بيان عدم صحة الرواية المنسوبة لحكيم بن جابر لاثبات المسيس لله عز وجل
قال ابن أبي شيبة في المصنف: « حدثنا عبد اللَّه بن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم ابن جابر قال: إن اللَّه تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء: (غرس) الجنة بيده ثم جعل ترابها الورس والزعفران، وجبالها المسك، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة لموسى». انتهى
وهذا الأثر رواته ثقات فلا مطعن فيه، لكنه روي بنفس السند مع زيادة مهمة أسقطتها الرواية الأولى:
قال ابن بطة في الابانة: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: ” أُخْبِرْتُ أَنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَمَسَّ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: غَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ، وَخَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ – وَفِي رِوَايَةٍ: «جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ بِيَدِهِ».
فهنا حكيم بن جابر ينقل نسبة المس لله عن مجاهيل لم يعينهم، وهذا لوحده كاف لاسقاط الاحتجاج بالأثر في باب الصفات.
كما نقله الذهبي أيضا في العلو فقال: حَدِيث يعلى بن عبيد أَنبأَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حَكِيم ابْن جَابر قَالَ أخْبرت أَن ربكُم عزوجل لم يمس بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء غرس الْجنَّة بِيَدِهِ وَخلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ». انتهى
وقال الذهبي في كتاب الأربعين في صفات رب العالمين: ” وصح عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: أُخبرت أن ربك لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: غرس الجنة بيده، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده”، وصح عن مغيث بن سمي نحوه». انتهى
ونقله السيوطي في الدر المنثور فقال: «وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن حَكِيم بن جَابر قَالَ: أخْبرت أَن الله تبَارك وَتَعَالَى لم يمس من خلقه بِيَدِهِ شَيْئا إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء غرس الْجنَّة بِيَدِهِ وَجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها الْمسك وَخلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة لمُوسَى بِيَدِهِ». انتهى
وكلام السيوطي دليل قطعي على وجود تصحيف في النسخ المطبوعة التي أسقطت كلمة “أُخبرت”
فلو قيل أن حكيم بن جابر ذكره لأنه لا يرى به بأسا، ولو كان ينكره لرده واستشنعه، فجوابه ان يقال ليس كل من يذكر مقالا يدل على قبوله له، لأن حكيم بن حزام قد يكون ذكر الأثر لمجرد الاخبار عن عقائد المجسمة. ثم لعل الناقل عن حكيم قد اكتفى بما قاله عن المجسمة ولم يذكر تعقيبه عليهم
فائدة:
1- قال محمد حامد الفقي في تحقيقه لكتاب نقض عثمان بن سعيد الدارمي: “لفظ المسيس والمس لا نعرفها وردت في القرآن ولا في الحديث، بل نقول خلقه بيديه على ما يعلم الله ويليق بذاته العلية”. انتهى
وقال عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في تحقيقه للنقض أيضا: ” وهو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه حتى يثبت ما يدل على ذلك”. انتهى
2- قال البزدوي في كشف الأسرار: “فأما قول التابعي فليس بحجة لان احتمال اتصال قوله بالسماع يكون بواسطة و تلك الواسطة لا يمكن اثباتها بغير دليل و بدونه الا يثبت السماع بوجه”. انتهى
3-قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في: “أعلام الحديث” : “الأصل في هذا وما أشبهه من أحاديث الصفات والأسماء: أنه لا يجوز ذلك إلا أن يكون كتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته، فإن لم يكونا فبما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع بصحتها، أو بموافقة معانيها، وما كان بخلاف ذلك فالتوقف عن إطلاق الاسم به هو الواجب، ويتأول حينئذ على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقاويل أهل الدين والعلم مع نفي التشبيه فيه”. انتهى
وقال الخطيب البغدادي في الفقيه والمُتَفَقِّه: “إذا روى الثقة المأمون خبرًا متصلَ الإسناد رُدَّ بأُمور: أحدها: أن يُخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوّزات العقول وأما بخلاف العقول فلا. والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ. الثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحًا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه”. انتهى


