محمد خليل هراس وانتقاده للقاعدة الفلسفية (قدم الجنس وحدوث الأفراد) التي أخذها ابن تيمية من أسلافه الكرامية.
تُعدّ مسألة قدم جنس العالم وحدوث أفراده من القواعد الفلسفية الإشكالية التي لا يطمئن إليها العقل السليم، كما صرّح بذلك محمد خليل هراس، أحد أبرز منظّري التيار الوهابي.
وتُظهر هذه القاعدة تداخلاً بين رؤى عقدية وفلسفية متباينة؛ إذ تلتقي من جهة مع معتقدات طائفة الكرامية، ومن جهة أخرى مع أطروحات بعض الفلاسفة القدماء، كأرسطو، الذي ذهب إلى القول بقدم العالم بجنسه وأفراده معًا.
أما ابن تيمية، فقد تبنّى شقًّا من هذه الرؤية، حيث وافق على قدم الجنس فقط، مع قوله بحدوث الأفراد. ويُظهر تحليل خطابه الكلامي أنّه بنى على هذه القاعدة الفلسفية عددًا من آرائه ومسائله في علم الكلام، كما أشار إلى ذلك هراس نفسه، مما يدلّ على الأثر العميق الذي أحدثه هذا الأصل الفلسفي في تشكيل منهجه العقدي.
وقد نقل المحدث الأصولي بدر الدين الزركشي في كتاب «تشنيف المسامع» اتفاق المسلمين على كفر من يقول بأزلية نوع العالم، فقال بعد أن ذكر الفريقين من الفلاسفة: الفريق القائل بأزلية العالم بمادته وصورته، والفريق القائل بأن العالم أزلي المادة محدث الصورة: «ضللهم المسلمون في ذلك وكفروهم». فابن تيمية يشمله هذا القول، فإنه قال بأزلية نوع العالم في خمسة من كتبه بل أكثر.
وهذه العقيدة الفاسدة، أي القول بقدم جنس العالم، اقتبسها ابن تيمية من كتاب مناهج الأدلة لابن رشد الفيلسوف.
فابن رشد الحفيد هو من القائلين بقدم العالم، ومن أبرز الشُّبهِ التي أوردها على إحدى مقدمات برهان حدوث العالَم، قوله: ” ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث مقدمة مشتركة الاسم، تفهم على معنى ما لا يخلو من جنس الحوادث، وعلى معنى ما لا يخلو من آحادها”. انتهى
ثم حاول ابن رشد الحفيد بيان أنّ ما لا يخلو من جنس الحوادث ليس بحادث، وأن ما لا يخلو من آحاد الحوادث حادثٌ، وكل مقصوده بذلك بيان أن العالم لا يخلو من جنس الحوادث فهو قديمٌ.
وقد عوّل ابن تيمية على هذه الشبهة الضعيفة، لإثبات عدم خلوّ ذات الله تعالى عن جنس الحوادث، فاستنسخ نظرية الفلاسفة وطبقها على الذات العلي.
وقد بيّن أساطين الفكر السُّني كالإمام الفخر الرازي والأيجي والشريف الجرجاني والشمس والكرماني والسعد التفتازاني والشمس الأصفهاني وغيرهم أن جنس الحوادث ليس سوى الآحاد، ورفعوا تلبيس الفلاسفة وبينوا بالقطع والبرهان أن ما لا يخلو من الحوادث مطلقا فهو حادث مفتقرٌ إلى مخصِّصٍ، والله تعالى واجب الوجود وصفاته أيضا واجبة الوجود يستحيل حدوثها، فبطلت النظريات الفلسفية القائلة بقِدَم العالَم، وبطلت النظريات التشبيهية القائلة بحدوث صفات الله تعالى وأنه جسم قديمٌ.
وكتاب مناهج الأدلة لابن رشد الفيسلوف قد ردّ عليه الإمام عبد العزيز بن بزيزة التونسي، وللأسف ردّه مفقود، ولكنه أشار إليه وإلى درر منه في شرحه على الإرشاد لإمام الحرمين.




