مقالات علماء تونس في الردة و أحكامها – جزء 1

مقالات علماء تونس في الردة و أحكامها – جزء 1

1- تعريف الردة و المرتد
الردة هي قطع الإسلام بالكفر والعياذ بالله تعالى.
جاء في المجلة الزيتونية الجزء السابع المجلد الرابع صحيفة 205 في فتوى في حكم من سب الدين أن الشيخ محمد البشير النيفر قال: “و تحقيق القول في هذا أن الردة كما قال الشيخ ابن عرفة كفر بعد إسلام تقرر”. انتهى
و قال الشيخ محمد المختار بن محمود رحمه الله: “حقيقة المرتد هو الراجع عن دين الإسلام” . انتهى
كما في المجلة الزيتونية المجلد 1جزء 10 لسنة 1937ميلادي من مقال بعنوان “حكم الله في التجنيس.

فيجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حِفْظُ إِسْلامِهِ وَصَوْنُهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَقْطَعُهُ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لأَنَّ الْكُفْرَ هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء.
والردة تُحْبِطُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وتبقى السيئات. فإذا مات الشخص مرتدا استحق عذاب الله الأبدي وخلد في نار جهنم.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي في “التحرير والتنوير عند تفسيره لقول الله تعالى:”ومن يرتدد منكم عن دينه ” ما نصه: فقد ترتب على الكفر أمران : بطلان فضل الأعمال السالفة ، والعقوبة بالخلود في النار .انتهى

و الكفر هو الذنب الذي لا يغفره الله لمن استمر عليه إلى الموت أو إلى حالة اليأس من الحياة برؤية ملك الموت و ملائكة العذاب أو إدراك الغرق بحيث أيقن بالهلاك و نحوه فذاك ملحق بالموت.
قال الشيخ الفقيه المالكي محمد بن يوسف التونسي الشهير بالكافي المتوفى رحمه الله سنة 1380 هـجري في كتابه ” المسائل الكافية في بيان وجوب صدق خبر رب البرية في الصحيفة 20 في المسئلة التاسعة و العشرون ما نصه: ألم يؤمن فرعون بقوله “آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين” نعم آمن حيث لا ينفع الإيمان و ندم على ما فعل حيث لا ينفع الندم و تاب حيث لا تنفع التوبة و رجع إلى إلهه و إله بني إسرائيل و إله الخلق أجمعين في زمن لا ينجع فيه الرجوع و ذلك عند تحققه بالغرق و مشاهدته بأس الله تعالى. انتهى

2- بيان ما لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بِأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا”. وَ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَحَسَنَّهُ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَنَصُّهُ :”إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ”. انتهـى
وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ.
قال الشيخ محمد البشير النيفر ما نصه: “قال شارحه الزرقاني إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة”. انتهى
كما في المجلة الزيتونية الجزء السابع المجلد الرابع صحيفة 206 من فتوى في حكم من سب الدين.

فَيُعْلَمُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا وَهُوَ يَفْهَمُ مَعْنَى اللَّفْظِ كَفَرَ سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ كَلامَهُ كُفْرِيٌّ أَمْ لَمْ يَعْرِفْ, وسواء قصد الخروج من دين الإسلام أَمْ لم يقصد.
قال الشيخ محمد البشير النيفر في نفس الفتوى أيضا: “فتحصل من كلام هؤلاء الأعلام أن المعتبر هو اللفظ دون القصد وهو الذي يظهر من كلام أكثر العلماء فيما علمنا اعتماده”. انتهى

وَلا يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ. فَمَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا كَفَرَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ وَلا يُشْتَرَطُ أَيْضًا اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ.
قال ابن عرفة في تفسيره عند قول الله تعالى :”وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا”.ـ سورة البقرة ـ ما نصه: “وأما إن صرح بكلمة الكفر فهو كافر بإجماع”.
وَكَذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ عَدَمُ الْغَضَبِ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ القاضي عياض المالكي في كتابه “الشفا في تعريف حقوق المصطفى”. فقد نقل الإجماع على أن ساب الله كافر ولو كان غاضبًا أو مازحًا أو غير منشرح الصدر.

