مسألة وجوب النظر عند المتكلمين

مسألة وجوب النظر عند المتكلمين

1-ذكر الاختلاف في معرفة الله تعالى هل هي ضرورية أم نظرية:

اختلف الناس في معرفة الله في دار الدنيا مع بقاء التكليف، هل هو حاصل بعلم ضروري يحدث في النفس الإنسانية، أم بعلم نظري يحتاج من خلاله الانسان إلى بحث ونظر وإقامة الدلائل والبراهين على ذلك.

-فأما العلم النظري، فهو ما احتيج في حصوله إلى الفكر والروية، وكان طريقه النظر والحجة.

-وأما العلم الضروري فهو الّذي يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا، ويتوصل إليه بما تدركه الحواس الخمس.

فلما كان وجود الله تعالى لا يقع ضمن إدراك الحواس، كون إدراكها بحاجة إلى جسم أو عرض تدركه، والله تعالى منزه عن ذلك، علمنا بأن طريق معرفة وجوده هو النظر والتفكر، لا علماً ضرورياً اضطرارياً.

وهذا الاستدلال عند الأشاعرة يفضي من خلال البرهان إلى العلم الضروري اليقيني.

قال الإمام الغزالي في معيار العلم: “اعلم أن البرهان الحقيقي ما يفيد اليقين الضروري الدائم الأبدي الذي يستحيل تغييره’. انتهى

وذهبت المعتزلة مثل الجاحظ إلى أن معرفة الله تكون ضرورة أو بالطبع في قلب الإنسان، لكن لا يبتديها الله تعالى في قلب الإنسان إلا بعد النظر والاستدلال. نقله عبد القاهر البغدادي في أصول الدين. و هو مذهب المشبهة و بعض أهل السنة.

2-مسألة وجوب النَّظر عند المتكلمين:

تنازع العلماء في قضيَّة وجود الله ومعرفته على ما يليق به، هل هي فطرية يقرّ بها الناس في الأصل، أم هي نظرية غير فطرية، ويجب الاهتداء إليها بالنظر والاستدلال.

•فذهب قوم للاقرار بفطرية المعرفة، وأنَّ معرفة وجود الله مركوز في الفطر، وهؤلاء لا يوجبون النظر ولا يمنعونه. وإنما يقولون: إن معرفة الله فطرية، ولكن من انتكست فطرته، أو تغيرت وتبدلت، فإنه يحتاج إلى نظر.

واحتج هؤلاء بانه ليس في الرسل من قال أول ما دعا قومه : “إنكم مأمورون بطلب معرفة الخالق فانظروا واستدلوا حتى تعرفوه”

واحتجوا أيضا بأن المسلمين لما دخلوا بلادِ العَجَمِ، قَبِلوا إيمانَ عَوامِّهم، ولم يأمروا أحدًا منهم بترديدِ نَظَرٍ، ولا سألوه عن دليلِ تصديقِه، ولا أرجَؤوا أمْرَه حتى ينظُرَ.

فيكفيهم الاعتقادٌ الجازمٌ المطابق للحكم بصحة ايمانهم.

وأجابهم خصومهم أن القول بأن معرفة الله فطرية، هذا من حيث أصل الخلقة التي يولد عليها الانسان، وهذه الفطرة قد يطرأ عليها تغيرات. ثم ان الرسل والخلفاء المسلمين ما كانوا يتركون الناس على جهلهم وانما كانوا يوكلون العلماء لتعليم الناس أمور دينهم وتدريبهم على النظر والاستدلال.

• بينما ذهب بعض المتكلمين من أهل السنة للقول بأنَّ معرفة الله نظرية. وقالوا أن الله تبارك وتعالى لا يُعلم ضرورة ، وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته .

وهذا الرأي قال به الطبري و القاضي أبو بكر الباقلاني والاستاذ أبو اسحاق الاسفراييني، وعبد القاهر البغدادي وابن القشيري والخطابي وأبي المعالي من الأشاعرة والإمام أبو منصور الماتريدي رأس الماتريدية، وابن عقيل و وأبي الفرج المقدسي والقاضي أبي يعلى وابن الزغواني من الحنابلة والبخاري من المحدثين….

قال القرطبي في تفسيره: “وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ بَوَّبَ فِي كِتَابِهِ “بَابُ الْعِلْمِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:” فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ”. انتهى

ثم ان بعض هؤلاء المتكلمين أوجبوا النظر.

