الجزء الثالث: بيان أن ابن أبي زيد القيرواني أخذ علم الكلام عن أبي القاسم بن عبد المؤمن تلميذ ابن مجاهد البصري و أنه من المفوضة
قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد المومن مكي، من المتكلمين على مذهب أهل السنة، دخل العراق فأخذ بها عن أبي عبد الله بن مجاهد البصري وغيره، وسكن آخرا القيروان، وصحب أبا محمد بن أبي زيد وغيره من أئمتها، وناظرهم وذاكرهم وأثنوا عليه، وأخذ عنه الناس.وله بها أخبار معروفة”. انتهى
وأما الرسالة التي يحتج بها المجسمة للقول بأن ابن أبي زيد القيرواني وافقهم في معتقدهم فقد كتبها في سن السابعة عشرة. وتآليفه الأخرى تدل أنه مفوض قطعا.

راجع الجزء الأول:
https://www.facebook.com/share/15ivuwXKxD/
الجزء الثاني.
https://www.facebook.com/share/p/1AVMyzHjrc/




بن أبي زيد القيرواني المتوفى سنة 386 هجري
الجزء الأول
1/ أشعرية ابن أبي زيد القيرواني
كان الإمام ابن أبي زيد القيرواني أشعريا محبا للإمام أبي الحسن كما هو مذكور في طبقات الشافعية الكبرى ( 3/ 368، 372). فقد كان جوابه لمن لامه في حُبِّه للأشعري: “ما الأشعري إلا رجل مشهور بالردِّ على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية متمسك بالسنن” انتهـى
قال القاضي ابن فرحون المالكي في ترجمة الإمام الأشعري ما نصه : ” وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيه أثنى عليه وأنصف، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين ” انتهـى
وقد ذكره التاج السبكي ضمن الطبقة الثانية من الأشاعرة.
و قد ذكره أيضا الامام الحافظ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري و عده من الاشاعرة حيث قال:” و من الشيوخ المتأخرين المشاهير أبو محمد بن أبي زيد و شهرته تغني عن ذكر فضله اجتمع فيه العقل و الدين و العلم و الورع و كان يلقب بمالك الصغير و خاطبه من بغداد رجل معتزلي يرغبه في مذهب الاعتزال و يقول له انه مذهب مالك و أصحابه فجاوبه بجواب من وقف عليه علم أنه نهاية في علم الأصول رضي الله عنه”.انتهى
و قال القَاضِي عِيَاضٍ في ترتيب المدارك فِي ترجمة علي بْنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِي المعتزلي، ما نصه: كَتَبَ إِلَى فُقَهَاءِ القَيْرَوَانِ رِسَالَةٌ مَعْرُوفَةٌ يدْعُوهُمْ فِيهَا إِلَى الاعْتِزَالِ وَالقَوْلِ بِالقَدْرِ وَالمَخْلُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَذَاهِبهم، وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكِ رَحِمَهُ اللهُ، وَيَذم لَهُمْ طَرِيقَةً مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السَّنَةِ وَمَذْهَبَ الأَشْعَرِي ،ويبدعه ، فَجَاوبه فقَهَاءُ القَيْرَوانِ بِالإِنْكَارِ عَلَيْهِ، وَجَاوبَهُ أبو محمد ابنُ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ كِتَابِهِ بِرِسَالَةِ مَعْرُوفَةٍ، ظَهَرَ فِيهَا عِلْمُهُ وَقُوتَهُ فِي الكَلَامِ وَالرَّدِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ». انتهى
وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ الصَّادِرَةُ مِنْ القَاضِي عِيَاضٍ فِي حَقِ الإِمَامِ ابْنِ أَبِي زيد أكدَهَا جمع من الأئمة، منهم ابن عساكر، حيث أورد في موضع آخر من التبيين قصة عن الامام ابن ابي زيد في رده على أحد المعتزلة قال فيها: “و ذكرت الاشعري فنسبته الى الكفر و قلت انه كان مشهورا بالكفر و هذا ما علمناه ان أحدا رماه بالكفر غيرك و لم تذكر الذي كفر به…”. ثم قال :” فكيف يسعك أن تكفر رجلا مسلما بهذا و لا سيما رجل مشهور أنه يرد على أهل البدع و على القدرية و الجهمية متمسك بالسنن”. انتهى
وقال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى أيضا في الصحيفة 405 من نفس الكتاب: “قرأت بخطِّ علي بن بقاء الورّاق المحدث المصري رسالة كتب بها أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني الفقيه المالكي- وكان مقدَّم أصحاب مالك رحمه الله بالمغرب في زمانه- إلى علي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي جواباً عن رسالة كتب بها إلى المالكيين من أهل القيروان يظهر نصيحتهم بما يدخلهم به في أقاويل أهل الاعتزال، فذكر الرسالة بطولها في جزءٍ وهي معروفة، فمن جملة جواب ابن أبي زيد له أن قال: “ونسبتَ ابن كلاّب إلى البدعة، ثم لم تحكِ عنه قولاً يعرف أنه بدعة فيوسم بهذا الاسم، وما علمنا من نسب إلى ابن كلاّب البدعة، والذي بلغنا أنه يتقلّد السنة ويتولّى الردَّ على الجهمية وغيرهم من أهل البدع يعني عبد الله بن سعيد بن كلاّب” انتهـى.
وهذه شهادة عظيمة من الإمام ابن أبي زيد رحمه الله لابن كلاب أنه يتقلَّد السنة ويردُّ على المبتدعة، وأنه لم يعلم من نسب إليه البدعة. أما المجسمة الوهابية فإنها لا تعد ابن كلاب من أهل السنة و الجماعة, بينما ابن أبي زيد يعده رأسا من رؤوس أهل السنة. فإذا أخذنا بعين الاعتبار شهادة ابن أبي زيد للإمام أبي الحسن الأشعري وزدناها شهادته لابن كلاب علمنا أن الوهابية ليسوا على معتقد الإمام ابن أبي زيد لأنه أشعري.
وتعد رسالة ابن أبي زيد المسماة ب “الرد على القدرية ومناقضة رسالة البغدادي المعتزلي” ، مثالا في موضوعها وسيفا قاطعا في مجالها وأنموذجا في الإحاطة بالمقولات الكلامية في العقيدتين الإعتزالية والأشعرية. وهذا ليس بغريب فقد تتلمذ ابن أبي زيد على أيد بعض علماء الأشاعرة مثل أبو ميمونة دراس بن إسماعيل الفاسي المتوفى سنة 357 هجري ، وأبا بكر أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن. أما تلاميذه فكثير منهم كانوا أشاعرة و منهم من كان في الآن نفسه تلميذا لأبي الحسن الأشعري نفسه. كما كان ابن أبي زيد صاحب ابن مجاهد تلميذ الأشعري، و هو الذي أجاز القاضي الباقلاني.
