك, وعلى كل حال لا يرضى هؤلاء – أي مشبهة عصره – أن يعدوا من العامة ليعذروا في كلماتهم الشاطحة, وقد ملأت مؤلفاتهم البقاع, فلا محيص في عدهم واعين لما نطقوا به, فتعيين إلزامهم بما يترتب على تلك التقولات في نظر أهل البرهان الصحيح”. انتهى

فيلاحظ أن الكوثري يرد كلام العز إلى أمرين:
– الأول: حصر الأمر الذي أفتى به العز في الكلمة الموهمة.
– الثاني: فهم المعنى من تلك الكلمات الموهمة.

فكلام العز يتعلق بمن تلفظ الكلمة و لم يدري معناها بدليل قوله في قواعد الأحكام (2/102) ما نصه: “فصل فيمن نطق لفظا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه: فإذا نطق الأعجمي بكلمة كفر أو أيمان أو طلاق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشئ من ذلك, لأنه لم يلتزم مقتضاه و لم يقصد إليه, وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشئ من ذلك لأنه لم يرده. انتهى

أما أولئك المنتسبين للأشعرية صاروا يعتذرون لعوام المجسمة و علمائهم بظاهر كلام ابن عبد السلام. فما وافقت أقوالهم نصوص العلماء في إكفار الجهوي و لا وافقوا كلام العز الذي خص كلامه بالعوام الذي يطلقون كلاما موهما لا يفهمون معناه.

و يُؤيد كلامنا ما قاله الشيخ محمد الخضر الشنقيطي المالكي في كتاب “إستحالة المعية بالذات و ما يضاهيها من متشابه الصفات” صحيفة 319 لما تكلم عن الجارية التي ضربها سيدها ونص كلامه: وقد قال في الفتح ان وجه ثبوت إيمانها ( أي الجارية) بذلك القول هو أن من أتى بلفظ يدل على التجسيم لا يكون به مؤمنا إلا ان كان عاميا لا يفقه معنى التجسيم فيكتفي منه بذلك كما في قصة الجارية. انتهى
فلاحظوا يرحمكم الله قوله: “إلا ان كان عاميا لا يفقه معنى التجسيم” قيد في ترك تكفير العامي الذي لا يفقه معنى كلمة جسم و يظن أن لها معنى آخر كالوجود مثلا.

وليس في كل مرة يسلم العامي من التكفير فقد قال الإمام السنوسي في شرحه لعقيدته الكبرى ما نصه: أما العامة فأكثرهم ممن لا يعتني بحضور مجالس العلماء ومخالطة أهل الخير، يتحقق منهم اعتقاد التجسيم والجهة وتأثير الطبيعة، وكون فعل الله لغرض، وكون كلامه جل وعلا حرفاً وصوتاً، ومرة يتكلم ومرة يسكت كسائر البشر، ونحو ذلك من اعتقادات أهل الباطل، وبعض اعتقاداتهم أجمع العلماء على كفر معتقديها. انتهى

ولله در ابن عرفة حيث أنكر في كتابه الشامل في علم الكلام على من نسب القول بالجهة إلى بعض العلماء وعده كفرا فقال: ” نقل عياض في آخر كتاب الصلاة من “الإكمال” ما نصه: الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى “ءامنتم من في السماء” أولها من قال باثبات الجهة فوق له تعالى, من غير تحديد و لا تكييف من دهماء المحدثين و الفقهاء و بعض المتكلمين من الأشعريين و المشبهة بمعنى “على”. فعزا ما جعله الإمام ملزوما للكفر إلى من ذكر من الأشعرية و غيرهم, ما أدري على من اعتمد في نقله هذا. و قد اغتر بعض الجهلة ممن يرى يدا لنفسه مشاركة في العلوم في قوله بالجهة لله تعالى. انتهى

أما اليوم فقد كثُر هؤلاء الجهلة ممن يرون لأنفسهم أيادي مُشاركة في العلوم فصاروا يعتذرون للعوام و لمن ينتسب للمشيخة من القائليين بالجهة في حق الله.

