دليل الحدوث ورد شبهة ابن تيمية

دليل الحدوث ورد شبهة ابن تيمية

الاستدلال بالتغير على حُدُوث المُتغيِّرِ هي طريقة أهل السنة الأشاعرة لاثبات وجود الله تعالى،
وهذه المسألة لها أصل من القرآن منها قول الله تعالى: “والنَّجْمِ إذَا هَوَى” – النجم:1 – وفيه تقييد بوقت الهويِّ و أن النجم يغيب بعد ظهوره كما نقل ذلك القرطبي في تفسيره حيث قال: “وهو قول الحسن قال: أقسم الله بالنجوم إذا غابت”, ومنها ما جاء عن سيدنا ابراهيم أنه قال: “لا أحِبُّ الآفلينَ” الأنعام- 76

وهذا من أظهر الأدلة على أن الصانع لا يوصف بتغيير ولا حركة أو سكون. وقد حاول المجسم ابن تيمية إبطال دلالة التغير والحركة والسكون على حدوث موصوفها، فقال في مجموع الفتاوى: “فقد أخبر الله في كتابه أنه من حين بزغ الكوكب والقمر والشمس وإلى حين أفولها لم يقل الخليل : لا أحب البازغين ولا المتحركين ولا المتحولين ولا أحب من تقوم به الحركات ولا الحوادث ولا قال شيئا مما يقوله النفاة حين أفل الكوكب والشمس والقمر . ” انتهى

فابن تيمية زعم أنه لو كانت الحركة والسكون دليلا على الحدوث لما انتظر إبراهيم أفولها ليعلن عدم استحقاقها للألوهية. والجواب على ذلك ظاهر وهو إعلان عدم استحقاقها للألوهية اقترانا مع أفولها كليا زيادة في قوة الحجة وإجهازا كليا على حجة الخصم الذي يعتقد فيها التأثير المقترن بظهورها. والله مدح ابراهيم على ذلك بقوله ” وتلك حجتنا ٱتيناها ابراهيم”. وبهذا يندفع كلام ابن تيمية الذي تمسّك به.

ولا يخفى أن هذه الطريقة هي طريقة فحول العلماء كقتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 118 هـجري فقد قال الحافظ الطبري في جامع البيان جزء 9 صحيفة 356 عند تفسيره لقول الله تعالى: “فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ” – الأنعام, الآية 76 – ما نصه: “حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة : ” فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ “، علم أن ربّه دائم لا يزول” انتهى
ونقله ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره في الجزء 4 صحيفة

وذهب أبو إسحاق الزجاج الحنبلي المتوفى سنة 311 هـجري إلى أنّ اتصاف الشيء بالحَدَث دليلٌ على أنّه مُحدَث، وما كان مُحدَثاً فليس بإله، وأورد تلك القاعدة عند ذكره قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمرود، حيث قال في معاني القرآن 2/288 ما نصه:” قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ, أي لا أحب من كانت حالته أن يطلع وَيسِير على هيئةٍ يُتبين معها أنه محدَث، منتقل من مكان إلى مكان، كما يَفْعَلُ سائرُ الأشياءِ التي أجمعتم معي على أنها ليست بآلهة، أي لا أتخِذُ ما هذه حالُه إلهاً، كما أنكم لا تتخذون كل ما جرى مجرى هذا من سائر الأشياءِ آلِهة”. انتهى

و قال أبو القاسم اللالكائي المتوفى سنة 418 هجري في كتابه المسمى “شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة” جزء 1 صحيفة 195 ما نصه: ” قد استدلّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ بأفعاله ـ تعالى ـ المحكمة المتقنة على وحدانيته، بطلوع الشمس وغروبها، وظهور القمر وغَيْبَتِه، وظهور الكواكب وأفُولِها”. انتهى

و قال القاضي مجير الدين العُلَيمي المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 927 في فتح الرحمن في تفسير القرآن جـزء 1 صـحيفة 364 عند قول الله تعالى: “لا تأخذه سنة ولا نوم” ما نصه:”تلخيصه, هو منزه عن جميع التغييرات”.