بَلْ إِنَّ الْقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيَّ وَهُوَ مِنْ أَجَلٍ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ خَاطَبَ الإِمَامَ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ بِـ«شَيْخِنَا»، وَوَصَفَهُ بِفَضْلِ العِلْمِ، وَحُسْنِ الدِّينِ، وَقُوَّةِ البَصِيرَةِ، وَالاضْطِلَاعِ بِعِلْمٍ أُصُولِ الدِّينِ، وَالانْبِسَاطِ فِي التَّوَسعِ فِي مَعْرِفَةِ فُرُوعِهِ وأحكامه. كما في كتاب البيان.
و قَالَ الإِمَامُ أَبُو الوَلِيدِ البَاجِيُّ في المنتقى: «كَانَ الشَّيْخُ أبو ذَرٍ الهَرَوِيُّ مَالِكِيًّا، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ القَاضِي البَاقِلَّاتِي وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو عِمرانَ مُوسَى بْنُ حَاجِ الفَاسِيُّ قَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ وَأَخَذَ عنه وتبعه، وَكَانَ الشيخ أبو محمدِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيخ أبو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ القَابِسِيُّ يَتَّبِعَانِ مَذْهَبَهُ، وقرأَ عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ نَصْرٍ، وَهُوَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ وَاتَّبَعَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ عُلَمَاءَ شُيُوخِنَا بِالمَشْرِقِ، وَأَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ هُمُ الَّذِينَ يُشَارُ إِلَيهِمْ بأنهم أهل السنة”. انتهى
و قال الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الفَاضِلُ بْنُ عَاشُورٍ فِي “ومضات فكر” في سِيَاقِ الكَلَامِ عَلَى مَعَالِمِ تَجْدِيدِ الدِّينِ: ” وَكَانَ الَّذِي اضْطَلَعَ هُنَا بِهَذَا العَمَلِ التَّجْدِيدِي لِلْإِسْلَامِ هُوَ الإمام أبو الحَسَنِ الأَشْعَرِي، وَبِمَا ظَهَرَ عَنْ طَرِيقَتِهِ الثَّقَافِيَّةِ الجَدِيدَةِ مِنْ تَوْفِيقِ واعتدال وَجُنُوج إِلَى نَصْرِ السَّنَّةِ تَعَلَّقَ بِكُتُبِهِ وَمَقَالَاتِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ المُحدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ، وَتَخَرَّجوا عليه ، وأَقْبَلُوا عَلَى طَرِيقَة حكمته في الدِّينِ، فَكَانَ مِنْ دُعَاةِ مَذْهَبِهِ كبارُ فُقَهَاءِ المَذَاهِبِ فِي عَصْرِهِ، وَخَاصَّةً مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، حَتَّى كَانَ مُعَاصِرُوهُ بِالمغرب من فقهاء المالكية يَنصُرُونَ طَرِيقَتَهُ وَيُزكُونَهَا، مِثْلُ الشيخ الإمام أبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ القَيْرَوانِي”. انتهى
2/عقيدة ابن أبي زيد في الاستواء
قال مكي بن أبي طالب القيسي – تلميذ الإمام ابن أبي زيد القيرواني – في كتابه الهداية إلى بلوغ النهاية 7/ 4610- 4611 عند تفسير لقول الله تعالى “الرحمن عَلَى العرش استوى” – سورة طه-: “والذي يعتقده أهل السنة، ويقولونه في هذا: إن الله جلّ ذكره فوق سماواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه، وله تعالى ذكره كرسي وسع السماوات والأرض كما قال جل ذكره. وكذلك ذكر شيخنا أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله”. انتهى
وقد استدل بعض المجسمة بهذا الكلام لابطال القول بعلو القهر و المكانة وزعموا أن ابن أبي زيد القيرواني يثبت لله الجهة الحسية بدليل قوله “دون أرضه” وقالوا أن الله قاهر للسماوات والأرض وقدره أعلى من كل ذي قدر في السماوات والأرض، فما فائدة قوله “دون أرضه”. وقالوا: “أما لو قلنا إنه أراد وجود ذات الله، فإن ذات الله وجودها فوق السماوات على العرش دون الأرض.”
والجواب على هذه الشبهة أن يقال: أن كلامه مبني على مراعاة الإطلاقات الشرعية الواردة في الكتاب و السنة كقوله عز و جل ” وهو القاهر فوق عباده” و قوله ” سبح اسم ربك الأعلى” وقوله “الرحمن على العرش استوى”.
قال الشيخ محمد بن سلامة الأنصاري التونسي في كتاب النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة في كلامه على من قال “الله فوق سماواته على عرشه دون أرضه” : “هو إطلاق السلف الصالح والصدر الأول؛ نصّ على ذلك الإمام أبو عبد الله بن مجاهد في رسالته إلى أهل باب من الأبواب، قال فيها ما نصّه: “وممّا أجتمعوا على إطلاقه أنّه تعالى فوق سمواته، على عرشه دون أرضه” يريد إطلاقا شرعا، ولم يرد في الشرع أنه في الأرض، فلهذا قال: دون أرضه. وهذا مع ثبوت علمهم باستحالة الجهة عليه تعالى، فليس هذا عندهم مشكلا؛ لعلمهم بفصاحة العرب واتساعهم في الاستعارات”. انتهى
و المعنى الذي أراده ابن أبي زيد هو أن الله فوق سماواته فوقية قدر و استعلاء و أنه قد استوى على العرش وأنه ليس حالا في الأرض.
وأنه لا يوصف بصفات الحدوث. ومما يدل على ذلك ما قاله مكي بن أبي طالب في كتابه الهداية إلى بلوغ النهاية عند تفسيره لقول الله تعالى ” ثم استوى ” من سورة البقرة : “قال أبو محمد -أي ابن أبي زيد-: وليس “علا” في هذا المعنى أنه تعالى علا من سفل كان فيه إلى علو, و لا هو علو انتقال من مكان إلى مكان, ولا علو بحركة تعالى الله ربنا عن ذلك كله, لا يجوز أن يوصف بشيء من ذلك, لأنها صفات توجب الحدوث للموصوف بها, و الله جل ذكره أول بلا نهاية لكن نقول: إنه علو قدرة و اقتدار و لم يزل تعالى قادرا له الأسماء الحسنى و الصفات العلا. انتهى
و هذا الكلام تصريح من ابن أبي زيد في نفي العلو الحسي عن الله وهو الشيء الذي تلهث الوهابية لاثباته له زاعمين أنه على منهجهم.