وفيما يلي ذكر بعض العلماء الذين ردوا على العز بن عبد السلام:
أ- الإمام البلقيني: قال الرملي في حاشيته 1/ 219 ما نصه: وقال ابن عبد السلام في القواعد : إنه الأصح (أي ترك تكفير الجهوي) بناء على أن لازم المذهب ليس بمذهب (الرملي) وكتب أيضا. قال البلقيني الصحيح , أو الصواب خلاف ما قال. انتهى

والبلقيني رحمه الله كان من أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي. قال عنه الزبيدي في تاج العروس عند شرحه لكلمة “بلقن” ما نصه: منها علامة الدنيا صاحبنا سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان (أي البلقيني)

ب- الشيخ صالح بن مهدي المقبلي: نقل الإمام محمد زاهد الكوثري في مقالاته صحيفة 261 ما نصه: “نعم يعد ابن عبد السلام في قواعده الكبرى العامي معذورا في الكلمة الموهمة لكن ناقشه المقبلي “. انتهى
وقال في الصحيفة 267 ما نصه: ” وإن العز بن عبد السلام يعذر –في قواعده- من بدرت منه كلمة موهمة لكنه يريد بذلك العامي الذي تخفى عليه مدلولات الألفاظ، وتعلو على مداركه دقائق علم أصول الدين، ويتهيب الولوج في هذه المضايق، لا من ألّف وقام يدعو الناس إلى عقيدة التجسيم بهذه الصراحة، فيجب إلزامه مقتضى كلامه بدون توقف,بل يقول القرطبي المفسر في التذكار إن المجسم عابد صنم. و المقبلي يرد على ابن عبد السلام رأيه و يقول إنه رأي منه لا دليل عليه و ليس أحد يعذر فيما يوجب الكفر”. انتهى

ج- الشيخ الأصولي الحافظ عبد الله الهرري، حيث اعتبر أن ذلك مما دُس عليه. لكن أنكر عليه الشيخ سعيد فودة وقال: “فكيف تجرأ هذا المتجرئ على ادعاء الدسِّ هكذا بلا برهان ولا بينة” وعقب على ذلك بقوله: ” وإن هذا الفعل يفتح باب التشكيك في كتب الإسلام على سبيل العموم” وزعم أن كلام العز قرأه كبار العلماء ومنهم تلامذته والقريبون من زمانه كالقرافي”. انتهى

وما قاله الهرري له حظ من النظر، فهو رحمه الله اعتبر تلك المقالة مما دُس على سلطان العلماء لأنه مناقض لما قاله في بعض كتبه من اكفار للمجسم. وإلا فقد نُسب لابن عبّاس و ابن الجوزيّ و الزّبيديّ وغيرهم مُؤلّفات ليست من تصانيفهم، ودُس على الغزالي في كتبه كما ذكر ذلك السكوني، ودُس على الأشعري كما ذكره الكوثري، ودُس على ابن العربي أيضا كما بينه الشعراني؟

أليس ثبت أن المجسمة أرادوا للعز بن عبد السلام الشر في حياته و كادوا له عند السلطان، فماذا سيثنيهم للدس عليه بعد مماته انتقاما منه ولاظهار موافقته لمعتقدهم الفاسد خاصة و قد ذاع صيته في الآفاق؟

وبعد كل هذا نقول: إن ادعاء الدس أهون من الدس نفسه و تحريف كلام العلماء. فقد علق سعيد فودة على كتاب “أَجــْوبــــَـةُ إمـَـــامِ الـحَــرَمَيـــــنِ الـجُــوَيـــْنـِــيّ على أَسئـلــةِ. الإمــَامِ عَــبــْدِ الـحَــقِّ الصّــقِـلّـي ” الذي اعتنى بضبط نصه “جلال علي الجهاني”. وصدرا الكتاب بعنوان عجيب وهو قولهم:” اثبات سمة العارفين لمن قال ان الله تعالى جسم لا كالأجسام”.
بينما العنوان المطبوع في المعيار المعرب جزء 11 صحيفة 231 نصه كالتالي: “اعتقاد البعض ان الله عظيم كالاجسام العظيمة”.
وهذه مغالطة كبيرة، حيث كان العنوان مناقضا تماما لمضمون كلام إمام الحرمين.

