شرح قول الحنابلة القرآن مخلوق أو لفظي بالقرآن مخلوق

قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ في كتابه الشريعة: “حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة قال: سمعت المؤمل بن إسماعيل يقول: “القرآن كلام الله، وليس بمخلوق”.

قال ابن أبي بزة:”من قال: القرآن مخلوق، أو وقف، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو شيء من هذا، فهو على غير دين الله تعالى، ودين رسوله حتى يتوب”. انتهى

والرد على هذه الشبهة من وجهين

الوجه الأول أن يقال: هذا الأثر لا يثبت عن ابن أبي بزة.

1 – أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المتوفى سنة 205 هجري: هو مؤذن المسجد الحرام.

جاء في الجرح و التعديل ما نصه: “سأل ابن أبي حاتم أباه عنه : ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال نعم، و لست أحدث عنه. فإنه روى عن عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم حديثا منكر” . انتهى

وقال العقيلي في الضعفاء: “منكر الحديث و يوصل الأحاديث”

وقال الذهبي: ” لين الحديث” و أقره الحافظ في لسان الميزان

وقال الذهبي أيضا في التلخيص: “البزي تُكلم فيه”. انتهى

ونقل شيخ المجسمة الألباني في سلسلته الضعيفة ما نصه: ” وقال في الميزان عقب الحديث: حديث غريب وهو مما أنكر على البزي ” انتهى

فلا يُعول على الرجل إلا في العلم الذي يتقنه دون سائر العلوم، و الأمر كما قاله الذهبي في العبر: “وكان لين الحديث حجة في القراءة”. انتهى

و ليعلم أن بعض حفظة القرآن مع اتقانهم للقراءات فإنه لا يعتد بهم في الحديث لكثرة أوهامهم وأغلاطهم.

فهناك فرق شاسع بين التوثيق للحديث و التوثيق للقراءة. فشرط قبول الحديث أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً لا أن يكون مجرد حافظ لكتاب الله، لأنه قد يكون المقرئ عدلا لكنه ليس ضابطاً في الحديث، فيحكم بضعف رواياته كحفص بن سليمان الأسدي الكوفي وعاصم وأبي بكر بن عياش الأسدي و عمر بن هارون بن يزيد الثقفي البلخي والنقاش وغيرهم.

قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب عن حفص بن سليمان الأسدي:” متروك الحديث مع إمامته في القراءة”. انتهى

وقال الذهبي في ميزان الإعتدال عن عاصم :” وكان ثبتا في القراءة واهيا في الحديث لأنه كان لا يتقن الحديث ويتقن القرآن ويجوده وإلا فهو في نفسه صادق”. انتهى

وقال في تذكرة الحفاظ عن عمر بن هارون بن يزيد الثقفي البلخي :” ولا ريب في ضعفه ، وكان إماماً حافظاً في حروف القراءات”. انتهى

وقال في سير أعلام النبلاء عن النقاش :” والنقاش مجمع على ضعفه في الحديث لا في القراءات “. انتهى

2 – أبو عبد الرحمن المؤمل بن اسماعيل البصري: مختلف في توثيقه.

قال محمد بن نصر المروزي: “المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف و يتثبت فيه لأنه كان سئ الحفظ كثير الغلط” كذا في تهذيب التهذيب

و قال يعقوب بن سفيان الفسوي : شيخ جليل سني كان مشيختنا يوصون به إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروى المناكير عن ثقات شيوخه . انتهى

وقال الآجري: “سألت أبا داؤد عنه؟ فعظمه ورفع من شأنه، إلا أنه يهم في بعض الشيء”

و قال أبو حاتم : “صدوق ، شديد في السنة ، كثير الخطأ” .

وقال ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب: “صدوق سيئ الحفظ”

و قال زكريا بن يحيى الساجي: “صدوق كثير الخطأ، وله أوهام”

و قال أبو حاتم بن حبان البستي: “ربما أخطأ”

وقال النسائي: ” ثقة، كثير الخطأ”

3- ما نقله الآجري عن ابن أبي بزة في كتاب الشريعة لا يثبت عنه لأن الكتاب طبع اعتمادا على مخطوطة ناسخها مجهول العدالة وهو عمر بن إبراهيم بن علي بن أحمد الحداد. كما أن السند رُوي من طريق أبي بكر أحمد بن محمد البزار المكي تلميذ الآجري وهو مجهول الحال أيضا، و فيه مجسم متعصب وهو أبو الحسن أحمد البُريهي الذي كان ينسخ الكتب بيده ويدفع بها للطلبة و غيرهم. فلا يمكن الجزم بسلامة النسخة عن التصحيف و امكانية حصول الدس و تركيب السند.

وليعلم أن كل ما يُنقل عن كتاب الشريعة من روايات تخالف عقائد أهل السنة فقد أملاها الآجري ببغداد قبل سنة 330 هجري وهي السنة التي رحل فيها لمكة. و قد ترك الآجري بعدها مذهبه الحنبلي الذي تلطخ بروثة التجسيم وانتقل للمذهب الشافعي, فكان يملي كتاب الشريعة على السامعين من دون ذكر لهذه الأحاديث الباطلة. فهذا ابن خير الاشبيلي و ابن عمرو الداني وابن حجر و ابن عطية و الحافظ العلائي كلهم لهم سند صحيح لكتاب الشريعة أو لبعض أجزاءه ولم يذكر واحد منهم حديثا في التجسيم.

فلا يثبت هذا النقل عن ابن أبي بزة قطعا.

الوجه الثاني أن يقال: قول المؤمل: “القرآن كلام الله، وليس بمخلوق” هو قول عامة أهل السنة الأشعرية فالقرآن الذي هو كلام الله وصفة ذاته أزلي و ليس بمخلوق بخلاف قول الحشوية أنه أزلي النوع حادث الآحاد و العياذ بالله.

وقول ابن بزة: ” من قال: القرآن مخلوق، أو وقف، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو شيء من هذا، فهو على غير دين الله تعالى”

معناه من قال أن القرآن ،الذي هو كلام الله وصفة ذاته، مخلوق فهو على غير دين الله. و من توقف أيضا في القرآن، فقال أنا لا أقول عن كلام الله الذي هو صفته أنه مخلوق أو غير مخلوق، فهذا أيضا كافر لأنه ينبغي الجزم بأن صفاته عز و جل لا بداية لها و ليست مخلوقة.

و أما قوله:” من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو شيء من هذا، فهو على غير دين الله تعالى” فهو محمول على الجهمية النافين للصفات المتسترين باللفظ حيث أنهم يقولون لفظي بالقرآن مخلوق و مرادهم بذلك أن القرآن الذي هو كلام الله و صفته مخلوق. بعض الجهمية يتسترون بذلك القول لأنه أخف عليهم عند العامّة من قولهم القرآن مخلوق، ولأنّه أقرب إلى قبول الناس له, فتستروا به للقول بأن القرآن مخلوق.

هذا وقد بين الذهبيُّ المسألة في تذكرة الحفاظ عند ترجمة ابن الأخرم حيث قال: “إن السلف كانوا لا يُسوغون إطلاق ذلك – أي لفظي بالقرآن مخلوق – لأنهم خافوا ان يُتذرع بذلك الى القول بخلق القرآن و رأوا اطلاق الخلقية على اللفظ بدعة وقد ورد عن الامام احمد ما يوضح ذلك”. انتهى

والذي يوضح ذلك عن أحمد ما قاله صاحبه فوران: “سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطيّ أن أطلب من أبي عبد الله خلوةً، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرّقون بين اللّفظ والمحكيّ. فسألته، فقال: القرآن كيف تصرّف في أقواله وأفعاله، فغير مخلوقٍ؛ فأمّا أفعالنا فمخلوقةٌ. قلت: فاللّفظيّة تعدّهم يا أبا عبد الله في جملة الجهميّة؟ فقال: لا، الجهميّة الّذين قالوا: القرآن مخلوقٌ”.انتهى

ذكره الذهبي في السير. وفُوران هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن المهاجر توفي سنة 256هـجري و كان من أخصّ أصحاب الإمام أحمد وأحبّهم إليه.

كتبه أبو عمر الأشعري