نقض شبهة أن عثمان تناول عمار بالضرب وأن عمار كان أحد المحرّضين على عثمان

نقض شبهة أن عثمان تناول عمار بالضرب وأن عمار كان أحد المحرّضين على عثمان

يزعم بعض الناس أن عثمان أمر رسوله بضرب عمار لما دخل عليه لينصحه، وهذا كله باطل روي بأسانيد واهية.

والأقرب للصحة ما رواه ابن شبة في تاريخ المدينة ، قال: “حدثنا عفان حدثنا أبو محصن قال حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال حدثني جهيم قال أنا شاهد للأمر سعد وعمار فأرسلوا إلى عثمان أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء أحدثتها وأشياء فعلتها. فأرسل إليهم أن انصرفوا اليوم فإني مشتغل وميعادكم يوم كذا وكذا حتى أتشوف لكم. فانصرف سعد وأبى عمار أن ينصرف فتناوله رسول عثمان فضربه فلما اجتمعوا للميعاد ومن معهم قال لهم عثمان ما تنقمون قالوا ننقم عليك ضربك عمارا. فقال جاء سعد وعمار فأرسلت إليهما فانصرف سعد وأبى عمار أن ينصرف فتناوله رسولي عن غير أمري فوالله ما أمرت ولا رضيت فهذي يدي لعمار فليصطبر”. انتهى

وحتى هذه الرواية ضعيفة فيها حصين بن عبد الرحمن، قد اختلط، والراوي عنه أبو محصن حصين بن نمير ولايعلم متى كانت روايته عنه، وفيها أيضاً أبو محسن جهيم الفهري، لم يوثقه غير ابن حبان.

فلم يصح أن عثمان ضرب عماراً أو أمر بذلك ، ولا أن الخارجين سوغوا الخروج عليه بذلك، وغاية ما في ذلك أنه رُوي بسند ضعيف أن رسول عثمان ضرب عماراً دون علمه.

وحتى على تقدير صحة الرواية فعثمان اعتذر إلى سعد وعمار من عدم استطاعته مقابلتهما في يومها، فانصرف سعد، وكان انصرافه مفهوماً ومعقولاً، وأبى عمار، وكان إباؤه مخالفاً لصاحبه، فأعاد أمير المؤمنين إليه الرسول يؤكد إليه الاعتذار مرة أخرى وهو يأبى إلا أن يأتيه أمير المؤمنين إلى المسجد في يومه وساعته، ولا يخلو موقف كهذا من مقاولة ومجادلة بين عمار ورسول عثمان، فتناول الأخير عماراً بغير إذن عثمان ولا رضاه.

ثم إن عثمان رضي الله عنه حلف حين عوتب أنه ما أمر رسوله يتناول عمار، وإنه ما رضي ذلك بل كرهه إذ بلغه.

قال أبو عبد الله محمد بن بكر المالقي في التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان: “فإن قيل بأن عثمان -رضي الله عنه- ضرب عمارًا! قيل: هذا لا يثبت”. انتهى

وأما ما قيل: من أنه اجتمع خمسون من المهاجرين والأنصار؛ فكتبوا أحداث عثمان رضي الله عنه وما نقموا عليه في كتاب، وقالوا لعمار: أوصل هذا الكتاب إلى عثمان رضي الله عنه، ليقرأه فلعله يرجع عن هذا الذي ينكر، وخوفوه فيه بأنه إن لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره. وأن عثمان رضي الله عنه طرح الكتاب بعدما قرأه، فقال له عمار: لا ترم بالكتاب، وانظر فيه، فإنه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا – والله – لك ناصح، وخائف عليك، فقال: كذبت يا ابن سمية، وأنه أمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمي عليه، وقام عثمان رضي الله عنه فوطئ بطنه، ومذاكيره حتى أصابه الفتق، وأغمي عليه أربع صلوات ثم قضاها بعد الإفاقة، واتخذ لنفسه تباناً تحت ثيابه، وأنه أول من لبس التبان لأجل الفتق، وأن بني مخزوم غضبوا له، وقالوا: والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بني أمية شيخاً عظيماً -يعنون عثمان رضي الله عنه- وأن عماراً لزم بيته إلى أن كان من أمر الفتنة ما كان” فهذه القصة رواها المحب الطبري المتوفى سنة 694 هجري في الرياض النضرة ولم يسندها ولم يعزها إلى أحد، بل طعن في صحتها، وقال: “سياق هذه القصة لا يصح”. انتهى.

