بيان أن المجسمة ينسبون اليد كجارحة لله
نسب الله اليد لذاته عز وجل في عدة مواضع من القرٱن الكريم منها قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ” – الفتح: 10-
فينبغي اثبات اليد لله تعالى كصفة بلا كيف و لا تشبيه، خلافا للجهمية و المعتزلة الذين ينكرون أصل الصفات.
واليد هي صفة أزلية أبدية ثابتة لله بالنصوص النقلية، لا على معنى الجارحة، ولا على معنى الأعضاء أو التبعيض والتركيب.
وقد خالف المجسمة في بيان معنى اليد:
-فقال بعضهم: هي جزء من الله وهي مركبة من كف وأصابع.
– و قال بعضهم: “هي يد حقيقية مجهولة الكيف.
ولازم كلام هؤلاء هو التجسيم حقيقة، وان حاولوا دفعه، لأن لازم مذهبهم هو مذهب لهم، ويدل على لزوم التجسيم لهم أمور منها:
أ-قولهم:” يد مجهولة الكيف”. ومعلوم أن الكيف هو من صفات المخلوقين، وقد كان السلف الصالح ينفون الكيف عن الله تعالى. فقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري من طريق الوليد بن مسلم قال سألت: الاوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف”. انتهى
ونقل من طريق ابي بكر الضبعي، أنه قال مذهب أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى، قال: “بلا كيف” والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه هي طريقة الشافعي واحمد بن حنبل”. انتهى
ب- تفسيرهم اليد بلوازمها: فهي عندهم يد تقبض و تمسك و تمس و تلمس وتغرس، لكنها ليست كأيدي خلقه بحسب قولهم. وهذا صريح في اعتبار اليد عندهم ٱلة وعضو وأنها عين من الأعيان، بخلاف معتقد السلف الصالح أنها صفة من الصفات.
ج- تفسيرهم لصفة اليد الواردة في القرٱن الكريم، باللغة الانجليزية على معنى الجارحة: Hand
فهذه الكلمة ليس لها معنى بالانجليزية إلا اليد الجارحة، وذلك العضو المركب من لحم ودم وعصب، أو بمعنى الجسم المؤلف و المركب.
فنجد في بعض تراجمهم للقرٱن بالانجليزية عند قوله تعالى: ” يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ” – الفتح: 10-
أنهم قالوا:
The Hand of Allah is above their hands.
وهذا من أظهر الأدلة أن هؤلاء مجسمة مشبهة يعتقدون في خالقهم الجسمية و التركيب والتأليف، ولو حاولوا تجميل كلامهم بقولهم يد لا كالأيدي. وكان الأولى بهم ترجمة معاني القرٱن لا ظاهر الألفاظ حتى يسلموا من لوثة التجسيم.
قال ابن عقيل الحنبلي في الباز الأشهب : « تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة ، لأنّ هذا عين التجسيم ، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعَالج بِها”. انتهى
ملاحظة:
أهل السنة يثبتون اليد كصفة لله وليس كجارحة.
فالاتفاق في اللفظ لا يقتضي الاتفاق في المعنى، والمعنى لا يثبت الا لغة أو شرعا، فأهل السنة أثبتوا المعنى الشرعي وأما المجسمة فقد أثبتوا المعنى اللغوي الذي يفيد الجارحة.
ملاحظة ثانية: قول بعض المجسمة: ” ان المتكلمين تصوروا خالقهم، وقاسوه على العالم المادي لذلك أنكروا اثبات الجارحة لله”، وهذا قول متهافت، لأن الجوارح و الأبعاض تقتضي التركيب بحسب وضع اللغة العربية، من دون اي تصور أو تخيل. فيلزم من اثبات الأبعاض، التركيب والحدوث وهو تجسيم لا محال. ولم يقل واحد من أساطين اللغة أن معاني الألفاظ العربية متباينة بين العالم المادي وما يسمى بالعالم اللامادي.
ملاحظة ثالثة: المعنى البشرى لعبارة اليد والعين و الوجه معلومة عند الناس، و أما المعنى المنسوب لله عز وجل، فالله تعالى لم يحدد لها معنى معين نلتزم به ولا نتعداه , والرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد لها معنى أيضا
والله تعالى ذكر اليد واليدين والأيدى، وذكر العين والأعين ولم يذكر العينين، وذكر الساق الواحدة، وورد في بعض الأحاديث عن رسوله صلى الله عليه وسلم ذكر القدم الواحدة , واليدين اليمين والشمال مرة , واليد اليمين مرة أخرى وذكر الأصابع ، فلا يمكن من خلالها جمع صورة كاملة
فكيف يحملون الألفاظ على الظاهر والحقيقة .؟
فترك الصحابة رضوان الله عليهم القول باجراءها على الظاهر، ولا قالوا على الحقيقة ولم يتكلموا , ولم يناقشوا , ولم يدعوا الناس بعد زمن النبى صلى الله عليه وسلم الى هذا الموضوع.
ومن هنا عرفنا أن حمل المتشابهات على الظاهر بدعة ليست من عقيدة الاسلام.
بل ان من شبه الله بخلقه ونسب له الجوارح لم يحقق معنى الوحدانية كما قال عبد القاهِر البَغدادي في الأسماءُ والصِّفات.
فمن الذى قدّم عقله على النصوص ؟ الذى اتهم نفسه بالجهل وعقله بالعجز ,أم الذى يقدم عقله على النص ويقول ” أنا أعرف” المعنى البشرى والالهي ؟
ومن قواعد هؤلاء المجسمة أيضا أن التثنية لا تكون الا حقيقة، فيقولون نثبت يدين حقيقيتين لله عز وجل، فهل بزعمهم سيثبتون للقرآن الكريم يدين تليقان به، والله تعالى يقول: “نَزَّلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ”
