رد دعوى ان القراءات ناتجة عن التخميــــــــــــن. باقتباس عن أ. الشامي

رد دعوى ان القراءات ناتجة عن التخميــــــــــــن.

باقتباس عن أ. الشامي

زعم بعض الملاحدة أمثال المدعو محمد المسيح و التونسي خالد بلكين و غيرهم ان القراءات ناتجة عن التخمين و احتجوا لذلك بما جاء في سورة الزخرف الآية 19:

وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ

حيث زعموا ان بعض القراءات فيها “عباد الرحمن” والبعض الآخر “عند الرحمن”, وقالوا ان الكلمة كتبت في المصاحف المبكرة “عٮد” وفي ذلك الوقت لم تكن تكتب حروف المد (“الألف والواو والياء” وبالتالي فهذه الكلمة بهذا الشكل “عٮد” يمكن أن تقرأ “عباد” ويمكن أن تقرأ “عند”, فسبب ظهور القرائتين هو أن بعض القراء خمن الصيغة الأولى والبعض الآخر خمن الصيغة الثانية .

واصل هذه الشبهة أوردها المستشرق المجري غولدتسيهر Ignaz Goldziher

المتوفى سنة 1921 م واحتج بها للقول بانالقران لم يكن محفوظا في الصدور وانما مسطور على الرقاع.

ومن جملة الردود على هذه الشبهة ما يلي:

الرد الأول:

توجد نماذج كثيرة للغاية لكلمات يمكن أن يتم تخمينها بشكلين مختلفين ومع ذلك اتفقت جميع القراءات العشرة على شكل واحد لها، منها:

المثال الأول: ” يوقنون| يؤمنون” مثل الآية 188 من سورة الأعراف: “إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ “

فحرف القاف يشبه في كتابته حرف الميم، والهمزة لم تكن تكتب ,فمن السهل أن يختلط على القارئ لفظة “يؤمنون” و”يوقنون”, وكما يتضح من صور بعض المخطوطات المبكرة كيف أن حرف القاف والميم متشابهان.

فلماذا لم يقرأ قارئ واحد من القراء العشرة أو أياً من الطرق الشهيرة الموصلة إليهم هذه الآية بقراءة “يوقنون” بدلاً من “يؤمنون”؟

ومما يدل على ذلك، اننا نجد في كتاب”برديات قرة بن شريك”، دراسة وتحقيق, د جاسر بن خليل، مثالا على مسألة التشابه بين القاف والميم في الكتابة القديمة بشكل يؤدي إلى الخلط حيث ذكر في الصفحة 30

[ ولاية قرة على مصر: أجمعت المصادر ، قديمها ومتأخرها، على أن الوليد بن عبد الملك عزل أخاه عبد الله ابن عبد الملك عن مصر سنة تسعين، وولى مكانه قرة بن شريك.

وشذ عن الإجماع القلقشندي، إذ ذكر خبراً فيه خلل واضح ، قال :

” ولاية قرة على مصر سنة تسعين، وأقره عليها الوليد بن عبد الملك، فمكث بها سبع سنين” وموطن الخلل قوله : ” وأقره عليها”، فالوليد هو الذي ولاه مصر وليس شخصاً آخر حتى يقره الوليد. ومن الواضح أن هذا الخطأ يعود إلى الناسخ وليس إلى القلقشندي،إذ العبارة : “أمره عليها” فصحفها الناسخ.]

هذا مثال واضح للخلط بين حرفي الميم والقاف في أمّرَه/أقرّه.

المثال الثاني: ان اتفاق المصاحف منذ القرن الأول على طريقة رسم معين مخالفة للشائع لا يمكن أن يقع إلا إن كان النساخ يعتمدون على أصول مبكرة، وهذا ينفي أنهم كانوا يخمنون بل كانوا ينقلون.

