الكلام اللفظي و الكلام النفسي

الكلام اللفظي و الكلام النفسي

الكلام قسمان اما لفظي او نفسي.

أ- الكلام اللفظي هو المركب من حروف وكلمات.

ولما كان الكلام اللفظي يقتضي اللغات، و يقتضي أيضا التركيب والتعاقب والترتيب، علم أنه وُضع للمخلوق لا للخالق.

ب- الكلام النفسي هو القائم بالنفس. ونفس الشىء ذاته

والدليل عليه ٱيات منها:

– قوله تعالى: “ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا اللّه بما نقول حسبهم جهنم”.

و قوله تعالى : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ .

– قوله تعالى: “وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ” -الأعراف: 205-

قال الفخر الرازي في تفسيره: “قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ فِي نَفْسِهِ وَجَبَ الِاعْتِرَافُ بِحُصُولِ الذِّكْرِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا مَعْنَى لِكَلَامِ النَّفْسِ إِلَّا ذَلِكَ.” انتهى

ويدل على الكلام النفسي أيضاً قول عمر رضي الله عنه: “زورت في نفسي كلاماً”. انتهى

و الكلام النفسي إما أن يكون كلاما نفسيا بشريا حادثا، وهو عبارات مرتبة منظمة.

وإما كلاما نفسيا إلهيا قديما، وهو ليس بعبارات مرتبة .

وليعلم أن أهل السنة أطلقوا مصطلح الكلام النفسي القديم للتفريق بينه وبين الكلام الحادث سواء اللفظي منه أو النفسي البشري.

و معنى الكلام النفسي القديم، هو الكلام القائم بذاته تعالى، فلا ينفصل منه، وهو ليس حرفا ولا صوتا.

وهذا الكلام النفسي القديم ليس كلاما يحدثه الله في ذاته، ولا يقال أيضا أنه حدث في نفس الله. فهو لا يشبه الكلام النفسي البشري الذي يختلج في نفس الشخص.

وليعلم ان الكلام النفسي القديم يصح سماعه كما هو مذهب الأشعري والغزالي، بناءا على أن مدار صحة السماع هو وجود المسموع وإن لم يكن صوتا.

و الكلام النفسي القديم كان معروفا بين الصحابة، لكن المصطلح لم يظهر في زمانهم، وهذا كغيره من المصطلحات الحديثية والفقهية، التي ظهرت لاحقا، وهذا لعدم الحاجة إليه في زمانهم، ولعدم ظهور المشبهة بين أظهرهم ممن ينسبون الحرف والصوت لله عز وجل.

وأول من أشار إلي الكلام النفسي وعبر عنه هو الإمام أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة 150 هـجري في كتابه الفقه الأكبر، حيث قال : «ويتكلم لا ككلامنا ويسمع لا كسمعنا ‌ونحن ‌نتكلم ‌بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق». انتهى

و اول من اظهر مصطلح الكلام النفسي هو الشيخ عبد الله بن سعيد بن كلاب رضي الله عنه المتوفى سنة 241 هجري، و عن تلامذته اخذ ابو الحسن الاشعري، كما ذكر ذلك الذهبي في السير.

وأما غيره من علماء أهل السنة فاصطلحوا على مصطلحات مشابهة تفيد نفس المعنى:

– قال البخاري المتوفى سنة 256 هجري في خلق أفعال العباد: “وقراءة القرآن من جملة الصلاة، فالصلاة طاعة الله، والأمر بالصلاة قرآن، وهو مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء على اللسان، والقراءة والحفظ والكتابة مخلوق، وما قرئ وحفظ وكتب ليس بمخلوق، ومن الدليل عليه أن الناس يكتبون الله ويحفظونه ويدعونه، فالدعاء والحفظ والكتابة من الناس مخلوق، ولا شك فيه، والخالق الله بصفته، ويقال له: أترى القرآن في المصاحف؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن من صفات الله ما يرى في الدنيا، وهذا رد لقول الله عز وجل: ( لا تدركه الأبصار ) في الدنيا ( وهو يدرك الأبصار ) وإن قال يرى كتابة القرآن فقد رجع إلى الخلق، ويقال له: هل تدرك الأبصار إلا اللون؟ فإن قال: لا، قيل له: وهل يكون اللون إلا في الجسم؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن القرآن جسم يرى”. انتهى

لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
سورة الأنعام: 103]

وقال الطبري المتوفى سنة 310 هجري في التبصير: ” لأن الكلام لا يجوز أن يكون كلاماً إلا لمتكلم، لأنه ليس بجسمٍ فيقوم بذاته قيام الأجسام بأنفسها”. انتهى

وعليه فلا عبرة بمن أنكر الكلام النفسي، سواء الكلام النفسي البشري، أو الكلام النفسي القديم، لا سيما مجسمة العصر، ممن يقومون بالتعبير بأزرار الحاسوب عن مدلولات كلامهم النفسي، وما يقوم بقلوبهم من المعاني.