د- النووي و ابن أبي جمرة المالكي: تعقب النووي وابن أبي جمرة كلام العز بن عبد السلام و قيدا كلامه و ضبطا قيود المسألة على وفق قواعد الشرع. فقد قال الشيخ إبراهيم اللقاني: “فائدة: قال عز الدين ابن عبد السلام: معتقد الجهة لا يكفر. وقيده النووي بكونه من العامة، وابن أبي جمرة بعسر فهمهم نفيها، والله أعلم”. انتهى

ومعنى قول اللقاني:”قيده” أي ما تركه على اطلاقه. و مراد النووي بالعامي هنا الذي لا يفهم المعنى من الكلمة التي تلفظ بها . قال أهل الحق: من لم يعلم معنى الجهة في اللغة و الشرع لعُجْمَةٍ في لسانه أو شدةِ جهل بلغة العرب و بمدلولات العبارات فظن أن معناها العظمة و اعتقد أنه إذا قال إن الله في جهة فوق كان معنى ذلك أنه أعلى من كل شىءٍ قدراً، و لم يرد بذلك المكان و لا الحيّزَ، و لا عرف أنّ هذا ما يعنيه لفظه فلا يُكفَّر، و لكنّه يُزجر عن هذا الكلام و يُمنع منه و يُنهى عنه أشدّ النهي فإنه لا يجوز وصف الله الا بما وصف به نفسه سبحانه أي إلا بما ثبتتْ نسبته إليه سبحانه قرءانا او سنّةً او إجماعاً، ووظيفة الجاهل التعلّم لا التصدّر للتكلم.

فالنووي رحمه الله لما علم من مراد العز بن عبد السلام تركه تكفير من أطلق لفظ الجهة في حق الله وهو غير فاهم لمعناها قيد كلامه بكونه من العامة. و يؤكد ذلك ما قاله العز في قواعد الأحكام (2/102): “فصل فيمن نطق لفظا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه: فإذا نطق الأعجمي بكلمة كفر أو أيمان أو طلاق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشئ من ذلك, لأنه لم يلتزم مقتضاه و لم يقصد إليه, وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشئ من ذلك لأنه لم يرده. انتهى

فعند الإمام النووي: غير العامي ممن له إحاطة بمعاني الألفاظ إذا أطلق كلمة الجهة الحسية في حق الله يكفر لأن الجهة تفيد المكان و الحيز.

أما ابن أبي جمرة فقد جعل مراد العز بن عبد السلام متعلقا ببعض العبارات الموهمة للجهة كقول العامي “الله فوق العرش” أو “على العرش” أو “ربي فوق” وقصده بذلك فوقية قهر و استعلاء. فالعامي يعسر عليه نفي معاني هذه الألفاظ عن الله وان كان ظاهرها يوهم الجهة لأنه جازم بأن ما قاله موافق لظواهر النصوص وأن ما يعتقده هو نفي التشبيه و التحيز عن الله, لذلك عبر الإمام ابن أبي جمرة عن هذا القيد بقوله ” بعسر فهمهم نفيها”. وإلا فلا معنى لقول اللقاني: “قيده”.

والشيخ ابن أبي جمرة الأندلسي كان من كبار المالكية توفي سنة 599هـجري، كان فقيهاً حافظاَ من العارفين بأحكام المذهب المالكي، وقد قال في كتابه بهجة النفوس وتحليها بمعرفة مالها وما عليها – شرح مختصر البخاري- في شرح الحديث الثالث صفحة 35 من الجزء الاول بعد ذكره للمبتدعة وذكر القدرية والجبرية، ما نصه: “ومنهم المجسمة لأنهم يقولون بالجسم والحلول ومعتقد هذا لايصح منه الايمان بعموم اللفظ المذكور في الحديث لانه لا يصح الايمان بمقتضى لفظ الحديث حتى يصح الايمان به عز وجل بمقتضى ما اخبر به عن نفسه حيث يقول {ليس كمثله شئ} وشئ يطلق على القليل والكثير وعلى كل الاشياء فمن خصص هذا العموم وهو قوله {ليس كمثله شئ} لم يصح منه الايمان بعموم لفظ الحديث وان ادعاه لان من لا يعرف معبوده كيف يصح له الايمان به وذلك محال”. انتهى

وبهذه القيود الدقيقة ينبغي أيضا فهم ما قاله الشيخ ابراهيم اللقاني المتوفى سنة 1041 هجري في تقريب البعيد، في معرض كلامه عن التقليد الرديء، و نص عبارته: “والتقليد الرديء منه ما هو مختلف في كفر صاحبه، كتقليد عامة المعتزلة والمرجئة والمجسمة لقدمائهم فيما أتوا به من آراء عقدية منافية لحقائق الأمور، والأرجح عدم كفرهم لمخالفتهم في أمور نظرية ليست معلومة من الدين بالضرورة، تحتاج إلى أنظار دقيقة في بعض الأحيان، وإن بدت إلى البعض أنها من حكم الضروري، ولقد أحسن العز بن عبد السلام حين أفتى بعدم تكفير ملتزم الجهة على الله تعالى”. انتهى

فكلام الشيخ ابراهيم اللقاني هنا يتعلق ببعض عوام الناس المنتسبين للفرق الضالة كالمعتزلة والمجسمة، لا اطلاق الحكم على الدعاة منهم لبدعهم.
وهؤلاء الصنف من العوام هم الذين اختلف علماء أهل السنة في كفرهم، وقد رجح الشيخ اللقاني عدم كفرهم تبعا للعز بن عبد السلام، لعدم فهمهم معاني ما يطلقونه من ألفاظ يلزم منها نسبة الجهة في حق الله، كقول بعضهم مثلا: ” الله في السماء”، فاذا تمت مراجعتهم في مقالاتهم، أنكروا نسبة التحيز في حق الله، وأنكروا ان يكون محصورا أو محمولا، وهذه من المسائل التي تحتاج إلى أنظار دقيقة.

وهذا هو اللُبس الذي وقع فيه بعض الناس فتاهوا في هذه المسألة فلم يعرفوا الفارق بين من ينطق بلفظ “الجسم” أو “جهة فوق” وهو فاهم لمعناها و بين من ينطق بها وهو لا يفهم المعنى أو يظن أن هذين اللفظين تردان في لسان العرب بمعنيين, أحدهما المعنى الكفري الفاسد و الآخر المعنى الذي يوافق العقيدة السليمة. فصاروا يطلقون القول بإيمان كل من نسب الجهة الحسية لله .

فهؤلاء الذين تلقفوا كلام العز بن عبد السلام و جردوه من قيوده ضلوا وأضلوا غيرهم و حكموا باسلام من نسب الجهة الحسية لله ولم يفرقوا بين العامي الذي لا يفهم ما يتلفظ به و بين رؤوس المجسمة الذين ينسبون عن اختيار الجهة لله.

هـ- الأمير الصنعاني: عقب على الكلام الذي يُنسب للعز بن عبد السلام فقال في كتابه ” إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة ” تحقيق محمد صبحي بن حسن حلاق دار ابن حزم ط 1 لعام 1999 – 1420 ص ” 87 إلى 91 ما نصه :” ذكر هذا الدليل -أي تحقيق نفي الجسمية أو تجويزها على الله من قوم موسى الذين عبدوا العجل – ابن عبد السلام في قواعده ، و تابعه -أي تعقبه- العلامة المقبلي فنقله في مؤلفاته حتى نقله في المنار (1/ 68-69) في بحث الشك ، و كنا نراه كلاما حسنا برهة من الدهر – أي كلام ابن عبد السلام- ثم ظهر لنا اختلاله فانه يقال عليه:العجل قد خالف الذات الشريفة في كل صفة من صفات الجسمية و في كل صفة من الصفات العلية بل شاهده بنو اسرائيل يُصنع من حلي القبط و علموه محدثا صنعه السامري جسما محدثا لا يعلم غيبا و لا شهادة و لا يملك ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا و بالجملة علموه على خلاف ما عليه الرب تعالى في كل صفة وقد كانوا مسلمين قبل ذلك, فان كانوا حال اسلامهم جاهلين كونه تعالى غير محدث كما كانوا جاهلين كونه غير جسم و جاهلين كونه على كل شئ قدير و جاهلين كونه عالم الغيب و الشهادة و جاهلين كونه المالك لكل نفع وضر فأي اسلام عندهم و اي رب عرفوه و آمنوا به ؟….” إلى آخره.

وفي الأخير نقول من يصمُّ أذنه عن سماع الحقيقة و يجتزئ ما يوافق هوى نفسه لا ينفع معه ألف دليل.

رد شبهات عن العز بن عبد السلام في ترك اكفار المجسم

– الجزء الثاني –

الشبهة الأولى:

راجع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/TTQHJkgcyAhGaycV/?mibextid=xfxF2i

الشبهة الثانية:

يستشهد بعض أدعياء العلم بكلام منسوب للعزّ ابن عبد السّلام ونصه:” مَن كذب على الله من أهل القِبْلة معتقدًا أنه متصفٌ بما اعتقَدَهُ لم يكفر بذلك على الأصح؛ لأنه غير مستهزئ ولا مستهين، بل هو معتقِدٌ أنه موقّـِرٌ معَظـِّـمٌ.” انتهـى.

وجواب ذلك أن ما أورده العزّ بن عبد السلام ـ إن صحّ نسبة الكلام إليه ـ ليس على إطلاقه بل مقيد بحسب حال الشّخص و حال اللفظ الذي أطلقه على الله، وفهمه للعبارة.

قال العز في قواعد الأحكام (2/102): “فصل فيمن نطق لفظا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه: فإذا نطق الأعجمي بكلمة كفر أو أيمان أو طلاق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشئ من ذلك, لأنه لم يلتزم مقتضاه و لم يقصد إليه, وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشئ من ذلك لأنه لم يرده. انتهى

و قال العز في فتاويه في الصحيفة 103بتحقيق مصطفى عاشور ما نصه: “ولا يجزئ الظن فيما يجب اعتقاده؛ لان الظان مجوز للنقص على الله بخلاف المعتقد، فإنه غير مجوز لنقيض اعتقاده”. انتهى

فإذا كان الظن لا يجزأ فيما يجب اعتقاده لأن فيه تجويز للنقص على الله فكيف بالذي يكذب؟

ونُذكر هؤلاء بما قاله العز بن عبد السلام في قواعده ج2/ص402: “لا يجوز إيرادُ الإشكالات القوية بمحضر من العامة؛ لأنه تسبُّبٌ إلى إضلالهم وتشكيكهم، وكذلك لا يتفوّه بالعلوم الدقيقة عند من يَقْصُر فَهْمُه عنها، فيؤدي ذلك إلى ضلالته، وما كل سرٍّ يذاعُ، ولا كل خبر يشاعُ”. انتهى

و هؤلاء المتصدرين للمشيخة قد أضلوا كثيرا من الناس و حرفوا كلام سلطان العلماء، والله حسيب من يحرف دينه.

الشبهة الثالثة:

قال عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام:”الشّرعُ إنما عفا عن المجسِّمة لغلبة التجسيم على الناس، وأنهم لا يفهمون موجودًا في غير جهة”. انتهى

والرد على هذه الشبهة بأن يقال: هذا مما دُس عليه لا شك و مناقض لما قاله من اكفار للمجسمة كما في كتابه مقاصد الصلاة صحيفة 21.

ثم كيف يصح نسبة هذا الكلام لسلطان العلماء و هو الذي قال: “فأصول الدين ليس فيها مذاهب، فإن الأصل واحد، والخلاف في الفروع، ومثل هذا الكلام مما اعتمدتم فيه قول من لا يجوز أن يعتمد قوله”. نقله التاج السبكي في طبقاته عند ترجمته للعز بن عبد السلام.

و لا حجة لأحد في التهوين من أمر التجسيم بهذا النقل فقد قال الكوثري في كتابه ” نظرة عابرة على من ينكر نزول عيسى عليه السلام قبل الآخرة ما نصه: “على أن ابن عبد السلام له شطحات تسربت إليه من مطالعة بعض كتب ابن حزم التي أتى بها محي الدين بن عربي إلى الشام, فلا تزيد تلك الشطحات على أن تكون وهلة منه, فلا يصح اتخاذها حُجة, بل نرجو الله سبحانه أن يسامحه عليها”. انتهى

فالكوثري هنا كلامه شديد في العز بن عبد السلام كما لا يخفى، فإما أن العز قال ذلك فعلا أول أمره ثم تراجع عنه، و إما أنه مدسوس عليه كما سبق بيانه.

بل قال الكوثري في مقالات صحيفة 267 في الرد على ابن عبد السلام ما نصه: “بل يقول القرطبي المفسر في التذكار إن المجسم عابد صنم. و المقبلي يرد على ابن عبد السلام رأيه و يقول إنه رأي منه لا دليل عليه و ليس أحد يعذر فيما يوجب الكفر”. انتهى

ونص عبارة الشيخ صالح بن مهدي المقبلي المتوفى سنة 1108 هجري كما في كتابه “العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء و المشائخ”: “قال ابن عبد السلام أن الله عفا عن المجسمة اعتقاد التجسيم لغلبة الطباع, لا يكاد يخرج عن طبع موجود لا داخل العالم و لا خارجه ونحو ذلك مما استقل به العقل قال ولذا لو اعتقدوا ما ليس كذلك مثل الحلول لم يُعف , واستدل على العفو بمعاملة السلف و ما قال مع الإنصاف ليس بأبعد مما قالوا خلا أنه بتً القول بأن الله عفا وهم بنوا القول بأن ذلك حرام بل كفر”.

إلى أن قال: “و أما العفو فليس للازم من معاملتهم التي هي حكم شرعي لزوم حكم آخر هو إيمانهم حقا مع ما قد اقتحموا و قالوا على الله ما لا يعلمون لأنه ليس كلامنا في الساكت بل في المجسم الذي جرى على ظاهر الآيات و الأحاديث. انتهى

ثم كيف يُقال أن الشرع عفا عن المجسمة و الرسول صلى الله عليه و سلم جاء لابطال عقائد أهل الجاهلية الذين كانوا يعبدون أجساما وهي الأصنام التي كانوا يصنعونها ولم يعتذر لهم لأجل ذلك, بل حاربهم و حكم بكفرهم. وحتى أولئك الذين كانوا يعبدون أجراما سماوية تختص بجهة فوق كذلك النجم الذي يسمونه “الشعرى” ما اعتذر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل حكم بكفرهم و دعاهم لعبادة الله الذي ليس كمثله شئ.

قال الإمام سراج الدين ابن الملقن المتوفى سنة 804هـجري في شرحه على صحيح البخاري: قد تقرّر في نفوس البشر أنه لا يجوزُ التجسيم على البارئ تعالى. كما في التوضيح، جزء 32، صحيفة 114.

وقال الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله في القبس شرح الموطأ 1 / 288 – 289): “إن الله سبحانه منزه عن الحركة والانتقال لأنه لا يحويه مكان كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل حيزاً كما لا يدنو إلى شيء بمسافة ولا يغيب بعلمه عن شيء، متقدس الذات عن الآفات منزه عن التغير والاستحالات، إله في الأرض إله في السماوات. وهذه عقيدة مستقرة في القلوب ثابتة بواضح الدليل” انتهـى

وقال الصنعاني في ايقاظ الفكرة صحيفة 98 ما نصه: وأقول: لا شك في أن الجهة محدثة, وأن البارئ تعالى قد كان و لا مكان, وقد وسع المؤمن الإيمان بذلك, كما وسع أنه تعالى كان و لا زمان, و جاء أنه لا تصحبه الأوقات, فما الذي ينقله عن ذلك. وقد أقر عقله القاصر بأن الله تعالى كان موجودا و لا جهة, بل واجب إيمانه بذلك, فكيف تنقله الظواهر عن اليقين الذي أذعن له عقله؟. انتهى

و قد أوضح الشيخ عبد الحميد ابن باديس المالكي أن الرسول صلى الله عليه و سلم جاء بعقيدة التنزيه ودعى الناس إليها و أن الشرع لم يعف عن المجسمة. ونص عبارته: وكان من سبيل محمد – صلى الله عليه وآله وسلّم – أنّه يدعو الخلق إلى الله وينـزّهه عن كل ما نسبه إليه الـمُبطلون وتَخيّله الـمُتخيَّلون، وهو معنى قوله “وَ سُبْحَانَ اللهِ “. فهو يدعوهم إلى الله الذي عرفوا وجوده بفطرتِهم و عرفوا أنّه هو خالق الكون وخالقهم، لا يسمِّيه إلا بِما سَمَّى به نفسه، ولا يَصفه إلا بِما وصف به نفسه، و يعرِّفهم بآثار قدرته ومواقع رحمته ومظاهر حكمته وآيات ربوبيَّته وألوهيَّته ووحدانيَّته في جلاله وسلطانه وينـزّهه عن الـمُشابَهة والـمُماثلة لشيءٍ من مَـخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله. و هذا التنـزيه وإن كان داخلا في الدّعوة إلى الله, فإنّه خُصِّص بالذِّكر لعظم شأنه، فإنّه ما عرف الله من شبَّهَه بِخلقه أو نسب إليه ما لا يليق بِجلاله أو أشرك به سواه. و إنّ ضلال أكثر الخلق جاءهم من هذه النّاحية، فمن أعظم وجوه الدَّعوة وألزمها تنـزيه الله – تعالى – عن الشَّبيه والشَّريك وكلّ ما لا يليق. والـمُسلمون الـمُتَّبعون لنبيِّهم ـ صلى الله عليه و سلّم ـ في الدّعوة إلى الله على بصيرة متَّبعون له في هذا التنـزيه عقداً وقولاً وعملاً وإعلاناً ودعوة. انتهى

انظر كتاب “ابن باديس حياته وآثاره”، جمع و دراسة عمّار طالبي، الجزء الأوّل صفحة 178ـ179، طبعة دار الغرب الإسلامي.

ثم ليتأمل هؤلاء ما قاله العز بن عبد السلام في قواعده: الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُلُوبِ أَنْوَاعٌ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ : مَعْرِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا يَجِبُ لَهَا مِنْ الْأَزَلِيَّةِ وَالْأَبَدِيَّةِ وَالْأَحْدِيَةِ وَانْتِفَاءِ الْجَوْهَرِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ. انتهى

إلى أن قال: النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: اعْتِقَادُ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْعِلْمِ بتفصيل الدليل فِي حَقِّ الْخَاصَّةِ . انتهى

فالعز بن عبد السلام جعل اعتقاد جميع ما ذكره من الأنواع بما فيه من التنزيه عن الجسمية نوعا من انواع الحقوق الواجبة لله تبارك و تعالى على جميع العباد .ثُمَّ أفاد أنَّ المسامحة في ذلك الشأن في حقّ العوامّ بشرط السلامة من الخوض في المتشابه وبشرط السلامة من إثبات لوازم الجسم التي لا يجوز للعوام خوض مزالقها. فمن غادر شواطئ التنزيه و تقحم الخوض في المتشابه و أثبت الصورة و الثقل و القعود و نحوها من لوازم الجسم فليس لهُ في دين الله عذراً .

فالعاقل المنصف بعد أن لاحظ كل هذا التناقض في كلام العز بن عبد السلام وردود العلماء عليه وتعقب مقالاته, يجزم بلا تردد أن ذلك لا يليق بعالم لُقب بسلطان العلماء، و لا يبعد أن يكون من قبيل الدس عليه

الشبهة الرابعة:

قال العز بن عبد السلام في قواعده 1/202 : “فإن قيل : يلزم من الاختلاف في كونه سبحانه ” وتعالى ” في جهة كونه حادثا قلنا : لازم المذهب ليس بمذهب , لأن المجسمة جازمون بأنه في جهة وجازمون بأنه قديم أزلي ليس بمحدث ” انتهـى

وهذا الكلام هو بخلاف كلام أئمة الاسلام وهو مجانب للصواب لذلك نجزم بأنه مدسوس أيضا على العز بن عبد السلام. كيف يصح نسبة هذا الكلام لسلطان العلماء وقد قال:” “فأصول الدين ليس فيها مذاهب، فإن الأصل واحد، والخلاف في الفروع، ومثل هذا الكلام مما اعتمدتم فيه قول من لا يجوز أن يعتمد قوله”. نقله التاج السبكي في طبقاته عند ترجمته للعز بن عبد السلام.

فلازِمَ المَذهَب ليس بمذهَب في اللازم الخفي وليس في اللازم الظاهر و البَيِّن.

قال الشيخ حسن العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/426) ما نصه: «لازِمَ المَذهَب لا يُعَدُّ مَذهَبا إلا أَن يكونَ لازما بَيِّنا فَإِنَّهُ يُعَدُّ» انتهـى. وقال في موضع آخر: «(مهمّتان) الأولى: قولهم لازم المذهب ليس بمذهب، مقيّد بما إذا لم يكن لازما بينا. انتهـى

وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعقيبه على قول السبكي في كتاب السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل (ص/33) : «وهذا يستوجب القول بقدم العالم» ، بقوله: « وما يقال من أن لازم المذهب ليس بمذهب إنما هو فيما إذا كان اللزوم غير بيّن، فاللازم البيّن لمذهب العاقل مذهب له، وأما من يقول بملزوم مع نفيه للازمه البيّن فلا يعد هذا اللازم مذهبا له، لكن يسقطه هذا النفي من مرتبة العقلاء إلى درك الأنعام، وهذا هو التحقيق في لازم المذهب، فيدور أمر القائل بما يستلزم الكفر لزوما بيّنا بين أن يكون كافرا أو حمارا”.انتهـى

وقال الحافظ السيوطي في الإتقان ما نصه :”وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ : كُلُّ صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُفَسَّرُ بِلَازِمِهَا”. انتهى

وقد أبطل ابن عرفة المالكي التونسي في كتابه الشامل في علم الكلام ما ذهب إليه العز بن عبد السلام فقال ما نصه: ” تأمل ما تقدم من جعل “الإرشاد” القول بالجهة ملزوما للكفر. انتهى

و قال الشيخ الزرقاني المالكي في كتاب ” مناهل العرفان ” عند قوله تعالى “ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات” ما نصه: وليت شعري إذا لم نؤوله بعلو مرتبة الربوبية فماذا نريد منه وهل بقي بعد ذلك شيء غير العلو الحسي الذي يستلزم الجهة والتحيز ولا يمكن نفي ذلك اللازم عنه متى أردنا العلو الحسي فإن نفي التحيز عن العلو الحسي غير معقول ولا معنى للاستلزام إلا هذا”.

ثم قال: “والمتتبع لكلامهم يجد فيه العبارات الصريحة في إثبات الجهة لله تعالى وقد كفر العراقي وغيره مثبت الجهة لله تعالى وهو واضح لأن معتقد الجهة لا يمكنه إلا أن يعتقد التحيز والجسمية ولا يتأتى غير هذا فإن سمعت منهم سوى ذلك فهو قول متناقض وكلامهم لا معنى له”. انتهى

وقال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث (حديث النزول) وشبهه من أحاديث الصفات وآياتها، مذهبان مشهوران فمذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين الإيمان بحقيقتها على ما يليق به تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا نتكلم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيه الله سبحانه عن سائر سمات الحدوث، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي إنما يتأول على ما يليق بها بحسب بواطنها، فعليه الخبر مؤول بتأويلين أي المذكورين وبكلامه وبكلام الشيخ الرباني أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أئمتنا وغيرهم، يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر كالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان، تستلزم أشياء يحكم بكفرها بالإجماع، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ”. انتهى

روابط ذات علاقة:

ذكر 28 اجماعا في الحكم بكفر المجسمة

https://www.facebook.com/share/bHMSSG6ZqKutVYTA/?mibextid=xfxF2i

اللازم البين واللازم الخفي

https://www.facebook.com/share/PQTcGPguZwxonk7V/?mibextid=xfxF2i

اكفار المجسمة باللزوم

https://www.facebook.com/share/codq8psGFTjXPBre/?mibextid=xfxF2i

حكم من ينسب لله الحرف والصوت

https://www.facebook.com/share/6cygiJbYEqu3CJB2/?mibextid=xfxF2i

التحذير من ترك اكفار المجسم

https://www.facebook.com/share/kQUXu388paLyjECB/?mibextid=xfxF2i

حكم المجسمة عند الأشعري

https://www.facebook.com/share/p/fidiHKpQ6dWTKohn/?mibextid=xfxF2i

بيان وقوع الدس والتحريف في كتاب الامام الباقلاني

https://www.facebook.com/share/p/v5WiEpuRkATkAmXM/?mibextid=xfxF2i

مقالات العز بن عبد السلام في المجسم والجهوي

https://www.facebook.com/share/JrHxipFRnMNiiCrn/?mibextid=xfxF2i

عضد الدين الايجي

https://www.facebook.com/share/p/k4TxHFrwWFTiR5CP/

اكفار عبد الكريم القشيري للمجسمة

https://www.facebook.com/share/bV5FR56D2DN3f2W1/

مقالات علماء تونس في حكم المجسم والجهوي

https://www.facebook.com/share/B6w5JgU6iN5QnmNx/?mibextid=xfxF2i

https://lata2ef.blog/2025/03/22/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/

https://lata2ef.blog/2025/07/10/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b2%d8%a7%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d8%ab%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2-%d8%a8%d9%86/

https://lata2ef.blog/2025/07/20/%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%a8%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%82-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%91-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84/