المبحث الثالث
الأوهام دخلت على النفوس في معرفة الله سبحانه
من تعلق القلوب بالزمان والمكان والأجسام
فالشأن لحُكم العقل، في ديننا أمر حكم العقل معتبر، وما جاء في الشرع معتبر، أما حُكم الوهم لا عِبرة به، أهل السنه كلامهم معتمدٌ على القواعد الشرعيه ليس معتمدًا على الهوى ولا على الوهم إنما على ما يقتضيه حكم الشرع وحكم العقل ، وقد عرفنا أن الله تعالى كان قبل الزمان والمكان والأجسام وقبل كل حادث، «فكما أنه لا مدخل للأوهام في إدراك حقيقة قدمه وبقائه سبحانه كذلك لا تدرك حقيقة كنه ذاته وصفاته ، {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *}[(415)] {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ… *} [(416)] إنما دخات الأوهام على النفوس في معرفته سبحانه وتعالى من تعلق القلوب بالزمان والمكان في وجوده تعالى ، وقد عرفت أنه كان قبلهما وقبل كل حادث، فالكل في قبضة قهره: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ… *} [(417)]، فهو فوق كل شىء بقهره وعظمته، محيط بكل شىء {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ *} [(418)] {…وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ… *} [(419)] {…وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا *} [(420)]، غاية ما بلغه الكاملون في معرفته تعالى أنه ذات لا تدرك، وأن العجز عن إدراكه هو عين المعرفة، تفكروا في آلائه ولا تفكروا في ذاته»[(421)] اهـ.
ومعنى ذلك أن الله خالق الأمكنة والجهات كلها، وكان قبلها موجودا مستغن عنها، فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان وجهة قبل خلق الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده سبحانه بعد خلق الأماكن بلا مكان ولا جهة، وهو غني عنها أزلا وأبدا.
وهو معنى ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: «كان الله ولم يكن شىء غيره» [(422)] ومعنى قول الله تعالى: {…وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ… *} [(423)] أي أنه سبحانه لا بداية له أما الماء والهواء والنور أي الضوء والظلام والمكان والجهة، فكلها خلقت بعد أن لم تكن، بل إن النور والظلام خلقا بعد الماء والعرش والقلم واللوح كما دلّ عليه حديث البخاري، ومع ذلك فإن الوهم لا يتصور عدم النور والظلام معًا في آن واحد قبل أن يخلقا، فأي عقل يفهم حقيقة ذلك، ومع أنه غير مفهوم للإنسان نؤمن به لأن الله أخبر بذلك في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ… *} [(424)].
فالله تعالى لا تبلغه الأوهام أي لا تبلغه تصورات العباد لأن الإنسان وهمه يدور حول ما ألفه من الشىء المحسوس الذي له حجم وشكل وهيأة والله ليس كذلك، لذلك نهينا عن التفكر في ذات الله وأمرنا بالتفكر في مخلوقاته[(425)] كما مر، لأن التفكر في مخلوقاته يقوي اليقين.
ومما يؤيد ما ذكرناه ما قاله الشيخ الفقيه شيث بن إبراهيم المالكي ونصه: «واعلم بعد ذلك كله أن المعتزلة إنما تلقوا اعتقادهم في كلام الله تعالى من العقل المحض، والحشوية تلقوا اعتقادهم في كلام الله تعالى من ظاهر الشرع،[(426)]… وسبب ذلك كله عدم ممارستهم للعلماء بل لطلبة العلم من أهل الكلام، فهؤلاء فرطوا وأولئك أفرطوا، وأهل الحق جمعوا بين المعقول والمنقول أي بين العقل والشرع ، واستعانوا في درك الحقائق بمجموعهما فسلكوا طريقًا بين طريقي الإفراط والتفريط، وسنضرب لك مثالا يقرب من أفهام القاصرين ذَكره العلماء كما أن الله تعالى يضرب الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، فنقول لذوي العقول : مثال العقل العين الباصرة، ومثال الشرع الشمس المضيئة ، فمن استعمل العقل دون الشرع كان بمنزلة من خرج في الليل الأسود البهيم وفتح بصره يريد أن يدرك المرئيات ويفرق بين المبصَرات فيعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والأحمر من الأخضر والأصفر، ويجتهد في تحديق البصر فلا يدرك ما أراد أبدًا مع عدم الشمس المنيرة وإن كان ذا بصر وبصيرة، ومثال من استعمل الشرع دون العقل، مثال من خرج نهارًا جهارًا وهو أعمى أو مغمض العينين، يريد أن يدرك الألوان ويفرق بين الأعراض، فلا يدرك الآخر شيئًا أبدًا، ومثال من استعمل العقل والشرع جميعًا مثال من خرج بالنهار وهو سالم البصر، مفتوح العينين والشمس ظاهرة مضيئة، فما أجدره وأحقه أن يدرك الألوان على حقائقها، ويفرق بين أسودها وأحمرها وأبيضها وأصفرها.
فنحن بحمد الله السالكون لهذه الطريق وهو الطريق المستقيم، وصراط الله المبين، ومن زل عنها وحاد وقع في طريق الشيطان المتشعّبة عن اليمين والشمال، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ… *} [(427)][(428)] اهـ.
وأنا أؤكد هذا المعنى للتمييز بين المعقول والموهوم من خلال هذا التقريب:
1) أهل الإيمان والإسلام يجزمون بأن الله عالم بما لا نهاية له من المعلومات على التفصيل بعلم أزلي أبدي واحد من غير أن يحصل فيه اشتباه والتباس ، وهذا على خلاف مقتضى الوهم والخيال ، مع أنا إذا جربنا أنفسنا وجدناها متى اشتغلت باستحضار معلوم معين امتنع عليها في تلك الحالة استحضار معلوم آخر.
فكان كونه تعالى عالمًا بجميع المعلومات أمرًا على خلاف مقتضى الوهم والخيال[(429)].
ثم [إن علم الله لا يزداد ولا ينقص بل علمه كامل كما سائر صفاته يعلم به كل شىء، فالتغير يحصل في المعلوم الحادث لا في علم الله الأزلي، فالله يعلم ما كان في الماضي وما يكون في الوقت الحاضر وما سيكون في المستقبل حتى الأشياء التي تتجدد في الآخرة الله علم بها في الأزل، حتى أنفاس أهل الجنة وأهل النار التي تتجدد بلا انقطاع الله تعالى يعلم بتفصيلها، هنا يحتار العقل، فإذا أجرى الشخص قلبه في هذه المسئلة الوهم ينهار، هنا يقول كيف يكون علمه محيطا بما لا نهاية له، وأنفاسهم جارية لا انقطاع لها][(430)]. و لما عظم عند الفلاسفة في العادة الإحاطة بكل شىء قالوا: إن الله يعلم الجمل لا التفاصيل[(431)]، وتبعهم على ذلك من كتب الله عليه الشقاوة ممن انتسب للإسلام، أحسن الله ختامنا آمين…
2) ومن تفكر في عظمة الله عز وجل طاش عقله، لأنه يحتاج أن يثبت موجودا لا أول لوجوده، هذا شىء لا يعرفه الحس وإنما يقر به العقل ضرورة[(432)]، لأنا إذا نظرنا في ذات الخالق حار العقل، وبهت الحس فهو لا يعرف شيئا لا بداية له، إنه لا يعلم إلا الجسم والجوهر والعرض فإثبات ما يخرج عن ذاك لا يفهمه.
ومتى قام العقل فنظر في دليل وجود الخالق بمصنوعاته، وأجاز بعثه نبي واستدل بمعجزاته، كفاه ذلك أن يتعرض لما قد أغنى عنه[(433)].
3) ثم إنا نعتقد أنه يسمع أصوات الخلق .
4) ويرى الصغير والكبير فوق أطباق السموات العلى وتحت الأرضين السفلى.
5) ومعلوم أن الوهم البشري والخيال الإنساني قاصران عن معرفة أفعال الله سبحانه تعالى وصفاته، ومع ذلك فإنا نثبت الأفعال والصفات على مخالفة الوهم والخيال .
وقد ثبت أن معرفة كنه الذات أعلى وأجلّ وأغمض من معرفة كنه الصفات، فلما عزلنا الوهم والخيال في معرفة الصفات والأفعال فلأن نعزلهما في معرفة الذات أولى وأحرى[(434)]. وكل من قاس صفة الخالق على صفات المخلوقين خرج إلى الكفر، فإن المجسمة دخلوا في ذلك لأنهم حملوا أوصافه على ما يعقلون [(435)].
إذ ما يُشاهد في المحسوسات كلها محدث، وارتفاع دلالة الحدث عن المحدَث محال، والحق تعالى لا يجوز أن يتصف بصفات المحدثات. وليس من ضرورة الارتفاع عن الوهم العدمُ لما ثبت من الدلائل العقلية على الحدوث، وظهور التفرقة بين المعقول والموهوم على ما تقدم ذكره على وجه لا يبقى للمنصف فيه ريبة[(436)].
