تفاسير أهل السنة لقول الله تعالى : “أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فاذا هي تمور ” – الملك: -17-

تفاسير أهل السنة لقول الله تعالى : “أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فاذا هي تمور ” – الملك: -17-

الجزء الأول

1- مقدمة:

مما قرره أهل الحق أنه لا يجوزُ اعتقاد أنّ اللهَ يسكن السّماء و منع تسميته باسم “ساكن السماء”، لأن السماء مسكن الملائكةُ و الله خالقهم و خالق السماء.

الرسولُ صلى الله عليه و سلم قالَ عن السماء: “ما فيها قَدْرُ كفّ إلا وفيهِ ملَكٌ قائِمٌ أو ساجِدٌ أو راكِع”،

فالملائكةُ هُم سُكّانُ السّماوات السّبع، أمّا اللهُ تعالى فلا يجوزُ علَيهِ مزاحمة خَلقِه.

2- بيان أن الآية: “أأمنتم من في السماء” متأولة عند جميع الفرق الإسلامية.

-قال الحافظ النووي في شرحه على مسلم: “قال القاضي عياض – المتوفى سنة 544 هجري-: لا خِلافَ بين المسلمين قاطبةً فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أنّ الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى “ءأمنتم من في السماء” ونحوه ليست على ظاهرها بل متأوّٙلة عند جميعهم”. انتهى

ونقله أيضا السيوطي في شرحه على سنن النسائي.

-وقال الفخر الرازي المتوفى سنة 606 هجري في مفاتيح الغيب 15/417 ما نصه: “هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين”. انتهى

-وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي المتوفى سنة 671 هجري في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى – المجلد الثاني من منشورات دار الصحابة للتراث بطنطا – ما نصه: “قال شيخنا الإمام أحمد أبو العباس بن عمر الأنصاري : “لا خلاف بين المسلمين قاطبة محدثهم وفقيههم ومتكلمهم ومقلدهم ونظارهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله : ” أأمنتم من في السماء ” ليست على ظواهرها وأنها متأولة عند جمعيهم”. انتهى

-وقال أيضا في التذكار في أفضل الأذكار: ” يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض، إذ لو كان في شيء لكان محصورا أو محدودا ، ولو كان ذلك لكان محدثا ، وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق ، وعلى هذه القاعدة قوله تعالى : ‘ أأمنتم من في السماء ‘ وقوله عليه السلام للجارية : ‘ أين الله ؟ ‘ قالت : في السماء فلم ينكر عليها ، و ما كان مثله ليس على ظاهره بل مؤول تأويلات صحيحة قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم”. انتهى

3- ذكر مقالات أهل السنة في تفسير قوله تعالى “أأمنتم من في السماء”

أ- الفريق الأول: ذكر أن الآية خطاب للكفار و أنهم خوطبوا وفق اعتقادهم.

هذا الرأي هو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما و مجاهد و الطبري و غيرهم من علماء اللغة كأبي مسلم و غيره.

راجع الرابط التالي:

– جاء في تفسير السمرقندي: ثم خوفهم، فقال عز وجل‏:‏ ‏”ءامَنْتُمْ َّن فِى السماء‏”؟‏ قال الكلبي، ومقاتل‏:‏ يعني‏:‏ أمنتم عقوبة من في السماء‏؟‏ يعني‏:‏ الرب تعالى إن عصيتموه”. انتهى

– قال أبو حيان الاندلسي النحوي في النهر الماد: ” أو جاء هذا على طريق اعتقادهم، اذ كانوا مشبهة فيكون المعنى أأمنتم من تزعمون انه في السماء وهو المتعالي عن المكان”. انتهى.

