أنكر أهل الفتنة على الشَّيخ عبدالله الهرريِّ لأنَّه رحمه الله اعترض على البيجوريِّ

ردُّ كيد المُفتري على الإمام الهرري <6>

في تبرئته الإمام الغزاليَّ مِن كلام فاسد نُسب إليه خطأً

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

* وبعدُ فهذه سلسلة مِن المقالات؛ فيها [ردُّ كيد المُفتري على الإمام الهرري] وهُو العالِم العلَّامة والحَبر الفهَّامة، وبيان أقواله في مسائل شرعيَّة مُهمَّة افترى عليه أهل الفتنة الَّذين يتلقَّفون مِن الكُتُب كُلَّ صحيح وسقيم.

* في تبرئته الإمام الغزاليَّ مِن كلام فاسد نُسب إليه خطأً

1

وأنكر أهل الفتنة على الشَّيخ عبدالله الهرريِّ لأنَّه رحمه الله اعترض على البيجوريِّ الَّذي نقل في حاشيته على [جوهرة التَّوحيد] بيتًا مِن الشِّعر معناه فاسد؛ فالبيجوريُّ نَسَبَ البيت المذكور خطأً للإمام الغزاليِّ وليس مِن كلام الغزاليِّ؛ فأخطأ أهل الفتنة كالعادة فأثبتوا الغلط وأنكروا الصَّحيح.

2

قال الشَّيخ عبدالله الهرريُّ في [التَّحذير الشَّرعيِّ الواجب]: <وفي هذه الحاشية ممَّا يجب التَّحذير منه -أعنى حاشية البَيجوريِّ- أبيات عزاها للغزاليِّ وليست مِن كلام الغزاليِّ آخرُها كلامٌ هُو خلاف عقيدة أهل السُّنَّة وهُو هذا البيت: (وهْو فوقَ الفوقِ لا فوقَ لهُ * وهْو في كُلِّ النَّواحي لا يزولْ) فهذه الجُملة (وهْو في كُلِّ النَّواحي لا يزولْ) خلاف عقيدة أهل السُّنَّة فإنَّ أهل السُّنَّة يعتقدون أنَّ الله موجود بلا مكان ولا جهة لأنَّه كان قبل المكان والجهة موجودًا وبعد أنْ خلق المكان والجهة لا يزال موجودًا بلا جهة ولا مكان. وأمَّا الشَّطر الأوَّل فهُو (وهْو فوق الفوق لا فوق لهُ) إنْ أُريد به الفوقيَّة الحسِّيَّة فهُو إثبات الجهة والمكان لله وإنْ أُريد به فوقيَّة القَدْرِ والقهر فلا يُنافي العقيدة لكنَّه ليس مِن كلام أهل السُّنَّة> إلى آخر كلامه.

3

وتابعه الشَّيخ جميل حليم حفظه الله فقال في [التَّعليق المُفيد على شرح جوهرة التَّوحيد]: <وخالف البيجوريُّ حيث قال في شرحه على جوهرة التَّوحيد: (وهْو فوقَ الفوقِ لا فوقَ لهُ * وهْو في كُلِّ النَّواحي لا يزولْ) فإنَّها مُرادفة لقول المُعتزلة: (الله بكُلِّ مكان) وهذا ليس مِن كلام الغزاليِّ لأنَّ الثَّابت في كُتُبه تنزيه الله عن الجهة والمكان> إلى آخِر كلامه.

4

فإنكار أهل الفتنة -على الشَّيخ عبدالله الهرريِّ والشَّيخ جميل حليم في اعتراضهما على حاشية البيجوريِّ- لا يُلتفت إليه لأنَّ أهل الفتنة يبنون على الجهل لا التَّحقيق؛ ولو عملوا بقول أهل السُّنَّة: <كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ إِلَّا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم> انتهى: لكان أحسنَ لهُم.

5

وبيت الشِّعر الَّذي نسبه البيجوريُّ خطأً للإمام الغزاليِّ منسوب في الحقيقة لعبدالسَّلام بن أحمد بن غانم المقدسيِّ المُتوفَّى 678هـ بحسب مخطوط مكتبة جامعة الرياض برقم 2038 الورقة 17، فإنْ ثبت ذلك؛ فقد تأكَّد تحقيق شيخنا الهرريِّ رحمه الله في تبرئة الإمام الغزاليِّ مِن هذا البيت.

6

وفي الحقيقة؛ فإنَّ بيت الشِّعر هذا موجود في غير واحد مِن كُتُب العُلماء منسوبًا للإمام الغزاليِّ فينبغي التَّنبيه إلى كونه مُخالفًا لعقيدة الغزاليِّ فلا يصحُّ نسبته إليه؛ ولا يجوز اعتقاد صحَّة كُلِّ ما احتوته كُتُب العُلماء فإنَّها ليست كالقُرآن الَّذي لا يأتيه الباطل مِن بَين يدَيه ولا مِن خلفه.

7

ونحن لم نكن رجعنا في هذا التَّفصيل إلى الشَّيخ عبدالله الهرري رحمه الله؛ ولم نرجع فيه اليوم إلى الشَّيخ جميل حليم حفظه الله؛ بل اقتصر عملُنا على قليل مِن البحث فتوصَّلنا إلى ما لم يفهمه أهل الفتنة لأنَّهم لم يبحثوا بقلوب صافية وإنَّما بقصد الطَّعن بالأولياء والعياذ بالله.. فموعدُهُم الآخرة.

8

فإذَا تبيَّن لك الصَّواب فاعلم أخي أنَّ أهل الفتنة حشروا أُنُوفهُم فيما يجهلون ولم يكتفوا بأنْ لم يُميِّزوا بين صحيح وسقيم بل نادَوا بجهلهم في ذلك بين النَّاس؛ وفي مِثلهم قال القاضي عياض: <الْمُولَعُونَ بِكُلِّ غَرِيبٍ؛ الْمُتَلَقِّفُونَ مِنَ الصُّحُفِ كُلَّ صَحِيحٍ وَسَقِيمٍ> انتهى.. فنسأل الله السَّلامة.

نهاية المقال.

منقول من صفحة أهل السنة