معنى اجراء أخبار الصفات على ظاهرها عند أهل السنة والجماعة
قال الأُصوليُّ البَدْر الزَّركَشِيُّ في الْبُرْهَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ: “اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَارِدِ مِنْهَا [=الظَّواهر المُوهِمَة] فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهَا؛ بَلْ تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا تُؤَوِّلُ شَيْئًا مِنْهَا، وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا تَأْوِيلًا، وَلَكِنَّا نُمْسِكُ عَنْهُ، مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنِ الشَّبَهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَنَقُولُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ، وَأَوَّلُوهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ.
وَالْأَوَّلُ: بَاطِلٌ، وَالْأَخِيرَانِ: مَنْقُولَانِ عَنِ الصَّحَابَةِ”. انتهى
و قال الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل ما نصه: ” وقد يطلق الظاهر بمعنى المستفيض المشهور، وهو مراد من يقول من أهل السنة بإجراء أخبار الصفات على ظاهرها. حيث يريد إجراء اللفظ المستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفات الله على اللسان كما ورد مع التفويض أو التأويل، على ما سبق، وهذا المعنى هو المراد في قول الفقهاء ” هذا ظاهر الرواية” يعنون أنه المروي عن صاحب المذهب بطريق الاستفاضة والشهرة . انتهى
ثم أحال على ما علق به على كتاب الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة، حيث قال : “أما ما يُروى عن بعض السلف من إجراء أحاديث الصفات وإمرارها على ظاهرها فليس بمعنى الظاهر المصطلح في أصول الفقه الذي يبقى حين ترجّح الاحتمال الآخر بالدليل، كالنجم عند شروق الشمس , ولا بمعنى ما يظهر للعامة من اللفظ، بل بالمعنى المقابل للغريب الذي ينفرد بلفظه راوٍ في إحدى الطبقات، فيكون بمعنى تجويز إمرار اللفظ على اللسان وإجرائه عليه إذا كان اللفظ مرويا بطريق الظهور والشهرة في جميع الطبقات، كما وقع إطلاق الظاهر بهذا المعنى في كلام الإمام مالك رضي الله عنه وغيره، وقد يغالط بعضهم في ذلك فيضل ويضل فلزم التنبيه على ذلك”. انتهى
وهذا الكلام غاية في الدقة والجلاء والتحقيق .
وقال شيخ المجسمة ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: “ولهذا كان هؤلاء تارةً يختارون طريقة أهل التأويل، كما فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار، وتارةً يُفوضون معانيها ويقولون: تجري على ظاهرها، كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك، وتارةً يختلف اجتهادهم، فيُرجِّحون هذا تارةً، وهذا تارةً، كحال ابن عقيل وأمثاله.”. انتهى
ابن تيمية نص هما صراحة أن من يقول “تجري على ظاهرها” قد يكون من أهل التفويض، رغم أنه ضرب المثل بالقاضي أبي يعلى وهو من المجسمة.
وهذا النص قاطع على أن قول “نُجريها على ظاهرها” لا ينافي التفويض، بل قد يقال مع اعتقاد أن الظاهر غيرُ مراد، وإنما يُمرّ النص مع تفويض المعنى الحقيقي إلى الله تعالى، كما هو صنيع جمهور السلف.
لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي
لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي


نقض شبهات المجسمة حول التفويض
التفويض عند السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على طريقتهم باحسان هو تفويض العلم بمعنى اللفظ الوارد، لا تفويض العلم بكيفية ذات الله تعالى، وكيفية صفاته سبحانه كما هو مذهب المجسمة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
.
وقد زعم بعض الكرامية أن المتكلمين التجؤوا للتفويض لما وجدوا بعض معاني النصوص الشرعية الثابتة تعارض قواعدهم وعقائدهم، فلما لم يجدوا لها تأويلاً ولم يستطيعوا ردها، التجؤوا للتفويض. وهذا باطل لأن التفويض ثابت بكلام السلف وبكلام أهل الحديث أنفسهم.
وليعلم أن الفرق الكبير في معنى التفويض بين أهل السنة وبين الكرامية ومن وافقهم من مشبهة وحشوية ووهابية وحدادية.