و قال الإمام شمس الدين أبي عبد الله الأنصاري القرطبي المتوفى سنة 671 هجري في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته تعالى – طبعة : المكتبة العصرية صيدا – بيروت الطبعة الأولى سنة 2005 م – ما نصه: ” قال الشيخ أبو الحسن الأشعري : أثبته مستوياً على عرشه وأنفي عنه كل استواء يوجب حدوثه وله قول آخر : إنه فعل في العرش فعلاً سمى به نفسه مستوياً. قال علماؤنا : وبقوله الأول قال الطبري وابن أبي زيد وعبد الوهاب وجماعة من شيوخ الفقه والحديث”. انتهى
بل صرح الإمام ابن أبي زيد بنفي الكيف عن الله فقال في كتابه الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ : “قال – الإمام مالك -: الاستواء غير مجهول و الكيف منه غير معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب وأراك صاحب بدعة أخرجوه”. انتهى
وقد برأ العلامة الشهير القلاوي الشنقيطي الأشعري إبن أبي زيد القيرواني من القول بإثبات الجهة.
3/ تفنيد شبه الوهابية حول ابن أبي زيد وما ورد في مقدمة الرسالة
ما ما ذكره ابن ابي زيد في مقدمة رسالته: “و أنه فوق عرشه الْمَجِيدُ بذاته”. فيجب التنبيه على ان “المجيدُ” تكون برفع الدال لتكون عائدة على الله تعالى لا على العرش اقتداءا بالقراءة المشهورة في الآية الكريمة “ذو العرش الْمَجِيدُ”,.
فالآية “ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ” من سورة البروج، فيها قراءتان: في قراءة ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾، وصف لله، وفي قراءة ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ﴾ وصف للعرش. فهناك قراءتان، الأشهر هي برفع المجيد .
فالله هو المجيدُ لا العرش وهكذا يستقيم اللفظ و المعنى ان الله على العرش استوى وانه مجيد بذاته لا يحتاج الى العرش لان عظمته ذاتية .
قال العلامة الفقيه محمد الشاذلي النيفر في ترجمة العلامة مفتي تونس في الدولة الحسينية في كتابه مسامرات الظريف ج1/ص358: “وقد قرأت عليه الكفاية شرح الرسالة للشيخ سيدي عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وكانت قراءته لذلك قراءة تحقيق بعد صلاة الصبح، ولما ولي رئاسة الفتيا تأخر عن الدرس المذكور، وكانت تقاريره ومباحثه تسحر الألباب، وأذكر منها أنه لما كان يقري قول الشيخ “ومملا يجب اعتقاده أنه تعالى فوق عرشه، المجيد بذاته” وقد أورد الشارح الاستشكال على ظاهر العبارة بما هو مبسوط في محله من إشعاره بالجرمية والاستقرار بالذات نفسها، فاستظهر رحمة الله أن الجملة مركبة من عقيدتين، وهما كونه تعالى فوق عرشه، وكونه تعالى مجيداً بذاته، بجيث يقرأ المجيد (بالرفع) خبراً ثانياً، لا بالجر على انه نعت للعرش، قال: وهذا الوجه أخذته من قراءة الوقف على ذي العرش في قوله تعالى: (يوجد آية) وهو وجه يزيدك حسناً كلما زدته نظراً، وهكذا كانت أختامه ودروسه كلها في غاية حسن التقرير والتحرير، وأدعيته لطيفة الإنشاء، يبدع في تحريرها كيف شاء”. انتهى
و جاء في كتاب بهجة النفوس للشيخ ابن أبي جمرة الأندلسي ما نصه: “وأما ما احتجوا به لمذهبهم الفاسد بقول ابن أبي زيد رحمه الله في العقيدة التي ابتدأ الرسالة بها بقوله “وأنه فوق عرشه المجيد بذاته” فلا حجة لهم فيه أيضا لأنهم خفضوا المجيد وجعلوه صفة للعرش وافتروا على الإمام بذلك، والوجه فيه رفع المجيد لأنه قد تم الكلام بقوله فوق عرشه والمجيد بذاته كلام مستأنف”. انتهى
أما المجسمة فلم يعجبهم هذا فقال بعضهم: “وَالْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْد: “وَأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيد بِذَاتِهِ وَهُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِعِلْمِهِ”، قَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْمُبْطِلِينَ بِأَنْ رَفَعَ “الْمَجِيدِ”. وَمُرَادُهُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَجِيدُ بِذَاتِهِ.” فانظروا إلى وقاحة الوهابية وسوء أدبهم مع العلماء فقد جعلوا كلمة “المجيد” صفة للعرش بزعمهم و قالوا ان الله مستو بذاته و هذا خطأ مخالف لعقيدة السلف.
وقد فسر هؤلاء الشراح ما أشكل من كلام ابن أبي زيد الذي ورد في مقدمة رسالته لكن الوهابية.
ومن جملة شبه المجسمة أيضا أن سياق كلام الإمام ابن أبي زيد يدل على أن كلمة ب”ذاته” يدل على أنها تتعلق بمسألة العلو والاستواء لا على اسم الله المجيد.
و الجواب على هذه الشبهة أن يقال: ان ابن أبي زيد أراد من كلامه أن الله على العرش استوى وانه مجيد بذاته لا يحتاج الى العرش لان عظمته ذاتية وأنه قادر على كل شيء, فسياق الكلام تنزيه لرب العالمين وأنه قهر العرش بقدرته لا يحتاج لحمله إلى ملائكة أو أعوان بل الملائكة و العرش محمولون بلطيف قدرة المجيد الذي لا يحتاج لشيء من مخلوقاته. فالله مجيد بذاته لا يحتاج الى العرش لان عظمته ذاتية. قال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني المتوفى سنة 837 هجرية في شرح الرسالة : “فإذا تقرر هذا فحمل الفوق على الحس معلوم الاِستحالة بالدليل اليقيني لتقدسه سبحانه عن الجواهر والأجسام ومعلوم ذلك من خلال سياق كلام المؤلف رحمه الله بحيث لا يوهم أنه أراد الحس فهو تعالى فوق العرش فوقية معنى وجلال وعظمة”. انتهى
4/ تفسير العلماء لكلام ابن أبي زيد في مسألة الاستواء.
توجد شروح كثيرة لعلماء تونسيين على رسالة ابن أبي زيد نذكر منها: شرح أبي الفضل قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي وشرح الرسالة للشيخ أحمد حلولو القيرواني المتوفى سنة 875 هجري وشرح الرسالة لعبد الله بن يوسف الشبيبي القيرواني المتوفى سنة 782 هجري وتحرير المقالة لأحمد القلشاني المتوفى سنة 863هجري وشرح محمد بن محمد سلامة الأنصاري المتوفى سنة 746 هجري وغير ذلك من شروح علماء أهل السنة.
وهؤلاء على ثلاث أقسام:
أ- منهم من قال هذا دس على الشيخ ابن أبي زيد.
