تقريظ الشيخ كمال الدين جعيط لكتاب الشيخ عبد الله الهرري سنة 1997

الشيخ عبد الله الهرري، أنا التقيته مرات عديدة وأخذت عنه الطريقة الرفاعية والقادرية وسعدت بلقياه أيما سعادة وما رأيت منه إلا ما سمعت عنه من العلم والورع والزهد والحفظ والأدب والبلاغة ومحبة العلم وأهله. والشيخ كمال الدين جعيط لم يكتب ما كتب بناء على تحسين الظن بل بعد ما قرأ كتابه المقالات السنية بتمعن وكانت بينه وبين الشيخ مراسلات عديدة كنت أحد وسطائها.

ثم الشيخ عبد الله لم يمدح من قبَل الشيخ كمال الدين فقط بل مدحه بعد قراءة جملة من كتبه من تونس الشيخ محمد المنصف جعيط والشيخ صالح البجاوي والشيخ عثمان الحويمدي رحمهم الله تعالى وكان العبد الفقير شاهدا على ذلك. ومن المغرب الحافظ السيد عبد الله بن الصديق الغماري وشقيقه الحافظ عبد العزيز بن الصديق والعلامة السيد أحمد الغازي الحسيني رئيس المجلس العلمي بحاضرة فاس وخطيب جامع القرويين وسيدي مكي بن كيران شيخ المقارئ بها عنيت مدينة فاس. وبالشام فحدث ولا حرج ومن جملتهم الشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ ملا رمضان البوطي، والشيخ أبو اليسر عابدين مفتي سوريا، والشيخ عبد العزيز عيون السود الحمصي شيخ قراء حمص، والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت الدمشقي، والولي الصالح الشيخ أحمد الحارون الدمشقي والشيخ نوح القضاة الأردني وغيرهم كثير من كافة الأصقاع أمثال الشيخ عبد الكريم البيّاري المدرس في جامع الكيلانية ببغداد، والشيخ محمد زاهد الإسلامبولي، والشيخ محمد ياسين الفاداني المكي شيخ الحديث والإسناد بدار العلوم الدينية بمكة المكرمة، والشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي الهنديان وغيرهم ممن لا يعد كثرة. فمن الإجحاف أن يقال كل هؤلاء إنما حكموا تحسينا للظن وقد علمت أن أهل العلم عامة وأهل الحديث خاصة لا يبنون أحكامهم على مجرد تحسين الظن لكن بناء على التمحيص والتدقيق خاصة إن تعلق الأمر بالعلم الذي هو أمانة وعدم التثبت فيه غدر وخيانة. وللعبد الفقير جملة من المصورات لشهادات كثير من هؤلاء الأعلام أمدكم بها في وقت لاحق إن شاء الله تعالى.

فمن رام النظر في منهج الشيخ عبد الله الحبشي ليس له بد من انتهاج أسلوب علمي بدراسة كتبه لا ما يقال يمينا وشمالا على شبكة الفايسبوك أو ما يتناقل عن بعض المنتسبين إلى طبقة متأخرة من تلاميذ تلاميذ تلاميذ تلاميذه ممن عُدموا الفهم الصحيح فتسرعوا في تكفير المعين إما لخبط وسواس عندهم أو لسوء ضبط للقواعد الأصولية. ولو نظرت لوجدت أن كل ما ينكر عليه وعلى جماعته لم يكن سابقا فيه غيره بل كان فيه مجرد ناقل عمن سبقه

ومن جملة ذلك مسئلة الحال في تكفير المعين وهي راجعة بالأساس إلى قواعد مذكورة في جميع أبواب الردة للناظر في كتب المذاهب الأربعة ومسئلة تكفير المجسمة خصوصا، وهو في ذلك ناقل ومقرر لأقوال من سبقه في المسألة ولم يبن الحكم بمجرد الاعتماد على الرأي بل بناء على ما تقرر عنده من أقوال كثير من المتقدمين فضلا عن المتأخرين.

ختاما رأيي المتواضع أن هذا الشيخ كان سببا في دحر فتنة الوهابية منذ زمن بعيد، زمن ما كان فيه التحذير من ضلال الوهابية وغيرهم سهلا كأيامنا هذه فعلى مريد الإنصاف أن يسلك درب الإنصاف لا ما يقال شذر مذر هنا وهناك ممن عدم المنهج العلمي بل ممن عدم علم الحال فضلا عن إدراك هذه المسائل الدقيقة التي أُشيرَ إليها. والله الموفق للصواب.

Source :  ‎د.محمد على عبد الواحد‎ 


Kais Chtourou

محمد على عبد الواحد بارك الله فيكم

وأنا أشهد كذلك أن الشيخ محمد الكامل سعادة رحمه الله مدح تلاميذ الشيخ المحدث عبد الله الهرري رحمه الله، وقال لي بلسانه أنهم مصابيح الهدى وهناك من رافقني في ذلك المجلس وكان يالجامع (ذي القبة الخضراء ) بحي النصر.