– وإذا كان الله قد نهى خلقه عن الخوض في القدر فكيف يجوز الخوض في صفات المقدّر، وما ذاك إلا لأحد أمرين إما لخوف إثارة شبهة تزلزل العقائد، أو لأن قوى البشر تعجز عن إدراك الحقائق[(437)] نسأل الله عز وجل توفيقا للتسليم وتسليما للحكيم {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا… *} [(438)].
سئل علي رضي الله عنه عن التوحيد والعدل، فقال: «التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه» . وقال يحيى بن معاذ التوحيد في كلمة واحدة: «ما تصور في الأوهام فهو بخلافه»[(439)].
وقال الحافظ ابن الجوزي: «تأملت سبب تخليط العقائد فإذا هو الميل إلى الحس وقياس الغائبات على الحاضر، فإن أقواما غلب عليهم الحس فلما لم يشاهدوا الصانع جحدوا وجوده ونسوا أنه قد ظهر بأفعاله، وأن هذه الأفعال لا بد لها من فاعل، فإن العاقل إذا مر على صحراء خالية ثم عاد وفيها غرس وبناء علم أنه لا بد من غارس، إذ الغرس لا يكون بنفسه ولا البناء.
ثم جاء قوم فأثبتوا وجود الصانع ثم قاسوه على أحوالهم فشبهوا حتى إن قائلهم يقول: في قوله: «ينـزل إلى السماء» ينتقل، ويستدل بأن العرب لا تعرف النـزول إلا بالانتقال – بوهمهم الباطل -.
وضل خلق كثير في صفاته كما ضل خلق في ذاته، فظن أقوام أنه يتأثر حين سمعوا أنه يغضب ويرضى، ونسوا أن صفته تعالى قديمة لا يحدث منها شىء.
وضل خلق في أفعاله، فأخذوا يعللون فلم يقنعوا بشىء فخرج منهم قوم إلى أن نسبوا فعله إلى ضد الحكمة تعالى عن ذلك.
ومن رزق التوفيق فليحضر قلبه لما أقول:
اعلم أن ذاته[(440)] سبحانه لا تشبه الذوات وصفاته ليست كالصفات، وأفعاله لا تقاس بأفعال الخلق.
واعلم أيضًا أنا لا نعرف ذاتا إلا أن تكون جسما، وذاك يستدعي سابقة تأليف وهو منـزه عن ذلك لأنه المؤلِف، أو أن يكون جوهرا فالجوهر متحيز وله أمثال وقد جل عن ذلك، أو عرضا فالعرض لا يقوم بنفسه بل بغيره وقد تعالى على ذلك.
فإذا أثبتنا ذاتا قديمة خارجة عما يعرف فليعلم أن الصفات تابعة لتلك الذات، فلا يجوز لنا أن نقيس شيئا منها على ما نفعله ونفهمه بل نؤمن به ونسلم به .
وكذلك أفعاله فإن أحدنا لو فعل فعلا لا يجتلب به نفعا، ولا يدفع عنه ضرا عد عابثا، وهو سبحانه أوجد الخلق لا لنفع يعود إليه ولا لرفع ضر، إذ المنافع لا تصل إليه والمضار لا تتطرق عليه.
فإن قال قائل: إنما خلق الخلق لينفعهم، قلنا: يبطله أنه خلق خلقا منهم للكفر وعذبهم، ونراه يؤلم الحيوان والأطفال وهو قادر على ألا يفعل ذلك.
فإن قال قائل: إنه يثيب على ذلك. قلنا: وهو قادر أن يثيب بلا هذه الأشياء، فإن السلطان لو أراد أن يغني فقيرا فجرحه ثم أغناه ليم على ذلك، لأنه قادر أن يغنيه بلا جراح.
ثم من يرى ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من الجوع والقتل مع قدرة الناصر، ثم يسأل في أمه فلا يجاب، ولو كان المسؤول بعضنا قلنا لم تمنع ما لا يضرك، غير أن الحق سبحانه لا تقاس أفعاله على أفعالنا ولا تعلل .
الذي يوجب علينا التسليم أن حكمته فوق العقل، فهي تقضي على العقول، والعقول لا تقضي عليها.
ومن قاس فعله على أفعالنا غلط الغلط الفاحش، وإنما هلكت المعتزلة من هذا الفن . فإنهم قالوا: كيف يأمر بشىء ويقضي بامتناعه؟ ولو أن إنسانا دعانا إلى داره ثم أقام من يصد الداخل لعيب، ولقد صدقوا فيما يتعلق بالشاهد، فأما من أفعاله لا تعلل ولا تقاس بشاهد فإنا لا نصل إلى معرفة حكمته.
فإن قال قائل: فكيف يمكنني أن أقود عقلي إلى ما ينافيه؟
قلنا: لا منافاة لأن العقل قد قطع بالدليل الجلي أنه حكيم وأنه مالك، والحكيم لا يفعل شيئا إلا لحكمة غير أن تلك الحكمة لا يبلغها العقل .
ألا ترى أن الخضر خرق سفينة وقتل شخصا، فأنكر عليه موسى عليهما السلام بحكم العلم، ولم يطلع على حكمة فعله فلما أظهر له الحكمة أذعن؟ ولله المثل الأعلى.
فإياك أن تقيس شيئا من أفعاله على أفعال الخلق أو شيئا من صفاته سبحانه وتعالى، فإنك إن حفظت هذا سلمت من التشبيه الذي وقع فيه من رأى الاستواء اعتمادا والنـزول نقلة، ونجوت من الاعتراض الذي أخرج قوما إلى الكفر حتى طعنوا في الحكمة.
وأول القوم إبليس فإنه رأى تقديم الطين على النار ليس بحكمة، فنسى أنه إنما علم ذلك بزعمه بالفهم الذي وهب له والعقل الذي منحه، فَنَسِيَ أن الواهب أعلم {…أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً… *} [(441)][(442)] اهـ. – وكذلك فإن ما شاهدناه في المخلوقات هو:
– تغيّر الصفات مثل انقلاب الماء والتراب نباتًا.
– وانقلاب النبات جزء من بدن الإنسان.
فأما حدوث الذوات ابتداء من غير سبق مادة فهذا شىء ما شاهدناه ألبتة، ولا يقضي بجوازه وهمنا وخيالنا مع أنا سلّمنا أنه تعالى هو المحدث للذوات ابتداء من غير سبق مادة[(443)]. ولذلك ترى أن الفلاسفة لما رأوا إيجاد شىء لا من شىء كالمستحيل في العادات قالوا بقدم العالم[(444)].
– والأمثلة على ذلك كثيرة…
فدل على أننا نجزم بأمور هي على خلاف حكم الحس والخيال ، وإذا كان الأمر كذلك فأي استبعاد في وجود موجود غير حال في العالم ولا متحيز في جهة أو مكان[(445)]، ذلك أن التحيز في المكان والجهة يدل على الاحتياج، وشرط الألوهية الاستغناء عن كل شىء {…فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ *} [(446)]، ويوضح هذا أنك لو قلت: كل موجود لا يخلو أن يكون عالما أو جاهلا، قلنا: إن كان ذلك الموجود يقبل الضدين فنعم، فأما إذا لم يقبلهما كالحائط مثلا فإنه لا يقبل العلم ولا الجهل، ونحن ننـزه الذي ليس كمثله شىء سبحانه وتعالى كما نزه نفسه عن كل ما يدل على الحدث، وما ليس كمثله شىء لا يتصوره وهم ولا يتخيله خيال ، والتصور والخيال إنما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك، ومن هنا وقع الغلط واستدراج العدو فأهلك خلقا، وقد تنبه خلق لهذه الغائلة فسلموا وصرفوا عنه عقولهم إلى تنـزيهه سبحانه وتعالى فسلموا[(447)].
فثبت أنه لا يجوز قياس الخالق بمخلوقاته، وأنه يجب عزل حكم الوهم والخيال عند كلامنا عن ذات الله أو صفاته سبحانه ، ذلك أن أصل كل محنة في العقائد قياس أمر الخالق على أحوال الخلق[(448)].
فثبت أنه لا يجوز قياس الخالق بمخلوقاته، ولذلك أنقل لك كلامًا للحافظ ابن الجوزي لتقف على مغزى مهم، فقد قال رحمه الله: [عجبت من أقوام يدعون العلم، ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها، فلو أنهم أمرُّوها كما جاءت سلموا، لأن من أمرَّ ما جاء ومرَّ من غير اعتراض، فما قال شيئًا لا له ولا عليه، ولكن أقوامًا قصرت علومهم، فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا، وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء[(449)] فقالت:
إذا هبط الحجاج أرضًا مريضة
تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها
غلام إذا هـزّ القنـاة شفاهـا[(450)]
فلما أتمت القصيدة قال لكاتبه: اقطع لسانها[(451)]، فجاء ذاك الكاتب المغفَّل بالموسى، فقالت له: ويلك إنما قال أجزل لها العطاء، ثم ذهبت إلى الحجاج فقالت: كاد والله يقطع مقولي.
فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم، فإنه من قرأ الآيات والأحاديث ولم يزد لم أَلُمْهُ، وهذه طريقة السلف، فأما من قال: الحديث يقتضي كذا، ويحمل على كذا، مثل أن يقول: استوى على العرش بذاته، وينزل إلى السماء الدنيا بذاته، فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل][(452)].
ثم قال بعد كلام: «وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل، لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام، فقاس صفة الحق عليه، فأين هؤلاء واتباع الأثر؟».
ثم قال: «واعلم أيها الطالب للرشاد أنه سبق إلينا من العقل والنقل أصلان راسخان عليهما مر الأحاديث كلها:
أما النقل فقوله سبحانه وتعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(453)] ومن فهم هذا لم يحمل وصفًا له على ما يوجبه الحس.
وأما العقل فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات، واستدل على حدوثها بتغيرها ودخول الانفعال عليها، فثبت له قدم الصانع.
واعجبًا كل العجب من رادٍّ لم يفهم طبيعة الكلام! أليس في الحديث الصحيح أن الموت يذبح بين الجنة والنار؟ أوليس العقل إذا استغنى في هذا صرف الأمر عن حقيقته، لما ثبت عند من يفهم ماهية الموت أنه لا يذبح ؟ هب أن رجلا تأوَّل فقال: الموت عرض يوجب بطلان الحياة، فكيف يمات الموت ؟ فإذا قيل له فما تصنع بالحديث؟ قال: هذا ضربُ مَثَل ليُعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى، قلنا له: فقد روي في الصحيح: تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان، فقال: الكلام لا يكون غمامة ولا يتشبَّه، قلنا له أفتعطل النقل؟ قال: لا، ولكن أقول يأتي ثوابهما، قلنا فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق؟ فقال: علمي بأن الكلام لا يتشبه بالأجسام، والموت لا يذبح ذبح الأنعام. ولقد علمتم سعة لغة العرب.
إن أحدًا لو صرف الكلام على هذا النحو ما ضاقت أعطانكم من سماع مثل هذا منه، وإذن لقال له العلماء: صدقت. هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة، وفي ذبح الموت، أليس من حقه أن يقول: واعجبًا لكم، صرفتم عن الموت والكلام ما لا يليق بهما، حفظًا لما علمتم من حقائقهما فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه، بما قد دلَّ الدليل على تنزيهه عنه؟ فما زال يجادل الخصوم بهذه الأدلة ويقول: لا أقطع حتى أقطع، فما قطع حتى قطع»[(454)] اهـ.
وقال رحمه الله أيضًا: وجاء آخرون فلم يقفوا على ما حدَّه الشرع، بل عملوا فيه بآرائهم فقالوا: الله على العرش، ولم يقنعوا بقوله: {…ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ… *} [(455)].
ودفن لهم أقوام من سلفهم دفائن، ووضعت لهم الملاحدة أحاديث، فلم يعلموا ما يجوز عليه مما لا يجوز، فأثبتوا بها صفات – جمهور الصحيح منها ءات على توسع العرب – فأخذوه على الظاهر، فكانوا في ضرب المثل كجُحا، فإن أمه قالت له: احفظ الباب، فقلعه ومشى به، فأُخذ ما في الدار، فلامته أمه، فقال: إنما قلتِ احفظ الباب، وما قلتِ احفظ الدار.
ولما تخايلوا صورة عظيمة على العرش أخذوا يتأولون ما ينافي وجودها على العرش، مثل قوله: «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» فقالوا: ليس المراد دنو الاقتراب وإنما المراد قرب المنزل والحظ، وقالوا في قوله تعالى: {…إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ… *} [(456)] هو محمول على ظاهرها في مجيء الذات، فهم يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا.
ويسمون الإضافات إلى الله تعالى صفات، فإنه قد أضاف إليه النفخ والروح، وأثبتوا خلقه باليد، فلو قالوا خلقه بقدرته لم يكن إنكار هذا بل قالوا هي صفة تولى بها خلق ءادم دون غيره، فأي مزية كانت تكون لآدم ؟ فشغلهم النظر في فضيلة ءادم عن النظر إلى ما هو يليق بالحق مما لا يليق به، فإنه لا يجوز عليه المس ولا العمل بالآلات، وإنما ءادم أضافه إليه. فقالوا: نطلق على الله اسم الصورة لقوله: خلق ءادم على صورته،. وفهموا هذا الحديث وهو قوله عليه السلام: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل قبح الله وجهك ولا وجهًا أشبه وجهك، فإن الله خلق ءادم على صورته» فلو كان المراد به الله عز وجل لكان وجه الله سبحانه يشبه وجه هذا المخاصم لأن الحديث كذا جاء – ولا وجهًا أشبه وجهك -.
ورووا حديث خولة بنت حكيم: وإن ءاخر وطئة وطئها الله بِوَجّ وما علموا النقل ولا السير، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مُضَر» ، وأن المراد به ءاخر وقعة قاتل فيها المسلمون بوجّ، وهي غزاة حنين، فقالوا نحمل الخبر على ظاهره وأن الله وطىء ذلك المكان.
ولا شك أن عندهم أن الله تعالى كان في الأرض ثم صعد إلى السماء، وكذلك قالوا في قوله: «إن الله لا يمل حتى تملوا» قالوا: يجوز أن الله يوصف بالملل، فجهلوا اللغة وما علموا أنه لو كانت (حتى) ههنا للغاية لم تكن بمدح لأنه إذا ملّ حين يملون فأي مدح؟ وإنما هو كقول الشاعر:
جلبـت منى هذيـل بخـرق
لا يمـل الشـر حـتى يمـلوا
والمعنى لا يمل وإن ملوا.
وقالوا في قوله عليه الصلاة والسلام: «الرحم شجنة من الرحمـن تتعلق بِحَقْوَيِ الرحمـن» فقالوا: الحقو صفة ذات. وذكروا أحاديث لو رويت في نقض الوضوء ما قبلت، وعمومها وضعته الملاحدة كما يروى عن عبد الله بن عمرو، وقال: خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر، فقالوا نثبت هذا على ظاهره، ثم أرضوا العوام بقولهم: ولا نثبت جوارح، فكأنهم يقولون: فلان قائم وما هو بقائم.
فاختلف قولهم هل يطلق على الله عز وجل أنه جالس أو قائم كقوله تعالى: {…قَائِمًا بِالْقِسْطِ… *} [(457)].
وهؤلاء أخسُ فهمًا من (…) لأن قوله قائمًا بالقسط لا يراد به القيام وإنما هو كما يقال: الأمير قائم بالعدل.
وإنما ذكرت بعض أقوالهم لئلا يُسْكَنَ إلى شىء منها فالحذر من هؤلاء فما لهم فقه ولا عبادة»[(458)] اهـ.
ثم رفع الأيدي في الدعاء للسماء لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، أي تنزل علينا البركة والرحمة منها، لأن السماء مهبط الرحمات، قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *} [(459)] وليس لأن الله موجود بذاته في السماء، بل هو سبحانه خالقها فكيف يحتاج إليها ؟
ويرد على من يعتقد أن الله متحيز في جهة العلو:
1 – بما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى – أي طلب المطر – وجعل بطن كفيه إلى الأرض وظاهرهما إلى السماء.
2 – وبأنه صلى الله عليه وسلم نهى المصلي أن يرفع رأسه إلى السماء، ولو كان الله متحيزًا في جهة العلو ما نهينا عن رفع أبصارنا في الصلاة إلى السماء.
3 – وبأنه كان يرفع إصبعه المسبحة عند قول (إلا الله) في التحيات ويحنيها قليلاً، فلو كان الأمر كما تقول المشبهة ما كان يحنيها، بل كان يرفعها إلى السماء، وكل هذا ثابت حديثًا عند المحدثين.
4 – ثم إننا نسمي المساجد (بيوت الله) لا لأن الله يسكنها، بل لأنها أماكن معدة لذكر الله وعبادته. ويقال في العرش إنه جرم أعده الله ليطوف به الملائكة كما يطوف المؤمنون في الأرض بالكعبة.