فالسلف كانوا يفوضون معاني النصوص ويؤمنون بها، لا أنهم يفوضون علم الكيفية إلى الله تعالى.
ولم يثبت عن أحدهم تفويض الكيف الا بما يُروى بسند غير ثابت عن الإمام مالك أنه قال: “الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب”، وكلام بعض المتأخرين ممن يحرف الحشوية معاني عباراتهم.
وتفويض المعنى هو ما عليه أيضا فضلاء الحنابلة مثل ابن الجوزي، حيث قال في كتاب “دفع شبة التشبيه”: “مذهب السلف تفويض علم هذه المعاني وترك البحث”. انتهى
وقد حاول زعيم المجسمة وإمام الفلاسفة ابن تيمية في مجموع الفتاوى القول بأن تفويض المعنى مذهب متأخر، وزعم أن أول من قال به أبو منصور الماتريدي المتوفى سنة 333 هـجري وأبو الحسن الأشعري المتوفى سنة 324 هجري في محاولة للتوسط بين منهج السلف في إثبات النصوص وبين المنهج العقلي المستمد من الفلسفة اليونانية، وقال أنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله تعالى فيهم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ.
وهذا الادعاء تدفعه عشرات النقول الصريحة الموثقة في تفويض المعنى من كلام السلف.
فقد سئل محمد بن الحسن الشيباني عن أخبار الصفات، فقال: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف. وهو مذهب مالك بن أنس وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهم من العلماء انتهى.
كما هو مذكور في شرح الطحاوية للقاضي اسماعيل الشيباني
والصحيح أن القول بتفويض الكيف في القرون الثلاثة الأولى لم يعرف بسند موثوق ، بل الثابت هو قول السلف: نمرها كما جاءت، و نمرها بلا كيف .
فقولهم: “كما جاءت ” يدل على إثباتهم للفظ وإيمانهم به كما ورد
وتفويض المعنى لله، اذ أن هذه الألفاظ بحسب وضع اللغة العربية تحتمل عدة معاني، فلا يمكن القطع بأحد تلك المعاني إلا بدليل يقيني، فيمرونها كما جاءت ويفوضون المعنى المراد إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد زعم بعض الحشوية أن قول السلف: بلا كيف؛ أي : لا نخوض في كيفيتها، ولا نبحث عنها؛ لأننا لا علم لنا بها.
وهذه سفسطة لا غير، فقول القائل مثلا فلان بلا أخلاق و بلا أدب، أي نفيها جميعا عنه، ولا يحتمل الكلام معنى آخر.
وما ذُكر في كتاب السنة للخلال أنه قال:” هذا في أحاديث الصفات وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها ونفي علم الكيفية”. انتهى.
فلا يثبت عنه أصلا لأن كتاب السنة المنسوب للخلال نسخة يتيمة مروية من طريق غلامين دون سن التحمل، زيادة على جهالة الناسخ.
فالمجسمة لما يزعمون أن الصفة لله تعالى لها كيفية؛ فهم في الحقيقة يريدون الأعضاء والجوارح وهيئات المخلوقين.
وهم يزعمون أيضا أن معنى قول السلف: “بلا معنى” ؛ له عدة معاني:
– منها: ولا معنى يخالف معناها الحقيقي
أما عند أهل السنة فقولهم بلا معنى: أي نفي تحديد معنى من أصله للفظ.
– منها: المعنى المراد نفيه؛ وهو المعنى الباطل الذي تفسره به المعطلة، لا المعنى الحقيقي للصفة.
وجوابهم هنا بمثل مقالتهم: اي يقال لهم: معنى قول السلف : ولا معنى أي المعنى الذي أراد السلف نفيه؛ وهو المعنى الباطل الذي لا يليق بالله والذي تفسره به المجسمة.
فعندما يقول المجسمة مثلا: لله يد نجهل كيفيتها، يريدون بذلك آلة نجهل صورتها وهيئتها، لذلك يقولون المعنى الحقيقي معلوم والكيف مجهول، أي معنى اليد معلوم و هي الجارحة – ولو لم يصرحوا بذلك- وأما صورتها وهيئتها فنجهله لأنها من الغيب الذي لم يخبرنا الله به، ولا سبيل إلى العلم به إلا بالوحي.