اعلم أن أعلى طبقة العلماء المجتهد المطلق ووظيفته استنباط الأحكام من
القرءان والحديث ويليه المجتهد في المذهب الذي قواعده وأصوله متوافقة في
غالبها مع مجتهد مشهور فينسب إليه كالمزني تلميذ الشافعي ثم المجتهد المقيد
ويقال له من أصحاب الوجوه وهو من يستنبط الأحكام من قواعد إمامه لأنه
تنقصه بعض الات الاجتهاد لكنه قادر على استنباط الأحكام من نصوص
إمامه، لا من القرءان والسنة ويقال له مجتهد في المذهب أيضًا كالجويني والبلقيني
والمتولي والقفال الكبير. وأما المرجح فيكون حافظا لنصوص إمامه ويكون قادرا
على ترجيح بعضها على بعض وقول على قول أو وجه على وجه ولا يكون مؤهلا
الاستنباط الأحكام كالنووي والرافعي، والمرجح إذا استنبط كلاما وهو ليس
أهلا للاستنباط فكلامه لا عبرة به لأن استنباط الأحكام ليس من وظيفته وهو
ليس مؤهلا لذلك.
ثم النقلة ووظيفتهم نقل نصوص الإمام فقط من غير ترجيح بعضها على
بعض كابن حجر الهيتمي ومزيتهم على الواحد منا أنهم يحفظون أكثر منا لكن
اليس عندهم القدرة على ترجيح قول على قول ولا على الاجتهاد فإذا أتوا بقول لم
يسبقوا إليه فكلامهم لا عبرة به لأنهم ليسوا مؤهلين للاستنباط وإن رجحوا قولا
على قول فكلامهم ليس هو الراجح لأنهم ليسوا مؤهلين للترجيح بل وظيفتهم
النقل فقط. كان العلماء في الماضي يعدون الناقل في مصاف العوام.

النّاس في عِلم الدّين درجاتٌ، و أعلى طبقة من طبقات العلماء هي المجتهد المطلق، كأمثال أبي حنيفة و مالك و الشّافعيّ و أحمد. أصحاب هذه الطّبقة اجتمعت فيهم خصال تجعل الواحد منهم قادرا على استنباط الأحكام الشّرعيّة من الكتاب و السّنّة، و ليس هذا لغيرهم، لأنّهم حصّلوا الآلة التي تُمكّنهم من إعمال فكرهم في الأدلّة الشّرعيّة و استخراج الحكم لمسألة لم يرد فيها نصّ صريح في القرءان أو الحديث. ثمّ يأتي بعدهم في الدّرجة طبقة مجتهد المذهب، و هي على قسمين: أصحاب الوجوه و أهل التّرجيح، و هؤلاء – مع علوّ مرتبتهم في العلم – ليس لهم شُغْلُ المجتهد المطلق، بل ليس لهم أن يخرجوا عن قواعد صاحب المذهب ثمّ ينسبوها له. بل يجتهدون في استخراج الحكم من كلام صاحب المذهب بناء على قواعد المذهب، فيقول اصحاب الوجوه مثالا: أراد الإمام كذا و كذا حين قال كذا، و يقول الآخر بل أراد كذا، و هكذا. ثمّ يأتي أهل التّرجيح فيرجّحون هذا القول على الآخر بناء على قواعد المذهب. و من أمثال أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي: الإمام البلقيني، و الإمام الجوينيّ، و من أهل التّرجيح: الإمام النّووي و الإمام الرّافعي. فالإمام النّوويّ – مع شهرته بين النّاس- إلاّ أنّ البلقينيّ أعلى منه درجة في المذهب. و من أصحاب الوجوه في المذهب المالكي: القاضي عبد الوهّاب البغدادي، و القاضي عياض اليحصبيّ، و من أهل الترجيح: أبو الحسن القابسي و الإمام اللّخمي.
ثمّ بعد ذلك تأتي طبقة النّقلة، فيدخل فيها كل من كان دون الطبقتين المذكورتين آنفا. و حتّى تعلم يا أخي المسلم و تعلمي يا أختي المسلمة أنّ الأمر ليس بالهيّن، انظرا إلى هذا المثال: الإمام الحافظ الكبير ابن حجر العسقلانيّ و ما أدراك من هو ابن حجر، شارح صحيح البخاري و هو من هو في علوم الحديث، و مَنْ مِن المسلمين لا يعرف هذا الرّجل أو لم يسمع به، أتعرف ما طبقته في المذهب الشّافعي؟ من النّقلة!! نعم كما قرأت، هو من النّقلة. هذا الرّجل و أمثاله ممّن يحفظون و يضبِطون مئات الآلاف من الأحاديث و المسائل، ليس لهم أن يجتهدوا. فما بالك بمن لا يحفظ عُشْرَ عُشرِ أعشار ما يحفظون؟ كيف لِمن لم يُحِط علمًا بمسائل بابٍ واحد من أبواب الفقه – فضلا عن أدلّتها- أن يعترض على مجتهد؟ هؤلاء إذا ذهبوا إلى الطبيب فقال لهم أصابكم كذا من الأمراض، لا يناقشونه -فضلا عن أن يخطّؤوه- فإذا أرادوا أن يتأكدوا سألوا طبيبا غيره – أي سألوا من في درجته- و لم يسألوا سبّاكًا أو نجّارا أو حتّى ممرضا.
بعد هذا إذا قيلَ لك: قال مالك أو الشّافعيّ أو أيّ إمام مجتهدٍ كذا و كذا في حكم مسألةٍ، لا تقل لي: سمِعتُ فلانا يقول أو إمام مسجد يحفظ الستّين حزبا يقول كذا، أو أنا أرى كذا، أو لعلّه أخطأ. (نعم المجتهد قد يُخطئ – هو ليس معصوما – لكن لا أنا و لا أنت أهلٌ لتخطئته، بل من في درجته هو من يناقِشه)