المنافقون الذين حاولوا قتل النبي ﷺ
جاء في الإكمال للخطيب التبريزي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه سُئل: “كيف عرفتَ المنافقين ولم يعرفهم أحد من أصحاب رسول الله ﷺ، لا أبو بكر ولا عمر؟” فأجاب: “إني كنت أسير خلف رسول الله ﷺ، فنام على راحلته، فسمعتُ ناسًا منهم يقولون: لو طرحناه عن راحلته فانْدقَّت عنقه، فاسترحنا منه. فسِرتُ بينه وبينهم، وجعلت أقرأ وأرفع صوتي، فانتبه النبي ﷺ فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة. قال: من هؤلاء خلفك؟ قلت: فلان وفلان… حتى عدّدت أسماءهم. فقال: وسمعتَ ما قالوا؟ قلت: نعم، ولذلك سرت بينك وبينهم. فقال: إن هؤلاء – فلانًا وفلانًا… حتى عدّ أسماءهم منافقون، لا تخبرنّ أحدًا”. انتهى
وقد روى هذا الأثر أيضًا أبو نعيم في دلائل النبوة، والطبراني في المعجم الكبير. وفي سنده: مجالد بن سعيد، وهو ممن اختلط وضعّفه جماعة، كما أشار الهيثمي في مجمع الزوائد، إلا أنه توبع، وأصل الحديث ورد في صحيح مسلم وغيره، مما يرفع من موثوقيته.
توفي حذيفة رضي الله عنه بعد مقتل عثمان بن عفان بأربعين يومًا، أي في أوائل خلافة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يدرك معركة الجمل كما ذكر ابن عبد البر المالكي. وكان حذيفة ممن بايع الإمام علي، كما نقل ذلك الحاكم في المستدرك.
انظر الصور عبر الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/19ghH19v3R/](https://www.facebook.com/share/p/19ghH19v3R/
ويُظهر هذا الحديث كيف أن الله عز وجل حفظ نبيه ﷺ من مؤامرة دبّرها نفر من المنافقين خلال عودته من غزوة تبوك إلى المدينة، إذ همّوا بقتله عبر طرحه من فوق عقبة. وقد أُعلم النبي ﷺ بأسمائهم، لكنه لم يُظهرهم للناس؛ لئلا يُقال إن محمدًا يقتل أصحابه، كما جاء في بعض الروايات.
لكن هؤلاء المنافقين لم يَسلموا من عقوبة الله عز وجل في الدنيا، فقد هلك معظمهم بمرضٍ يُعرف بـ”الدبيلة”، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن حذيفة أن النبي ﷺ قال: “في أصحابي اثنا عشر منافقًا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط؛ ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة، وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم”. انتهى
وقوله ﷺ: “في أصحابي” يشير إلى المنافقين الذين كانوا مندسّين بين الصحابة، كما قال تعالى: ” وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ” – التوبة:101-
و أما “الدبيلة” فهي نوع من الخراج والدمل الكبير القاتل، يظهر في الجوف، وقد وصفه النبي ﷺ بأنه “شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك”.
ويُفهم من ظاهر حديث مسلم أن أربعة من أولئك المنافقين يتوبون قبل موتهم ويرجعون إلى الإسلام، ولا يموتون على الكفر.
وقد انفرد حذيفة رضي الله عنه بمعرفة أسماء هؤلاء المنافقين، بإخبار النبي ﷺ له دون غيره من الصحابة، ولذلك كان يُلقّب بـصاحب السر الذي لا يعلمه غيره، كما ورد في تفسير القرآن العظيم، وزاد المعاد
وقد أورد ابن أبي شيبة في المصنف، والفسوي في المعرفة والتاريخ، ووكيع في الزهد، والخرائطي في مساوئ الأخلاق أن حذيفة قال: “دُعي عمر لجنازة، فخرج فيها، أو أرادها، فتعلقتُ به فقلت: اجلس يا أمير المؤمنين، فإنه من أولئك. فقال: أنشدك بالله، أأنا منهم؟ قال: لا، ولا أبرئ أحدًا بعدك”. انتهى
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: “رواه البزار ورجاله ثقات”.
وقال الدكتور عبد السلام آل عيسى في رسالته: دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب :”إسناده عند وكيع متصل ورجاله ثقات… فالأثر صحيح”. انتهى
ويُظهر هذا الأثر أن الله عز وجل ألهم عمر بن الخطاب أن يسأل حذيفة، ليكون الجواب حجةً قاطعةً على من يرميه بالنفاق، وإلا فإن عمر لم يكن يشك في إيمانه، لكنه أراد زيادة الطمأنينة، كما فعل نبي الله إبراهيم عليه السلام في قوله:
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن
لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي” – البقرة: 260 –
فعمر وأبو بكر وعثمان هم من الذين نزل فيهم قوله تعالى:
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
– التوبة: 100-
وهم أيضا من العشرة المبشرين بالجنة.
كما أخبر حذيفة أيضا قبل وفاته سنة 36 هـ، أي قبيل وقعة الجمل، أنه لم يبق من أولئك المنافقين إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير.
فقد روى البخاري بسنده عند قوله تعالى: “فقاتلوا أئمة الكفر إنَّهم لا أيمان لهم” عن زيد بن وهب قال: “كنَّا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلاَّ ثلاثة ولا من المنافقين إلاَّ أربعة، فقال أعرابي: إنَّكم يا أصحاب محمد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون؟ ـ قال: أولئك الفساق. أجل لم يبقَ منهم إلاَّ أربعة: أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده”. انتهى
