شبهة قول عمر بن الخطاب أخرب الله خراج مصر في عمران المدينة وصلاحها

شبهة قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أخرب الله خراج مصر في عمران المدينة وصلاحها”

قال الطبري في تاريخه: “كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن الربيع بن النُّعْمَانِ وَجَرَادٍ أَبِي الْمُجَالِدِ وَأَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي حَارِثَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ رَجَاءٍ- وَزَادَ أَبُو عُثْمَانَ وَأَبُو حَارِثَةَ: عَنْ عُبَادَةَ وَخَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ- قَالُوا: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ يَسْتَغِيثَهُمْ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا، وَيَسْتَمِدَّهُمْ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي أَرْبَعَةِ آلافِ رَاحِلَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَوَلاهُ قِسْمَتَهَا فِيمَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ وَرَجَعَ إِلَيْهِ أَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ اللَّهَ وَمَا قَبْلَهُ، فَلا تُدْخِلْ عَلَيَّ الدُّنْيَا، فَقَالَ: خُذْهَا فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذْ لَمْ تَطْلُبْهُ، فَأَبَى فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنِّي قَدْ وَلِيتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ص مِثْلَ هَذَا، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَكَ، فَقُلْتُ لَهُ كَمَا قُلْتَ لِي فَأَعْطَانِي فَقَبِلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَانْصَرَفَ إِلَى عَمَلِهِ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ وَاسْتَغْنَى أَهْلُ الْحِجَازِ، وَأحيوا مَعَ أَوَّلِ الحيا.

وَقَالُوا بِإِسْنَادِهِمْ: وَجَاءَ كِتَابُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَوَابَ كِتَابِ عُمَرَ فِي الاسْتِغَاثَةِ: إِنَّ البحر الشامي حفر لمبعث رسول الله ص حَفِيرًا، فَصَبَّ فِي بَحْرِ الْعَرَبِ، فَسَدَّهُ الرُّومُ وَالْقِبْطُ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَقُومَ سعر الطَّعَامِ بِالْمَدِينَةِ كسعره بِمِصْرَ، حَفَرْتُ لَهُ نَهْرًا وَبَنَيْتُ له قناطير فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنِ افْعَلْ وَعَجِّلْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ مِصْرَ: خَرَاجُكَ زَاجٍ، وَأَمِيرُكَ رَاضٍ، وَإِنْ تَمَّ هَذَا انْكَسَرَ الْخَرَاجُ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ فِيهِ انْكِسَارَ خَرَاجِ مِصْرَ وَخَرَابَهَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: اعْمَلْ فِيهِ وَعَجِّلْ، أَخْرَبَ اللَّهُ مِصْرَ فِي عِمْرَانِ الْمَدِينَةِ وَصَلاحِهَا، فَعَالَجَهُ عَمْرٌو وَهُوَ بِالْقُلْزُمِ، فَكَانَ سعر الْمَدِينَةِ كَسعرِ مِصْرَ، وَلَمْ يَزِدْ ذَلِكَ مِصْرَ إِلا رَخَاءً، وَلَمْ يَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ الرَّمَادَةِ مِثْلَهَا، حَتَّى حُبِسَ عَنْهُمُ الْبَحْرُ مع مقتل عثمان رضى الله عنه فذلوا وتقاصروا وخشعوا”. انتهى

وعبارة عمر بن الخطاب المنسوبة له: “أخرب الله خراج مصر في عمران المدينة وصلاحها”، نقلها أيضا ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، وكذلك البكري في المسالك والممالك.

و سند رواية الطبري فيها:

أ- أبو عبيدة السري بن يحيى بن السري التميمي الكوفي ابن أخي هناد بن السري، روى عن: عثمان بن زفر. كان يراسل الطبري وابن أبي حاتم وقد التقى الطبري وأخذ عنه الطبري مشافهة ولكن قليلًا وأغلب ما رواه عنه الطبري بالمراسلة. والسري هذا ترجم له ابن أبي حاتم وقال: لم يُقض لنا السماع منه وكتب إلينا بشيء من حديثه وهو صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: صاحب كتاب الفتوح لسيف بن عمر.

ب – شعيب بن إبراهيم ، يروي عن سيف. وهو ضعيف عند المحدثين.

جاء في ميزان الاعتدال: شعيب بن إبراهيم الكوفي راوية كتب سيف عنه، فيه جهالة انتهى

ذكره بن عدي وقال: ليس بالمعروف وله أحاديث وأخبار وفيه بعض النكرة وفيها ما فيه تحامل على السلف.

ج- سيف بن عمر التميمي. هو عمدة في التاريخ لكنه متروك في الحديث، اتهم بالكذب. قال أبو داود: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات.

فهذا المروي عن عمر منقول بسند ضعيف، فلا يمكن الوثوق به جزما، لكن قصة المجاعة ثابتة.

ومن المهم هنا معرفة أنه إذا حصل وحدثت مجاعة في بلد من بلدان المسلمين، فلا يسع الخليفة إلا أن يأخذ ما يزيد عن حاجة الناس في موضع، ليشبع به جوع ذوي الحاجة في موضع المجاعة، وإن لم يفعل ذلك فقد ضيع الأمانة، ولم يؤد حق الله في هذه المسؤلية.

وفي عام الرمادة عندما اشتد الحال بأهل المدينة وما حولها أرسل عمر ـ رضي الله عنه ـ لأهل الأمصار يستغيثهم ويستمدهم من مصر والشام والعراق.

لكن قال الدكتور عبد السلام آل عيسى في رسالته العلمية دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية: “وهذه الآثار لا تخلو من ضعف ولكن ما ورد فيها لا يستبعد وقوعه خصوصاً وأن أرض الجزيرة العربية وخاصة البوادي حول المدينة أرض قليلة الماء والكلأ والعشب. انتهـى

ثم إن العبارة المنسوبة لعمر – على تقدير صحتها- ليس فيها أنه أراد خراب أرض مصر بمعنى استهلاك جميع خيراتها، لأن هذا وإن سعى فيه فهو هدر للخيرات، ولا يتصور صدور ذلك من عمر لأن خيرات مصر جميعها تكفي مكة والمدينة وغيرها من أرض الحجاز، فما الغاية من استنفاذها؟

والصواب أن عمر أراد استهلاك جميع خراج مصر، والخراج هو الضريبة التي يفرضها إمام المسلمين على الأرض الخراجية النامية. ففرق بين استهلاك جميع خراج مصر، واستهلاك جميع خيراتها.

ثم إن ذلك الخراج لم يزد فيه عمر على حفر نهر يصل النيل بالبحر الأحمر ليكون حمل المؤن عن طريق السفن بدل الجمال.

فعمر رضي الله عنه أمر بإنفاق ذلك الخراج أو بعضه في إنشاء هذا المجرى الملاحي المهم والنافع والذي ترتب عليه نقص سعر الطعام بالحجاز دون أن يضر أهل مصر، ولذلك جاء في نهاية هذه القصة عند الطبري نفسه: “فكان سعر المدينة كسعر مصر، ولم يزد ذلك مصر إلا رخاء”. انتهـى