الولي الصالح المؤدب عَنتيت

#الولي_الصالح_المؤدب_عَنتيت

جد حمي لأبيه، الشيخ المؤدب محمد بن امْحمد بن محمد (الملقب بالعَنتيت) بن سيدهم الخياري، ولد في أواسط القرن التاسع عشر رومي (1850) وأواسط القرن الثالث عشر هجري في بلدة بني خيار، وبها نشأ وتعلم مبادئ العلوم وحفظ القرءان بمحلته التي كانت مركز حملة القرءان بالإيالة كما هو مشتهر عند الخاص والعام.

تلقى صاحب الترجمة رحمه الله القرءان على إمام الخمس بالجامع الكبير المؤدب أبي الفلاح سيدي صالح السعيدي وعلى الرجل الأبر الولي الصالح الذي حفظ على يديه قريب الخمسمائة صبي سيدي قاسم بن محمد بو خراطة المؤدب بمكتب سيدي مسعود بوغدير (المسمى من قبل أهل البلد بمفتاح الدخلة)، وعلى الولي الصالح سيدي عبدة بوعجينة وعلى المقرئ المثابر على التلاوة أبي حفص سيدي عمر بن آمنة وهو الذي قام مقامه في ذلك الكتاب بعد موته وهو من جلة تلاميذه، وقرأ النحو والصرف والبلاغة على أبي عبد الله سيدي محمد بوستة والتوحيد والمنطق على أبي الحسن سيدي علي بن قاسم سعيّد والفقه وأصوله والفرائض على أبي عبد الله سيّدي محمد المزوال والتفسير وأصوله على ابنه سيدي علي المزوال والمصطلح وسائر علوم الحديث على الشيخ أبي العباس سيدي أحمد بسيّس وأبي عبد الله سيدي محمد شويخة

ثم إنه من شدة إتقانه كان بعض أعيان الحاضرة يبعث له العربة (الكاليس) لحمله من بني خيار لتونس لأجل تعليم أبنائه القرءان ولم يكن هذا استثناء بل درج الأمر عند علماء الحاضرة على فعل ذلك مع جملة من مؤدبي بني خيار المتمكنين أمثال:

• المؤدب الحاج أحمد بن الأكانجي الذي ارتحل من بني خيار إلى تونس وعمل مكتبا قرب دريبة الدولاتلي وأخذ عنه كثير من أبناء علماء الحاضرة وكذا ابنه الحاج الطاهر وابنه من بعده سيدي حميدة.

• والشيخ محمد سويسي المؤدب الخاص بشيخ الإسلام أبي عبد الله سيدي محمد بيرم الرابع.

• والشيخ محمد بن حميّد الخياري من حفظ القرءان على يديه عِلية القوم من أهل العلم منهم أبو عبد الله سيدي محمد محسن الإمام الرابع بجامع الزيتونة المعمور وابنُه سيدي محمود محسن وصنوُه سيدي علي محسن وابن خالته سيدي الإمام محمد الطاهر ابن عاشور الحفيد وسيدي محمد العزيز جعيّط وسيدي محمد الصادق النيفر ومحمد بن بكار الشريف وأبناء سيدي علالة المحرزي.

• والمؤدب محمد بن ونيسة الذي حفظ القرءان عنده الشيخُ محمد الحبيب بن الخوجة والشيخ محمد الأخوة والشيخ مصطفى محسن والشيخ الشاذلي النيفر.

• والمؤدب الشيخ محمد بن علي سعيّد فرج المؤذن من حفظ على يديه القرءانَ سيّدي محمد علي الأصرم وسيدي كمال الدين جعيط وابن عمه سيدي محمد المنصف جعيط.

• والمؤدب علي بن محمد رجب تولى تحفيظ الشيخ سيدي الطيب سيالة القاضي المالكي والشيخ سيدي محمد المختار ابن شيخ الإسلام الحنفي سيدي محمود بن محمود وأبو سماحة مفتي الجمهورية الحالي سيدي هشام بن محمود.

• والمؤدب أحمد بن عمر بلحاج علي من تولى تعليم القرءان للملك الشهيد محمد المنصف باشا باي رحمه الله تعالى.

• وكذا المؤدبون محمد بن صالح السعيدي وعلي مزوال ومحمد الأزعر والمولدي هويسة.

ومن جملة من أخذ على المؤدب عنتيت محمد العزيز ابن الوزير محمد الطيب الجلولي وأحمد بن محمد الحبيب بن الحاج حمدة الأصرم ومصطفى بن امْحمّد بن الطيب بوسن ومحمود والهادي ومحمد أبناء سيدي مصطفى بن محمد الطيب بوخريص وغيرهم. وكان لا يقبل مالا من جهتهم محتسبا أجره لله تعالى. ومن جملة من أخذ عنه من بني خيار الحفظة محمود بن سيدهم وعبد القادر بوتيتي والطاهر بلحسن وغيرهم ممن لا يعد كثرة.

ويذكرنا صاحب الترجمة بسيرة سيدي محرز بن خلف فمع كثرة علمه وقف نفسه على تعليم الأطفال القرءان والضروري من علم الدين وتأديبهم على مقتضى الخلق النبوي المصطفوي إذ تواتر عند العامة أنه كان يلبس جبة العلماء المحلاة بالشمس وتلك رتبة لا ينالها إلا من فاز بالتطويع فضلا عن شهادتي الأهلية والتحصيل، لكنه زهد في الرتب وجعل الآخرة نصب عينيه والدعوة لله ديدنه ولم يعبأ بعرض الدنيا الزائل ولا بما تقتضيه الشهادة من الرتب المفضية إلى استحقاق معاش من الأوقاف المحبوسة على المدرسين والعدول والقضاة والمفاتي بالإيالة التونسية، حتى إن خبر انكشاف بعض كنوز الأرض له شاع وذاع بين أهل البلد ولم يعبأ بذلك كله بل رفض ولسان حاله يقول ما لهذا خلقت وهو مصداق قول الإمام الحداد لا يكون المريد مريدا حتى يجد في القرءان كل ما يريد ويعرف النقصان من المزيد ويستغني بالمولى عن العبيد ويستوي عنده الذهب والصعيد وهو حال الأكابر من أهل الله.

عاش بعمل يده في عمل الحلفاء زاهدا في دنياه راضيا منها بالقليل، عالما فقيها ثبتا، واسع الاطلاع، عفيفا شديد المراقبة لربه، نقي العرض حسن الأخلاق، جميل الصبر، حسن المحاضرة، متواضعا محببا إلى الناس، فبلغ الولاية سريعا ومن جملة كراماته المشهودة المشهورة ما كان يحصل معه في الجامع الكبير جامع سيّدي الزياني من أنه كان يضع الحب تحت جدار المسجد طعاما للطير فبخروجه من بيت الصلاة تسكن الطيور وتنقطع عن الأكل بل وعن الحركة فيقول لتلاميذه لكم أن تمسكوا بالطيور برفق شريطة أن لا تؤذوها ثم تطلقونها فيفعلون والطيور منقادة لهم حالهم حال العبد المأمور، وهذا الخبر متواتر عنه. ولم يزل على حالته المرضية، وأخلاقه الزكية إلى أن لبى داعي المنية سنة 1915 رومية على خلاف المذكور في كتاب صفحات من تاريخ بني خيار لحمادي بوعجينة من كونه مات سنة عشرة. ومما تواتر عند أهل البلد مشاهدةً، معاينةُ خروج نور قوي من قبره الشريف رحمه الله تعالى، وهذا لا يحصل إلا للصالحين كما هو معلوم عند أهل المعرفة.

تزوج صاحب الترجمة بابنة أحد مشايخه الشيخ أحمد بن محمد الأحمر فأنجبت له بنتا وولدين، توفيت البنت في حال حياته وتوفي هو عن ولدين أحدهما بالمهد والآخر (أبو حمي) دون سن السابعة.

رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في أعلى عليين.

#شيخٌ_كتابٌ_وفن_بلدٌ_هوًى_مِحن

مما سمعناه عن الأشياخ وتُوُورِثَ عن أهل الفهم أن صبر طالب العلم يكون على ستٍّ: شيخ وكتاب وفَنّ وبَلَد وهوى ومِحَن.

أما الشيخ فيختار الأعلمَ العامل بما علِم الأورَعَ والأسنَّ، فيثبت عنده ويصبر على مُرِّ الجفا من قِبَلِه كي ينال سره ويتحقق في سلك سنده المبارك.

وأما الكتاب فلأجل أن يفهمه على التمام ولو بإعادة أخذه مرات ثم يتمّه ولا يتركه أبتر كما هو حال أغلب طلاب هذا الزمن.

وأما الفن فحتى لا يشتغل بفن آخر قبل إتقانه الأول فيضيع عنه العلم وفي ذلك قالوا من طلب العلم جملة فاته جملة.

وأما البلد فلأجل أن لا ينتقل إلى بلد آخر لغير ضرورة كتلقي ما لا بد منه حتى يستوفي ما في بلده من العلم.

وأما الهوى فوازع لترك واجب أو إتيان محرم والصبر عليه بالصبر على أداء ما أوجب الله والصبر عما حرم الله وقد قال الشاعر:

إن الهوى لهو الهوان بعينه *** وصريع كل هوى صريع هوانِ

وأما المحن فبالصبر على ما ابتلاه الله تعالى به بالتسليم وعدم الاعتراض وبالصبر على قلة ذات اليد وفقد البُلغة.

جعلنا الله ممن كان هذا الصبر شيمته وسجية فيه

#منقول_عن_أخي_و_سيديمحمد على عبد الواحد