شبهة الطعن في زيد بن ثابت حول جمعه للقرٱن
زعم بعض الباحثين أن زيد بن ثابت سبق ان وقع في الخطا والزلل أثناء الجمع البكري، فقد نسي آيات من سورة الأحزاب لم يتذكرها إلا بعد سنوات عندما كُلف بنسخ الصحف البكرية في خلافة عثمان. واحتج هؤلاء بما رواه البخاري عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان، عن زيد بن ثابت أنه قال: ” لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”. انتهى
والجواب على هذه الشبهة من وجهين:
– الوجه الأول أن يقال: ان زيد بن ثابت كان قد أثبت الٱية في الجمع البكري عن نسخة من أصل كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما في الجمع العثماني فكان يعتمد فقط على الأصول التي كتبت بين يدي الرسول. والأصل المكتوب لهذه الٱية لم يجده الا عند خزيمة بن ثابت الأنصاري.
– الوجه الثاني أن يقال: ان بعض العلماء ذكروا ان فقدان آية الأحزاب ثم الوقوف عليها عند خزيمة بن ثابت إنما حصل في جمع القرآن ونسخه زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وليس في عهد عثمان رضي الله عنه، ويدل على ذلك ثلاثة أمور :
– نص الإمام الدارقطني على أن الإسناد الذي رويت به هذه القصة من رواية ابن شهاب الزهري قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول فقدت آية من الأحزاب….الخ.
وهذا الإسناد من الأسانيد التي رويت بها قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأما رواية الزهري لقصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه فقد رواها الزهري عن أنس بن مالك مباشرة، وليس عن زيد بن ثابت .
فقد سئل الإمام الدارقطني في “العلل الواردة في الأحاديث النبوية” عن حديث زيد بن ثابت ، عن أبي بكر الصديق في جمع القرآن ، فقال : هو حديث في جمع القرآن . رواه الزهري ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت . حدث به عن الزهري كذلك جماعة – وذكر جماعة منهم – اتفقوا على قول واحد .
ورواه عمارة بن غزية عن الزهري ، فجعل مكان ابن السباق خارجةَ بنَ زيد بن ثابت ، وجعل الحديث كله عنه .
وإنما روى الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ، وهي قوله : ” فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت” .
ضبطه عن الزهري كذلك إبراهيم بن سعد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وعبيد الله بن أبي زياد…فأما رواية الزهري ، عن أنس من هذا فهو أن حذيفة قدم على عثمان فقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا ، كذلك قاله الحفاظ عن الزهري ، وكذلك قاله ابن وهب والليث عن يونس ” انتهى
وليعلم أن ذِكرُ الإمام البخاري لكلام زيد بن ثابت عن فقد آية الأحزاب عقب قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ليس لأنه يرى أن فقد الآية وقع في عهد عثمان، وإنما لأن الراوي عن الزهري – وهو إبراهيم بن سعد – هو الذي روى كلتا الروايتين ، فأوردهما على وجه التعاقب في الذكر فقط ، وليس على وجه تقرير كونهما في سياق واحد ، وذلك في باب ” جمع القرآن “.
يدل على ذلك أن البخاري روى حديث فقد آية الأحزاب عن رواة آخرين عن الزهري في موضعين آخرين في الصحيح ، وليس فيهما أي حديث عن قصة نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه ، وذلك في باب ” غزوة أحد “، وفي باب : “فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر”.
كما أن العلماء الذين شرحوا هذا الحديث واستدلوا به إنما تكلموا عليه من جهة توضيح منهج زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكيف أنه كان يشترط كون الآية مكتوبة بشهادة الشهود إلى جانب الحفظ والضبط ، وهذا إجماع منهم على أن سياق الحديث إنما كان في عهد الصديق رضي الله عنه .
قال الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن : ” وأما ما رواه الزُّهريُّ عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب ، وإلحاقهم إياها في سورتها ، فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر ، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف ، كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت . والدليل على ذلك أنه قال : فألحقناها في سورتها من المصحف، وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية ” انتهى