هكذا يقولون وهذه حقيقة معتقدهم الفاسد.
ولا شك أن هذا الكلام باطل؛ بدليل أن الإمام أحمد نفسه لم يثبت عنه تفسير بعض الصفات بحقيقتها، وكذلك غيره من السلف ممن قبله لم يثبت عنهم ذلك بأسانيد متصلة ؛ فاستدلالهم مثلا بأبي العالية الرياحي أنه قال في الاستواء: “استوى أي: ارتفع”، واستدلالهم بقول مجاهد: “استوى أي علا”؛ وزعمهم أنهما فسرا الاستواء بمعناه الحقيقي، لا يسعفهم في شىء لأن الرواية عنهما غير صحيحة.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/178XFeXGsX/
فالسلف ليس من مذهبهم تفويض الكيفية؛ بل مذهبهم هو تفويض المعنى لأن بعض الألفاظ في لغة العرب تحتمل أكثر من معنى، وأما الكيفية فهي صفة المخلوق، فلا سبيل لنسبتها لله عز وجل؛ فالله سبحانه وتعالى ذكر الصفات بكلام عربي فصيح لكنه قيد فهمنا لها بنصوص محكمة تنفي اي اشتراك في المعنى بين الخالق والمخلوق كقوله تعالى: ” هل تعلم له سميا” ، “ولم يكن له كفوا أحد”….
ومما يؤكد قولنا هذا، أنه ثبت عن بعض السلف قولهم: بلا معنى وبلا تفسير.
لكن المجسمة وكعادتهم في التشغيب زعموا أن ذلك معناه: بلا معنى كالمعنى الذي قاله الجهمي، ولا تفسير كتفسير الجهمية،
فهل يقول عاقل: أن قولنا عن شخص أنه بلا كرامة ولا شهامة، معناه أن ذلك الشخص بلا كرامة ككرامة اللصوص ولا شهامة كشهامة قطاع الطريق؟
ومما يبطل رأيهم ما قاله الدارقطني في الصفات : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس الدوري سمعت أبا عبيد، وذكر الباب الذي يروى فيه حديث الرؤية والكرسي وموضع القدمين وضحك ربنا، وحديث أين كان ربنا؛ فقال: هذه أحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل لنا: كيف وضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا: لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره. انتهى
فهل يقولون أن معنى كلامه: لا نفسر ذلك تفسير الجهمية ولا سمعنا أحداً يفسره تفسير الجهمية؟
هذه بلادة في العقول وضحك على الذقون.
هذا وقد ألزمهم إمامهم المجسم البربهاري في شرح السنة بأنهم هم الجهمية، حيث قال بعد أن ذكر أحاديث الصفات: “فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضى، ولا تفسر شيئاً من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئاً من هذا بهواه أو رده فهو جهمي”. انتهى
فإن كانت معاني الألفاظ واضحة لهم، فتفسيرهم لها وفق المعاني الحقيقية بآرائهم تجعلهم جهمية.
ملاحظات:
– بعض الحشوية زعموا أن نفي الكيف هو نفي للوجود وقالوا: ما من موجود إلاّ وله كيفية. وهذا قول باطل وقاعدة فاسدة وقياس للخالق على المخلوق، وبدعة من بدع القوم.
فالاستواء مثلا ثابت لله عز وجل، ونفي الكيف عنه ليس تعطيلا ولا انكارا لحقيقة الاستواء، إذ لا تلازم بين اثبات الاستواء واثبات الكيف
– بعض الحشوية زعموا أن لله كيفية نجهلها، فإن قُيدت هذه الكيفية بالشاهد فهذا عندهم التمثيل الممتنع في حق الله تعالى. وإن لم تُقيّد الكيفية بالشاهد بل تم تصور كيفية معينة لا نظير لها كان ذلك قولا على الله تعالى بغير علم. والصواب عندهم اثبات كيفية غير معلومة ولا يحل تصورها بشيء معين.
وهذا قول فاسد في الحالتين، فإن الكيفية متعلقة أصلا بالمخلوق، ولا يوجد كيفية متعلقة بذات الله ولا بصفاته. فمجرد نسبة الكيف لله هو التجسيم والتشبيه، سواء قيد الكيف بالشاهد أو لا.
