بيان الجواز الشرعي لإطلاق “سَيِّدي” على أهل الفضل
يُعد إطلاق لفظ “السيد” أو “سَيِّدي” على أهل الفضل من العلماء والصالحين وذوي المكانة الدينية في المجتمع جائزًا في الشريعة الإسلامية، ما دام مقرونًا بالتوقير والتقدير، ولا يتضمن تعظيمًا يُنافي التوحيد أو يدخل في مسالك الغلو المنهي عنها.
وقد ورد في صحيح مسلم عن أم الدرداء أنها قالت: “حدثني سيدي أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل”. انتهى
وقد علّق الإمام النووي على هذا الحديث في شرح مسلم بقوله: “قول أم الدرداء: حدثني سيدي، تعني زوجها أبا الدرداء، ففيه جواز تسمية المرأة زوجها سيدها وتوقيره”. انتهى.
ومن الأدلة كذلك، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن رسول الله ﷺ أنه قال حين قدم سعد بن معاذ رضي الله عنه: “قوموا إلى سيدكم”. انتهى
قال النووي في شرحه على مسلم: “فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا، هكذا احتج به جماهير العلماء”.
و ورد في غريب الحديث للخطابي، أن امرأة سألت السيدة عائشة عن الخضاب فقالت : كان سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره ريحه. انتهى
وقد استخدمت اللفظة في سياق توقير الرسول ﷺ، مما يدل على جوازها في من هو دونه بطريق الأولى.
أما ابن الأثير فقد نقل في النهاية في غريب الحديث والأثر أن النبي ﷺ قال: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر”، مبينًا أن هذا الإطلاق جاء “إخبارًا عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد، وتحدثًا بنعمة الله، وإعلامًا لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه”.
وفي مواضع أخرى، ذكر ابن الأثير حديث: فيه: “قالوا: يا رسول الله من السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا: فما في أمتك من سيد؟ قال: بلى، من آتاه الله مالًا، ورزق سماحة، فأدى شكره، وقلت شكايته في الناس”. انتهى
كذلك روى أن النبي ﷺ قال في الحسن بن علي رضي الله عنهم: “إن ابني هذا سيد، وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين” انتهى
وقوله “سيد” هنا بمعنى الحليم الجامع لمكارم الأخلاق.
وفي حديث آخر قال النبي ﷺ عن سعد بن عبادة: “انظروا إلى سيدنا هذا ما يقول”،
وقد فسره الخطابي بقوله: “يريد: انظروا من سودناه على قومه ورأسناه عليهم”. انتهى
ونقل السيوطي في جمع الجوامع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما سُئل: من الذي إلى جانبك؟ قال: “هذا سيد المسلمين أبي بن كعب”.
وذكر الحاكم في المستدرك وصية الصحابي قيس بن عاصم لأبنائه: “اتقوا الله وسوِّدوا أكبركم”. انتهى
أما في القرآن الكريم، فقد ورد قوله تعالى عن امرأة العزيز: “وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ” – يوسف: 2-
وقد فسره المفسرون بأن المراد بـ”سيدها” زوجها.
قال الإمام النووي في الأذكار: “الجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي وشبه ذلك، إذا كان المسوَّد فاضلًا خيرًا، إما بعلم، أو بصلاح، أو بغير ذلك. وإن كان فاسقًا، أو متهمًا في دينه، أو نحو ذلك: كُره أن يُقال سيد'”. انتهى.
ويلاحظ أن إطلاق كلمة “سَيِّدي” شائع في مصر وشمال إفريقيا، بل أصبحت أسماء كثير من القرى والمدن تحمل هذه الصيغة. نذكر منها:
في تونس: سيدي بوسعيد، سيدي بوزيد.
في المغرب: سيدي سليمان، سيدي الطيبي.
في الجزائر: سيدي بلعباس، سيدي عيش، سيدي لخضر
في ليبيا: سيدي خليفة، سيدي عبد الجليل.
وغالبًا ما ترتبط هذه التسمية بأسماء العلماء، أو الأولياء، أو المجاهدين أو المرابطين، ممّن أسهموا في ترسيخ الدين والأخلاق في مجتمعاتهم وجهاد العدو . وتسمية الأماكن بأسمائهم تعبير عن محبة الناس لهم وتقديرهم لهم.
لكن يسعى أتباع التيار الوهابي إلى النهي عن استعمال لفظ “سيدي” بدعوى أن فيه تعظيمًا قد يدخل في باب الشرك، ومن ثمّ يسعون لإسقاط هيبة العلماء والصالحين من نفوس العامة، وبالتالي ضعف الارتباط بالسند العلمي، ومن ثم فتح المجال للطعن في علماء أهل السنة كالنووي والسيوطي وابن حجر وغيرهم.
و في هذا السياق قال البشير الإبراهيمي، أحد رموز هذا التيار، في نبرة تنكرية: “ولقد كان العرب صخورًا وجنادل يوم كان من أسمائهم صخر وجندلة، وكانوا غصصًا وسمومًا يوم كان فيهم مرّة وحنظلة؛ وكانوا أشواكًا وأحساكًا يوم كان فيهم قتادة وعوسجة. فانظر ما هم اليوم. وانظر أيّ أثر تتركه الأسماء في المسمّيات. واعتبر ذلك في كلمة (سيدي) وأنها ما راجت بيننا وشاعت فينا إلا يوم أضعنا السيادة، وأفلتت من أيدينا القيادة. ولماذا لم تشِع في المسلمين يوم كانوا سادة الدنيا على الحقيقة؛ ولو قالها قائل لعمر لهاجت شرّته، ولبادرت بالجواب درّته”. انتهى
كما ورد ذلك في آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي.
وقد نقل الأستاذ المجاهد عبد الرحمن بن العقون في الكفاح القومي صحيفة 353 تأثر الإبراهيمي بالفكر الوهابي النجدي.
والمفارقة أن الإبراهيمي نفسه عند زيارته المدينة المنورة لم يُعجب بما رآه من مجالس العلم هناك، فقال كما في الماجريات لإبراهيم بن عمر السكران: “طفت بحلق العلم فلم يرق لي شيء، إلا غثاء يلقيه رهط ليس له من العلم والتحقيق شيء”، بل وجد العلم عند الشيخ العزيز الوزير التونسي، والشيخ حسين أحمد الفيض أبادي الهندي.
راجع الصورة المرفقة