وهؤلاء منهم: الطبري في التبصير وعبد القاهر البغدادي والإمام الجويني، وهو أحد قولي الإمام الخطابي و أبي يعلى الحنبلي.

وقد نقل ابن القشيري الإجماع على وجوب النظر، وقال أن الإجماع قام على وجوب معرفة الله، ولا تحصل إلا بالنظر ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

-قال عبد القاهر البغدادي في اصول الدين: “الصحيح عندنا قول من يقول: إن أول الواجبات على المكلف النظر والاستدلال المؤديات إلى المعرفة بالله تعالى وبصفاته وتوحيده وعدله وحكمته”. انتهى

-قال الجويني في الشامل: “أول ما يجب على العاقل البالغ – باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً – القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدوث العالم”. انتهى

-قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “ومنهم من يوجبه في الجملة كالخطابي وأبي الفرج المقدسي . والقاضي أبو يعلى يقول بهذا تارة وبهذا تارة بل ويقول تارة بإيجاب النظر المعين كما يقوله أبو المعالي وغيره”. انتهى

-قال الآمدي في أبكار الأفكار: “أجمع أكثر أصحابنا والمعتزلة وكثير من أهل الحقّ من المسلمين على أن النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى واجب، غير أن مدرك وجوبه عندنا الشرع، خلافا للمعتزلة في قولهم: إن مدرك وجوبه العقل دون الشرع”. انتهى

وبعض المتكلمين غيرهم لا يوجبون النظر مطلقا، وهؤلاء فريق منهم يذكر أن معرفة الخالق قد تُدرك ضرورة، وفريق ٱخر منهم قالوا يكفي لتحصيل النظر اعتماد إحدى طرق النظر السليمة سواء منها:

– القائمة على الأدلة العقلية المذكورة في القرآن الكريم.

– أو التي قررها المتكلمون مما يوافق الدين، وهذا النظر يكفي فيه النظر الإجمالي أو التفصيلي القائم على مقدمات وطرق معينة.

– قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ:” وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَصِحُّ بِالْيَقِينِ الَّذِي قَدْ يَحْصُلُ لِمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِالتَّقْلِيدِ، وَبِأَوَّلِ وَهْلَةٍ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِمَا أُرْشَدَ”. انتهى

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ” الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة . وهذا قول جمهور الناس وعليه حذاق النظار أن المعرفة تارة تحصل بالضرورة وتارة بالنظر كما اعترف بذلك غير واحد من أئمة المتكلمين” . انتهى

ومن هؤلاء الذين لم يوجبوا النظر مطلقا: أبو جعفر السمناني، وهو أحد قولي الإمام الخطابي في الغنية والقاضي أبي يعلى في «عيون المسائل» حيث قال أن «مثبتي النبوات تحصل لهم المعرفة بالله تعالى بثبوت النبوة من غير نظر واستدلال في دلائل العقول.

وقد احتج المتكلمون القائلين بوجوب النظر عموما بٱيات كثيرة من القرٱن الكريم منها قوله تعالى:”قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ” -يونس: 101-

ومنها قوله تعالى: “فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” -الروم: 50-

وقوله تعالى: “أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ” -الأعراف: 185-

وقوله تعالى: “أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ” -الغاشية: 17- وما بعدها من الآيات.

و قوله تعالى: “فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ” -عبس: 24-

فالعبرة هنا بعموم اللفظ لا بتخصيص ذكر من وُجّه إليه الخطاب.

قال ابنُ تيميَّةَ في مجموع الفتاوى: “أمَّا التقليدُ الباطِلُ المذمومُ فهو قَبولُ قَولِ الغَيرِ بلا حُجَّةٍ؛ قال اللهُ تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ في البقرة”. انتهى

فهذا الاتِّباعُ والتقليدُ الذي ذَمَّه اللهُ، وما ذمه الله يجب تركه والعمل بخلافه. وعليه فمن ترك النظر فهو تارك لفرض من الفرائض.

والصواب في المسألة أن يقال أن النَّظَرُ ليس بشَرطٍ لصحة الايمان مُطلَقًا، أو صحة المعرفة لأن المعرفة تحصل أيضا باتباع ما قرره أهل العلم أو بالتعلم والتلقي كما أخبر الله تعالى:”وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” -الأنبياء: 7-

ومع ذلك، يبقى النظر واجب في حد ذاته لورود النصوص التي تأمر به. فالشخص الذي بلَغَتْه أصل دعوةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصَدَّق به تصديقًا جازِمًا بلا ترَدُّدٍ، صحَّ إيمانِه بالاتِّفاقِ لكنه ٱثم بتَرْكِ النَّظَرِ، لأنه تارك لما أمر به الله، و قد تعتريه مستقبلا شبهات تفسد إيمانِه.

