حال البربر عند الفتح الاسلامي
من كتاب تاريخ الجزائر القديم و الحديث لمبارك الميلي
في سنة (27 هجري 647 م) صدر الأمر من الخليفة لوالي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري بالهجوم على افريقية . فقدمها بعشرين ألفا . وكان في جيشه من وجوه الصحابة أهل الشجاعة والدهاء مثل عبدالله بن الزبير و عبد الله بن عباس وعقبة بن نافع. فخرج اليهم جرجير صاحب سبيطلة بمائة وعشرين الفا من الروم والبربر . والتقى الجمعان على مسافة وليلة يوم سبيطلة . فاستمر القتال بين الفريقين . وانتهت المعركة بقتل جرجير وانهزام جيشه
وبعد هذا الانتصار المشجع المرعب دخل العرب سبيطلة ، وانتشروا في البسائط والسهول ، يشنون الغارات على الروم والبربر . وبلغوا في غاراتهم قفصة ، وفتحوا قصر الاجم صلحا .
وبعد سنة وثلاثة أشهر أقامها الجيش العربي بافريقية طلب أهلها الصلح ، وتحملوا لعبد الله بن أبي سرح بمال عظيم قبل انجلاء العرب عنهم . فقبل المال . وعاد الى مصر يحمل غنائم جليلة .
بلغ هرقل امبراطور القسطنطينية خبر انهزام الروم والبربر ، وما تحملوه من المال لابن أبي سرح . فغضب عليهم ، ونقم منهم تسليم ذلك المال للعرب . فأمرهم أن يؤدوا له من المال مثل ما أدوه للعرب . ووجه بطريقا لتنفيذ هذا الأمر . فلما نزل البطريق بقرطاجنة وأعلمهم أمر الامبراطور حنقوا عليه وقالوا : الواجب في هذه الحال اعاتتنا لا تغريمنا . وأصر البطريق على تنفيذ أمر الامبراطور . فأفضى الجدال الى القتال ، وانتصر البطريق عليهم . وخلع ملكهم الذي نصبوه مكان جرجير .. فذهب الى الشام مستنصرا بالعرب .
قضى البربر والروم ثمانية عشرة سنة بعد انجلاء العرب عنهم في الفوضى . وشغل العرب عن العود الى غزوهم بما كان من شأن الثورة على سياسة عثمان تم قتله الذي نشأت عنه حروب علي مع عائشة – هذا بزعم المؤلف و إلا فإن السيدة عائشة خرجت للصلح لا للقتال – ثم معاوية.
.افضت الخلافة الى معاوية بن أبي سفيان فطلب منه ملك افريقية المخلوع ان يعينه على استرجاع منصبه فوجه معه جيشاً عربيا بقيادة معاوية بن حديج السكوني الكندي الصحابي . ولما بلغوا الاسكندرية توفي الملك المخلوع ، ومضى الجيش لطيته .
كان مجيء معاوية سنة (45 هـ -665 م) في عشرة آلاف فيها من عظماء العرب أمثال عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الملك بن مروان . وخرج البطريق لملاقاتهم في ثلاثين ألفا . فانهزم الملك عند قصر الاجم . وفتحت سوسة وبنزرت وجربة ، وغزيت صقلية واتخذ معاوية آبارا للجيش بمكان القيروان .
وفي سنة 46 أو 47 هـ استقدم الخليفة معاوية بن حديج وولاه على مصر وافريقية . ثم انتزع منه افريقية . ثم عزله عن ولاية مصر سنة 50.
وبعد معاوية ارسل الخليفة الى افريقية عقبة بن نافع الفهري . قيل سنة 46 وقيل سنة 50 وفي كتب الافرنج : انه جاء سنة 668 م غازيا ثم سمي واليا عليها سنة 669 . ولعل هذه الرواية تقرب الجمع بين روايتي مؤرخي العرب ، فيكون مجيئه سنة 46 أو بعدها بقليل بصفة أمير جيش ، وفي سنة 50 الموافقة لسنة 660 م سمي واليا .
اشتغل عقبة باخضاع البربر والروم لولايته ، وتثبيت قدم العرب بافريقية . فأسس مدينة القيروان سنة 50 هجري- 670 م – بمواد من الخرابات الرومانية . ثم عزله معاوية . وولى على مصر وافريقية معا مخلد بن
مسلمة”. انتهى
من هذا النص يفهم أن حروب العرب في شمال افريقيا كانت ضد الروم ومن والاهم من البربر ولم تكن ضد البربر جميعهم و إلا فقسم كبير من البربر دخل الاسلام عن طواعية و شارك في اتمام الفتح الاسلامي لشمال افريقيا.
ثم إن هذا النص يدل أن عقبة، و إن كان تابعيا، فقد قدم لشمال افريقيا فاتحا مع كبار الصحابة.
حال البربر قبيل الفتح الاسلامي
من كتاب تاريخ الجزائر القديم و الحديث لمبارك الميلي
قال مبارك الميلي في كتابه تاريخ الجزائر: ” قد علمت ما استولى عليه الروم من وطن الجزائر، وأنه أقلّ بكثير مما بقي للبربر غير محتل. وتوجد خارج تلك الحدود امارات عظمى للبربر منها امارة قرب تيهيرت.
وقال: ” من أمراء البربر في هذا العصر مصيناس، كان على موريتانيا، ويلقب نفسه ملك القبائل الموريتانية، والرومان، والمراد من الرومان الباقون بموريتانيا، بعد ذهاب سلطانهم من افريقية. وهذا اللقب يدل على عظمة صاحبه حيث أن الرومان خاضعون له، واخوانهم من الروم بجوارهم ….
و هؤلاء الأمراء كانوا مستقلين بحكمهم، ووحدوا القبائل التي تحت سلطانهم، وردوا لها قوتها الحربية ….وصار شعارهم: “أرضنا أرض البربر”.
وقال: وفي سنة 48 جاء يوحنا طرغلطا واليا على افريقيا . وجعل حرب انتلاس – ملك بربري- أهم أعماله . واستعان عليه بقطزيناس وبيداس وافسدياس ( هو أحد أمراء البربر بنواحي أوراس ) فأعانوه . كما كان سليمان استعان باتتلاس على بيداس . وبعد ما اشتدت الحرب بين انتلاس وطرغليطا انجلت بخضوع الامير البربري سنة 48 . عد الروم هذا الفوز انتصارا باهرا . ولكنهم لم ينصروا على البربر الا بالبربر . وهم يعدون البربر كلهم أعداء لهم سواء المحارب والمحالف . ولذلك قتلوا الامير قطزيناس غدرا سنة 63 رغم كونه حليفا لهم . وقام أبناؤه مطالبين بدمه ، ورفعوا لواء الحرب على الروم . استمرت غارات البربر على الروم . وعجز الولاة عن ايقافها عند حد . حتى جاء جناديوس . فحاربهم وافتك منهم بعض ما كان استولوا عليه من الاراضي . ولكنهم لم يزالوا في غاراتهم حتى انهم سنة 97 بلغوا أبواب قرطاجنة وحاصروها .
والخلاصة ان تاريخ الروم بافريقية كله حروب، أكثرها للبربر . أما علة كثرة الحروب فهي تشبع البربر من مبدأ الاستقلال ، وطمع الروم في ارث الرومان من غير نظر الى الظروف ، وجور ولاتهم فيما تحت نفوذهم . واما سبب نجاح البربر في الاكثر فذلك لضيق نطاق التراب الرومي ، وعجز كثير من الولاة في السياسة والحرب ، وتمرد الجنود على قوادها.
وقال: “وفي سنة 647 هجم العرب على هذه الدويلة . فقضوا عليها لاول هجومهم . وقتلوا جرجير . واحتلوا عاصمته . ومن ذلك الحين انقرضت السلطة الرومية من الشمال الافريقي بعد ما لبثت 113 سنة .
كان انقراضها بهذه السهولة لانها لم تكن ثابتة الاركان ، فقد سبق أنها عاشت في حروب واضطرابات . وان سلطة هذه حالها لا تلفت النظر الى ما تركته من علوم وصنائع وفنون وأنظمة وعمران . بل انها لا تترك الا ما يناسبها من جهل وفوضى . فلم ينتج عنها غير خراب الأذهان والأوطان . والخلاصة ان البربر عادوا في العصر الرومي الى حياة الوحشية والهمجية تحت رؤساء لا دراية لهم بغير الحرب والسلب.
ومما تقدم نستخلص أن المؤرخ مبارك الميلي كان يرى أن الاحتلال الروماني للجزائر لم يشمل كل أراضيها، بل بقيت مناطق واسعة تحت سيطرة البربر الذين أسّسوا إمارات مستقلة. ومن بين أبرز أمرائهم في ذلك العصر مصيناس، الذي لقب نفسه بـ”ملك القبائل الموريتانية”، ومع ذلك فالتاريخ الروماني في إفريقيا كان تاريخ حروب متواصلة مع البربر. وفي سنة 647م، جاء الفتح الإسلامي فأسقط الدولة الرومية بسهولة وقتل قائدها “جرجير”، مما أدى إلى زوال الحكم الروماني من شمال إفريقيا . وختم الميلي بأن السلطة الرومانية لم تترك أثرًا حضاريًا ذا بال، بل كانت مصدرًا للفوضى والجهل، فدفع البربر ثمن ذلك، وعادوا في أواخر العصر الرومي إلى حالة من الوحشية والهمجية، تحت رؤساء لا يعرفون غير الحرب والغارات.
ومن هنا نقف على كذب بعض الباحثين العنصريين من الذين يزعمون أن الامويين لم يقاتلوا في الجزائر الروم، و أن البربر هم من قاوموا الفتح الاسلامي لوحدهم.
في نقد الرواية الموضوعة عن عبد الملك بن مروان أنه قال: “من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية”
ما زال بعض دعاة النزعة العرقية المتطرفة من أنصار الأمازيغية المؤدلجة والمدرسة الاستعمارية الفرنسية، يوظفون روايات موضوعة لا أصل لها من الصحة للطعن في الفتوحات الإسلامية، خاصّة تلك التي جرت تحت راية الدولة الأموية في شمال إفريقيا. ومن بين ما يستدلّون به للترويج لذلك، ما رواه ابن أبي شيبة في “المصنّف” بقوله:
“حدثنا أبو سفيان الحميري، حدثنا خالد بن محمد القرشي، قال: قال عبد الملك بن مروان: من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية، ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية”. انتهى
وهذه الرواية باطلة سندًا، وهي من المرويات الموضوعة التي لا تثبت عن عبد الملك بن مروان. ويكفي للطعن فيها ما اشتمل عليه سندها من راوٍ متروك وكذّاب، وهو خالد بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص الأموي القرشي، المعروف بكثرة وضعه للأحاديث.
فقد رماه ابن معين بالكذب، ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع.
جاء في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم أن:
: أبا محمد قال: سألت أبي عن خالد بن عمرو فقال: هو متروك الحديث ضعيف. انتهى
وقال أبو داود: ليس بشيء كما في تهذيب التهذيب
وجاء في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، ما نصه: “حدثنا عبد الرحمن، قال: سئل أبو زرعة عنه فقال: هو ابن عم عبد العزيز بن أبان، وهو منكر الحديث”. انتهى
وقال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت أبا زرعة يقول: نصر بن باب اضرب على حديثه، وكان جنبه حديث لخالد
ألحقه به. كما في تهذيب الكمال.
وقال البخاري والساجي أيضا: منكر الحديث.
وجاء في الكامل في الضعفاء: ثنا ابن حماد، حدثني عبد الله: سألت أبي عن خالد بن عمرو القرشي فقال: ليس بثقة، وهو ابن عم عبد العزيز بن أبان، يروي أحاديث بواطيل.
وقال أحمد بن سنان الواسطي، عن أحمد بن حنبل: منكر الحديث.
وجاء في تهذيب التهذيب : قال ابن حبان: كان يتفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يحل الاحتجاج بخبره. وذكره أيضا في ” الثقات
قلت: وهي إحدى غفلاته. انتهى
وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب ” الثقات “، وقال في كتاب ” الضعفاء “: كان ينفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يحل الاحتجاج بخبره. روى له أبو داود مقرونا بغيره، وابن ماجه
وقال ابن عدي في الكامل:
وخالد بن عمرو هذا له غير ما ذكرت من الحديث عمن يحدث عنهم، وكلها أو عامتها موضوعة، وهو بين الأمر في الضعفاء.
وقال: روى عن الليث وغيره أحاديث مناكير. وأورد له أحاديث من روايته عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، ثم قال: وهذه الأحاديث كلها باطلة وعندي أنه وضعها على الليث، ونسخة الليث عن يزيد عندنا ليس فيها من هذا
شيء، وله غير ما ذكرت، وعامتها أو كلها موضوعة، وهو بين الأمر من الضعفاء.
وقال: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: خالد بن عمرو عن شيبان وهشام الدستوائي، روى عنه أبو عبيد، منكر الحديث
وقال صالح بن محمد البغدادي كان يضع الحديث
وقال الحسين بن حبان، عن يحيى بن معين: كان كذابا يكذب، حدث عن شعبة أحاديث موضوعة
وقال الحسين بن حبان، عن يحيى: “كان كذابا يكذب، حدث عن شعبة أحاديث موضوعة”. انتهى
وبناءً على هذا ، يتبيّن أن هذه الرواية من الروايات الموضوعة التي لا يصح الاستدلال بها تاريخيًّا، وأنها مما يُروَّج لها لأغراض أيديولوجية تستهدف الطعن في التاريخ الإسلامي. ومن الأمانة العلمية أن يتم التحذير من اعتماد مثل هذه الروايات في أي خطاب يُنسب إلى البحث التاريخي أو العلمي الرصين.
روابط ذات علاقة في رد الشبهات عن عقبة بن نافع
ذكر الأكاذيب والافتراءات حول عقبة بن نافع
الجزء الأول: شبهة قطع عقبة لاصبع الملك البربري و جدع أذن ملكهم الآخر
https://www.facebook.com/share/p/1Y6WFnxxa4/
الجزء الثاني: رد شبهة حول فتوحات عقبة بن نافع في المغرب الأقصى
https://www.facebook.com/share/v/1BEUZsDbnJ
– الجزء الثالث: بين كسيلة و عقبة بن نافع رضي الله عنه
https://www.facebook.com/share/p/15DpRyeQTc/
بيان أن بعض البربر استباحوا أموال واعراض غيرهم وغدروا بهم