* قال العلامة الكوثري رحمه الله في تعليقه على تبيين كذب المفتري في هامش صحيفة 123 ما نصه: “يطبق شراح رسالته -أي ابن أبي زيد- على أن هذه اللفظة إما مدسوسة أو من قبيل الاحتراس بالرفع أي: المجيد بذاته”. انتهى
* جاء في شرح الرسالة للعلامة قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني يقول:” قال الفاكهاني : وسمعت شيخنا أبا علي البجائي يقول أنّ هذه اللفظة – يعني ” بذاته ” دُست على المؤلف رضي الله عنه”. انتهى
ومما يدل على أن هذه الكلمة قد تكون مدسوسة عليه قوله في كتابه الجامع في الصحيفة 139 – 141 :” مما اجتمعت الأئمة عليه من أمور الديانة ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة أن الله تبارك وتعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه وإنه في كل مكان بعلمه”. حيث أنه لم يقل: ” فوق سماواته على عرشه بذاته”.
ب- منهم من اشتغل بتأويله
* قال الشيخ محمد بن سلامة الأنصاري التونسي في كتاب النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة :”فأما لفظ الفوقية، فمشترك بين الحسِّ والمعنى، والقرينة تخصّص المراد منها، أو يكون من باب الحقيقة والمجاز، فهو حقيقة في الأجرام مجاز في المعاني. وكم من مجاز يترجّح على الحقيقة…
وقال أيضا: وعلوّ الله ومجده ليس كعلوّ غيره، بل هو مخالف لكل المخلوقات مخالفة مطلقة؛ فمجده تعالى وعظمته وعلياؤه حُكم واجب له بذاته، لا يشارَك فيه وسواء قلنا على هذا إنّ العرش نعت بالمجد، أو المجد خبر مبتدأ، فأراد المصنّف أن يبيّن أنّ ذلك العلوّ والمجد والجلال الذاتي ليس إلاّ لله رب العالمين، فكأنه يقول: هو العليّ المجيد بذاته”. انتهى
* جاء في شرح الرسالة للعلامة قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني ما نصه: “وعلو الله ومجده ليس كعلو غيره بل هو مخالف لكل المخلوقات مخالفة مطلقة فمجده تعالى وعظمته وعلياؤه حكم واجب له لذاته لا يُشارك فيه وسواء على هذا اِن قلنا ” المجيد ” نعت للعرش ام لا ، فأراد المؤلف رحمه الله تعالى أن يبين أن ذلك العلو والمجد والجلال الذاتي ليس اِلا لله رب العالمين فكأنه قال ” هو العلي المجيد بذاته ليس مستفاداً من غيره”.
* قال الإمام الشبيبي القيرواني في شرح عقيدة الإمام ابن أبي زيد – مخطوط في المكتبة الخاصة للشيخ الشاذلي النيفر رحمه الله- عند قوله: «وأنه وفق عرشه المجيد بذاته» ما نصه: “وأما فوقية الله على عرشه فالمراد بها فوقية معنوية بمعنى الشرف والجلال والكمال والمكانة، لا فوقية أحياز وأمكنة لأنه تعالى يستحيل عليه المكان والجهات ومشابهة المخلوقات”. انتهى
* قال الشيخ القاضي أحمد القلشاني التونسي في شرحه: “يتّضح كلامه رحمة الله تعالى ويزول إشكاله بما يتبيّن من معنى الفوقية والعرش والمجيد والذات، أما معنى فوقية الله تعالى على عرشه فالفوقية عبارة عن كون الشيء أعلى من غيره في المحسوسات بالمماسّة كزيد على السطح، وفي المعنويات كالسيّد فوق عبده، فالمراد فوقية الشرف، وكذا قوله تعالى: ” وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ” -آل عمران- 55 فالفوقية هنا معنوية بمعنى القهر والغلبة والظهور، وكذا ” فَوْقَهُمْ ” في قوله: ” وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” – البقرة 212 – فالفوقية فيها معنوية؛ فمن جاز عليه المكان جاز أن تكون فوقيته بالمكان أو بالمعنى؛ ومن يستحيل عليه الجهة والمكان لا تكون فوقيته إلا معنوية. انتهى
*قال الشيخ أبو العباس أحمد بن مخلوف الشابي التونسي في مجموع الفضائل في سر منافع الرسائل في بداية الطريق لأهل التحقيق في الصحيفة 66 في تفسير الفوقية التي وردت في رسالة ابن أبي زيد القيرواني ما نصه: “هذه فوقية استيلاء احاطة, وتمكن قيومية و تمام تصرف من كل حيثية من غير حجر و لا تحديد جهة, بل بدليل قوله « وهو في كل مكان بعلمه» لضرورة ملازمة الصفة للموصوف” . انتهى
* جاء في كتاب الأجوبة لأبي القاسم بن محمد مرزوق بن عظوم المرادي الجزء الخامس صحيفة 192 ما نصه: “نقلت من منقول من خط الشيخ أبي عبد الله محمد ابن أحمد بن محمد بن مرزوق – رحمه الله تعالى- على شرح الرسالة للجزولي في قول الشيخ ( ابن أبي زيد القيرواني) – رحمه الله تعالى -: وإنه فوق عرشه المجيد بذاته, ما نصه: قال محمد بن مرزوق – غفر الله تعالى له و لطف به بمنه- يحتمل أن يكون قوله: وأنه فوق عرشه كلام مستقل و الفوقية لما كان لفظها يوهم المكان و أنه محمول مفتقر في تحققه إلى ذلك المكان, نفى ذلك التوهم بجملة أخرى مستقلة و هي قوله: ” المجيد بذاته”, فالمجيد مبتدأ خبره بذاته, أي قائم بذاته, أي لا يحمله مكان يفتقر إليه و لا إلى غيره من الأشياء كائنا ما, لأنه مستقل بذاته. و عبر بالمجيد تنبيها على هذا المعنى. انتهى
إلى أن قال: “أخبر أن عظمة الله تعالى فوق عظمة العرش و هو في غاية الحسن و الظهور. وأظن هذا الوجه خفي عمن تقدم و من تأخر من شراح هذا الكتاب, والمنة لله تعالى لا رب غيره”. انتهى
* وقال الإمام الكبير أبو محمد صالح الهسكوري الفاسي المتوفى سنة 653هـجري في شرح رسالة الإمام ابن أبي زيد القيرواني في الصحيفة 106: “استواؤه تعالى راجعٌ إلى علوِّ المرتبة، لا إلى المكان والجهة”. انتهى
