أَبو الْعَبَّاسِ النَّهَاوَنْدِيّ المتوفى سنة 394 هجري
قال يوسف ابن عبد الهادي المشهور بابن المبرد في جمع الجيوش والدساكر ما نصه: ” وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَمْزَةَ، وَأَبَا عَلِيّ الْحَدَّادَ، يَقُولانِ: وَجَدْنَا أَبَا الْعَبَّاسِ النَّهَاوَنْدِيَّ عَلَى الإِنْكَارِ عَلَى أَهْلِ الْكَلامِ، وَتَكْفِيرِ الأَشْعَرِيَّةِ، وَذَكَرَ أَعْظَمَ شَأْنِهِ فِي الإِنْكَارِ عَلَى أَبِي الْفَوَارِسِ الْقرماسينِيِّ، وَهِجْرَانِهِ إِيَّاهُ لِحَرْف وَاحِد”. انتهى
ثم قال: “وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَمْزَةَ، يَقُولُ: لَمَّا اشْتَدَّ الْهِجْرَانُ بَيْنَ النَّهَاوَنْدِيِّ وَأَبِي الْفَوَارِسِ، سَأَلُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الدِّينَوَرِيَّ، فَقَالَ: لَقِيتُ أَلْفَ شَيْخ عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّهَاوَنْدِيُّ”. انتهى
والرد على هذه الشبهة أن يقال أن هذه القصة هي من افتراءات أبي اسماعيل الأنصاري الهروي حيث زعم أن أبا علي الحداد الذي ولد سنة 419 هجري قد التقى بأبي العباس النَّهَاوَنْدِيّ المتوفى سنة 394 هجري.
أما تاريخ ولادة أبي علي الحداد فقد ذكرها الذهبي في السير في الجزء 19 صحيفة 303.
و أما تاريخ وفاة النهاوندي فقد ذكرها أيضا الذهبي في تاريخ الاسلام تحت وفيات سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.
فيا فضيحة الهروي كيف يروج لهذه الأكاذيب و يا فضيحة ابن المبرد كيف يعد جيوشه ودساكره بمثل هذه النقول الزائفة.
و النهاوندي هو أبو العباس محمد بن الفضل بن النهاوندي وهو رجل نكرة مجهول الحال, ذكره الذهبي في تاريخ الأسلام في الجزء 27 صحيفة 299 وقال عنه: ” الزاهد العارف. ورخه السلمي، وقال: صحب جعفر الجليدي، له مجاهدة عظيمة وأحوال”. انتهى
أما ابن أبي الفوارس فهو أبو الفتح محمد بن أحمد بن فارس بن سهل ابن أبي الفوارس البغدادي. ترجم له أكثر من عالم و أثنوا عليه:
قال الذهبي في السير: الإمام الحافظ المحقق الرحال ، أبو الفتح ، محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن أبي الفوارس سهل ، البغدادي.
– قال الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هجري في تاريخ بغداد 1/352 ما نصه: “كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة , مشهور بالصلاح , وكتب الناس بانتخابه على الشيوخ وتخريجه”. انتهى
– وقال ابن ماكولا المتوفى سنة 475 هجري في الإكمال 7/91 عند ترجمة والد أبي الفتح: “وابناه علي وأبو الفتح محمد , ويعرف بابن أبي الفوارس من أهل المعرفة”. انتهى
وقال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 هجري في توضيح المشتبه 7/97 ما نصه: “كان حافظا متقنا مكثرا”. انتهى
وقال شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 744 هجري في طبقات علماء الحديث: “الحافظ الثقة”. انتهى
وقال ابن العماد المتوفى سنة 1089هـجري في شذرات الذهب 3/196 ما نصه: “الحافظ المصنف الثقة”. انتهى
و أما قول أَبي عَبْدِ اللَّهِ الدِّينَوَرِيَّ: ” لَقِيتُ أَلْفَ شَيْخ عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّهَاوَنْدِيُّ” معناه على رأيه الذي خالفه فيه أبو الفوارس، لا على التكفير المزعوم الذي افتراه الهروي.
الإمام ابن سريج المتوفى سنة 306 هجري
هو فقيه العراقيين الباز الأشهب أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج القاضي البغدادي الشافعي. ولد رحمه الله سنة 240 هجري.
و هو أحد شيوخ الإمام أبي الحسن الأشعري كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية 187/11 في معرض كلامه عن أبي الحسن الأشعري حيث قال: ” وتفقه بابن سريج ” ومما يؤيده ما نقله الفقيه أبن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة حيث قال: “قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله إمام أهل السنة سمعت الإمام أبا العباس بن سريج يقول خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية….”. انتهى
و قد كان ابن سريج رحمه الله يقول بتلقين الشهادة للميت كما في كتابه الودائع لمنصوص الشرائع خلافا للوهابية. وقد نقل في نفس الكتاب صيغة التشهد في الصلاة و فيها ” السلام عليك أيها النبي”.
جاء في كتاب جزء في أصول الدين المنسوب لابن سريج قوله: ” لانقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة , بل نقبلها بلا تأويل , ونؤمن بها بلا تمثيل , ونقول الآية والخبر صحيحان والإيمان بهما واجب , والقول بهم سنة , وابتغاء تأويلهما بدعة “انتهى
و هذا الكلام نقله الذهبي في العلو و ابن القيم في “اجتماع الجيوش” صحيفة 101 – طبعة العلمية- وقال ابن القيم بعده:”هذا آخر كلام أبي العباس بن سريج الذي حكاه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في أجوبته. ” انتهـى.
وقال قبله:”ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في جوابات المسائل التي سئل عنها بمكة فقال: الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وعلى كل حال وصلى الله على محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل، سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي، وتأدى حقيقته إلى من سلك مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بوجيز من القول واقتصار في الجواب. فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة وهو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج رحمه الله تعالى. وقد سئل عن مثل هذا السؤال فقال:….. انتهـى.
الرد: هذا الكلام المنسوب لابن سريج لا يصح عنه وبيان ذلك من طرق:
الأول: هذا الكلام ليس موجودا في أي كتاب من كتب ابن سريج. و الذي نقل هذه الحكاية عنه هو أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني الشافعي الذي ولد سنة 380 هجري أي بعد وفاة ابن سريج بأكثر من سبعين سنة. فسنده إليه منقطع.
الثاني: نقل الذهبي في كتابه “العلو” زيادة مهمة لم يذكرها ابن القيم: وهي قوله:” قال الإمام أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني رضي الله عنه فقال: الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وعلى كل حال وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي وتأدى حقيقته إلى من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والمنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي المرسل بوجيز من القول واختصار في الجواب, فاستخرت الله تعالى وأجبت بجواب الفقيه أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج وقد سئل عن هذا، ذكره أبو سعد عبد الواحد بن محمد الفقيه قال سمعت بعض شيوخنا يقول سئل ابن سريج رحمه الله عن صفات الله تعالى فقال ..”انتهـى.
وهذه الزيادة التي عند الذهبي تدل على أن الزنجاني لا يحتفظ بكتاب لابن سريج وإنما يعرف جوابا لفقيه اسمه عبد الواحد بن محمد ويكنى أبا سعد. وهذا الرجل أجاب من نفسه بجواب زعم أنه سمع بعض شيوخه ينقلون مثله عن ابن سريج.
و عبد الواحد هذا رجل مجهول الحال.
قال وليد بن محمد بن عبد الله العلي محقق كتاب جزء في أصول الدين لابن سريج – طبعة دار البشائر الاسلامية, بيروت – في حاشية الصحيفة 45: ” لم أقف له على ترجمة”. انتهى
و كذلك شيوخه لم يذكر أسماءهم و بالتالي فالسند فيه مجاهيل.
وقد شكك الذهبي في ثبوت هذه الرسالة في كتاب العرش فقال: “لكن في النفس شيء من عزو الفتيا التي ذكرها إلى ابن سريج، فإني لا أرى عليها لوائح صحة الإسناد والله أعلم، على أنني أجزم أن ابن سريج لم يكن يخالف تيك الأصول”.انتهى.
ثم تجده في كتاب العلو ينقل منها دون تشكيك.