وليس المقصود بالمعراج وصول الرسول إلى مكان ينتهي إليه وجود الله تعالى، إنما القصد من المعراج هو تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاعه على عجائب في العالم العلوي وتعظيم مكانته ورؤيته لله تعالى بفؤاده من غير أن يكون الله في مكان، وإنما المكان للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى أن موسى كان في الأرض حين قال: {…رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ… *} [(460)]. وإليك أجوبة من القرءان وكلام بعض الأئمة على بعض ما يثيره أهل البدع من الشبه التي داروا حولها متوهمين أن الله في جهة فوق:
أولا – الآيات التي فيها {…ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ… *} [(461)] وهي ست ءايات فاعلم أنه يوجد أيضًا في كتاب الله ست ءايات فيها وصف الله بأنه {…رَبُّ الْعَرْشِ… *} [(462)] فترد إليها تلك الآيات المتشابهة التي تعلق بها من وصفهم الله بقوله: {…فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ… *} [(463)] فابتعد عن الفتنة.
وليس الشأن في علو المكان والجهة بل الشأن في علو القدر، والفوقية في لغة العرب تأتي على معنيين: فوقية المكان والجهة، وفوقية القدر أي الشأن، قال تعالى إخبارًا عن فرعون: {…وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} أي نحن فوقهم بالقوة والغلبة والسيطرة لأنه لا يصح أن يقال إن فرعون أراد بهذا أنه فوق رقاب بني إسرائيل إلى جهة العلو، إنما أراد أنهم مقهورون له مغلوبون.
ثانيًا – قوله تعالى: {…إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ… *} [(464)] أي بالسلطان والقدرة، وكذلك القول بأنه فوق كل شىء أي بالقهر على ما قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ… *} [(465)] وهو معنى قول الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ *} [(466)] أي أن الله أعلم بحال المحتضر حال وجود أقاربه حوله من هؤلاء الأقارب.
ثالثًا – وإن أورد عليك بعض الناس قول الله تعالى: {…إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ… *} [(467)] فاعلم أن هذا كقول الله تعالى في حق سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ *} [(468)] فهل يفهم أحد أن إبراهيم ذهب من بابل إلى فلسطين لمقابلة رب العزة أم معناه إني ذاهب إلى الموضع الذي أمرني ربي أن أذهب إليه.
وكذلك {…إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ… *} [(469)] معناها أن الله جعل ديوان أعمال العباد أي أهل الصلاح في السماء وهو في قوله تعالى: {…إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [(470)] فمعنى (إليه) أي إلى حيث أمر الله، {…يَصْعَدُ} أي تصـعد به المـلائكة، فزال بحمد الله الإشكـال الذي يثيره أهل التشبيه.
رابعًا – قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ… *} [(471)] أي إلى حيث أمرهم الله وهو كقوله تعالى: {…وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ… *} [(472)].
خامسًا – إذا أورد عليك قول الله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ… *} [(473)] فاعلم أن المراد به قرب المنزلة لا قرب المكان، وهو كقول الله في حق موسى: {…وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا *} [(474)] وأنت تعلم أن موسى عاش في الأرض ودفن فيها، وإنما هو قرب المنزلة، ولذلك قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: «وليس قُرب الله تعالى ولا بُعده طول المسافة وقِصرها ولكن على معنى الكرامة والهوان»[(475)] اهـ أي الكرامة للطائع والهوان للعاصي فتنبَّه.
سادسًا – إذا أورد عليك قول الله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ… *} [(476)] فهو كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ… *} [(477)] وهو كقوله سبحانه: {…خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ… *} [(478)] وكقوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا *} [(479)] وكقوله: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ… *} [(480)].
وأيضًا لا يخفى عليك قول الله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ… *} [(481)] وقول الله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ… *} [(482)] ولا يجوز أن يصعق الله أو… إلخ. وهل يكون الله طاويًا ومطويًا في ءان واحد بزعمكم؟ سابعًا – قول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةُ وقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ *} [(483)] فهو كقول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ… *} [(484)].
ثامنًا – قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ… *} [(485)] أي (جاء ثوابه)[(486)].
تاسعًا – قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ… *} لاحظ سياق الآية {…وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ *} [(487)] فالمعنى: (يكشف عن شدة من الأمر)[(488)].
لطيفة مهمة: اسمع معي قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ *} [(489)] قال المفسرون وأئمة الهدى: أي أولو القوة في الدين والبصارة في الأمر، ولم يفهم أحد من السلف والخلف منه الأيدي الجارحة مع كونهم موصوفين حقيقة بالأبصار الجارحة والأيدي الجارحة، فكيف فهمت المشبهة من قوله: {…خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} [(490)] ومن قوله: {…بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ… *} [(491)] اليدين الجارحتين، مع أن الآية الثانية تفسيرها في ءاخرها وهو قوله: {…يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} .
والعجب كذلك كيف فهمت المشبهة من قوله: {…وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [(492)] العين الجارحة حتى قالوا له عينان اثنتان، وبعضهم قال كبيرتان، تنزه الرحمـن عن المثيل والنظير سبحانه، ثم لاحظ كل ذلك مع قول الله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(493)] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [(494)] وقوله: {…سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *} [(495)] وقوله: {…إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ *} [(496)] فما فهم أهل التشبيه من تلك الآيات المتشابهات إثبات الجسم والجوارح والصورة إلا لخبث عقيدتهم وسوء سريرتهم واعتمادهم على الأحاديث الضعيفة والموضوعة وحملهم للمتشابه على ما يقتضيه الحس والوهم، وبالله العصمة من الخذلان.
أما الأحاديث المتشابهة فأقدم إليك أولا قول بعض العلماء فيها ثم أعرج على بعضها تدليلاً على غيرها:
أما القول فهو لأبي حامد الغزالي حيث قال في الأحاديث المتشابهة: «وما ذكر صلى الله عليه وسلم كلمة منها إلا مع قرائن وإشارات يزول معها إيهام التشبيه، وقد أدركها الحاضرون المشاهدون، فإذا نقلت الألفاظ مجردة عن تلك القرائن ظهر الإيهام، وأعظم القرائن في زوال الإيهام المعرفة السابقة بتقديس الله تعالى عن قبول هذه الظواهر»[(497)] اهـ ومن ذلك:
1 – حديث النزول وهو أشهرها على ألسنة أولئك القوم لكنهم لو التفتوا للروايات المفسرة له لكان أولى لأن خير ما فسرته بالوارد، وهو ما رواه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزَّ وجلَّ يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا فيقول: هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يُغفر له، هل من سائل يُعطى» صححه أبو محمد عبد الحق كما قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: {…وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ *} [(498)]. وهو ما أكده الحافظ ابن حجر العسقلاني بلفظ[(499)]: «تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه» الحديث. قال الحافظ الهيثمي عقبه[(500)]: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، ومثله نقل الحافظ ابن الجوزي في تفسيره[(501)]، فتحمل رواية «ينزل الله «على معنى أنه نزول المنادي وهو الملك بأمر الله.
2 – وكذلك الحديث المشهور: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» فله رواية أخرى فيها[(502)]: «يرحمكم أهل السماء»، قال ولي الدين العراقي: «واستدل بهذه الرواية (أهل السماء) على أن المراد بقوله من في السماء الملائكة»[(503)] اهـ لأنه لا يقال عن الله: (أهل السماء)، وخير ما يفسَّر الوارد بالوارد.
3 – وأما حديث الجارية فإن للأئمة الأعلام كلامًا وافيًا فيه، وتجدر الإشارة إلى أن لهذا الحديث روايات متعددة ففي الموطأ ومسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم. …. إلى ءاخره» ، وفي رواية ابن حبان قال لها: «من ربك ؟ قالت: الله. ……إلى ءاخرها» .
ومعلوم أن كلمة أين تأتي في لغة العرب للسؤال عن المكان، وتأتي للسؤال عن المكانة، فاللائق أن يكون معنى رواية مسلم ما اعتقادك من التعظيم في حق الله؟ فقالت: في السماء، معناه أنه أعلى من كل شىء قدرًا.
وإذا علمت هذا فاعلم أن كل ءاية أو حديث متشابه تسمعها فردها دومًا إلى قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(504)] وإياك أن تقيس شيئًا من أفعاله سبحانه على أفعال الخلق صفات على صفاته من ذوات على ذاته سبحانه وتعالى، فإنك إن حفظت هذا سلمت من التشبيه الذي وقع فيه من رأى الاستواء اعتمادًا والنزول نقلة ونجوت من الاعتراض الذي أخرج قومًا إلى الكفر حتى طعنوا في الحكمة.
[ثم إن لفظة (في) للظرفية وتعالى الله أن يكون مظروفا أي محصورا في خلق من خلقه وأيضا فقد قال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} والجمع بينهما متناقض، ثم إن المشبه يعتقد أن الله تعالى على العرش والآية تضاد ذلك: 1 – لأن من هو في السماء ليس هو على ما هو أعلى منها بطبقات وآلاف سنين.