وقال في نفس الكتاب: “وأما ما وصف به نفسه تعالى في كتابه من أن له وجها، ويدين، وعينين، فلا مجال للعقل في ذلك وإنما يعلم من جهة السمع. فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به من غير تكييف، ولا تحديد إذ ليس بذي جسم، ولا جارحة، ولا صورة. هذا قول المحققين من المتكلمين “. انتهى
و الإمام الهسكوري هو شيخ المغرب علما وعملا، أخذ عن المومناني، الذي أخذ عن ابن عتاب، الذي أخذ عن أبيه أبي عبد الله، الذي أخذ عن أبي عبد الله بن عائد، الذي أخذ عن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني الذي أخذ عن أبي بكر بن اللباد، الذي أخذ عن يحيى بن عمر، الذي أخذ عن الإمام سحنون، الذي أخذ عن ابن القاسم، الذي أخذ عن الإمام مالك، الذي أخذ عن نافع، الذي أخذ عن ابن عمر رضي الله عنه، الذي أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* وقال ابن الفخار المالكي المتوفى سنة 751 هجري في كتابه: ” نُصْح المقالة في شرح الرسالة” ما نصه: “و قوله: “وأنه فوق عرشه المجيد بذاته” معناه أن الله تبارك و تعالى قهر عرشه وملكه وقهره بذاته أي وحده لم يشاركه أحد فيه و العرش أعظم المخلوقات فيما علمنا ويخلق ما لا تعلمون و على ذلك قول الله تعالى:” ويخلق ما لا تعلمون” و العرش أيضا سرير الملك وعلى ذلك قول الله تعالى ” ولها عرش عظيم”ومعنى المجيد الكثيرالمجد وهو الشرف. ورد المجيد برفع الدال على أنه من صفات الله. ورد بخفض الدال على أنه من صفات العرش وقوله وهو في كل مكان بعلمه، معنى سبحانه أنه يعلم الأمكنة و ما فيها ويعلم الأزمنة و ما فيها وعلى ذلك قول الله تعالى “وهو معكم أين ما كنتم” أي بالعلم والإحاطة لأن الله تبارك وتعالى ليس في زمان ولا في مكان لأنه سبحانه كان قبل أن يخلق الزمان والمكان وعلى ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم :” كان الله ولا شيء معه” و على ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:” كان الله ولا زمان ولا عرش ولا مكان فخلق الزمان والعرش والمكان وهو كما كان” .انتهى
وابن الفخار هو هو محمد بن علي بن محمد بن الفخار المالقي الجذامي ، الأندلسي، النحوي المالكي. ذكره ابن فرحون في الديباج المذهب فقال عنه:” كان رحمه الله كثير العكوف على العلم، و الملازمة، قليل الرياء، خيرا صالحا، شديد الإنقباض مغرقا في باب الورع، سليم الباطن، وكان مفيد التعليم، متفننه في فقه، عربية، وقراأت، أدب، وحديث، عظيم الصبر، مستغرق الوقت في التدريس”. انتهى
وكتاب “نُصْح المقالة في شرح الرسالة ” هو مخطوط موجود بمكتبة “الأسكوريال” التي تقع على بعد حوالي 45 كم شمال غرب العاصمة الإسبانية .
* و قال السنوسي في حاشيته المكمل على اكمال الآبي الأزهري: ” الذي وقع للشيخ – اي ابن أبي زيد – في الرسالة هو قوله ” وانه فوق العرش المجيد بذاته وقد أولوه بأن الضمير في ” ذاته ” يعود على العرش والباء بمعنى في ،أو ” المجيد ” مرفوع خبر عن الله تعالى ومعنى ” بذاته ” اي ان مجده ليس بمكتسب من غيره ،وأقرب من هذا انه مخفوض نعتاً للعرش ، والضمير في ” ذاته ” يعود على الله عز وجل وتعبيره بأنه فوق العرش استعارة تمثيلية لقهره تعالى العرش الذي هو أعظم المخلوقات ونسبة سائرها اليه – اي سائر المخلوقات الى العرش – كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وان جميع كمالاته – اي العرش – واجتماع أجزائه وثباته في موضعه الذي هو فيه مستندة الى قدرته تعالى ، جارية على وفق اِرادتِه جل وعز وعلمِه ، لِمَا تقرر في الشرع ان للعرش حملة من الملائكة يحملونه ولهم من القوة وعظم الأجسام ما لا يعلم غايته الا الله عز وجل ، كان ذلك لأن يتوهم قاصر الايمان انه تعالى استعان على اِمساك العرش وتدبيره بأولئك الحملة فاحترس الشيخ – اي ابن ابي زيد -عن ذلك بقوله ” بذاته ” فهو من النوع المسمى في فن البيان بـ ” التكميل ” ، يعني ان الفوقية على العرش التي اضافها الى الله تعالى بمعنى فوقية القهر والتدبير وليست هي بواسطة معِين من حملةٍ او غيرِهم واِنما هي بذاته. انتهى
* قال العلَّامة الأصولي ناصر الدِّين المَشَدَّالي الجزائري المتوفى سنة 731 هججري في شرحه على عقيدة الرِّسالة لابن أبي زَيد القيرواني صحيفة 108 ما نصه:
” وأما فوقية الله تعالى على عرشه فالمراد بها فوقية معنوية بمعنى الشرف والجلال و الكمال و المكانة لا فوقية أحياز و أمكنة لأنه تعالى تستحيل عليه الأمكنة و الجهات …”. انتهى
* قال الشيخ العدوي المالكي في حاشيته على شرح ابي الحسن المنوفي: “واما قوله فوق عرشه المجيد فلم يؤخذ عليه فيه لأنه ورد الشرعُ باطلاق الفوقية كقوله تعالى ” يخافون ربهم من فوقهم ” فالمراد اطلاق الفوقية من حيث هي لا بخصوص الاضافة للعرش فيجوز قول القائل فوق سمواته او فوق عرشه ويحمل على فوقية الشرف والجلال والسلطنة”. انتهى
*قال الشيخ محمد البرنسي الفاسي المعروف بزروق المتوفى سنة 899 هجرية في شرح الرسالة ما نصه: “قوله – اي ابن ابي زيد – ” وانه فوق عرشه المجيد بذاته ” : يريد به فوقية معنوية كما يقال السلطان فوق الوزير و المالك فوق المملوك والشريف فوق الدنيء ، لا انها حسية كالسماء فوق الأرض وما في معناها لانتفاء الجهة في حقه تعالى: وبالجملة فاِخراجه عن ظاهره المحال واجب. لما يلزم عليها من النقص والحدوث .. انتهى
ثم قال عند قول صاحب الرسالة ” العلي الكبير ” قال الشيخ زروق: ” وعلوه وكبرياؤه بالمزية والمكانة والأوصاف المعنوية لا بالمكان والأوصاف الحسية.
قال شيخ الجماعة بفاس أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس المالكي المتوفى سنة 1182 هجري في كتابه شرح توحيد الرسالة ما نصه: ” أن قهريته تعالى لعرشه بالذات لا بالغير من كثرة الأموال وضخامة الاجناد فلا معين له ولا وزير ولا ناصر ولا ظهير كما هو الشأن في ملوك الدنيا”. انتهى
قال الكتاني عن الشيخ جسوس في سلوة الأنفاس: “الفقيه العلامة المحقق الورع الزاهد، المصنف الحاذق النبيه، ذو التصانيف العديدة والتآليف المفيدة شيخ الجماعة في وقته”.انتهى
وقال الشيخ أبو الربيع سليمان الحوت المالكي المتوفى سنة 1231 هـجري في الروضة المقصودة في مآثر بني سودة في ترجمته مانصه:” أبوعبد الله محمد بن قاسم جسوس ، كان رحمه الله بحرا لايجارى في مجال العلوم ، وسندا يعمر أديم المشكلات بماضي المفهوم ، حافظا ضابطا متفننا ماهرا عارفا بالأصول والفروع ، حاصرا للأفراد والجموع ، مشاركا في معقول العلم ومنقوله” انتهى
ومن الذين شرحوا الرسالة القاضي عبد الوهاب الأشعري وهو لو فهم عبارة المؤلف بذاته ما فهمته المجسمة الوهابية لبادر إلى إنكار هذا اللفظ كسائر علماء الحديث و الأصول من الأشعرية. والقاضي عبد الوهاب هو من تلاميذ القاضي ابي بكر الباقلاني و قد لازمه و درس عليه حتى قال عن الباقلاني ” هو الذي فتح افواهنا و جعلنا نتكلم”
فمهما تشبث المجسمة بظاهر كلام ابن أبي زيد في مسألة الاستواء ليثبتوا أنه موافق لمنهجهم الفاسد فهو باطل باطل باطل.
ج- ومنهم من رده و اعترض عليه.
* قال الشيخ عبد العزيز الغماري في التحفة العزيزية: “وأما من قال إنه فوق عرشه بذاته، وهو معنا بعلمه وزعم أن ذلك مذهب السلف، فقد قال زورًا، وضل وغوى، ووقع فيما هرب منه من التأويل المخالف لمذهب السلف. ذلك أنه لم يرد أولا في نص كونه سبحانه فوق العرش بذاته، ومن اطلق هذا اللفظ من أهل العلم فقد أخطأ وقد انتقدوا على ابن أبي زيد القيراوني حيث قال في رسالته وهو فوق العرش بذاته، وبالغوا في الرد عليه كما هو مذكور في محله”. انتهى
* قال الذهبي في العلو صحيفة 256: ” وقد نقموا عليه ـ يعني ابن أبي زيد القيرواني ـ في قوله بذاته. فليته تركها” انتهـى.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء19/607 أثناء ترجمة ابن الزاغوني ما نصه: “قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعـلــم” انتهـى.
وقال الذهبي في كتاب العلو صحيفة 263 بعد أن نقل قول يحيى بن عمار: “بل نقول هو بذاته على العرش وعلمه محيط بكل شيء” قال الذهبي: “قولك “بذاته”من كيسك” انتهـى.
فهذا كلام الذهبي الذي هو إمام معتبر عند المجسمة وقد أنكر هذه العبارة وخالفهم في هذه المسألة.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرحه لحديث “إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة…” ما نصه: “وفيه – أي الحديث – الرد على من زعم أنه على العرش بذاته” انتهـى.
* قال ابن جهبل في رده على المجسم ابن تيمية: وأما ما حكاه عن أبي عمر بن عبد البر فقد علم الخاص والعام مذهب الرجل ومخالفة الناس له ونكير المالكية عليه أولا وآخرا مشهور ومخالفته لإمام المغرب أبي الوليد الباجي معروفة حتى إن فضلاء المغرب يقولون لم يكن أحد بالمغرب يرى هذه المقالة غيره وغير ابن_أبي زيد على أن العلماء منهم من قد اعتذر عن ابن أبي زيد بما هو موجود في كلام القاضي الأجل أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي رحمه الله”. انتهى.نقله التاج السبكي في طبقاته
* قال خزانة الفقه المالكي القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم: “ثم جاءت طائفة ركبت عليه، فقالت: إنه فوق العرش بذاته، وعليها شيخ الغرب أبو محمد عبد الله بن أبي زيد، فقالها للمعلِّمين فسدكت بقلوب الأطفال والكبار”. انتهـى
وانتقاد ابن العربي لعبارة ابن أبي زيد يُفهَم من طريقين:
– الطريق الأول أن يقال: لعل ابن العربي قد بلغه عن ابن أبي زيد ما يتناقله المجسمة من التمسك بظاهر عبارته على أن ابن العربي ليس من شراح الرسالة و كان شديد الانكار على من يقول بالجهة في حق الله و يعتبره كافرا. وابن أبي زيد قد استبدل لفظ “على” التي ورد بها التوقيف بلفظ “فوق” لما بينهما من الترادف، ومراده بها فوقية مَجْد ورِفْعة وجلالة ومكانةٍ، وهذا هو مقصود الإمام ابن أبي زيد القيرواني كما بينه تلميذه الإمام مكي ابن أبي طالب. كما أنه لم يُرِدْ بلفظة بذاته – إن صحَّت عنه- المعنى الذي تريده المجسمة ، كما هو بيّن وجليّ من أقوال شراح رسالته.
– الطريق الثاني أن يقال: القاضي ابن العربي قد عمل بقاعدة سد الذرائع المقررة في المذهب المالكي لما رأى أن بعض الجهلة حملوا عبارة ابن أبي زيد على غير مراده. قال أبو العباس القرطبي في كتابه المفهم:”وفيه : حُجَّةٌ لمالكٍ على القولِ بِسَدِّ الذرائع ، وهو مِنْ نحو قوله تعالى : “وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ” ، والذريعةُ : هي الامتناعُ مما ليس ممنوعًا في نفسه ؛ مخافةَ الوقوعِ في محظورٍ ؛ على ما بيَّنَّاه في “الأصول”.
وقد عبر ابن العربي عن ذلك بقوله:”سدكت بقلوب الأطفار والكبار”، ومعنى سدكتَ لزِمَت، والمقصود بالأطفال ضعفاء العلم والجهلة وإن كانوا كبارا في السن، وبالكبار الذين هرموا في السن وهم صغار في العلم لا فهم ولا ذوق ولا فقه لهم.

ابن أبي زيد القيرواني المتوفى سنة 386 هجري
الجزء الثاني
في ما يلي تكملة الجزء الأول الذي نشر تحت الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/15yX9kuLQf/
1- براءة ابن أبي زيد من عقائد المجسمة وتنزيهه لله عن مشابهة خلقه
نقل الإمام ابن أبي زيد رحمه الله تعالى في كتابه النوادر والزيادات المجلد 14/ 553 عن الإمام مالك أنه قال: “ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهه كذلك بشيء، وليقل: له – تعالى – يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه. تقف عند ما في الكتاب، لأن الله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له، ولا يروي أحدٌ مثلَ هذه الأحاديث، مثلُ ” إن الله خلق آدم على صورته ” ونحوُ ذلك مـن الأحاديث. وأعظمَ مالكٌ أن يتحدث أحدٌ بمثل هذه الأحاديث أو يُردِّدَها”. انتهى
قال الامام مكي بن أبي طالب القيرواني في تفسيره الجليل” الهداية” عند قوله تعالى ” يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطعون” سورة القلم الآية 42 ما نصه: قال أبو محمد – أي ابن أبي زيد القيرواني- : فمعنى يكشف لهم عن ساق، أي: عن أمر عظيم وقدرة لا يقدر عليها إلا الله. فيعرفونه تعالى [أظهر] من قدرته إليهم. ولا يحل لأحد أن [يتأول] في هذا وما شابهه جارحة، إذ ليست صفات الله كصفات الخلق، كما أنه ليس كمثله شيء، فاحْذَرْ أن يتمثل في قلبك شيء من تشبيه الله بخلقه، [فغير] جائز في الحكمة والقدرة أن يكون المخلوق يشبه الخالق في شيء من الصفات، ومن شبه الخالق بالمخلوق فقد أوجب على الخالق الحدث، وكفر وأبطل التوحيد، إذ في ذلك نفي القدم عن الخالق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرًا”. انتهى
وقال مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه الهداية إلى بلوغ النهاية في الصحيفة 690 عند قول الله تعالى في سورة البقرة الٱية 210 :”هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر و إلى الله ترجع الأمور” ما نصه: ” قال أبو محمد – أي ابن أبي زيد-: “ويجب أن تعتقد أن صفات الله جل ذكره بخلاف صفات المخلوقين، فلا تعتقد إلا أن الإتيان و المجيء من الله تبارك و تعالى صفة وصف بها نفسه، لا اتيان انتقال و تغير حال، تعالى الله عن ذلك”.انتهى
ونقل الشيخ أحمد بن البشير الشنقيطي في كتاب مفيد العباد براءة ابن أبي زيد القيرواني من عقائد المشبهة.
ومما يشهد لصحة كلامه ما قاله ابن أبي زيد في قصيدته اللامية:
مدحت خير الورى أرجو شفاعته
من خالق جل عن شبه وعن مثل
2- تبحره في علم الكلام
جاء في التَّسْدِيد فِي شَرْحِ التَّمْهِيد اللَّوْحَة -87- نَقْلًا عَن كِتَاب الآرَاء الكَلَامِيَّة وَالعَقَدِيَّة لِلإِمَام عَبْد الجَلِيلِ بْن أَبِي بَكْرٍ الرَّبَعِي القَرَوِي الدِّيبَاجِي صحيفة 234-235 – تَأْلِيف: د.رَشِيد عَمُّور، الدَّر العَالمِيِّة لِلكِتَاب: الدَّار البيَْضَاء – الـمَغْرِب، الطَّبْعَة الأُولَى: 2018م. – ما نصه: ” قَالَ الإِمَام عَبْد الجَلِيل الرَّبَعِي الأَشْعَرِي الـمَالِكِي القَيْرَوَانِي – كانَ حَيًّا: سَنَة 478هـ – فِي شَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ “التَّمْهِيد” لِلقَاضِي البَاقِلَّانِي مَا نَصُّه: “إِذَا وَجَدْنَا لِـمِثْل الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد بْنِ أَبِي زَيْدٍ [القَيْرَوَانِي] كَلَامًا يَحْتَمِلُ الخَطَأ، وَيَحْتَمِلُ الصَّوَاب لَمْ يَجِب أَن نَّحْمِلَ كَلَامَهُ عَلَى الخَطَإِ، بَل نَحْمِلهُ عَلَى الصَّوَابِ أَوْلَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحِفْظِهِ الـمَسَائِل وَالفَتَاوَى بِرُؤُوسِهَا، لَكِن لِـمَا عَلِمَهُ مِنَ النَّظَرِ، فَلَقَد رَأَيْتُ بِخَطِّهِ مِنْ تَصْنِيفَاتِهِ عَلَى “ابْنِ الصِقِلِّي” مَا يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِالنَّظَرِ، وَمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُفَارِقٌ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ مِن مُّقَلِّدَي الفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْتُ بِخَطِّهِ الكَلَام عَلَى أَنَّ الأَعْرَاضَ لَا تَبْقَى، وَإِقَامَته الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ الـمَسْأَلَة أَشَدُّ مَا يُنكِرهُ الـمُقَلِّدَةُ مِنَ الفُقَهَاءِ مِنْ عِلْمِ الأُصُولِ وَيُبعدُونهَا، فَلِذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ تَصْنِيفَاتِهِ قُلْنَا: أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ”. انتهى
وما تقدم ينقض كلام الحَافِظِ الذَّهَبيِ فِي «سِيرِ أَعْلَامِ النبَلَاءِ»، حيث قال: “وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي الأُصُولِ، لَا يَدْرِي الكَلَامَ”، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الإِمَامَ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ اسْتَعْمَلَ الطُّرُقَ الكلامية والتقاسيم العقلية والحقائقِ البرهانية للدفاع عَنْ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالسَّلَف الصالح، كما مر مُصَرَحًا بِهِ عَلَى لِسَانِ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى مُؤَلَّفَاتِهِ، فَلَا يَبْقَى لِقَوْلِ الْحَافِظِ الذهبي مِنْ عَذرٍ فِي قَوْلِهِ عَنِ الإِمَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي الكَلَامَ إِلَّا عَدَمُ اطلاعِهِ عَلَى مُؤلَّفَاتِهِ الكَلَامِيَّةِ.
3- رَدَّهُ عَلَى الفيلسوف ابْنِ مَسرَّةَ المتوفى سنة 319هـجري
كان ابن مسرة فيلسوفا أندلسيا معتزليا، وممن تأثر بفَلْسَفَةِ أنباذوقليس/ إمبيدوكليس Empedocles
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلى عُمَرُ بْنُ محمد السَّكُونِيُّ المتوفى سنة 717 هـجري في لحن العوام في علم الكلام: «وَقَدْ صَنَّفَ الفَقِيهُ أبو محمد بن أبي زيد رَحمَهُ الله كتابًا فِي الرَّدَ عَلَى ابْنِ مَسرَّة مُنْطَوِيا عَلَى التقاسيم الأصولية والقَوَانِينِ الحَقِيقِيَّةِ البُرْهَانِيةِ، يَدُلُّ عَلَى تَبحرِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عِلْمٍ أُصولِ اللينِ، وَبِهَذَا شَهِدَ لَهُ القَاضِي أَبُو بَكْرِ ابْنُ الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنفِ فِي الكرامات”. انتهى
وَقَدْ حَفِظَتْ لَنَا بَعْضُ كُتُبِ التَّرَاجِمِ أَسْبَابَ آتِصَالِ الإِمَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ بِفَلْسَفَةِ ابْنِ مَسرَّة، مِنْ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الحافظ ابن بشكوال في الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، فِي تَرْجَمَةِ الشَّيخ محمد بنِ قَاسِمِ بْنِ مُحمد الأموي القُرْطي المعروفِ بِالجَالِطِي المتوفى سنة 403 هـجري فقال: روى عن أَبِي بَكْرِ الزبيدي (ت 379هـ) وَرَحَلَ إِلَى الْمَشْرِقِ وَحَجَّ سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلَاثمائةٍ، وَأَخَذَ هُنَالِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَأَخَذَ بِالقَيْرَوَانِ عَنْ أَبِي مُحمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَبِي الحَسَنِ القَابِسِي، وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ كِتَابَ رد الزبيدي عَلَى ابْنِ مَسرَّة، حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ وَاضِعِهِ أَبِي بَكْرٍ”. انتهى
ورد الزبيدي عَلَى ابْنِ مَسرَّة هو كتاب مفقود يسمى هتك ستور الملحدين في الرد على ابن مسرة وجماعته.
