في بيان عدم صحة تواريخ اليهود والكلام عن لغات الأنبياء

في بيان عدم صحة تواريخ اليهود والكلام عن لغات الأنبياء

للباحث ع. الشادي بتصرف

1- لُغة موسى عليه السَّلام التي تكلَّم بها في مدين

الجواب هنا له ثلاث احتمالات:

• الأوَّل: أقواها أنَّ العبريَّة القديمة قريبة مِن العربيَّة فيفهمُها العربيُّ. والعبريَّة القديمة هي لُغة إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسُف عليهمُ السَّلام وقد تلقَّاها مُوسَى عليه السَّلام عن قومه في مصر فإنَّه وإن كان يعيش في قصر فرعون إلَّا أنَّه كان يختلط ببني قومه بني إسرائيل.

• الثَّاني: أنَّ مُوسَى عليه السَّلام نشأ في مصر بين قوم يتكلَّمون لهجة مِن اللَّهجات العربيَّة القديمة الَّتي كان يفهمُها أهل مدين قوم نبيِّ الله شُعيب عليه السَّلام وشُعيب عليه السَّلام ورد ذكرُه في حديث ابن حبَّان: “أربعة مِن العرب: هُود وصالح وشُعيب ونبيُّك يا أبا ذرٍّ”. انتهَى.

• الثَّالث: أن يكون مُوسَى عليه السَّلام ولكونه نشأ في بلاط فرعون قد تعلَّم لُغة ثالثة هي اللُّغة العربيَّة؛ إضافة إلى اللُّغة العبريَّة الَّتي هي لُغة قومه بني إسرائيل؛ واللُّغة المصريَّة القديمة الَّتي هي لُغة أهل مصر في ذلك الزَّمان، وبتلك العربيَّة تكلَّم مُوسَى عليه السَّلام في مدين.

2- الدَّليل على تقارُب اللُّغات القديمة: العربيَّة؛ والسُّريانيَّة والعبرانيَّة؛ والكنعانيَّة.

ممَّا يُقوِّي احتمال تقارُب اللُّغات القديمة أنَّ النَّبيَّ إبراهيم عليه السَّلام تكلَّم السُّريانيَّة؛ وفُتح عليه بالعبريَّة أو العِبرانيَّة بعدما عبر الفُرات في طريقه إلى بلاد الشَّام؛ وكُلُّ هذه اللُّغات تُضارع اللُّغة العربيَّة أي تُشبهُها لدرجة أنَّ باحثين مُعاصرين يعتبرونها لهجات عربيَّة محليَّة.

ولا يخفَى أنَّ إبراهيم عليه السَّلام زار مصر قبل مُوسَى بزمن طويل وقصَّتُه وزوجته سارة مع ملك مصر معروفة، وكان له عليه السَّلام حديث مع زوجتَي ابنه إسمعيل عليه السَّلام وكانتَا عربيَّتَين ولم يرد ذكر تُرجمان وهذا يُقوِّي أنَّ السُّريانيَّة والعبرانيَّة قريبتان مِن العربيَّة.

ومِن المعلوم وُجود لُغة سُريانيَّة قديمة وأُخرَى حديثة؛ ولُغة عبرانيَّة قديمة وأُخرَى حديثة، فأمَّا اللَّهجات القديمة منها فيغلب على الظَّنِّ اندثارُها، حتَّى السريانية المُستعمَلة في بلدة “معلولا” السُّوريَّة لا يُوجد ما يدُلُّ أنَّها سُريانيَّة آدمَ وشيثٍ وإدريسَ ونوحٍ عليهمُ السَّلام.

3- ذكر الهكسوس وعلاقتهم بمُوسَى عليه السَّلام.

ذكر في كُتُب التُّراث عند المُسلمين أنَّ الفراعنة كانوا مِن العرب العماليق ويُقال العمالقة -والعمالقة مِن بقيَّة قوم عاد- وأنَّ ملِك مصر زمنَ يوسُف عليه السَّلام الرَّيَّان بن الوليد ويُقال إنَّه أسلم، وفيها أنَّ الفرعون زمنَ مُوسَى عليه السَّلام هو الوليد بن مُصعب وكان جبَّارًا طاغية.

ويُلاحظ التَّشابه بين اسم الرَّيَّان وبين اسم أحد مُلوك الهكسوس ” خيَّان” كما يقول الأركيولوجيُّون، فيقول بعض المُعاصرين إنَّ يوسُف ومُوسَى عليهما السَّلام عاشَا في مصر زمن الهكسوس نظرًا للتَّقارب الزَّمنيِّ بين الهكسوس وما يُقدِّره الحاخامات لزمن حياة مُوسَى عليه السَّلام.

ويُعكِّر على هذا الرَّأي أنَّ الهكسوس وهُم عرب كنعانيُّون بدأُوا بالظُّهور في مصر نحو 1800 ق.م وأسَّسوا مملكة حَكمت مصر ذات يوم ثُمَّ انهزموا وطُردوا منها نحو 1550 ق.م بينما يقول الحاخامات إنَّ مُوسَى عليه السَّلام عاش في الفترة بين 1390-1271 ق.م.

وهنا يقدم الباحث رأيه الشخصي – ولا يزعُم أنَّه مبنيٌّ على أدلَّة صريحة- حول تاريخ وُجود إبراهيم ويوسُف ومُوسَى وسُليمان عليهمُ السَّلام، فيذكر أن القول بأن إبراهيم عليه السَّلام كان حيًّا سنة 2000 ق.م ويوسُف عليه السَّلام كان حيًّا سنة 1600 ق.م وسُليمان عليه السَّلام كان حيًّا سنة 950 ق.م، فإن هذا التَّأريخ أصل كُلِّ غلط في النَّظريَّات الَّتي بُنِيَت على أساسه.

وإنَّ ممَّا يذهب به إلى هذا الظَّنِّ أنَّه لم يُعثر في النُّقوش على ما يدُلُّ على زمان حياة إبراهيم ويوسُف ومُوسَى وسُليمان عليهمُ السَّلام دلالة صريحة، وأكبر احتمال في عدم العُثور على ذلك أن تكون عهودُهُم ضاربة في القِدَم إلى ما لم يبلُغه ما يُسمَّى بعلم الآثار حتَّى اليوم.

فلا يُوجد في النُّقوش أثر للملِك النُّمرود ولا للملِك الضَّحَّاك -الفارسيِّ- رغم اتِّساع وعظمة مُلكهما ويُقال إنَّهُما كانَا في زمن إبراهيم عليه السَّلام، ولا أثر في النُّقوش لحُكم سُليمان عليه السَّلام وهُو حكم الأرض فلو كان ذلك سنة 950 قبل الميلاد فلماذا لم يُعثر على أثر بعد؟

ولوحة المجاعة زمن البطالمة (332 إلى 31 ق.م) تنسب القصَّة إلى زمن الملِك زُوسر (بين 2640 و2611 ق.م) فإذا كانت مُحرَّفة سنة 2600 ق.م والاحتمال حقيقيٌّ فلا شكَّ أنَّها حدثت قبل ذلك بزمن طويل فيكون وُجود يوسُف ومُوسَى عليهما السَّلام قبل سنة 3000 ق.م.

ويُقال إنَّ داود عليه السَّلام اقتبس أحد أناشيد الملك إخناتون الَّذي كان حيًّا سنة 1350 ق.م وإخناتون مُتقدِّم على الزَّمان الَّذي يُقدِّرونه لحياة داود عليه السَّلام بثلاثمائة سنة على أقلِّ تقدير وبسبعمائة سنة على أبعدها؛ ويقولون إنَّه اقتبس ألفاظ النَّشيد والتزم ترتيب أفكاره.

وقد ذكر الباحث أن بعض المُدافعين عن التَّأريخ المبنيِّ على العهد القديم قالوا بتقدُّم زمن داود عليه السَّلام على زمن إخناتون ، وهو يوافقُه هذا الظَّنَّ غير أنَّه يحكُم بغلط المُؤرِّخين المُعاصرين في تقدير زمن حياة إخناتون بينما يحكُم الباحث بغلط التَّأريخ المبني على العهد القديم.

نعم كُلُّ هذه الإشارات -وغيرُها كثير- لا ترقَى لدرجة الدَّليل العلميِّ الصَّريح أو المُؤكَّد ولكنَّه أراد التَّنبيه إلى هذه الإشارات وتسليط الضَّوء عليها عسَى يأتي مَن يدرُسُها ويُحقِّقُها على نحو أكثر عُمقًا، ويكفي بهذه الإشارات بيانًا إلى عدم قطعيَّة تواريخ العهد القديم.

ثم إن الباحث يقطع أنَّ مِن الأُمم مَن لن نُحصي عددَهُم ولن نعلم مبلغَهُم؛ قال الله تعالَى: ” أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ” الآية.. وقد رُوي عن عُروة بن الزُّبير قال: ” ما وجدنا أحدًا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل”. انتهَى.

فإن لم يكُن سبيل لمعرفة ما بين عدنان وإسمعيل عليه السَّلام فلا سبيل لمعرفة ما بين عدنان ونُوح عليه السَّلام مِن باب أولَى. ويكفينا مِن المبحث ردُّ شُبُهات مُنكري التَّواتُر في علم التَّاريخ، والتَّواتُر حُجَّة قطعيَّة مهما أنكر ذلك الملاحدة ومُنكري النُّبُوَّات والرِّسالات.

#منقول بتصرف

راجع بعض الاشكالات المطروحة في تواريخ اليهود

https://www.facebook.com/share/p/1E8EA8jpGq/

في بيان أن التحريف لم يطل فقط التواريخ، بل الجغرافيا أيضا:

https://www.facebook.com/share/p/1BPoC6t9hn/