2 – وكذلك لا يصح أن يقال لمن هو فوق سطح واسع يسع لدار عظيمة تحته، في وسطه من أسفل بيت صغير جدًا جدًا إنه في ذلك البيت بقصد أنه فوقه، مع أن نسبة العرش إلى السماء أضعاف أضعافِ ذلك السطح بالنسبة إلى ذلك البيت].[(505)]
تنبيه مهم: هذا الحديث من الآحاد ، وقد صيَّره من يتبع المتشابه كالمتواتر لكثرة ما يتكلمون به ونسوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيضاَ: «وأنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء «وقال: «كان الله ولم يكن شىء غيره » وقد مرَّ بك شرحهما، والنصوص الشرعية كما مر بك يبنى بعضها على بعض.
فإذا عقلت ما بيناه واتضح لديك معناه فإن ما ورد في الحديث الذي شهر بحديث الجارية هذا هو معناه ، ومع ذلك سنعرض لهذا الحديث من جوانب:
1) بيان أن (أين) تأتي للسؤال عن المكان أي علو الشأن والمرتبة.
2) الكشف عن وجه اضطراب الحديث.
3) أصغ لأهل السنة لا للمشبهة لتسلم عقيدتك.
وهذا تفصيل الكلام عليها:
1) بيان أن (أين) تأتي للسؤال عن المكانة أي علو الشأن والمرتبة :
وهو مستعمل في لهجتنا العامية اليوم، مثاله: ما لو جرى حديث بين صديقين يستخبر أحدهما من الثاني عن صديق مشترك بينهما فيسأله: أين فلان هذه الأيام ؟ (مع أنه يعرف محل سكنه) فيجيبه: في السماء أو فوق الريح أي مكانته لا مكانه، وقد يرد السؤال بصيغة: ما هي أخبار فلان؟… إلخ.
وقال الإمام النحرير القاضي بدر الدين بن جماعة رضي الله عنه (727هـ) ما نصه: «ويقول الإنسان لصاحبه: أين محلي منك ؟ فيقول: في السماء. يريد أغلى محل» اهـ.
وإنما قدمت هذا المستعمل في لساننا اليوم تذكيرا ليتضح الآتي:
قال أحد أعلام أهل السنة والجماعة وهو الإمام ابن فورك رضي الله عنه: « فإذا كان ذلك مشهورًا في اللغة احتمل أن يقال: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم «أين الله» استعلام لمنـزلته وقدره عندها، وفي قلبها، وأشارت إلى السماء ودلت بإشارتها إلى السماء على أنه في السماء عندها، على قول القائل إذا أراد أن يخبر عن رفعةِ وعلوِ منـزلةٍ: فلان في السماء، أي هو رفيع الشأن عظيم المقدار….إلخ» اهـ[(506)].
قال أبو عبد اللَّه الأبي عند كلامه على حديث الجاريّة ما نصه[(507)]: «أراد – الرسول صلى الله عليه وسلم – معرفة ما يدل على إِيمانها، لأن معبودات الكفار من صنمٍ ونار بالأرض، وكل منهم يسأل حاجته من معبوده، والسماء قبلة دعاء الموحدين، فأراد كشف معتقدها، وخاطبها بما تفهم فأشارت إلى الجهة التي يقصدها الموحدون، ولا يدل ذلك على جهة، ولا انحصاره في السماء، كما لا يدل التوجه إلى القبلة على انحصاره في الكعبة، وقيل إِنما سألها بأين عما تعتقده من عظمة اللَّه، وإِشارتها إلى السماء إِخبار عن جلاله في نفسها … وقد أطلق الشرع أنه القاهر فوق عباده، وأنه استوى على العرش، فالتمسك بالآية الجامعة للتنـزيه الكلي الذي لا يصح في العقل غيره، وهي قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} . عصمةً لمن وفقه اللَّه تعالى» اهـ.
وقال الغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد[(508)]: «وأما حكمه صلوات الله عليه بالإيمان للجارية لما أشارت إلى السماء، فقد انكشف به أيضًا إذ ظهر أن لا سبيل للأخرس إلى تفهم علو المرتبة إلا بالإشارة إلى جهة العلو، فقد كانت خرساء كما حكي» اهـ. فاللائق أن يكون معنى رواية مسلم ما اعتقادك من التعظيم في حق الله ؟ فقالت: في السماء، معناه أنه أعلى من كل شىء قدرًا.
وقد بين ذلك غيرهم انظر أساس التقديس للفخر والقبس في شرح موطأ مالك لأبي بكر بن العربي وكذا شرحه على صحيح الترمذي، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.
2) الكشف عن وجه اضطراب الحديث :
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة العثمانية سابقا في تعليقه على حديث الجارية في الأسماء والصفات[(509)]: «انفرد برواية حديث القوم عن معاوية بن الحكم – يعني عطاء ابن يسار – وقد وقع في لفظ له كما في كتاب (العلو) للذهبي ما يدل على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة، وسبك الراوي ما فهمه من الإشارة في لفظ اختاره فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو (حدثني صاحب الجارية نفسه الحديث) وفيه: فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده إليها مستفهما من في السماء؟ وقالت: الله، قال: «فمن أنا»…….. وهذا من الدليل على أن «أين الله» لم يكن من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم اهـ.
يؤكد هذا ما ذكره ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ما نصه[(510)]: «وقد جاء في بعض الأحاديث أن هذه الجارية كانت خرساء، ولهذا جوز الشافعي الأخرس في العتق، فقوله: فقالت: (في السماء) بمعنى أشارت إلى السماء كما في رواية» اهـ.
لاحظ قوله ولهذا جوز الشافعي الأخرس في العتق لتعرف أن الشافعي صحح تلك الرواية وعمل بمقتضاها في الأحكام ، فهل يُتهم الشافعي في التصحيح أو التضعيف؟ أم يدّعون أنه اختلط عليه الأمر.
ولذلك قال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ما نصه[(511)]: «وهذا صحيح قد أخرجه مسلم مقطعا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه، وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث» اهـ.
وهاك رواية الجارية الخرساء كما أوردها الحافظ البيهقي في السنن الكبرى[(512)] «(أخبرنا) أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة نا أبو داود نا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني نا يزيد بن هارون أنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها…. الخ» اهـ.
فلا يهولنك ما حاول أن يُلبّس به الألباني في مختصر العلو [(513)] في محاولة نقضه لما نبه إليه الكوثري فقد رأيت أن الشافعي صحح رواية الجارية الخرساء، أما اختيار الألباني لرواية سعيد ابن زيد التي فيها أيضا قصة الخرساء هذه فإنما هو لأنه وجد من ضعف سعيد بن زيد، ثم حاول أن يُلبس على القارئ بأنه تفرد برواية الخرساء ليسقطها لتخلو له الساحة بعد ذلك في الطعن على الكوثري وأنه يدلس إلى غير ذلك من كلامه ليصل إلى إثبات رواية أين الله، ليبث بعد ذلك تشبيهه بأن الله في جهة فوق، فيظهر لك بهذا أن الألباني هو المدلس والمموه والمشبه.
ثم يورد الألباني عن عبد الرزاق في مصنفه وأحمد في مسنده وابن الجارود والبيهقي في السنن الكبرى طريقًا للحديث فيه عن عبد الله بن عتبة عن رجل من الأنصار…. ليُعقب عليها بقوله وهذا الإسناد معلول بجهالة صحابيه قال فإن قيل ما وجه إعلاله بذلك والصحابة كلهم عدول فالجواب: أنه لم يرد في طريق من طرق الحديث ما يدل على أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قد سمعه من هذا الأنصاري فلعله لم يسمع منه» اهـ كلام الألباني.
وهو بذلك يتغافل عمدًا أو جهلاً عن رواية عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة كما رأيت وما ذلك إلا ليرد رواية الخرساء كما أسلفنا، فإن كان إغفاله لهذه الرواية عمدًا فالقارئ يدرك معنى ذلك، وإن كان إغفاله لها جهلاً منه فهو مما يؤكد ما قاله فيه علماء الحديث «إنه مدعي الحديثية وما هو إلا رجل ساعاتي لا دراية له بعلم الحديث». فتنبه.
قال الكوثري في تعليقه على (السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل) للشيخ تقي الدين السبكي عند حديث الجارية ما نصه[(514)]: « ومثل هذا الحديث يصح الأخذ به فيما يتعلق بالعمل دون الاعتقاد، ولذا أخرجه مسلم في باب (تحريم الكلام في الصلاة) دون الإيمان حيث اشتمل على تشميت العاطس في الصلاة ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولم يخرجه البخاري في صحيحه وأخرج في جزء (خلق الأفعال) ما يتعلق بتشميت العاطس من هذا الحديث مقتصرًا عليه دون ما يتعلق بكون الله في السماء بدون أي إشارة إلى أنه اختصر الحديث» اهـ.
إلى أن قال: «ولأن الحديث فيه اضطراب سندًا ومتنًا رغم تصحيح الذهبي وتهويله ، راجع طرقه في كتاب العلو للذهبي وشروح الموطأ وتوحيد ابن خزيمة حتى تعلم مبلغ الاضطراب فيه سندًا ومتنًا.
وحمل ذلك على تعدد القصة لا يرضاه أهل الغوص في الحديث والنظر معًا في هذا المطلب. فالروايات على رجل مبهم محمولة على ابن الحكم، ولم يصح حديث كعب بن مالك ولا حديث يروى عن امرأة. فمالك يرويه عن عمر بن الحكم غير مقر بأن يكون غلط فيه. ومسلم عن معاوية بن الحكم ولفظهما كما سبقت الإشارة إليه مع نقص لفظ «فإنها مؤمنة» في رواية مالك. ولفظ ابن شهاب في موطأ مالك عن أنصاري – وهو صاحب القصة في الرواية الأولى – «فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدين ألا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدين أن محمدًا رسول الله ؟ قالت: نعم، وأين هذا من ذاك» اهـ.
إلى أن قال: «فيكون معنى (أين الله) ما هي مكانة الله عندك، ومعنى (في السماء) أنه تعالى في غاية من علو الشأن. يتحد هذا المعنى مع معنى «أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت: نعم».
فإن قيل : فليكن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (أين الله) ولفظ الراوي هو (أتشهدين ….) رواية بالمعنى على الصورة السابقة ؟
فالجواب : أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تلقين الإيمان طول أداء رسالته السؤال بأين أو ذكر ما يوهم المكان ولا مرة واحدة في غير هذه القصة المضطربة بل الثابت هو تلقين كلمة الشهادة فاللفظ الجاري على الجادة أجدر بأن يكون لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم» اهـ.
قال شيخنا الحافظ عبد الله الهرري رحمه الله [(515)]: «وأما ما في مسلم من أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن جارية له قال: قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها، قال: ائتني بها، فأتاه بها فقال لها: أين الله، قالت: في السماء، قال: من أنا، قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. فليس بصحيح لأمرين :
للاضطراب لأنه روي بهذا اللفظ وبلفظ: من ربك، فقالت: الله، وبلفظ: أين الله، فأشارت إلى السماء. وبلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله. قالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله، قالت: نعم.
والأمر الثاني : أن رواية أين الله مخالفة للأصول لأن من أصول الشريعة أن الشخص لا يحكم له بقول (الله في السماء) بالإسلام لأن هذا القول مشترك بين اليهود والنصارى وغيرهم وإنما الأصل المعروف في شريعة الله ما جاء في الحديث المتواتر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله»[(516)]. ولفظ رواية مالك: « أتشهدين « موافق للأصول.
فإن قيل : كيف تكون رواية مسلم: أين الله. فقالت: في السماء. إلى آخره مردودة مع إخراج مسلم له في كتابه وكل ما رواه مسلم موسوم بالصحة.
فالجواب : أن عددًا من أحاديث مسلم ردها علماء الحديث وذكرها المحدثون في كتبهم كحديث أن الرسول قال لرجل: إن أبي وأباك في النار، وحديث إنه يعطى كل مسلم يوم القيامة فداءً له من اليهود والنصارى، وكذلك حديث أنس: صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمـن الرحيم. فأما الأول ضعفه الحافظ السيوطي، والثاني رده البخاري والثالث ضعفه الشافعي وعدد من الحفاظ.
فهذا الحديث على ظاهره باطل لمعارضته الحديث المتواتر المذكور وما خالف المتواتر فهو باطل إن لم يقبل التأويل. اتفق على ذلك المحدثون والأصوليون لكن بعض العلماء أولوه على هذا الوجه قالوا: معنى أين الله سؤال عن تعظيمها لله وقولها في السماء عالي القدر جدًا أما أخذه على ظاهره من أن الله ساكن السماء فهو باطل مردود وقد تقرر في علم مصطلح الحديث أن ما خالف المتواتر باطل إن لم يقبل التأويل فإن ظاهره ظاهر الفساد فإن ظاهره أن الكافر إذا قال الله في السماء يحكم له بالإيمان .
وحمل المشبهة رواية مسلم على ظاهرها فضلوا ولا ينجيهم من الضلال قولهم إننا نحمل كلمة في السماء بمعنى إنه فوق العرش لأنهم يكونون بذلك أثبتوا له مثلاً وهو الكتاب الذي كتب الله فيه «إن رحمتي سبقت غضبي» فوق العرش فيكونون أثبتوا المماثلة بين الله وبين ذلك الكتاب لأنهم جعلوا الله وذلك الكتاب مستقرين فوق العرش فيكونون كذبوا قول الله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهذا الحديث رواه ابن حبان بلفظ مرفوع «فوق العرش»، وأما رواية البخاري فهي « موضوع فوق العرش « وقد حمل بعض الناس فوق بمعنى تحت وهو مردود برواية ابن حبان « مرفوع فوق العرش « فإنه لا يصح تأويل فوق فيه بتحت.
ثم على اعتقادهم هذا يلزم أن يكون الله محاذيًا للعرش بقدر العرش أو أوسع منه أو أصغر، وكل ما جرى عليه التقدير حادث محتاج إلى من جعله على ذلك المقدار. والعرش لا مناسبة بينه وبين الله كما أنه لا مناسبة بينه وبين شىء من خلقه. ولا يتشرف الله بشىء من خلقه ولا ينتفع بشىء من خلقه» اهـ.
وقد بيّنا فيما سبق بطلان قول المشبهة بما يدحض أوهامهم وتخيلاتهم بحمد الله.
قال الحافظ ابن الجوزي (ص/59) من الباز الأشهب:
فإن قيل: أنتم تلزموننا أن نقر بما لا يدخل تحت الفهم، قلنا: إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك إذ ليس بمحس ولا يدخل تحت ذلك إلا جسم له لون وقدر، فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شيئًا إلا على وفق ما رءاه، لأن الوهم من نتائج الحس.
وإن أردت أنه لا يعلم بالعقل فقد دُللنا أنه ثابت بالعقل لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل.
واعلم أنك لما لم تجد إلا حسًا أو عرضًا وعلمت تنزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزًا أو متحركًا أو منتقلاً، ولما كان مثل هذا الكلام لا يفهمه العامي قلنا: لا تسمعوه ما لا يفهمه، ودعوا اعتقاده لا تحركوه بل يسروه أن يساكن الجبال ويقال إن الله استوى على عرشه كما يليق به. اهـ.
وقال علي رضي الله عنه: «حدِّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله» ثم عقَّب الحافظ على ذلك بقوله: «وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة»[(517)] اهـ.
وقال الحافظ ابن الجوزي: قال ابن عقيل الحنبلي أحد أساطين المذهب الحنبلي: «هلك الإسلام بين طائفتين من الباطنية والظاهرية فأما أهل البواطن فإنهم عطلوا ظواهر الشرع بما ادعوا من تفاسيرهم التي لا برهان لهم عليها حتى لم يبق في الشرع شىء إلا وقد وضعوا وراءه معنى حتى أسقطوا إيجاب الواجب والنهي عن المنهي، وأما أهل الظاهر فإنهم أخذوا بكل ما ظهر مما لابد من تأويله فحملوا الأسماء والصفات على ما عقلوه.
والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر مالم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع»[(518)] اهـ.
وقال الشيخ أبو نصر القشيري (514هـ) ما نصه: «وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استنزالهم العوام بما يقرب إلى أفهامهم ويُتصور في أوهامهم لأجللت هذا الكتاب عن تلطيخه بذكرهم، يقولون نحن نأخذ بالظاهر ونجري الآيات الموهمة تشبيهًا والأخبار المقتضية حدًّا وعضوًا على الظاهر، ولا يجوز أن نطرق التأويل إلى شىء من ذلك، ويتمسكون بقول الله تعالى: {…وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ… *} [(519)] وهؤلاء – والذي أرواحنا بيده – أضر على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، لأن ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون، وهؤلاء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد في الجهات، فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائح فسال به السيل وهو لا يدري»[(520)] اهـ.
وقال ابن الجوزي: «ومنها – أي من المتشابه – قوله تعالى: {…فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا… *} [(521)] قال المفسرون: أي من رحمتنا وإنما نسب الروح إليه لأنه بأمره كان، ومنها قوله تعالى: {…يُؤْذُونَ اللَّهَ… *} [(522)] قلت: أي يؤذون أولياءه كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ… *} [(523)] أي أهلها» اهـ.
وهل يقول عاقل أن الله يتأذى، فمن يحمل المتشابه على ظاهره ماذا يقول[(524)]؟!