ثالثا: السند المذكور في النسخة الخطية المسماة جزء في أصول الدين لابن سريج – الموجودة في مكتبة علي باشا باسطنبول – التي نسخها يوسف بن محمد بن يوسف الهكاري جاء فيها ما نصه: “أخبرنا الشيخ الصالح أبو علي الحسن بن عمر بن أبي بكر بن زكريا قال: حدثنا الشيخ الإمام العالم محمد بن الحسين بن القاسم الصوفي التكريتي بروايته عن الشريف الإمام النقيب فخر الشرف جمال الدين أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي أبو الوفا قال: أخبرنا الشيخ الإمام الفقيه أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني رضي الله عنه فقال: الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وعلى كل حال وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل سألت أيدك الله تعالى بتوفيقه بيان ما صح لدي وتأدى حقيقته إلى من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والمنقولة بالطرق الصحيحة برواية الثقات الأثبات عن النبي المرسل بوجيز من القول واختصار في الجواب فاستخرت الله تعالى وأجبت عنه بجواب بعض أئمة الفقهاء وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج وقد سئل عن مثل هذا السؤال, ذكر الفقيه أبو سعد عبد الواحد بن محمد قال: سمعت بعض شيوخنا من المتحققين بلزوم الأثر وما درج عليه الصدر الأول يقول: سئل ابن سريج عن صفات الله وتوحيده فقال:……….”ثم ذكر الجواب.
وختم الجزء بقوله: “آخر كلام أبي العباس بن سريج رضي الله عنه. تم بحمد الله ومنه وصلواته على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأزواجه وسلم. نقله العبد الفقير إلى الله تعالى: يوسف بن محمد بن يوسف الهكاري . قرأ علي هذا الجزء من كلام أبي العباس بن سريج الفقيه الإمام العالم مجد الدين عيسى بن أبي بكر بن محمد نفعه الله بالعلم وزينه بالحلم بمنه وكرمه”.انتهى.
وهذا السند فيه مجاهيل أيضا.
– الأول:الشيخ الصالح أبو علي الحسن بن عمر بن أبي بكر بن زكريا.
– الثاني: محمد بن الحسين بن القاسم الصوفي التكريتي.
قال وليد بن محمد بن عبد الله العلي محقق كتاب جزء في أصول الدين لابن سريج – طبعة دار البشائر الاسلامية, بيروت – في حاشية الصحيفة 45: “لم أقف لهم على ترجمة”. انتهى.
– الثالث: أبو سعد عبد الواحد بن محمد: قال محقق الكتاب في حاشية الصحيفة 45: “لم أقف له على ترجمة”. انتهى
و بالاضافة إلى ذلك فإن قوله:”ذكر الفقيه أبو سعد عبد الواحد بن محمد قال: سمعت بعض شيوخنا من المتحققين بلزوم الأثر وما درج عليه الصدر الأول “، في النص على أنه ينقل عن شيوخه دون ذكر أسمائهم, فهم في عداد المجاهيل. وبالتالي فإن نسبة هذا الكلام لابن سريج بهذا السند لا يثبت عنه قطعا.
وحتى الذي سمع منه الهكاري الجزء المنسوب لأبي العباس بن سريج هو رجل مجهول واسمه مجد الدين عيسى بن أبي بكر بن محمد .قال وليد بن محمد بن عبد الله العلي محقق كتاب جزء في أصول الدين لابن سريج في حاشية الصحيفة 46: “لم أقف له على ترجمة”. انتهى
رابعا: توفي ابن سريج سنة 306 هجري كما في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4 /290، وقيل سنة 305 كما في الفهرست، وقيل سنة 303 كما في سير أعلام النبلاء للذهبي. وأما أبو الحسن الأشعري رحمه الله فقد ولد سنة 260 هـجري وتوفي سنة 324 هجري.
و قد أقام رحمه الله على الاعتزال ولازم الجبائي أربعين سنة كما ذكر ذلك مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي في كتابه التبيين حيث قال: ” قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة: إن أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً وأنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة “. انتهى
فإذا اعتبرنا أن الأشعري بدأ بطلب العلم على الجبائي وعمره ستة سنوات مثلاً ولازمه بعد ذلك أربعين سنة ثم تاب فهذا يعني أن توبة لأشعري كانت في حدود سنة 306 هجري وهي السنة التي توفي فيها ابن سريج بل يحتمل أنه مات قبل توبة الأشعري بأعوام.