فالمقلد الذي أسقط النظر، ينبغي الحكم بصحة إيمانه إن كان ايمانه جازما مطابقا للحق، لكنه مسلم عاصي بتركه فرضا من الفرائض.

وعليه فينبغي التفريق بين قول بعض العلماء أن النظر غير واجب للحكم بصحة ايمان المقلد، والقول بوجوبه باعتباره فرضا من الفرائض الواجبة على المكلف المسلم.

وليعلم أيضا ان بعض المتكلمين يقولون بعدم وجوب تعلم أدلة المتكلمين لمعرفة الله بها، بل يكفيه النظر كما أمر الله تعالى في كتابه العزيز حتى تتحقق عنده معرفة الله.

قال النوويُّ في شرحه على مسلم: “قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرِّوايةِ الأُخرى: “أقاتِلُ النَّاسَ حتى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويؤمِنوا بي وبما جِئتُ به ” … فيه دَلالةٌ ظاهِرةٌ لمذهَبِ المحقِّقين والجماهيرِ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ أنَّ الإنسانَ إذا اعتَقَد دينَ الإسلامِ اعتِقادًا جازِمًا لا تردُّدَ فيه، كفاه ذلك، وهو مُؤمِنٌ مِن الموحِّدين، ولا يجِبُ عليه تعَلُّمُ أدِلَّة المتكَلِّمين ومعرفةُ اللهِ تعالى بها، خلافًا لِمن أوجب ذلك وجعَلَه شَرْطًا في كونِه من أهلِ القِبلةِ، وزعم أنَّه لا يكونُ له حُكمُ المُسلِمين إلَّا به، وهذا المذهَبُ هو قَولُ كثيرٍ مِن المعتَزِلةِ وبعضِ أصحابِنا المتكَلِّمين، وهو خطأٌ ظاهِرٌ؛ فإنَّ المرادَ التَّصديقُ الجازمُ وقد حصل، ولأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اكتفى بالتصديقِ بما جاء به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يشتَرِطِ المعرفةَ بالدَّليلِ؛ فقد تظاهَرَت بهذا أحاديثُ في الصَّحيحينِ يحصُلُ بمجموعِها التواتُرُ بأصلِها، والعِلْمُ القَطعيُّ”. انتهى

وقال ابنُ تيميَّةَ في مجموع الفتاوى: “الذين أوجَبوا النَّظَرَ من الطَّوائِفِ العامَّةِ نوعان: أحَدُهما: من يقولُ: إنَّ أكثَرَ العامَّةِ تارِكوه، وهؤلاء على قولينِ: فغُلاتُهم يقولون: إنَّ إيمانَهم لا يَصِحُّ، وأكثَرُهم يقولون: يصِحُّ إيمانُهم تقليدًا، مع كونِهم عُصاةً بتَرْكِ النَّظَرِ، وهذا قَولُ جُمهورِهم، قد ذَكَر هذا طوائِفُ من الحَنَفيَّةِ وغيرِهم، كما ذَكَر من ذَكَر من الحنَفِيَّةِ في شَرحِ الفِقهِ الأكبَرِ، فقالوا: قال أبو حنيفةَ وسُفيانُ ومالِكٌ والأوزاعيُّ وعامَّةُ الفُقَهاءِ وأهلُ الحَديثِ بصِحَّةِ إيمانِ المقَلِّدِ، ولكِنَّه عاصٍ بتركِ الاستدلالِ،… والنَّوعُ الثَّاني من مُوجِبي النَّظَرِ -وهم جمهورُهم- يقولون: إنَّه متيسِّرٌ على العامَّةِ، كما يقولُه القاضي أبو بكرٍ، والقاضي أبو يَعْلى وغَيرُهما ممَّن يقولُ ذلك”. انتهى

وقال السفرايني الحنبلي في لوامع الأنوار: “فالحَقُّ أنَّه يأثَمُ بتَرْكِ النَّظَرِ وإن حصل له الإيمانُ، ومن ثمَّ نَقَل بعضُهم الإجماعَ على تأثيمِه؛ لأنَّ جَزْمَه حينئذٍ لا ثِقةَ به؛ إذ لو عَرَضَت له شُبهةٌ، عَكَّرت عليه، وصار مترَدِّدًا، بخِلافِ الجَزمِ النَّاشئِ عن الاستِدلالِ؛ فإنَّه لا يفوتُ بذلك”. انتهى

وقد اختلفت عبارات المتكلمين حول وجوب النظر، والذي نراه أن ذلك راجع لاختلاف الناس من ناحية الايمان:

فان الناس ينقسمون إلى مسلمين و كفرة.

