رد دعوى ان عثمان منع القراءة وفق الأحرف السبعة بعد الجمع العثماني
-سلسلة الرد على #خالد_بلكين
إن توحيد القرآن الكريم ليس أمرا ابتدعه عثمان رضي الله عنه بل هو مشروع أسس له أولا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد قال ابن شبة في تاريخ المدينة الجزء 3 صحيفة 1136 ما نصه: “حدثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض، عن الوليد بن سعيد، عن عروة بن الزبير قال: قدم المصريون فلقوا عثمان رضي الله عنه فقال: ما الذي تنقمون؟ قالوا: تمزيق المصاحف. قال: إن الناس لما اختلفوا في القراءة خشي عمر رضي الله عنه الفتنة فقال: من أعرب الناس؟ فقالوا: سعيد بن العاص. قال: فمن أخطهم؟ قالوا: زيد بن ثابت. فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد وخط زيد، فجمع الناس ثم قرأه عليهم بالموسم.
فلما كان حديثا كتب إليّ حذيفة: إن الرجل يلقى الرجل فيقول قرآني أفضل من قرآنك حتى يكاد أحدهما يكفر صاحبه، فلما رأيت ذلك أمرت الناس بقراءة المصحف الذي كتبه عمر رضي الله عنه وهو هذا المصحف، وأمرتهم بترك ما سواه، وما صنع الله بكم خير مما أردتم لأنفسكم” انتهى.
من هذا الأثر يستفاد أمرين
-المصحف الذي كُتب وفق حرف قريش كان معروفا زمن عمر بن الخطاب وهو نفسه المصحف العثماني.
– المصاحف التي كتبت وفق بقية الأحرف السبعة التي نزل بها القرٱن تم ابقاءها زمن أبي بكر و عمر، ولكن تمت ابادتها زمن عثمان بعد ان بدأ الخلاف يدب بين المسلمين.
وقد يظن بعضهم هنا ان عثمان منع الناس من القراءة بغير حرف قريش، وليس الأمر كذلك، فقد قال ابن أبي داود في كتابه المصاحف تحت باب “إطلاق عثمان -رضي الله عنه- القراءة على غير مصحفه” فقال:” حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عثمان بن هشام بن دلهم ، حدثنا إسماعيل بن الخليل ،عن علي بن مسهر ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال: لما نزل أهل مصر الجحفة يعاتبون عثمان رضي الله عنه، صعد عثمان المنبر فقال:
” جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شراً أذعتم السيئة، وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يأتي هؤلاء القوم، ما الذي نقموا، وما الذي يريدون ؟
ثلاث مرات لا يجيبه أحد، فقام علي- رضي الله عنه- فقال: ” أنا “، فقال عثمان: ” أنت أقربهم رحماً وأحقهم بذلك “، فأتاهم فرحبوا، وقالوا: ما كان يأتينا أحد أحب إلينا منك، فقال: ” ما الذي نقمتم ؟ “
قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله -عز وجل-
فرد عليهم عثمان رضي الله عنه: ” أمَّا القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم لأني خفت عليكم الاختلاف، فاقرءوا على أي حرف شئتم.”انتهـى
قال الدكتور محمد بن عمر بازمول في كتاب “القراءات وأثرها في التفسير والأحكام”: “الظاهر أن عثمان رضي الله عنه إنما اختار للناس حرفاً اتفق الجميع عليه, ولم يُلغِ سائر الحروف, إنما ترك الباب مفتوحاً لكل من يؤكد من الصحابة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بقراءة معينة أن يقرأ بقراءته الخاصة بِحُريَّةٍ تامة، وتحت كامل مسئوليته الدينية، ومن غير أن يلزم جماعة المسلمين كلها بما يؤكد سماعه، ولا يكون التعليم العام للناس إلا من المصحف الذي أجمع على ما فيه الصحابة رضوان الله عليهم.
وهذا الموقف المعقول والعادل يتضح بجلاء بأمور مما يلي :
الأول: من كلام عليّ بن أبي طالب –رضي الله عنه-:
في النص السابق عن سويد بن غفلة -” لو وليت لعملت بالمصاحف الذي عمل بها عثمان “- فإنه يدل عليه بأمور:
1 -أنه لم يقل فيه أن عثمان قال: ما عدا هذه القراءة باطل ليس بقرآن , لكنه اكتفي بأن جمعهم علي قراءة واحدة خشية الفرقة والمراء في القرآن .
2 -أنه لو قال باطلاً لرد عليه الصحابة –رضي الله عنهم-
إذ كيف يبطل ما أباحه رسول الله-صلى الله عليه وسلم- للأمة؟ فلما أقرُّوه دل ذلك علي أن مراد عثمان-رضي الله عنه- هو ما ذكرته، وهو ما فهمه الصحابة –رضي الله عنهم-فاقتصروا في تعليمهم العام علي الحرف الذي اختاره عثمان –رضي الله عنه- فحظي بالتواتر في النقل،
أما ما يخالفه فإنهم اقتصروا علي القراءة به في خاصتهم ولذلك لم تحظ القراءات المخالفة لمصحف عثمان إلا بنقل الآحاد فقط و الله أعلم”. انتهى
وقوله: “فاقتصروا في تعليمهم العام علي الحرف الذي اختاره عثمان رضي الله عنه فحظي بالتواتر في النقل”، ينبغي ان يضاف اليه ايضا: وما احتمله الرسم أيضاً مما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم”.
ثم قال الدكتور بازمول:
“الثاني: قول عثمان للرهط القرشيين الثلاثة.” إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش” فإنه يوضح:
أنه إنما اختار من الأحرف ما كان على لسان قريش، أما البقية التي يجزم الصحابي أنه سمع الرسول يقرأ بها أو أقرأه إياه – صلى الله عليه وسلم- فلم يبطلها عثمان لكن سكت عن تسجيلها في المصحف الذي أراد جمع الناس عليه، ووافقه الصحابة فيه، وترك للصحابي الحرية في قراءته لنفسه وتحمل مسؤوليته بمفرده.
الثالث: رد عثمان رضي الله عنه علي المتمردين بقوله :
” أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم لأني خفت عليكم الاختلاف , فاقرءوا على أي حرف شئتم” انتهـى
وسند هذا الأثر فيه انقطاع وضعف، ولكن يشهد له أثر مصعب بن سعد وسويد بن غفلة عن عليّ بن أبي طالب.
ويشهد له أيضا ما ذكره الزركشي في البحر المحيط، حيث قال: “كان الأعمش يقرأ ختماً علي حرف ابن مسعود،
وختماً علي مصحف عثمان”. انتهـى
ويشهد له غير ذلك من الروايات الدالة على بقاء الصحابة و التابعين يقرؤون القرٱن وفق بعض الأحرف بعد الجمع العثماني.
سلسلة الرد على خالد بلكين