بالإضافة إلى ذلك فإن مذهب أبي الحسن الأشعري لم يكن له آنذاك شهرة فضلا على أن يكون له أتباع. فالأشعرية لم تنتشر في العراق إلا في سنة 380 هجري كما قال المؤرخ المقريزي في الخطط المقريزية 3/313 – تحقيق الدكتور سعد الشهراني – و نص عبارته: “ونصروا – أي أصحاب الأشعري – مذهبه ، وناظروا عليه ، وجادلوا فيه واستدلوا له في مصنفات لا تكاد تحصر ، فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة وانتقل منه إلى الشام”. انتهى
فانتشار المذهب الأشعري كان بعد وفاة ابن سريج بزمان طويل وبالتالي فذم الإمام ابن سريج للأشعرية تكاد تكون مستحيلة بل هي أقرب للأكذوبة.
والظاهر أن كلمة “الأشعرية” مدرجة في كلام ابن سريج، و الأقرب أن الكلام كله منحولٌ عليه من ذلك قوله: ” ولما خلق آدم عليه الصلاة والسلام مسح ظهره بيمينه فقبض قبضة فقال : هذه للجنة ولا أبالي أصحاب اليمين ، وقبض قبضة أخرى وقال : هذه للنار ولا أبالي أصحاب الشمال ثم ردهم في صلب آدم ، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قوما لم يعملوا خيرا قط عادوا حمما فيلقون في نهر من الجنة يقال له : نهر الحياة ، وحديث خلق آدم على صورته وقوله : لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق صورة الرحمن ، وإثبات الكلام بالحرف والصوت وباللغات وبالكلمات وبالسور ” انتهى
نقله ابن القيم في اجتماع جيوشه
و مع كل هذه القرائن فأن المجسمة يزعمون أن الأشعرية قد انتشرت قبل وفاة ابن سريج بقليل وهذا باطل أيضا بحسب مذهبهم لأنهم يعتبرون أن متقدمي الأشاعرة لا يتأولون الصفات بخلاف المتأخرين منهم.
قال زعيمهم ابن تيمية في الفتاوى ما نصه: “بل أبو المعالي الجويني ونحوه ممن انتسب إلى الأشعري، ذكروا في كتبهم من الحجج العقليات النافية للصفات الخبرية ما لم يذكره ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابهما، كالقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثاله، فإن هؤلاء متفقون على إثبات الصفات الخبرية، كالوجه واليد والاستواء، وليس للأشعري في ذلك قولان، بل لم يتنازع الناقلون لمذهبه نفسه في أنه يثبت الصفات الخبرية التي في القرآن، وليس في كتبه المعروفة إلا إثبات هذه الصفات، وإبطال قول من نفاها وتأول النصوص، وقد رد في كتبه على المعتزلة الذين ينفون صفة اليد والوجه والاستواء، ويتأولون ذلك بالاستيلاء، ما هو معروف في كتبه لمن يتبعه، ولم ينقل عنه أحد نقيض ذلك، ولا نقل أحد عنه في تأويل هذه الصفات قولين. ولكن لأتباعه فيها قولان، فأما هو وأئمة أصحابه فمذهبهم إثبات هذه الصفات الخبرية، وإبطال ما ينفيها من الحجج العقلية، وإبطال تأويل نصوصها”. انتهى
وقال أيضا في الفتاوى 12/203: “فمن قال أن الأشعري كان ينفيها وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه ، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه”. انتهى
فما هو التأويل الذي أنكره ابن سريج على متقدمي الأشعرية مع أنهم يثبتون الصفات بنص ابن تيمية؟ و لا جواب لهم عليه, فإن هذا النقل لا تصح نسبته لابن سريج حتى مع اعتبار أن الأشعرية قد ظهرت قبل وفاته بأعوام قليلة.
وما هذا إلا دليل على بطلان هذه النقول الكاسدة التي ينسبها المجسمة للأئمة الأعلام و بيان على تناقضهم في معرفة مذاهب الرجال
أبو نصر السجزي المتوفى سنة 444 هـجري
قال أبو نصر السجزي في رسالته إلى أهل زبيد “الرد على من أنكر الحرف و الصوت” صحيفة 222 ما نصه:” ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء- أي المعتزلة – بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري”. انتهى
و أبو نصر السجزي هو أحد رؤوس التجسيم و التشبيه. تصدى له علماء أهل السنة بالرد و البيان و كشف ضلالاته و خاصة منهم إمام الحرمين الجويني و أبو جعفر اللبلي الأندلسي و الشيخ محمد زاهد الكوثري. ورسالته إلى أهل زبيد قد تولى إمام الحرمين أبو المعالي الجويني بالرد عليها في مؤلف سماه ” نقض كتاب السجزي” نقل منها الامام الكوثري جزء في حاشيته على كتاب السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل صحيفة 25 – 26 ومما جاء فيها قول الإمام الجويني:” وأبدى من غمرات جهله فصولاً وسوى على قصبة سخافة عقله نصولاً ومخايل الحمق في تضاعيفها مصقولة وبعثات الحقائق دونها معقولة وهذا الغر الجاهل المتمادي في الجهل المصر ، ينطلع على الرتب الرفيعة بالدأب في المطاعن في الأئمة والوقيعة”. انتهى
وقال أيضا:” أبدى هذا الأحمق كلاماً ينقض آخره أوله في الصفات وما ينبغي لمثله أن يتكلم في صفات الله تعالى على جهله وسخافة عقله”. انتهى
ثم قال الشيخ الكوثري: “وتكلم السجزي في النزول والانتقال والزوال والانفصال والذهاب والمجئ فقال الإمام – أي الجويني – : “ومن قال بذلك حل دمه”, وتبرم الإمام كثيرا من كلامه معه”. انتهى
وقال الكوثري: “وقال الإمام أيضا قد ذكر هذا اللعين الطريد المهين الشريد، فصولا وزعم أن الأشعرية يكفرون بها فعليه لعائن الله تترى، واحدة بعد أخرى، وما رأيت جاهلا أجسر على التكفير وأسرع إلى التحكم على الأئمة من هذا الأخرق”. انتهى
ونقل الكوثري أيضا في حاشيته على السيف الصقيل كلام أبي جعفر اللبلي الأندلسي في فهرسته في معرض كلامه عن أبي نصر السجزي ونص عبارته: “وكذلك اللعين المعروف بالسجزي فإنه تصدى أيضا للوقوع في أعيان الأئمة وسرج الأمة بتأليف تالف وهو على قلة مقداره وكثرة عواره ينسب أئمة الحقائق وأحبار الأمة وبحور العلوم إلى التلبيس والمراوغة والتدليس وهذا الرذل الخسيس أحقر من أن يكترث به ذما ولا يضر البحر الخضم ولغة كلب”. انتهى
و أبو نصر السجزي يصح فيه ما قاله ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية حيث أنه سُئل عن الإمام أبي الحسن الأشعري والباقلاني وابن فورك وإمام الحرمين والباجي وغيرهم ممن أخذ بمذهب الأشعري، فأجاب: ” والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في السؤال وسابقتهم وأنهم من جملة المرادين بقوله ‘ ” يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ” فلا يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق، فينبغي تبصير الجاهل وتأديب الفاسق واستتابة المبتدع” انتهـى
الكلام المنسوب لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 971 هجري في ذم الأشاعرة
ليعلم أن الإمام السيوطي أشعري العقيدة وهذا ما أكده بقوله في كتابه إتمام الدراية لقراء النقاية, صحيفة 18 – تحقيق الشيخ إبراهيم العجوز، طبعة دار الكتب العلمية – بيروت ، الطبعة : الأولى 1405هـجري – : ” ونعتقد أن الإمام أبا الحسن الأشعري وهو من ذرية أبي موسى الأشعري إمام في السنة أي الطريقة المعتقدة مقدم فيها على غيره”. انتهى