– قال الإمام النسفي رحمه الله تعالى في تفسيره :” أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعالٍ عن المكان” . انتهى

– قال أبو السعود العمادي في تفسيره: ” أو على زعمِ العربِ حيثُ كانُوا يزعمونَ أنَّه تعالَى في السماءِ أي أأمنتُم منْ تزعمُونَ أنَّهُ في السماءِ وهُو متعالٍ عن المكانِ”. انتهى

‏‏- قال أبو مسلم : “كانت العرب مقرين بوجود الإله ، لكنهم كانوا يعتقدون أنه في السماء على وفق قول المشبهة ، فكأنه تعالى قال لهم : أتأمنون من قد أقررتم بأنه في السماء ، واعترفتم له بالقدرة على ما يشاء أن يخسف بكم الأرض”. انتهى

نقله عنه الفخر الرازي و غيره.

ب- الفريق الثاني: تأول السماء بالرفعة و علو المكانة و السلطان و القدرة

– قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في شرح الترمذي: “ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻣَﻦْ ﻓﻲ ﺍﻟﺴّﻤﺎﺀ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮّﻓﻌﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺠﻼﻟﺔ ﻻ ﻋﻦ ﻣﺤﻞّ ﺍﺳﺘﻘﺮّ ﻓﻴﻪ -اي الله-. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸّﺎﻋﺮ – أي ﺍﻟﻨّﺎﺑﻐﺔ ﺍﻟﺠّﻌﺪﻱّ اﻟﺼّﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ- ﺑﻠﻐﻨﺎ ﺍﻟﺴّﻤﺎﺀَ ﻣﺠﺪﻧﺎ ﻭﺟﺪﻭﺩﻧﺎ ﻭﺇﻧّﺎ ﻟﻨﺮﺟﻮ ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻣﻈﻬﺮﺍ.. ﻭﻟﻢ ﻳﺤﻞّ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﻟﻜﻨّﻪ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ، ﻭﻫﻮ ﻛﺜﻴﺮ”. انتهى

والإمام القاضي أبو بكر بن العربي قال فيه الذهبي في كتابه السير- طبعة مؤسسة الرسالة بيروت، جزء 20، صحيفة 201- ما نصه: “كان القاضي أبو بكر ممن يقال: إنه بلغ رتبة الاجتهاد”. انتهى

– جاء في حاشية محمد الطالب بن حمدون بن الحاج على شرح ميارة ما نصه:” واما قوله تعالى: “أأمنتم من في السماء”، فالمراد والله اعلم سلطانه وأمره”. انتهى

-قال السيوطي في تفسير الجلالين: ” أأمنتم ” بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما وبين الأخرى وتركه وإبدالها ألفا ” من في السماء ” سلطانه وقدرته”. انتهى

وراجع أيضا الرابط التالي:

ج- الفريق الثالث: تأول الآية بأن المراد بها الملائكة أو جبريل عليه السلام:

هذا الفريق ذكر أن الآية معناها أن اللهَ تعالى لو أمَرَ ملائكةَ السّماءِ بأن يخسِفُوا بالمشركينَ الذينَ آذَوا نبيَّنا، أهل مكةَ وغَيرهم وأخرجُوه مِن بلدِه مكّة، لبَلَعتْهُم الأرض.

– قال أبو حيان الأندلسي في كتابه البحر المحيط: “أأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الأرض” المراد بمن في السماء الملائكة‚ وليس المراد ان الله ساكن في السماء. انتهى

– قال القرطبي في تفسيره: “قيل هو إشارة إلى الملائكة، وقيل الى جبريل الموكل بالعذاب”. انتهى

د- الفريق الرابع: حمل الآية على الله تعالى بلا كيف ولا تشبيه و أنه في السماء من طريق الصفات. وهذا الفريق أثبت أيضا اللفظ وعدل عن حقيقة معناه، اتباعا لظاهر النص و لم يتعداه لتفسير معين كقول المجسمة أنه في جهة فوق أو أنه قاعد على العرش.

قال النووي : فمن قال باثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء أي على السماء» انتهى

فقوله “من غير تحديد ولا تكييف” اقرار لظاهر اللفظ ونفي لحقيقته الحسية.