فلفظة “لكن” كتبت في سورة الكهف بالألف “لكنا” :

لَّٰكِنَّا۠ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلَآ أُشۡرِكُ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا -الكهف: 38-

ولو كتبت خارج المصحف لكانت بدون ألف “لكنَّ”

وقد وجدت مكتوبة بالألف في مخطوطات القرن الأول الهجري.

ونفس الشئ لفظة “أتوكأ” كتبت في المصحف في سورة طه بالواو “أتوكؤا”:

“قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا” -طه: 18-

ولو كتبت خارج المصحف لكتبت بدون واو “أتوكأ”. وقد وجدت مكتوبة بالواو في مخطوطات القرن الأول.

فكيف اتفقت المخطوطات على كتابة اللفظتين بهذه الطريقة المخالفة للإملاء الشائع؟ لو كانت هذه المخطوطات تكتب بمجرد حدس وتخمين الناسخ لكتبها “لكن | أتوكأ” موافقاً للشائع.

وهذا يثبت دقة المعلومات المذكورة في كتب القراءات ، فقد ذكرت كتب القراءات أن اللفظة الأولى تكتب بألف زائدة -نص عليها ابن هشام في قواعد الإعراب- والثانية بواو زائدة وهو عين ما كشفته الآثار المكتشفة من القرن الأول الهجري.

المثال الثالث: فتبينوا| فتثبتوا

لم يكن التنقيط غائباً من هذه اللفظة ، هذه اللفظة تحديداً أجمعت مخطوطات القرن الأول على تنقيطها, فلا تكاد توجد مخطوطة من القرن الأول إلا ونقطت اللفظة.

وبناءاً عليه : فالتنقيط كان موجوداً في القرن الأول وخصوصاً فيما يتعلق بهذه اللفظة ، وبناءاً عليه فقُراء القرن الأول لم يخمنوا لأن المخطوطات التي بين أيديهم كانت منقطة بالفعل.

المثال الرابع: تسع|سبع

قال تعالى: “وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ” -الإسراء: 101-

اتفق جميع القراء من القرن الأول والثاني وعددهم تقريباً 170 قارئ على قراءة اللفظة “تسع” رغم إمكانية قراءتها “سبع”.

وهذا يهدم نظرية القراءات مصدرها التخمين الناتج عن غياب التنقيط والتشكيل.

الرد الثاني: لا تخلو مخطوطة للقرآن الكريم في القرن الأول من التنقيط.

لكنه كان تنقيطاً جزئياً عند الضرورة فحسب.

فهم لم يكونوا ينقطون كل شئ, بل نقطوا بعض الكلمات النادر وجودها في القرآن مثل “حناناً, انتبذ”, ونقطوا بعض الكلمات التي صار تنقيطها عرفاً سائداً مثل “تشقى, ياليتني, لتبشر”, ونقطووا بعض الحروف باستمرار مثل الثاء والنون والتاء, وبعض الحروف نقطوها أحياناً وتركوها أحياناً مثل الخاء.

الذي يجب أن ينتبه إليه القارئ هو أن لدينا 22 حرف لا تحتاج للتنقيط:

1- أ , و , هـ, ل, م , ك.

2- الأزواج التي لا يقع فيها الخلط :

الفاء والقاف , فلا يمكن الخلط بينهما أبداً , لذا لم يختلف القراء في قراءة لفظة تارة بالفاء وتارة بالقاف ، فلن يخطئ أحد ويقرأ قوله تعالى ” قال يا موسى” يقرؤه مثلاً “فال يا موسى” بالفاء!

ونفس الشئ ( د|ذ, ر|ز, س|ش, ص|ض, ع|غ, ط|ظ، ص|ض، ح|خ|ج) كل هذه الأزواج لا يقع فيها خلط، فالقارئ لن يخلط أبداً بين الخاء والجيم، فهو لن يقرأ قوله ” خالدين فيها” يقرؤها “جالدين فيها أو حالدين فيها”

فالخلط لن يقع إلا بين “ب , ت , ث, ن, ي”

أما التاء والثاء والنون فقد نقطوها بشكل مستمر أو شبه مستمر في المخطوطات.