أما ما قاله ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ في ﻛﺘﺎﺏ ﺻﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﻓﻦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ في الصحيفة 119 – من سلسلة التراث الاسلامي- ما نصه: ” ثم قال “الطبقة الثامنة” و أخرج فيه ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻗﺎﻝ: “ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﺯﻳﺪ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺍﻟﻤﺮﻭﺯﻱ ﻳﻘﻮﻝ: ﺃﺗﻴﺖ ﺃﺑﺎ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻷﺷﻌﺮي ﺑﺎﻟﺒﺼﺮﺓ ﻓﺄﺧﺬﺕ ﻋﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ. ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﻛﺄﻧﻲ ﻋﻤﻴﺖ ﻓﻘﺼﺼﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺒﺮ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻚ ﺗﺄﺧﺬ ﻋﻠﻤﺎً ﺗﻀﻞ ﺑﻪ، ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﻋﻦ ﺍﻷﺷﻌﺮﻱ، ﻓﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺯﻳﺪ، ﺃﻣﺎ ﺗﺄﻧﻒ ﺃﻥ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺧﺮﺍﺳﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎً ﺑﺎﻟﻔﺮﻭﻉ ﺟﺎﻫﻼ ﺑﺎﻷﺻﻮﻝ، ﻓﻘﺼﺼﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺮﺅﻳﺎ ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻛﺘﻤﻬﺎ ﻋﻠﻲّ ﻫﻬﻨﺎ “. انتهى
فهذا النص نقله السيوطي عن المجسم ابي اسماعيل الهروي المُتوفى سنة 481 هجري. فقد قال السيوطي في الصحيفة 68 ما نصه: ” فصل “نصوص الأئمة في تحريم الكلام, تلخيص مقاصد كتاب ذم الكلام لشيخ الاسلام اسماعيل الهروي”. انتهى
وهو مذكور في كتابه ذم الكلام حيث قال: “سمعت غير واحد من مشائخنا، منهم منصور بن إسماعيل الفقيه؛ قال: سمعت محمد بن محمد بن عبد الله الحاكم يقول: سمعت أبا زيد وكتب به إلي أحمد بن الفضل البخاري أبو الحسن، قال: سمعت أبا زيد الفقيه المروزي يقول: “أتيت أبا الحسن الأشعري بالبصرة”. انتهى
وذكر هذه القصة أيضا يوسف بن عبد الهادي المعروف بابن المبرد المتوفى سنة 909هـجري في جمع الجيوش و الدساكر على ابن عساكر.
وهذه القصة باطلة قطعا لسببين:
1- السبب الأول يتعلق بزمن و وقائع القصة: فقد ذكر هذه القصة مفصلة ابن المبرد في اجتماع الجيوش و الدساكر في الصحيفة 364 حيث نقل عن ابي زيد المروزي أنه قال: “لما فرغت من درسي على أبي اسحاق ابراهيم بن أحمد المروزي و أردت الرجوع إلى أهلي قال لي الشيخ أبو اسحاق: “إنك ترجع إلى مرو و يحدق بك الناس للتفقه فيشغلونك و ما حججت حجة الاسلام و نفسك تطالب بذلك فتحتاج أن تنشئ لهل سفرة أخرى و تشعث لها أمرك فإن كانت بقيت معك بقية من النفقة تقدم الحج حتى تنصرف إلى أهلك بقلب فارغ و إن ضاق بك فعرفني حتى أدبر لك, فقلت: بقي معي ما أرجو أن يقوم بي فاكترى لي في وسط السنة و أوصاهم بي و خرجنا قاصدين إلى المدينة فوصلناها لأيام مضين من رجب فأقمنا بالمدينة بقية رجب و إلى النصف من شعبان و تهنينا بالزيارات التي بها على منافي النفس ثم خرجنا من المدينة و أتينا مكة لأربع بقين من شعبان فصمنا بها رمضان و قضينا تهمتنا من الاعتمار و أقمنا إلى وقت الحج و سهل لنا الله تعالى الحج فحين فرغنا أشار علي بعض أصحابي بالخروج على طريق البصرة…..”
إلى أن ذكر قصة لقائه بالإمام الأشعري و ذكر الرؤية وقول الأشعري له: ” وقد بلغتني رؤياك و بيننا حرمة الانس فأحب أن لا تحكيها للناس. فقلت – أي أبو زيد المروزي -: أما بالبصرة فلا أحكيها و طابت نفسه و خرج”. انتهى
– الملاحظة الأولى أن صاحب هذه القصة ذكر أن أبا زيد لم يقم في مكة إلا مدة يسيرة لا تزيد عن خمسة أشهر و بعدما فرغ من أعمال الحج خرج من مكة متوجها إلى البصرة. و ليس الأمر كذلك فقد نص العلماء أن أبا زيد لما دخل مكة أقام بها سبع سنين كما ذكره الذهبي في السير.
– الملاحظة الثانية: ذكر في القصة أن أبا اسحاق المروزي هو الذي أشار على أبي زيد بالحج. ومعلوم أن أبا اسحاق قد توفي سنة 340 هجري و أن ابا زيد قد توجه للحج سنة 355 هجري أو قبله بيسير. فأحداث القصة لا تتطابق مع الوقائع التاريخية لا سيما وأن مدة الرحلة المذكورة في القصة للوصول إلى مكة هي بضعة أشهر.
قال الحافظ ابن عساكر في التبيين ما نصه: “…متوجها إلى الحج في شعبان سنة خمس وخمسين وثلاث مائة ، وأقام بمكة سبع سنين ، وحدث بمكة” انتهى
وذكر الحافظ أبو علي الغساني الجياني في كتاب “تقييد المهمل” 1/59 ـ طبعة دار عالم الفوائد – أنه كان يحدث بمكة سنة 353 هجري و نص عبارته : “فأما كتاب أبي عبد الله البخاري وسماه الجامع المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه من رواية أبي زيد محمد بن أحمد المروزي من طريق أبي الحسن القابسي : فقرأته على أبي القاسم حاتم بن محمد بن عبدالرحمن بن حاتم التميمي المعروف بابن الطرابلسي مرات ـ أولها في سنة أربع وأربعين وأربعمائة ـ، قال : أخبرني به أبو الحسن علي بن محمد بن أبي بكر القابسي الفقيه قراءة عليه بالقيروان وأنا أسمع سنة ثلاث وأربعمائة، قال : أنا أبو زيدٍ محمد بن أحمد المروزي بمكة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. انتهى
– الملاحظة الثالثة: ذكر في القصة أن أبا زيد المروزي التقى بالأشعري في رحلة عودته من مكة عند مروره بالبصرة أي بعد سنة 355 هجري. وهذا أمر مستحيل لأن الإمام أبا الحسن الأشعري توفي سنة 324 هجري.
2- السبب الثاني يتعلق بالسند: و قد ذكر أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي لهذه الرواية سندان:
أ- السند الأول ذكره الهروي من طريق أحمد بن الفضل البخاري: أما الهروي فقد كان أحد اعمدة التجسيم و حنبليا متعصبا يدعي التصوف وله طامات في العقائد. نقل التاج السبكي في طبقاته عن الذهبي أنه قال : وكان – يعني ابن تيمية- يرمي أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب – كتاب المنازل – ويقول: انه مشتمل على الاتحاد”. انتهى
وأما أحمد بن الفضل البخاري فهو رجل مجهول. واسمه بالكامل: أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل البخاري كما هو مذكور في جمع الجيوش و الدساكر لابن المبرد في الصحيفة 365
قال محمد فوزي حسن سعد محقق كتاب جمع الجيوش في حاشية الصحيفة 67 ما نصه: ” لم أجد من ترجم له”. انتهى.
ومثله قال في حاشية الصحيفة 365
ب- السند الثاني: ذكره الهروي من طريق منصور بن إسماعيل: وهو شاعر خبيث اللسان فيه تشيع . قال الذهبي في السير: “قال ابن يونس : كان فهما ، حاذقا ، صنف مختصرات في الفقه ، وكان شاعرا خبيث الهجو ، يتشيع ، وكان جنديا ، ثم عمي”. انتهى
وقال ابن الجوزي الحنبلي في المنتظم: ” ويظهر في شعره التشيع”. انتهى
قال خير الدين الزركلي في الاعلام ما نصه: “كان خبيث اللسان في الهجو، ونقل عنه كلام في الدين، وشهد عليه بذلك شاهد، فقال القاضي إن شهد عليه ثان ضربت عنقه”. انتهى
تنبيه: الظاهر أن كلمة شيخ الاسلام الموجودة في كتاب صون المنطق ليست من كلام السيوطي بل هي لبعض النساخ و إلا فكيف يُتصور أن السيوطي لا يفرق بين اسم و كنية الذي ينقل عنه فالمذكور في هذا الفصل قوله “شيخ الاسلام اسماعيل الهروي” و الصحيح هو أبو اسماعيل الهروي. هذا وقد نص محقق كتاب “ﺻﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﻓﻦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ” أن تاريخ نسخ المخطوط مجهول وكذلك مالك المخطوط مجهول أيضا. وهذا الكتاب لم يذكره السيوطي في جملة مؤلفاته و لكن نسبه له حاجي خليفة في كشف الظنون.