فأما المسلمين، فمنهم العالم ومنهم الجاهل. ومنهم المقلد ومنهم المجتهد. وأما الكفرة، فمنهم المنتسبين للاسلام ظاهرا، ومنهم المنتسبين لملل أخرى كاليهود و النصارى، ومنهم أيضا الملاحدة….

لذلك اختلفت مقالات المتكلمين في أول الواجبات على كل انسان بعينه، فبعضهم قال:

-من كان مؤمنا مسلما مقلدا لأهل الحق في ايمانهم، لا يُطلق القول في حقه بأن النظر هو أول الواجبات بالنسبة له، لكن وجب عليه النظر قبل ان تخترمه المنية عملا بمقتضى النصوص.

وقد استدل الباجي على من قال إن النظر والاستدلال أول الواجبات بإجماع المسلمين في جميع الأعصار على تسمية العامة والمقلد مؤمنين .

-من كان مؤمنا مسلما وكان يعيش بين قوم يكثرون عليه من الشبهات، وكانت الوساوس تراوده ولم يجد طريقا ٱخر غير النظر، كأن لم يجد من يقلده مثلا او من يعلمه كان النظر في حقه واجبا، بل هو أول الواجبات لتثبيت ايمانه.

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : “الأصح : أن النظر لا يجب على المكلفين إلا أن يكونوا شاكين فيما يجب اعتقاده فيلزمهم البحث عنه ، والنظر فيه إلى أن يعتقدوه ، أو يعرفوه” . انتهى

والشك هنا الذي ذكره العز بن عبد السلام هنا ليس الشك الذي قطع اليقين، و أفضى لانكار الله. والا فهذا يجب عليه فورا العود لدين الاسلام ثم النظر لنصب الادلة القطعية على وجوده تعالى.

وقال الزركشي في البحر المحيط: “اللهم إلا من عرض له ما أفسد فطرته ابتداء ، فيحتاج معه إلى النظر”.

-من كان من المكلفين جاهلا بربه سواء كان كافرا أصليا او منتسبا للاسلام وكان شاكا في وجود الله او منكرا لأزلية وجود الله مثلا بسبب تركه للنظر، فلا شك في كفره، وعلى مثل هذا يُحمل كلام الجويني في الشامل ونص عبارته: وذكر حكم من مات قبل أن يكتسب معرفة الله تعالى عن النظر والاستدلال قائلا: “فمن اخترمته المنية قبل أن ينظر وله زمن يسع النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى ولم ينظر مع ارتفاع الموانع، ومات بعد زمان الإنكار فهو ملحق بالكفر، وأما لو أمضى من أول الحال قدراً من الزمان يسع بعض النظر لكنه قصر في النظر ثم مات قبل مضي الزمان الذي يسع في مثله النظر الكامل فإن الأصح في ذلك، الحكم بكفره لموته غير عالم مع بدء التقصير منه فليلحق بالكفرة”. انتهى

فليس معنى كلامه ان المسلم الذي لم ينظر ثم مات، هو ملحق بالكفرة والعياذ بالله، وذلك بدليل قوله: “ومات بعد زمان الإنكار فهو ملحق بالكفر” أي أنه منكر لوجود الله أو منكر لمعنى من معاني وجوده.

– من نشأ على اعتقاد فاسد يتعلق بصفة من صفات الله الواجبة له اجماعا، ودخل دائرة التكليف على ذلك المعتقد الكفري، فهذا غير معذور، ولو كان يتشهد لأن أصل ايمانه ما صح. كمن كان يعتقد مثلا أن وجود الله أوجبه عليه غيره ولم يستحقه لذاته، فهذا قبل التكليف يلزمه النظر لتصحيح عقيدته ان لم يجد من يعلمه الاعتقاد الصحيح. وهو ظاهر كلام الطبري في التبصير. ومثل هذا ماذا تنفعه فطرته ان كان منذ صغره يعتقد مثلا ان الله كهيئة البشر او غيره، فلو كانت فطرته حملته على الاقرار بوجود الله إلا أنها لم تقر ببقية الصفات الواجبة له عز وجل.