فلم يبق إلا الباء والياء وأحياناً بعض التاءات الغير منقطة.

لذا فعند التحقيق والنظر لن نجد لفظة واحدة سيؤدي غياب التنقيط فيها إلى خلط إلا إن كانت بها باء أو ياء أو تاء لم تنقط وهذا نادر.

وهذا الخلط لن يحدث إلا في باب المبني للمعلوم والمجهول واللهجات:

تعملون بصير|يعملون بصير; يتفطرن | ينفطرن.

وهو باب لا يؤثر على المعنى. بمعنى أن غياب التنقيط في هذه الحروف سيؤدي إلى الاختلاف في القراءة بالمبني للمعلوم والمجهول ، هكذا فقط.

فعند التحقيق ستجد أن غياب التنقيط لن يؤثر سوى على بعض الكلمات التي فيها باء أو ياء أو نون أو تاء غير منقطة, ثم هي حتى في تلك الحالات لا يكون التأثير حقيقياً.

الرد الثالث: قراءة “عباد الرحمن” نزلت وفق الحرف الذي كان يقرأ به ابن عباس و سعيد ابن جبير، و اما قراءة ” عند الرحمن” فقد نزلت وفق حرف ٱخر من الأحرف السبعة.

وليس هذا من باب التحريف الذي يزعمه الملاحدة، لان نزول القرٱن وفق الأحرف السبعة مشهور بين القراء.

فذلك أمر ابن عباس، سعيد بن جبير باصلاح الٱية في مصحفه، حتى لا تختلط احرف القرٱن في مصحف واحد.

فقد روى سعيد بن منصور في سننه تحت كتاب التفسير سورة الزخرف ما نصه: “حدثنا سعيد قَالَ نَا هشيم عَن ابي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس انه قَرَأَ {عباد الرَّحْمَن} قَالَ سعيد فَقلت لِابْنِ عَبَّاس إِن فِي مصحفي عِنْد الرَّحْمَن فَقَالَ امحها واكتبها عباد الرَّحْمَن”. انتهى

فابن عباس كان يعلم ان سعيد كتب القرٱن في مصحفه وفق أحد الأحرف السبعة، فلما ذكر له أنه كتب “عِنْد الرَّحْمَن” عرف انه أدخل في مصحفه حرفا ٱخر، فامره باصلاح الٱية حتى يبقى مصحفه مكتوبا وفق حرف واحد من الاحرف السبعة.

جاء في المحكم في نقط المصاحف للامام القارئ ابي عمرو الداني الجزء الاول الصفحة 60 :(( مَا حدّثنَاهُ خلف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد قَالَ نَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز قَالَ نَا الْقَاسِم بن سَلام قَالَ نَا هشيم عَن ابي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس انه قَرَأَ {عباد الرَّحْمَن} قَالَ سعيد فَقلت لِابْنِ عَبَّاس إِن فِي مصحفي عِنْد الرَّحْمَن فَقَالَ امحها واكتبها عباد الرَّحْمَن أَلا ترى ابْن عَبَّاس رَحمَه الله قد آمُر سعيد بن جُبَير بمحو إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْن وَإِثْبَات الثَّانِيَة مَعَ علمه بِصِحَّة الْقِرَاءَتَيْن فِي ذَلِك وأنهما منزلتان من عِنْد الله تَعَالَى وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ بهما جَمِيعًا وأقرأ بهما أَصْحَابه “. انتهى

-الرد الرابع: كلا القراءتين ترجع الى جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بلغت حد التواتر و منهم ابن عباس رضي الله عنه ، و كلهم قرؤوا الاية كما نعرفها اليوم في المصحف حسب قراءة نافع و ابي جعفر و ابن كثير و ابن عامر ويعقوب الحضرمي “و جعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن اناثا” و حسب قراءة عاصم و خلف و الكسائي و ابي عمرو الداني و حمزة “و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا”.

فإسناد قراءة ابن كثير مثلا، ورد ذكرها في النشر في القراءات العشر الجزء الاول الصفحة 120، ونص عبارته:

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى أَبِي السَّائِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ وَعَلَى أَبِي الْحَجَّاجِ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ وَعَلَى دِرْبَاسٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَرَأَ دِرْبَاسٌ عَلَى مَوْلَاهُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَزَيْدٌ وَعُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى

وهذا كاف لمعرفة ان كلا القرائتين متواترتين عن ابن عباس، وهو لا ينكرهما.

تنبيه: مما يدفع أيضا شبهة أن القراءات القرآنية نشأت بسبب تجريد المصاحف من النقط ما قاله د. شوقي ضيف في مقدمة تحقيقه لكتاب “السبعة” لابن مجاهد :

ومعروفٌ أن الكتابة في مصحف عثمان تخلو من النقط والشكل، وهو خلوٌ جعل خط هذا المصحف يستوعب جميع القراءات المتواترة عن الرسول عليه السلام، وقد تبادر إلى أذهان بعض المستشرقين والطاعنين على القرآن أن هذه القراءات إنما ترجع إلى طبيعة خط المصحف العثماني المجرد من الإعجام والشكل، فإذا من القراء من يقرأ: (فتبيّنوا) أو (فتثبّتوا) في الآية رقم 94 من سورة النساء، أو يقرأ: (بُشرًا) أو (نَشرًا) في الآية رقم 57 من سورة الأعراف، أو يقرأ: (ما نُنَزِّل) أو (ما تَنَزَّل) في الآية رقم 8 من سورة الحجر. وهذه القراءات مما يماثلها ليست اجتهادًا في قراءة خط المصحف العثماني، إنما هي روايات نقلت بالتواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أن نشأتها أقدم من هذا الخط، وأنه لا عبرة له فيها ولا صلة لها به، ويوضح ذلك ما رواه المؤلِف -أي ابن مجاهد- عن أبي عمرو بن العلاء أحد أئمة القراءات السبعة، وأحد أساتذة النحو النابهين في البصرة، إذ كان يقول: ((لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرِئ به لقرأت حرف كذا كذا، وحرف كذا كذا)؛ وسأله الأصمعي عن آيتين متماثلتين في الخط وردتا في قصة إبراهيم بسورة الصافات هما: (وتركنا عليه)108، و(وبٰركنا عليه)113 كيف يعرف نطقهما والفرق بينهما وهما في مصحف عثمان بهيئة واحدة -(وٮرڪٮا علىه)- ؟ فأجابه ما يُعرَف ذلك إلا أن يُسمَعَ من المشايخ الأولين. انتهى

ومما يدفع دعوى اولئك الملاحدة أيضا حول هذه القضية، إنكار العلماء لما يُعرف بـ(شذوذ ابن مِقْسَم) .

فقد كان أبو بكر محمد بن مِقْسَم البغدادي العَطَّار المتوفى سنة 354هـجري من كبار قُرَّاء عصره، عالمًا بالقراءات واللغة، إلا أنه كان يعمد إلى رسم المصاحف فيقرأها على وجوه توافق الرسم وإن لم يثبت بها النّقل، مثل قوله: (فلما استئسوا منه خلصوا نجباء)، بدلًا من: (نَجِيًّا) [ يوسف: 80 ] فخالف الإجماع، فقرأ وأقرأ على وجوه ذكر أنها تجوز في اللغة العربية، فشاع ذلك، وأنكر عليه، وارتفع أمره إلى السلطان فحضر واستتاب بحضرة الفقهاء والقُرّاء فأذعن بالتوبة، وكتب محضر توبته أنه كان يقرأ بما ليس بمتواتر.