ولو كان الأخطل حيا بيينا لقال:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما .:. جعل الزر على الفؤاد دليلا

والناظر في أغلب اعتراضات المجسمة على مسألة الكلام النفسي يلاحظ أن عوامهم وعلماءهم لم يحيطوا فهما بها حتى أن التاج السبكي قد ذكر في طبقات الشافعية عند ترجمته للحافظ فخرُ الدين بن عساكر ما نصه: ” وكان بينه وبين الحنابلة ما يكون غالبا بين رَعاعِ الحنابلة والأشاعرة فيُذكر أنه كان لا يمرُّ بالمكان الذي يكون فيه الحنابلةُ خشية أن يأثموا بالوقيعة فيه وأنه ربما مر بالشيخ الموفّق بن قدامة فسلم فلم يرُد الموفَّق السلام، فقيل له فقال: إنه يقول بالكلام النَّفسي وأنا أردُّ عليه في نفسي. فإن صحَّت هذه الحكايةُ فهي مع ما ثبت عندنا من ورَعِ الشيخ موفَّق الدين ودينه وعلمه غريبة فإن ذلك لا يكفيه جوابُ سلامٍ وإن كان ذلك منه لأنه يرى أن الشيخ فخر الدين لا يستحقُّ جوابَ السّلام فلا كيد لمن يرى هذا الرأي ولا كرامة ولا تظُنُّ ذلك بالشيخ الموفَّق ولعل هذه الحكاية من تخليقات متأخِّري الحشوية”. انتهى

وهذه القصة إن ثبتت عن الموفق ابن قدامة فهي من جملة الأدلة التي تثبت أن بعض كبار المجسمة يظنون أن الكلام النفسي القديم هو ما يحدث من كلام في ذات الله و العياذ بالله. وعلى تقدير صحة القصة أيضا فما قاله ابن قدامة يعتبر من جملة مغالطاته لأن سماع الكلام النفسي يكون بخرق العادة، فيكون طلب ابن قدامة من ابن عساكر و الأشاعرة عامة سماع كلامه النفسي من قبيل خرق العادة، إلا إذا كان ابن قدامة يعتبر الأشاعرة عامة أولياء تجري على أيديهم الكرامات بسماع كلام الناس النفسي لذلك طالبهم بذلك، وإلا كان طلبه من قبيل العبث لا غير.

ويكفي أن أبا شامة شيخ الإمام النووي قال عنه “كلامه في العقائد على الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه ، فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها على جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الأخبار “. انتهى

وأعجب من ذلك أيضا قول ابن القيم، أن شيخه ابن تيمية ردّ مسألة الكلام النفسيَّ من تسعين وجها.

فحتى لو ردّه بزعْمِه من تسعمائة وجه أو تسعة آلاف وجه أو ما شاء من الأعداد، فإنما يَرُدّ على نفسهِ، ويشهدُ عليها بسوء الفهمِ للكتاب والسنَّةِ. وهذا معنى قول الإمام السبكي: ” إن علمَ ابن تيمية أكبر من عقله”، و قول زروق: “إن ابن تيمية ملموزٌ بنقص العقل”.

ملاحظة: مرادُ علماء أهل السُّنة بقولهم كلامُ الله معنًى قديمٌ قائم بذاته العلي أي الصفة التي تقوم بالذات وتتصف بها الذات ، كما قالوا: صفات المعاني ، أي الصفات التي هي معاني ، وليس مرادهم بالمعنى هنا المعنى الذي يقابل اللفظ ، أي المعنى الذي يُفهَم من اللفظ ويدل عليه اللفظ ويرتسم في ذهن الشخص لأن هذا لا يقوم بالذات العلي لأن ما قام بذهن المخلوق ليس بعينه هو القائم بالذات العلي ، بل الألفاظ وما قام بذهن المخلوق من معانيها يدلان على الكلام النفسي القائم بالذات العلي لأن صفته القائمة به لا تتصل بالمخلوق بأي وجه من الوجوه.