ولَا يَتَصَوَّرُ مِنَ الإِمَامِ ابْنِ أَبِي زَيْد الرَّدُّ عَلَى ابْنِ مَسرَّة دُونَ اطَّلَاعِ عَلَى فَلْسَفَتِهِ وَلَا تَمكُن مِنْ فَهم مَا فِيهَا مِنْ شُبهات.
4- وصيته بشد الرحال لقبر النبي عليه الصلاة والسلام
تجدون مرفقا مقتطفات من وصية الإمام ابن أبي زيد القيرواني – الصورة الثانية والثالثة- ذكرت في ذيل مخطوطة كتابه الذب عن الإمام مالك ونشرت في مجلة، وفيها اقراره لتلميذَه على شده الرحالَ لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا النص يجعل ابن أبي زيد القيرواني في حكم القبورية عند أدعياء السلفية.
5- ابن أبي زيد و رثائه لمشائخه
من المعلوم أن الوهابية يدعون باطلا أن ابن أبي زيد موافق لهم في معتقدهم الفاسد. و من المعلوم أيضا أن الوهابية تنكر التوسل و الاستغاثة و نداء الموتى و تعتبر هذا شركا. وهذا ابن أبي زيد قد رثى شيخه أبا بكر محمد بن محمد بن وشاح المعروف بابن اللباد لما توفي بقصيدة قال فيها:
يا من هو العلم المشهور منظره ومن تأدب بالتقوى وأدبنا
ومن به نكشف الظلماء إن نزلت ومن بدعوته الرحمن ينفعنا
كما هو مذكور في كتاب المعالم ورياض النفوس و كتاب العمر، و مذكور أيضا تحت باب في سيرة ابن أبي زيد وترجمته من مخطوط سمط اللئالي للشيخ قويسم 5/ 166ـ168 والأبيات 25/6 ، ط رقم مخطوط 11401 ، مكتبة دار الكتب الوطنية بتونس.
ورثا ابن أبي زيد أيضا شيخه أبا الفضل الفقيه لما توفي. فقد جاء في كتاب الرياض أنه قال:
يا ناصرا للدين قمت مسارعًا وبذلت نفسك مخلصًا وفريدًا
وذبيت عن دين الإله مجاهدًا وبعت بيعًا رابحًا محمودًا
وقال في رثائه أيضا:
يا قرة للناظرين وعصمة للمسلمين وعدة وعديدا
جمعت كل فضيلة ونقيته وحويت علما طارفا وتليدا
فهل ستصر الوهابية على أن ابن أبي زيد على منهجهم بعد أن ثبت أنه نادى الموتى أم أنهم سيتبرؤن منه ؟
6- الرد على ابن قيم الجوزية في ما نسبه لابن أبي زيد
من الذين تمسكوا بظاهر عبارة الرسالة في مسألة الاستواء من المجسمة المدعو ابن زفيل الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية تلميذ المجسم ابن تيمية حيث يقول في نونيته التجسيمية فيما يدعيه من اِجماع مكذوب على أهل العلم بأن الله موجود فوق العرش بذاته فوقية حسية حيث قال كما في تكملة السيف الصقيل:
وسادس عشرها اِجماع أهل العلم …. وحكى الاجماع ابن أبي زيد
ومن الملاحظ انه ليس في رسالة ابن أبي زيد ذكر لاِجماعٍ او اختلافٍ في هذا الموضع. فهو محض كذب من ابن القيم وهذا يجعلنا نشك في صحة ما ينقله عن أبي بكر محمد بن موهب القبري المالكي -نسبة لمدينة قبرة Cabra –
المتوفى سنة 406 هجري تلميذ ابن أبي زيد حيث ذكر ابن الزفيل في كتابه المسمى بزعمه” اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية”: وقال أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد: “…..قال الشيخ أبو محمد: إنَّه فوق عرشه المجيد بذاته ، ثم إنه بين أن علوه على عرشه إنما هو بذاته ; لأنه بائن من جميع خلقه بلا كيف وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته ; إذ لا تحويه الأماكن ; لأنه أعظم منها وقد كان ولا مكان ولم يحل بصفاته عما كان إذ لا تجري عليه الأحوال”. انتهى
فهو كذب لأن شرح الرسالة لمحمد بن موهب القبري هي من بين الشروح المفقودة, ولا ندري كيف وصل هذا الشرح لابن القيم وهو مفقود عند علماء المالكية و المهتمين بشرح الرسالة. وإلا فمحمد بن موهب القبري هو إمام من أئمة المالكية ومن تلاميذ الإمام ابن أبي زيد القيرواني ومن شرّاح رسالته، وهو جدُّ الإمام أبي الوليد الباجي لأمّه رحمهما الله.
ومما يذكر في ترجمته أنه كان من علماء الكلامِ على مذهب أهل السنة الأشاعرة، بل غلبَ عليه الكلامُ والجدلُ في نصرة مذهب أهل السنة أي الأشاعرة فليس ثمة أهل السنة غيرهم في زمنه وقطره.
و قد سمع من أبي الحسن القابسي الأشعري، وكان يحدّث بكتب الأستاذ أبي بكر بن فوركَ بواسطة تلميذه محمد بن علي المطوعي، فليس بينه وبين ابن فورك إلا تلميذه.
بل ان المتمعن في كلام ابن أبي زيد الذي نقله ابن القيم يجد فيه تناقضا. ففي أول الكلام اثبات للجهة والفوقية الحسية لله و آخره الأماكن والجهات فهذا تناقض واضح و صریح يجعل الشك قائم في نسبة ما يدعيه المجسم ابن القيم لمحمد ابن موهب القبري.
فابن القيم لم يعلم أن الحق يعلو و لا يعلا عليه : يريد بزعمه أن يضرب معتقد الأشاعرة بكلام ينسبه لجهابذة الأشاعرة و ابن أبي زيد واحد منهم كان ينزه الله عن المكان و الحركة و الانتقال و الجهة كما نقل ذلك عنه تلميذه مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه الهداية إلى بلوغ النهاية.
وقد اعتقد الكوثري صحة كلام ابن القيم، لذلك تتبع كلامه في السيف الصقيل، فقال: “وأبو بكر محمد بن موهب شارح رسالة ابن أبي زيد مسكين مضطرب بعيد عن مرتبة الحجة”. انتهى