– قال ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه: « إعلم أنه ليس يُنكر قولُ من قال: إنّ الله في السماء. لأجل أن لفظ الكتاب قد ورد به، وهو قوله: ” أأمنتم من في السماء” ومعنى ذلك أنه فوق السماء » . انتهى

– قال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات: « ومعنى قوله في هذه الأخبار “من في السماء” أي فوق السماء على العرش كما نطق به الكتاب والسنة ». انتهى

وذكر البيهقي قول جهم أن الله مع كل شيء وفي كل شيء ثم قال: « كذب عدو الله: إن الله في السماء كما وصف نفسه » . انتهى

فهنا لم يتعد البيهقي ظاهر النص لتفسير آخر من تفاسير المجسمة بدليل قوله في الأسماء و الصفات قبل ذلك: “أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن يزيد ، سمعت أبا يحيى البزاز ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه”. انتهى .

وقال: ” وذهب أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري في آخرين من أهل النظر إلى أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه “. انتهى

وقال: ” والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش ، يريد به : مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها ، والقيام والقعود من أوصاف الأجسام ، والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى “. انتهى

-قال الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى – المجلد الثاني من منشورات دار الصحابة للتراث بطنطا – ما نصه: “قال شيخنا الإمام أحمد أبو العباس بن عمر الأنصاري : …….أما من قال منهم بالجهة فتلك الجهة عنده هي جهة الفوق التي عبر عنها بالعرش وهي فوق السماوات كما جاء في الأحاديث فلابد أن يتأول كونه في السماء وقد تأولوه تأويلات . وأشبه ما فيه أن “في” بمعنى “على” كما قال “لأصلبنكم في جذوع النخل ” أي على “جذوع النخل ” ويكون العلو بمعنى الغلبة “. انتهى

ومعنى كلام القرطبي أن من قال بالجهة فتلك الجهة عنده هي جهة الفوق وهو هنا قد أثبت ظاهر الجهة وليس حقيقتها، كقول بعض الناس: الله على العرش، والله فوق كل شيء و ليس مرادهم أن الله حقيقة في السماء أو أنه فوق العرش بذاته بدليل تأويلهم لمعناها.

قال الشيخ عبد العزيز في التحفة:” قوله “يرحمكم من في السماء” المراد به الله سبحانه وتعالى، والمعنى بذلك الإشارة إلى أن الله تعالى فوقه من طريق الصفات، لا من طريق الجهة، فإنها مستحيلة في حق الله تعالى. وهذا مذهب السلف، وهو الحق الذي لا مرية فيه، فيجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء وإنه استوى على العرش، من غير تكييف، ولا تشبيه ولا تمثيل”، انتهى.

– قال الحبتري –وهو من أدعياء الأشعرية- في القَلائِدُ الذَّهَبِيِّةُ: “ومن حمل ” من في السماء” على الله بلا كيف بلا تشبيه كما فعل الشيخ عبد العزيز مع صرفه عن الظاهر فلا بأس وهذا مروي عن بعض السلف مع نفي التشبيه والكيفية”. انتهى

4- ذكر تفسير المجسمة لقوله تعالى:”أأمنتم من في السماء”

المجسمة هم من يعتقدون الحيزَ والحدَ والجهةَ للهِ تعالى. وأكثر هؤلاء لا يأخذونَ بظاهرِ الآية وأنه كونُه محصورًا مظروفًا في السمواتِ، أي أنه داخل السماءِ وأنَّ السماءَ تُحيطُ به وتَحويه فهؤلاء ينبزون ويصرفون هذا الظاهرَ ولا يعملونَ به ويتركونه ومعظمُهم لا يعتقدونَهُ بلْ يتأولونَهُ على معنى من فوقِ السماواتِ عال ٍعليها فوقَ العرشِ.

لكن هؤلاء يتعدون هذا، و ويزيدون عليه ويقولون أنه فوقَ العرشِ بذاتهِ جالس قاعد عليه، يماسه من الجهة العليا. ومنهم منْ يقولُ هو مُماسٌ للعرشِ، فوق العرش من جميع جهاته، ومنهم من يقولُ بل هو سبحانه في هواءِ العرشِ فوقَهُ، ومنهم من يقولُ هو جالسٌ وقاعدٌ على العرشِ لا يزول عنه ولا يخلو منه، ومنهم من يقول هو فوقَ العرشِ مُنفصلٌ عنه بالمسافةِ، ومنهم منْ يقولُ في حديثِ النزولِ فوقَ العرشِ وينزلُ إلى السماءِ الدنيا بذاتهِ وفي السماءِ بذاته ولكنْ لا تُحيطُ به السماءُ ولا ينحصرُ في جوفِها…..

وهكذا يتخبطون ويضطربون ويتناقضون في تأويلاتهم ومقالتهم، هروبًا من حَصْرهِ وتحيزهِ في جوفِ السماءِ على ظاهرِ بعضِ الأَخبارِ.

قوله تعالى: “أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ”- سورة الملك:16-

الجزء الثالث: “رفع شبهة عن الإمام السيوطي

روى السيوطي في الدر المنثور عند تفسير قوله تعالى “ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِیَ تَمُورُ” – الملك:16- : أخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: “أأمِنتُمْ مَن في السَّماءِ” قالَ: اللَّهَ تَعالى. انتهى

فجواب ذلك ان السيوطي بيّن مراده من هذه الٱية في موضعين من كتبه:

– في تفسير الجلالين حيث قال: “” أأمنتم ” بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما وبين الأخرى وتركه وإبدالها ألفا ” من في السماء ” سلطانه وقدرته “أن يخسف ” بدل من مَن “بكم الأرض فإذا هي تمور ” تتحرك بكم وترتفع فوقكم”. انتهى

– في شرحه على سنن النسائي حيث قال: “الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى له المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لان السماء قبله الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين. قال القاضي عياض لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر المتواردة بذكر الله في السماء كقوله تعالى أأمنتم من في السماء ونحوه ليست على ظاهرها بل هي متأولة عند جميعهم فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء على السماء ومن قال بنفي الحد واستحالة الجهة في حقه سبحانه تأولها تأويلات بحسب مقتضاها”. انتهى

فهنا نفى السيوطي ان يكون الله منحصرا في السماء، وان الٱية متأولة عند جميع الفرق الاسلامية:

– فريق منهم أثبت جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف، أي أن هذا الفريق أثبت ظاهر الجهة وليس حقيقتها، كقول بعض الناس: الله على العرش، والله فوق كل شىء.

فقوله “من غير تحديد ولا تكييف” اقرار لتلك العبارات ونفي لحقيقة الجهة الحسية.

– فريق منهم قام بنفي الحد عن الله وصرح باستحالة الجهة في حقه سبحانه، و تأولها تأويلات بحسب مقتضاها.

وأما المجسمة و الحشوية فقد خالفت كلا الفريقين و أثبتت الجهة الحسية و المكان لله عز وجل تماما كاليهود و النصارى و عبدة الأجرام السماوية، بدليل أنهم يفسرون حديث النزول على ظاهره، و يفسرون ٱية العروج على ظاهرها و ٱية الاستواء بالجلوس والقعود.

ملاحظة: قال الشيخ إبراهيم حقي الأرضرومي الحنفي التركي المتوفى سنة 1195 ھجري في كتابه “معرفة نامه” في تنزيه الله تعالى :”الله ليس في السماء ولا في الأرض ولا في جهة اليمين ولا الشمال ولا الامام ولا الخلف، منزه عن الجهات لا مكان له “. انتهى

رابط الجزء الثاني: https://www.facebook.com/194651207280300/posts/4673344452744264/


تفسير قوله تعالى: “أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ”- سورة الملك:16-

الجزء الثاني: تفسير ابن عباس و مجاهد و الطبري

من التفاسير التي تحتج بها المجسمة لنسبة الحيز و الجهة و الحد و المكان لله عز وجل، تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وتلميذه مجاهد و الإمام الطبري لقول الله تعالى: “أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ”- سورة الملك:16-

-أما ابن عباس فقد نقل عنه القرطبي في تفسيره ما نصه: “قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَأَمِنْتُمْ عَذَابَ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ”. انتهى

– و أما مجاهد، فقد نقل عنه الحافظ السيوطي في الدر المنثور ما يلي: أخرج الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: “أأمِنتُمْ مَن في السَّماءِ” قالَ: اللَّهَ تَعالى”. انتهى

– وأما الإمام الطبري فقد قال في تفسيره: “أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ” وهو الله “أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا” وهو التراب فيه الحصباء الصغار “فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ” يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي”. انتهى

وليس في هذه النقول الثلاثة ما يَفْرحُ بها المشبهة، لأن السياق العام لهذه الٱية وما قبلها و ما بعدها من ٱيات عند هؤلاء المفسرين هو خطاب مخصوص للمشركين. قال الله تعالى: “وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (13) أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ (14) هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ (15) ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَيۡفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ (18) – الملك-

-ورد في التفسير الوسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي المتوفى سنة 468هـجري عند قوله تعالى:” وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ..” ما نصه: “قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فيه ونالوا منه، فيقول بعضهم لبعض، أسِرُّوا قولكم لئلا يسمع إلا محمد”. انتهى

– وورد في تفسير القرطبي ما نصه: “-قال- ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام ؛ فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع رب محمد ؛ فنزلت : “وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ..”. انتهى

-ورد في زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي الحنبلي ما نصه: “ثم عاد إلى خطاب الكفّار، فقال عزّ وجلّ: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فيخبره جبريل بما قالوا، فيقول بعضهم: أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمّد”. انتهى

وذَكرَ مثل هذا، السمعاني والثعلبي و البغوي وأبي السعود في تفاسيرهم و ابن عادل الحنبلي في اللباب و ابن عاشور في التحرير و التنوير.

وعليه فإن الٱية عند هؤلاء المفسرين هو خطاب للمشركين دون غيرهم، حيث كان الْعَرَبُ الوثنيين مُقِرِّينَ بِوُجُودِ الْإِلَهِ، لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهُمْ: أَتَأْمَنُونَ عَذَابَ مَنْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ، وَاعْتَرَفْتُمْ لَهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى مَا يَشَاءُ، أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ.

هذا هو معنى التفسير المنقول عن هؤلاء الأئمة، وهو متعلق بسياق خطاب الله عز وجل للمشركين العرب، و ليس كما يظنه المشبهة، حيث جعلوا سياق كلام ابن عباس و مجاهد و الطبري عاما.

جاء في تفسير الإمام النسفي مانصه:” “أأمنتم من في السماء” أي من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته ومنها تنزل قضايا وكتبه وأوامره ونواهيه فكأنه قال أأمنتم خالق السماء وملكه أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وانه في السماء وان الرحمة والعذاب ينزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم أامنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان “. انتهى

وهذا التفسير نقله أيضا الخطيب الشربيني المصري في تفسيره.

ومع ذلك فقد فضل بعض مفسري الحنابلة تفاسير العلماء المتأخرين من أهل السنة المتأولين لهذه الٱية، على تفاسير هؤلاء، فقد قال ابن عادل الحنبلي في اللباب ما نصه: “وقيل: «فِي» بمعنى «على» ، أي: على السماء، كقوله:

﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل﴾ -طه: 71-، أي: على جذوع النخل. وإنما احتاج القائل بهذين إلى ذلك؛ لأنه اعتقد أن «مَنْ» واقعة على الباري، وهو الظاهر وثبت بالدليل القطعي أنه ليس بمتحيّز لئلا يلزم التجسيم، ولا حاجة إلى ذلك؛ فإن «مَنْ» هنا المراد بها: الملائكة سكان السماءِ، وهم الذين يتولّون الرحمة والنقمة. وقيل: خوطبوا بذلك على اعتقادهم؛ فإن القوم كانوا مجسمة مشبِّهة، والذي تقدم أحسن”. انتهى

رابط الجزء الثالث:

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي