رد دعوى عدم تحقق التواتر في القرٱن الكريم
زعم بعض الملاحدة ان القران الكريم لم يتحقق فيه التواتر لان جميع أسانيد القراءات العشرة في عصرنا هي من طريق ابن الجزري لا غير، و بالتالي فإن القرٱن أسانيده كلها ٱحاد.
والرد الاجمالي على هذه الشبهة ان تراجم تلاميذ ابن الجزري الذي أخذوا عنه فيها النص على أنهم أخذوا منه القراءات و من غيره من القراء فلم تنحصر أسانيدهم عند ابن الجزري.
وأما الجواب التفصيلي على هذه الشبهة فيكفي ان نورد أسانيد أخرى في القراءات من غير طريق ابن الجزري مثل سند شيخ الاسلام زكريا الأنصاري الذي قرأ ختمة كاملة بالقراءات السبع على أبي النعيم رضوان العقبي الذي قال: أخذت الشاطبية وغيرها عن شيخ القراء البرهان إبراهيم التنوخي- وليس على ابن الجزري- عن البرهان الجعبري عن أبي الحسين علي بن عثمان الوجوهي عن محمد بن الفرج الموصلي عن يحيى بن سعدون عن الإمام ابن الفحام مؤلف التجريد.
و رضوان العقبي نفسه قرأ ختمة كاملة بالقراءات الثمان على الزكي أبي البركات الأشعري المالكي فقال: تلوت على أبي حيان جمعا للثمانية. وأبو حيان جمع القراءات على جماعة منهم ابن الأسمر وهبة الله المليجي.
وابن الأسمر تلا القراءات على الصفراوي مؤلف الإعلان،
والمليجي تلا القراءات على أبي الجود غياث بن فارس عن أبي الفتوح ناصر بن الحسين عن ابن الخشاب قال قرأت على أبي الطاهر إسماعيل بن خلف مؤلف العنوان .
وعليه فمن طريق شيخ الإسلام زكريا الأنصاري يمكن استخراج أسانيد لجميع أصول النشر لا يمر واحد منها بابن الجزري
ونفس الشيء يمكن استخراج أسانيد عن طريق الإمام القباقبي لجميع أصول النشر لا يمر واحد منها بابن الجزري.
فائدة:
مجئ خبر معين بسند آحاد لا ينفي تواتره، فكل هؤلاء القراء كانوا عندهم طلاب يتعلمون عليهم القراءة، فقد قال شمس الدين الذهبي في “سير أعلام النبلاء” : ” ليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة ، فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم ، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء ، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء ، أو أفادتهم ظنا فقط ، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون ” انتهى .
وقال ابن النجار الفتوحي في “شرح الكوكب المنير” ما نصه :
” وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ : إنَّهَا آحَادٌ كَالطُّوفِيِّ فِي “شَرْحِهِ” ، قَالَ : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا تَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ ، لا إلَيْهِمْ – بِأَنَّ أَسَانِيدَ الأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءاتِ السَّبْعِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءاتِ ، وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ ، لَمْ تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ .
وَرُدَّ : بِأَنَّ انْحِصَارَ الأَسَانِيدِ فِي طَائِفَةٍ لا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقِرَاءاتِ عَنْ غَيْرِهِمْ . فَقَدْ كَانَ يَتَلَقَّى الْقِرَاءَةَ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الَّذِي مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ : الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ . وَكَذَلِكَ دَائِمًا ، فَالتَّوَاتُرُ حَاصِلٌ لَهُمْ ، وَلَكِنَّ الأَئِمَّةَ الَّذِينَ قَصَدُوا ضَبْطَ الْحُرُوفِ وَحَفِظُوا شُيُوخَهُمْ فِيهَا جَاءَ السَّنَدُ مِنْ قِبَلِهِمْ ، وَهَذَا كَالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هِيَ آحَادٌ ، وَلَمْ تَزَلْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَنْقُولَةً عَمَّنْ يَحْصُلُ بِهِمْ التَّوَاتُرُ عَنْ مِثْلِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِذَلِكَ ، وَلا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ أَسَانِيدَ الْقُرَّاءِ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا آحَادٌ “
انتهى