ثم ذكر بعض مضمون الرواية الضعيفة، التي فيها أن عثمان رضي الله عنه عرض على عمار رضي الله عنه؛ أن يقتص منه، ثم قال: “وهذا من أبلغ ما يكون في الإنصاف، وأنه روي أن عماراً رضي عن عثمان لما أنصفه بحسن الاعتذار”، ثم قال: “فما بال أهل البدعة لا يرضون، وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي”. واستدل على رضاء عمار عن عثمان رضي الله عنهما بما رواه أبو هريرة أن عثمان رضي الله عنهما لما حصر ومنع الماء قال لهم عمار رضي الله عنه:” سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعونه ماءها! خلُّوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي، وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براوية ماء”. انتهى

وحديث أبي هريرة هذا لم يسنده، ولم نقف عليه عند غيره.

وذكر ابن العربي في العواصم: أنه مما نقم على عثمان رضي الله عنه ضربه عماراً رضي الله عنه حتى فتق أمعاءه ثم قال: “إن ذلك زور وإفك”. ولو فتق أمعاءه ما عاش أبداً، إن العلماء اعتذروا عن ذلك بوجوه لا ينبغي أن يشتغل بها: لأنها مبنية على باطل، ولا يبنى حق على باطل، وعلى الإنسان أن لا يذهب الزمان في مُماشاة الجهال؛ لأن ذلك لا آخر له”. انتهى

وروى الطبري في تاريخه بإسناد ضعيف أن سائلاً سأل سعيد بن المسيب عن السبب الذي دعا عمار بن ياسر إلى الخروج على عثمان فقال: كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان رضي الله عنه، فأورث ذاك بين آل عمار وآل عتبة شراً حتى اليوم، وكنى عما ضُربا عليه وفيه.

وهذه الرواية ضعيفة الإسناد غير صالحة للاحتجاج، فلا تدل على خروج عمار على عثمان رضي الله عنهما ولا على ضرب عثمان عمارا، ولا على سبب هذا الضرب.

ورواية الطبري فيها شعيب بن إبراهيم. قَالَ ابنُ عَدِي: “وَشُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا لَهُ أَحَادِيثُ وَأَخْبَارٌ، وَهو ليس بذلك المعروف ومقدار ما يروي من الحديث وَالأَخْبَارِ لَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ وَفِيهِ بَعْضُ النَّكِرَةِ لأَنَّ فِي أَخْبَارِهِ وَأَحَادِيثِهِ مَا فِيهِ تَحَامُلٌ عَلَى السَّلَفِ”. انتهى

ويزعم بعضهم أن عمار كان أحد المحرّضين على عثمان وأن أن أبا موسى الأشعري لما سأله عن قتل عثمان قال: لم أشهد ذلك ولم يسؤني.

والجواب على ذلك أن يقال أن الرواية أوردها الطبري في تاريخه وهي رواية ضعيفة سندا منكرة متنا.

و على فرض صحتها فهو لم يقل “لم أفعل، و لم يسؤني”

بل قال “لم أفعل، و لِمَ تسُوءُني ؟” أي “لماذا تشتمني” للمتحدث الذي وصفه بالفاجر والعياذ بالله.

وكذلك الرواية التي ذكرها الذهبي في السير أن أبا الغادية سمع عمار بن ياسر يشتم عثمان بن عفان فيها انقطاع.

وتوجد رواية أخرى رواها الحافظ الطبراني في المعجم اﻷوسط، فيها حماد بن سلمة وهو منكر الحديث.