3- علماء تونس يحذرون من الكفر
ألف بعض فقهاء تونس رسائل في بيان الكفريات لأنه ظهر في عصورهم كلمات بين الناس هي كفر، فأرادوا انقاذ الناس من خطرها فألفوا تلك الرسائل، وهذا من أفضل الأعمال لأن في ذلك انقاذا لمن حصلت منه تلك الكلمات للرجوع من الكفر الى الايمان وتحذيرا لمن لم يقع فيها حتى لا يقع فيها.
جاء في المجلة الزيتونية في الجزء الأول من المجلد الأول لعام 1936 مـيلادي في الصحيفة 30 ما نصه: ” لا شك في فرضية علم الفرائض الخمس وعلم الحلال و الحرام وعلم البيع و الشراء لمن أراد الدخول في التجارة وعلم الألفاظ المحرمة و المكفرة و لعمري أن هذا من أهم المهمات في هذا الزمان لأنك تسمع كثيرا من العوام يتكلمون بما هو مكفر وهم عنه غافلون “. انتهى

وقد عد أبو علي عمر بن محمد بن خليل السّكوني نزيل تونس في رسالته “لحن الخاصة والعامّة في المعتقدات”. أشياء كثيرة في هذا الباب فينبغي الاطلاع عليها.

و قال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني : “و أجمع السلف و الخلف من أيمة الهدى على حكاية مقالات الكفرة والملحدين في كتبهم و مجالسهم لينبهوا الناس و ينقضوا شبهها عليهم”. انتهى
كما هو مذكور في الجزء الثاني من كتاب “المعيار” للونشريسي، باب ” ما تجوز حكايته من مقالات الملحدين و ما لا يجوز.

و قال الشيخ الفقيه المالكي محمد بن يوسف التونسي الشهير بالكافي في كتابه ” المسائل الكافية في بيان وجوب صدق خبر رب البرية في الصحيفة 3 ما نصه: التتمة الثالثة: “إن مرادي بما أكتبه هو تنبيه و إيقاظ من يكون في اعتقاده شك أو ريب فيما يعتقده المسلمون و الحال أن أصوله مسلمون و لكن لتربيته على يد غير المسلمين أو لمطالعته كتب غير المسلمين اكتسب هذا الاعتقاد المخرج له عن دائرة الاسلام فلعله إذا اطلع على ما أنقله و أسطره يرجع إلى حوزة الإسلام و يكون فردا من أفراد المسلمين و ما ذلك على الله بعزيز”. انتهى

5-أقسام الردة
تنقسم الرِّدَّةُ إلى ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ: اعْتِقَادَاتٌ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وأَفْعَالٌ مَحَلُّهَا الْجَوَارِحُ، و أَقْوَالٌ مَحَلُّهَا اللِّسَانُ.
وذلك باتفاق المذاهب الأربعة، كالشيخ محمد عليش المتوفى سنة 1299 هـجري من المالكية في كتاب “منح الجليل، والنووي المتوفى سنة 676 هـجري من الشافعية في روضة الطالبين، وابن عابدين المتوفى سنة 1252 هـجري من الحنفية في حاشيته المسماة “رد المحتار على الدر المختار” والبهوتي المتوفى سنة 1051 هـجري من الحنابلة في “شرح منتهى الارادات” وغيرهم.

وقد جاء في جواب فضيلة الشيخ كمال الدين جعيط مفتي الجمهورية التونسية سابقا عن مسألة اللجوء إلى المحاكم الكافرة في مسائل النكاح والطلاق ما نصه: ” وكذا كل ما يقطع الإسلام عن نية الكفر أو قول الكفر أو فعل الكفر سواء استهزاء ا أم اعتقادا أم عنادا”. انتهى

وكل من هذه الأقسام الثلاثة كفر بمفرده فالكفر القولي كفر ولو لم يقترن به اعتقاد ولا فعل ، والكفر الفعلي كفر ولو لم يقترن به اعتقاد وانشراح الصدر به ولا قول ، والكفر الاعتقادي كفر ولو لم يقترن به قول ولا فعل.

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي