الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي كلامه عن الصفات الثابتة لله

الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي – الجزء الثالث-

9- كلامه عن الصفات الثابتة لله

قال القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم في الصحيفة 228 ما نصه: “فأما الذي ورد كمالاً محضاً؛ كالوحدانية، والعلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والإحاطة، والتقدير، والتدبير؛ فلا كلام فيه، ولا توقف”انتهـى

10-كلامه عن القرآن

قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه المسالك 3/379 ما نصه: ” اعلم أن القرآن لا يتحدد معناه، ولا يتقدر مقتضاه؛ فقد يراد به الكلام القديم الموجود بذات الرب تعالى، وقد يراد به القراءة الحادثة؛ كما قال تعالى: “فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ”، وقد يضاف إليه من حيث إنه موجود بذاته – أي قائم بذاته -، وصفة من صفاته، وقد يراد به القراءة الحادثة؛ كما أنها توصف بأنها كلامه؛ قال الله تعالى: “فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ” ، والثاني: أنها دلالة على كلامه الموجود بذاته”. انتهـى

وقال في عارضة الأحوذي 11/1-2 ما نصه : “القران كلام الله ليس بخالق، ولا مخلوق، ولا محدث، ولا صفة لمخلوق؛ صفة من صفات الله سبحانه؛ ليست له كيفية، ولا يشبه كلام مخلوق، ولا يوصف بأنه حرف، ولا صوت؛ علمه جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فعلمه محمد لأمته. ولا تفاضل فى حقيقته ولا تفاوت فى مرتبته، وخبر الله بأن بعضه أفضل من بعض؛ إنما يعود إلى ما يفضل عليه من الأجر، أو بما فيه من المعنى”. انتهـى

وقال في المحصول في الصحيفة 52 ما نصه: “فأما الكلام فقد جهله أكثر الناس، وهو عندنا المعنى القائم بالنفس”. انتهـى

وقال في العواصم في الصحيفة 209 ما نصه: “وقالوا – أي المجسمة – : إنه يتكلم بحرف وصوت، وعزوه إلى أحمد بن حنبل، وتعدى بهم الباطل إلى أن يقولوا: إن الحروف قديمة! وقالوا: إنه ذو يد، وأصابع، وساعد، وذراع، وخاصرة، وساق، ورجل يطأ بها حيث شاء، وأنه يضحك، ويمشي، ويهرول .. ولو كانت لهم أفهام، ورزقوا معرفة بدين الإسلام؛ لكان لهم من أنفسهم وازع؛ لظهور التهافت على مقالاتهم، وعموم البطلان لكلماتهم، ولكن الفدامة استولت عليهم؛ فليس لهم قلوب يعقلون بها، ولا أعين يبصرون بها، ولا آذان يسمعون بها؛ أولئك كالأنعام بل هم أضل”.انتهـى

وقال في العواصم أيضا في الصحيفة 269 ما نصه: “قوله – أي ابن حزم -: “كلام الله هو علمه. لا عقل، ولا شرع؛ من أين أخذ هذا؟ أدلة العقول تنفيه، والشرع لم يرد به”. انتهـى

11- كلامه عن الصفات الخبرية

قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة 3/166 عند شرحه لبعض أحاديث الصفات: “ومذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها معلوم المعنى”. انتهى

و كلامه لا يفسر انطلاقا من مذهب المُجسمة الرديء و إلا فقد أوضح القاضي ابن العربي مذهب مالك في أحاديث الصفات وبين أن الألفاظ لها معاني معلومة في اللغة ما بين الحقيقة و المجاز بعضها يليق بالله عز و جل و بعضها لا يليق به. و مذهب مالك مبني على ترك تفسيرها و تعيين معنى بعينه. فمذهب مالك أن الألفاظ الواردة في مثل هذه الأحاديث كاليد و الاستواء و النزول مَعْلُومة مِنْ لُغَةِ العَرَبِ وَ أيضا مَحَامِلها المَجَازِيَّة الَّتِي تَصِحُّ فِي حَقِّ اللهِ تبارك وتَعَالَى لكن تعيين معنى بعينه هو المجهول لذلك كان الأسلم عند مالك عدم الخوض في تفسيرها.

يدل على ذلك ما قاله أبو بكر بن العربي في العارضة في الصحيفة 235 ما نصه : ” وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز، منها ما يجوز على الله فيكون معنىً للآية، ومنها ما لا يجوز على الله بحال، وهو إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة، فإن شيئاً من ذلك لا يجوز على الباري تبارك وتعالى ولا تضرب له الأمثال في المخلوقات، وإما أن لا يفسر كما قال مالك وغيره، إن الاستواء معلوم ـ يعني مورده في اللغة ـ”. انتهى

12- الحديث الذي فيه ذكر الوجه

قال القاضي أبو بكر بن العربي في المسالك 3/ 464 ما نصه: “قوله: “إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته”؛ معناه: على صورة المضروب، فالهاء عائدة على عبده، وغير ذلك من الأحاديث المشكلات، والتأويل عليها يطول”. انتهى

13- كلامه عن صفة اليد

قال القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم صحيفة 220 ما نصه: “وأما كونه له يد، ويمين؛ فإنه له ثابت قطعاً؛ إذ هو نص القرآن. وكذلك: ذو عين؛ فإنه ثابت قطعاً، ولما جاء في القرآن كلاهما؛ قال علماؤنا المتقدمون: إن اليدين صفة ثابتة في القرآن ليس لها كيفية، وحملها المتأخرون من أصحابنا على القدرة، والذي قال في آدم: “لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ”؛ قال: “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ”، وقال: “بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ”، وقال: “وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ”، وفي الحديث الصحيح: “وكلتا يديه يمين”، والذي خلق به آدم، ويطوي به السموات؛ هو الذي به الملك، وهو يقبض به الأرض؛ في البخاري: “يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه” وذكر الحديث. وذلك كله عبارة عن القدرة، وضرب الله اليد مثلاً؛ إذ هي آلة التصرف عندنا، والمحاولة؛ فإنهما المراد هنا، وأوضح العلم لنا منا، وذلك تصديق قوله: “وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”. وأما بعض أصحابنا؛ فقد قال: “وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ”؛ أي: بقسمه أن يفني الخلق. فقول ضعيف، وإنما هي كناية عن القدرة؛ كما بينا”. انتهـى

وقال في عارضة الأحوذي 3/32 ما نصه: “وأما الذين يقولون: إن اليد هي القدرة. فهم طائفة من أهل السنة”. اهـ

و قال رحمه الله في كتابه المسالك: “الآية الحادية عشر: قوله: “لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ”؛ أي بقدرتي”. انتهى

وقال في المسالك 3/ 463 ما نصه : “قوله: “إن الله يطوي السماوات يوم القيامة؛ ثم يأخذهن بيده اليمنى؛ ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون، ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين المتكبرون” قد تقدم الكلام في اليدين، واختلاف الأصوليين في ذلك، وإنهما بمعنى الصفة؛ لا بمعنى الجارحة”. انتهـى

14- تأويله للحديث الذي ذُكر فيه الاصبع مضاف إلى الله

قال في المسالك 3/463 ما نصه: ” الحديث الأول: وقع في الصحيح لمسلم؛ قوله: “إن الله يمسك السماوات على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع؛ ثم يقول: أنا الملك”ؤ؛ قال علماؤنا: قد استقر في عقائد المسلمين؛ أن البارئ تعالى منزه عن الجارحة؛ لأنه إنما يراد به القدرة، والاجتماع. وقال قوم: إن الإصبع هنا؛ هي النعمة. وقال آخرون: إنما أراد به؛ أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستة أيام، ولم يدركه في ذلك لغوب ولا نصب”. انتهى

وقال في العواصم صحيفة 221 ما نصه: وأما ذكر الأصابع؛ فصحيح، ولكن لم ترد مضافة إليه، وإنما ورد: “أنه يضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع ثم يهزهن” الحديث. ولا ينكر أن يكون لله أصابع، ولكن ليست صفات له، ولا متصلة له، ولا يقتضي الظاهر ذلك؛ فلا نرده باطناً فيضيفوها إلى الله، وقولوها مطلقة كما جاءت؛ تكونا آخذين بالظاهر. والمعنى فيه: أن الجامع للمخاطب الأصابع فضرب له المثل به؛ فاحفظوا نكتة بديعة، وهي أن الشرع جاء باليدين واليد والكف والأصابع، وقل بالساعد والذراع؛ مفردات؛ فلا تصلوها، وتجعلوها عضواً، وتضيفوها، وتركبوها بعضها إلى بعض؛ فإنكم تخرجون من الظاهر إلى باطن التشبيه والتمثيل؛ الذي نفاه عن نفسه”. انتهى

وقال في العواصم صحيفة 224 ما نصه: “وتحقيق المسألة: أن أحداً لم يقل قط: إن الأصابع والكف؛ صفة، وإنما اختلفوا فيما جاء به القرآن؛ فأما ما جاء من طريق الآحاد؛ فلا يثبت العلماء بها صفة، وإنما اقتحم ذلك؛ هذه الطائفة العوجاء”. انتهـى

15- كلامه عن الأحاديث التي ذُكرت فيها القدم و الساق و الرجل

قال القاضي أبو بكر بن العربي في المسالك 3/ 464 ما نصه: ” قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال النار يلقى فيها، حتى يضع الجبار فيها قدمه” وفي بعض طرقه: “حتى يضع الجبار فيها قدمه، فتقول: قط قط” ؛ قال علماؤنا: معنى “قدمه” خلق من خلقه يسمى قدماً؛ أضافه إضافة الملك إلى نفسه”. انتهى

وقال في العواصم صحيفة 222 ما نصه: “وأما ذكر القدم والرجل فصحيح؛ وردا مضافين إلى الله، وأما الساق؛ فلم يرد مضافاً إليه؛ لا في حديث صحيح، ولا سقيم، وإنما قال الله “يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ”؛ ما الساق؟ وأي ساق؟ ولمن من ذوي السوق؟ وأما الوطء بالقدم فلم يرد في حديث صحيح “. انتهى

وقال في عارضة الأحوذي 10/14 ما نصه : ” ومهما اختلف الناس في اليدين؛ هل هي صفة أم لا؟ فلا يختلفون في القدم أنها ليست بصفة”. انتهـى

وقال في عارضة الأحوذي 10/15-16: “والذي أقطع عليه؛ أن اليد عبارة عن القدرة، وأن القدم عبارة عن مقدمة سبقت في علم الله علي جمع أنهم من أهل النار .. وقد روي فيها “حتي وضع الرحمن فيها رجله” وإلى الأول يعود، وإنما المراد به جملة من الخلق؛ فتارة عبر عنهم بلفظ القدم؛ من تقدم العلم فيهم بذلك، وتارة عبر عنهم بالرجل؛ أي: الجماعة من الناس، وغيرهم”. انتهـى