مكانة الفخر الرازي في علم الحديث وموقف الذهبي منه
لقد كان للإمام فخر الدين الرازي اطّلاع واسع على علم الحديث ومصطلحاته، ويظهر ذلك جليًّا من خلال تعامله مع النصوص الحديثية، ومناقشته العلل، وتصنيفه في المسائل المتعلّقة بحجية الخبر.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1Bvh5j8vYb/
كما تميّز بتعمق ملحوظ في أشهر المصادر الحديثية، مما يعكس خلفيته الراسخة في هذا المجال.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1CAJS5ajfP/
وقد ثبت أن له أسانيد متصلة في علم الحديث، مما يعزّز مكانته في ميدان الرواية.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1M86g8TgP9/
ورغم ذلك، فإن اشتغال الرازي بعلم الكلام وأصول الفقه والتفسير، جعله مُقلاً في مجال الرواية المباشرة، لا تقصيراً، بل لانشغاله بفنون علمية أخرى. إلا أن هذا الإقلال لم يسلم من الطعن؛ فقد انتقده شمس الدين الذهبي في “ميزان الاعتدال”، وهو كتاب وضعه لذكر الرواة الذين طُعن فيهم، فعُدّ إدراج الرازي فيه من مظان الضعف.
غير أن هذا الإدراج كان محلّ إنكار شديد من تاج الدين السبكي، الذي هاجم بشدة صنيع الذهبي، معتبراً إياه ضرباً من الهوى والتعصّب.
قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: “أتعجب من ذكره الإمام فخر الدين الرازي في كتاب الميزان في الضعفاء، وكذلك السيف الآمدي، وأقول: يالله العجب، هذان لا رواية لهما، ولا جرحهما أحد، ولا سمع من أحد أنه ضعفهما… ثم إنا لم نسمع أحداً يسمى الإمام فخر الدين بالفخر، بل إما الإمام، وإما ابن الخطيب… ثم حلف في آخر الكتاب أنه لم يتعمد فيه هوى نفسه، فأي هوى نفس أعظم من هذا؟ فإما أن يكون ورى فى يمينه أو استثنى غير الرواة فيقال له فلم ذكرت غيرهم وإما أن يكون اعتقد أن هذا ليس هوى نفس وإذا وصل إلى هذا الحد والعياذ بالله فهو مطبوع على قلبه”. انتهـى
واستطرد السبكي في بيان أن الحامل للذهبي على هذا المسلك كان كراهيته للرازي وأمثاله من أئمة الأشاعرة، متأثراً في ذلك بشيخه بابن تيمية الذي أفسد عقول الكثيرين، فقال:
“والحال فى حق شيخنا الذهبي أزيد مما وصف وهو شيخنا ومعلمنا غير أن الحق أحق أن يتبع وقد وصل من التعصب المفرط إلى حد يسخر منه . وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فإن غالبهم أشاعرة وهو إذا وقع بأشعري لا يبقى ولا يذر ، والذى أعتقده أنهم خصماؤه يوم القيامة عند من لعل أدناهم عنده أوجه منه، فالله المسئول أن يخفف عنه وأن يلهمهم العفو عنه وأن يشفعهم فيه .
والذى أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر فى كلامه وعدم اعتبار قوله ولم يكن يستجرى أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عليه.
وأما قول العلائي رحمه الله: دينه وورعه وتحريه فيما يقوله، فقد كنت أعتقد ذلك وأقول عند هذه الأشياء إنه ربما اعتقدها دينا ومنها أمور أقطع بأنه يعرف بأنها كذب وأقطع بأنه لا يختلقها وأقطع بأنه يحب وضعها في كتبه لتنتشر وأقطع بأنه يحب أن يعتقد سامعها صحتها بغضا للمتحدث فيه، وتنفيرا للناس عنه مع قلة معرفته بمدلولات الألفاظ ومع اعتقاده أن هذا مما يوجب نصر العقيدة التى يعتقدها هو حقا ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة غير أني لما أكثرت بعد موته النظر فى كلامه عند الاحتياج إلى النظر فيه توقفت فى تحريه فيما يقوله ولا أزيد على هذا غير الإحالة على كلامه فلينظر كلامه من شاء ثم يبصر هل الرجل متحر عند غضبه أو غير متحر وأعنى بغضبه وقت ترجمته لواحد من علماء المذاهب الثلاثة المشهورين من الحنفية والمالكية والشافعية. فإنى أعتقد أن الرجل كان إذا مد القلم لترجمة أحدهم غضب غضبا مفرطا ثم قرطم الكلام ومزقه وفعل من التعصب مالا يخفى على ذى بصيرة ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغى فربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق بها”. انتهى
وأما إدراج ابن حجر العسقلاني للرازي في لسان الميزان، فإنه لا يُعدّ حكماً مستقلاً منه، وإنما جاء تبعاً لما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، وهو الكتاب الذي اعتمد عليه ابن حجر في عمله، وأضاف إليه ووسّعه.