وفي (ص/124) منه تعقيبًا على نسبة القعود إلى الله في تفسيرهم المقام المحمود قال ابن الجوزي: «قلت هذا حديث مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» وهو شاهد على استدلالهم بالمكذوب في العقيدة التي يحتاط فيها ما لا يحتاط بغيرها ثم عقَّب على استشهادهم بقوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} [(525)] فقال: «هذا عن جبريل لا عن الله سبحانه، ومن أجاز القرب بالمسافة من الذات أجاز الملاصقة، وما ذهب إليه – أهل الزيغ – صريح في التجسيم» اهـ.
ذلك أن المشبهة لا يعترفون بموجود غير متحيز في جهة ومكان غير متحرك ولا ساكن لأنهم يقيسون الخالق على المخلوق يظنون أن الوجود لا يصح إلا بالمكان مع ثبوت وجود الله قبل المكان بلا مكان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولم يكن شىء غيره» رواه البخاري وغيره. أي كان الله موجودًا قبل المكان والزمان وقبل الجهات الست والعرش، فالله الذي هو موجود قبل المكان بلا مكان هو موجود بعد وجود المكان بلا مكان لأنه سبحانه لا يتغير.
وفي (ص/132) الحديث الثامن والأربعون وهو نموذج من أحاديث كثيرة من التي افتراها أهل الزيغ قال ما نصه حديث العباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك «هذا حديث لا يصح تفرَّد به يحيى بن العلاء، قال أحمد: هو كذاب يضع الحديث، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: أحاديثه موضوعة» – يحتجون براوٍ كذاب فلا حول ولا قوة إلا بالله -.
قال ابن الجوزي – بعد كلام-: أما لفظة القعود فقد رواها عن ابن عباس ولا يصح، وأما القيام فيرويها عيسى عن جابر عن عمر بن الصبح.
قال البخاري: قال عمر بن الصبح: أنا وضعت خطبة رسول الله.
وقال ابن حبان: وكان الحديث على الثقات لا يصح كتب حديثه إلا على التعجب، ثم قال: قلت وبمثل هذه يثبت لله صفة، أين العقول ؟ تعالى الحق أن يوصف بقيام وهو انتصاب القامة، إنما هو قائم بالقسط، ولا يوصف بقعود ولأنها حالة الجسماني».
وفي (ص134) تعقيبًا على حديث الأعور الدجال، نقل قول ابن عقيل وهو: «يحسب بعض الجهلة أنه لما نفى العور عن الله عز وجل أثبت من دليل الخطاب أنه ذو عينين وهذا بعيد من الفهم، إنما نفى العور من حيث نفي النقائص كأنه قال ربكم ليس بذي جوارح تتسلط عليه النقائص، وهذا مثل نفي الولد عنه لأنه يستحيل عليه التجزئ، ولو كانت الإشارة إلى صورة كاملة لم يكن في ذلك دليل على الألوهية ولا القدم فإن الكامل في الصورة كثير» اهـ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وتعقيبًا على حديث مكذوب يُنقل عن بعض التابعين قال ابن الجوزي (ص88): «والعجب من إثبات صفات الحق سبحانه وتعالى بأقوال التابعين وما تصح عنهم ولو صحت فإنما يذكرونها عن أهل الكتاب كما يذكر وهب ابن منبه». ثم بعد كلام قال: «وهل يجوز لعاقل أن يثبت لله خلفًا وأمامًا وفخذًا…..؟ ما ينبغي أن يحدث هؤلاء. ثم قال: ومثل هؤلاء لا يحدثون فإنهم يكابرون العقول وكأنهم يحدثون الأطفال» اهـ
ثم يعقب (ص89) على حديث: «يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة» قال ابن الجوزي: «اعلم أن الضحك له معان ترجع إلى معنى البيان والظهور وكل من أبدى من أمر كان مستورًا قيل قد ضحك، يقال: ضحكت الأرض بالنبات إذا ظهر ما فيها وانفتحت عن زهره، كما يقال: بكت السماء قال الشاعر:
كل يوم بالأقحـوان جديـد
تضحك الأرض من بكاء السماء
وكذلك الضحك الذي يعتري البشر إنما هو انفتاح الفم عن الأسنان، (وهذا يستحيل على الله تعالى فوجب حمله على إبداء الله كرمه وإبانة فضله). اهـ.
وقد أوَّل البخاري الضحك الوارد في الحديث: «ضحك الله الليلة» بالرحمة. نقله عنه الحافظ البيهقي، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/120): «ونسبة الضحك والتعجب إلى الله تعالى مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما» اهـ.
وفي (ص128) يذكر الحديث المكذوب الذي تعتمده المشبهة، وهو أن الله لما كلّم موسى يوم الطور، وفيه أن الله قال لموسى: يا موسى إني كلمتك بقوة عشرة ءالاف لسان. ……. ثم يذكرون فيه أن موسى قرّب إلى بني إسرائيل على زعمهم صوت الله فقال: ألم تسمعوا صوت الصواعق بأحلى كلام سمعتموه قط.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، يرويه علي بن عاصم عن الفضل بن عيسى، قال يحيى: (ليس بشىء) وقال النسائي: علي بن عاصم متروك الحديث، وقال يزيد بن هارون، ما زلنا نعرفه بالكذب.
وأما الفضل بن عيسى فقال أبو أيوب السختياني: لو خلق أخرسًا كان خيرًا له، وقال ابن عيينة: الفضل بن عيسى لا شىء، وقال يحيى: هو رجل سوء اهـ.
وإنما نقلت لك كلامه في هؤلاء الرواة لتعلم كذب ما يدعيه أولئك الناس في تحريفهم لديننا حيث يرفضون أحاديث التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم مع ثبوتها في الصحيحين وغيرهما بينما يقبلون على الأحاديث المكذوبة في الصفات فأي عقل هذا!.
قال الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه: «والله تعالى يتكلم بكلام ليس ككلامنا، نحن نتكلم بالآلات والحروف والله يتكلم بلا آلة ولا حروف» اهـ.
وكذلك سائر صفاته سبحانه نثبتها لله لا على ما يقتضيه الحس والوهم فهو موصوف بأنه عالم بكل شىء لا على ما يقتضيه الحس، وكذلك سمعه وبصره وسائر صفات الله.
قال أئمة السلف ومنهم مالك والليث بن سعد والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم في بعض النصوص التي يتوهم بعض الناس من ظواهرها الجسمية في حق الله أو صفات الجسمية كحديث النزول: (أمرّوها كما جاءت بلا كيف) ومعناه ارووا هذا اللفظ ولا تعتقدوا تلك الظواهر التي هي من صفات الجسم، فالأئمة مرادهم نفي الجسمية وصفاتها عن الله أي أن هذه النصوص ليس معانيها الجسمية وصفاتها من حركة وسكون لأن الله تعالى نفى الجسمية وصفاتها عن نفسه بقوله: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(526)] وأراد الأئمة رحمهم الله رد تلك النصوص إلى هذه الآية المحكمة، أما المشبهة فيريدون بذلك إثبات الكيف لله لكن يموهون على الناس بقولهم إن هذه النصوص محمولة على الجسمية وصفات الجسمية من حركة وسكون لكن لا نعرف كيفية تلك الكيفية حتى قال بعض قدماء المشبهة في قوله تعالى: {…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ… *} [(527)] إن الله يفنى كله ويبقى منه الوجه فقط الذي هو الجزء المركب على أعلى البدن لأنه فسر الوجه على الظاهر، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
بينما جاء في تفسير الثوري المطبوع في الهند سنة 1358هـ، عند قوله تعالى: {…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ… *} [(528)] قال: (إلا ما أريد به وجهه) اهـ يعني الحسنات، ومثله قال البخاري في صحيحه حتى إن بعض الدكاترة من مشبهة العصر لما عُرض عليه كلام للبخاري في تفسير هذه الآية أجاب بقوله: «البخاري في إيمانه شك» اهـ ذلك أنهم يعتقدون الوجه جسمًا صفة وهذا الغاية في الجهل كيف يسمي الجسم صفة ؟!
ثم ماذا يقولون في حديث: «أقرب ما تكون المرأة إلى وجه الله إذا كانت في قعر بيتها» فهل يحملونه على الظاهر الذي تعودوا أن يحملوا عليه الآيات وهو الجسم فينقضون بذلك مذهبهم وهو اعتقادهم أن الله على العرش بذاته، ولا يخفى بُعد المسافة بين العرش والأرض، أم يقولون له معنى يناسب سياق الحديث كما قاله السلف الصالح، فإن قالوا: هو قرب معنوي فقد نقضوا مذهبهم، وهذا إلزام لا مهرب لهم منه، والحديث ثابت رواه ابن حبان[(529)] وغيره.
فأما أهل السنة والجماعة فيقولون: لله وجه لا كوجوهنا على معنى الصفة لا على معنى الجسم، وكذلك يثبتون لله صفة اليد وصفة العين لا على معنى الجارحة والأعضاء، وهذه الكلمات الثلاث الوجه واليد والعين لها استعمالات في لسان العرب على معان تقتضي الجسمية ومعان لا تقتضي الجسمية وهذا الأخير هو ما حمله عليه أئمة الهدى ولذلك جاء في القرءان وصف الله بها.
فعليك بالتمسك بكلام الإمام السلفي المحدِّث ذو النون المصري الذي هو تلميذ الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: «مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك» أي لا يشبه ذلك. والحمد لله أولا وءاخرًا على وضوح وظهور مذهب أهل السنة والجماعة.
ـ[415] سورة الزمر: جزء من الآية 67 .
ـ[416] سورة الأنعام: جزء من الآية 18 .
ـ[417] سورة البروج: 20 .
ـ[418] سورة الجن: جزء من الآية 28 .
ـ[419] سورة طه: جزء من الآية 110 .
ـ[420] العقيدة الفائقة وهي الرسالة الثالثة من رسائل في عقائد أهل السنة والجماعة للشيخ قدوة المحققين المحدث محمد بن درويش الحوت (ص/103)، بتصرف يناسب السياق.
ـ[421] رواه البخاري في صحيحه (3/1166)، (3019)، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}.
ـ[422] سورة الأنعام: جزء من الآية 101 .
ـ[423] سورة الأنعام: جزء من الآية 1 .
ـ[424] من الشرح القويم في حل الصراط المستقيم لشيخنا الحافظ عبد الله الهرري الحبشي رضي الله عنه (ص/106 – 111 – 112)، بتصرف.
ـ[425] تتمة كلامه: «من ظاهر الشرع المحض، ومن العرف الجاري به العادة فيما يتخاطب به الخلق، فظنوا أن كلام الله مثل كلامهم، فحكموا على الغائب عنهم بالشاهد عندهم، ومن قاس الغائب على الشاهد فقد أخطأ عند جماعة المتكلمين وأهل العقل أجمعين، فلا يحمل علم العالم على جهل الجاهل ، وكونهم يقولون لا يفهم كلاما إلا صوتا وحرفا فكلام العوام ومن لا يدري شيئا ولا يعرف أحقيقة لا ولا مجازا» اهـ.
ـ[426] سورة الأنعام: جزء من الآية 153 .
ـ[427] حَز الغلاصم في إفحام المخاصم (ص/93 – 94).
ـ[428] باختصار وتصرف من أساس التقديس صحيفة (20 – 21).
ـ[429] من الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم لشيخنا الحافظ الهرري رحمه الله (ص/168).
ـ[430] صيد الخاطر للحافظ ابن الجوزي (ص/265).
ـ[431] صيد الخاطر (ص/369).
ـ[432] صيد الخاطر (ص/264).
ـ[433] باختصار وتصرف من أساس التقديس (ص/20 – 21).
ـ[434] صيد الخاطر للحافظ ابن الجوزي (ص/265).
ـ[435] تبصرة الأدلة في أصول الدين (1/182).
ـ[436] صيد الخاطر للحافظ ابن الجوزي (ص/183).
ـ[437] سورة آل عمران: جزء من الآية 8 .
ـ[438] دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد: (ص/49).
ـ[439] الذات تذكر بصفة التذكير، وأما الذين ذكروه بصيغة التأنيث كما هو هنا، فهو من باب ما يسمى في اللغة بالمشاكلة والمقابلة، وهو جائز.
ـ[440] سورة فصلت: جزء من الآية 15 .
ـ[441] صيد الخاطر للحافظ ابن الجوزي (ص/326). صيد الخاطر (1/272).
وها أنا أنقل من موضع آخر من نفس الكتاب (ص/272) ما يرجى أن ينتفع به أهل الغفلة تحت عنوان: هل يرد الاعتراض الأقدار ؟ ما نصه:
«رأيت كثيرا من المغفلين يظهر عليهم السخط بالأقدار وفيهم من قل إيمانه فأخذ يعترض، وفيهم من خرج إلى الكفر ورأى أن ما يجري كالعبث، وقال: ما فائدة الإعدام بعد الإيجاد والابتلاء ممن هو غني عن أذانا؟
فقلت لبعض من كان يرمز إلى هذا: إن حضر عقلك و قلبك حدثتك، وإن كنت تتكلم بمجرد واقعك من غير نظر وإنصاف فالحديث معك ضائع، ويحك أحضر عقلك واسمع ما أقول:
أليس قد ثبت أن الحق سبحانه مالك وللمالك أن يتصرف كيف يشاء؟
أليس قد ثبت أنه حكيم والحكيم لا يعبث؟
وأنا أعلم أن في نفسك من هذه الكلمة شيئا فإنه قد سمعنا عن جالينوس أنه قال: ما أدري؟ أحكيم هو أم لا؟ والسبب في قوله هذا أنه رأى نقضا بعد إحكام فقاس الحال على أحوال الخلق وهو أن من بنى ثم نقض لا لمعنى فليس بحكيم.
وجوابه لو كان حاضرا أن يقال: بماذا بان لك أن النقض ليس بحكمة؟ أليس بعقلك الذي وهبه الصانع لك؟
وكيف يهب لك الذهن الكامل ويفوته هو الكمال؟=
= وهذه هي المحنة التي جرت لإبليس فإنه أخذ يعيب الحكمة بعقله فلو تفكر على أن واهب العقل أعلى من العقل وأن حكمته أوفى من كل حكيم لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول.
فهذا إذا تأمله المنصف زال عنه الشك، وقد أشار سبحانه إلى نحو هذا في قوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ *} [سورة الطور] أي أجعل لنفسه الناقصات وأعطاكم الكاملين؟ فلم يبق إلا أن نضيف العجز عن فهم ما يجري إلى أنفسنا، ونقول هذا فعل عالم حكيم ولكن ما يبين لنا معناه.
وليس هذا بعجب فإن موسى عليه السلام خفي عليه وجه الحكمة في نقض السفينة الصحيحة وقتل الغلام الجميل فلما بين له الخضر وجه الحكمة أذعن…
أو لسنا نرى المائدة المستحسنة بما عليها من فنون الطعام النظيف الظريف يقطع ويمضغ ويصير إلى ما نعلم ولسنا نملك ترك تلك الأفعال ولا ننكر الإفساد له لعلمنا بالمصلحة الباطنة فيه.
فما المانع أن يكون فعل الحق سبحانه له باطن لا نعلمه؟ …
و لو لم يكن في الابتلاء بما تنكره الطباع إلا أن يقصد إذعان العقل و تسليمه لكفى.
ولقد تأملت حالة عجيبة يجوز أن يكون المقصود بالموت هي وذلك أن الخالق سبحانه في غيب لا يدركه الإحساس فلو أنه لم ينقض هذه البنية لتخايل للإنسان أنه صنع لا بصانع، فإذا وقع الموت عرفت النفس نفسها التي كانت لا تعرفها لكونها في الجسد وتدرك عجائب الأمور بعد رحيلها، فإذا ردت إلى البدن عرفت ضرورة أنها مخلوقة لمن أعادها وتذكرت حالها في الدنيا -الأفكار تعاد كما تعاد الأبدان فيقول قائلهم: {…إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ *} [سورة الطور]. ومتى رأيت ما قد وعدت به من أمور الآخرة أيقنت يقينا لا شك معه، ولا يحصل هذا بإعادة ميت سواها وإنما يحصل برؤية هذا الأمر فيها، فتبنى بنية تقبل البقاء وتسكن جنة لا ينقضي دوامها، فيصلح بذلك اليقين أن تجاور الحق -يريد القرب المعنوي لا الحسي لأنها آمنت بما وعد وصبرت بما ابتلى وسلمت لأقداره فلم تعترض، ورأت في غيرها العبر ثم في نفسها فهذه هي التي يقال لها: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي *} [سورة الفجر].
فأما الشاك والكافر فيحق عليهما الدخول إلى النار واللبث فيها، لأنهما رأيا الأدلة ولم يستفيدا ونازعا الحكيم واعترضا عليه، فعاد شؤم كفرهما يطمس قلوبهما فبقيت على ما كانت عليه.=
= فلما لم تنتفع بالدليل في الدنيا لم تنتفع بالموت والإعادة، ودليل بقاء الخبث في القلوب قوله تعالى: {…وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}. فنسأل الله عز وجل عقلا مسلما يقف على حده ولا يعترض على خالقه وموجده، ثم الويل للمعترض أيرد اعتراضه الأقدار؟ فما يستفيد إلا الخزي نعوذ بالله ممن خذل. وقال (ص339): «فالفقيه من علل بما يمكن فإذا عجز استطرح للتسليم هذا شأن العبيد. فأما من يقول: لم فعل كذا وما معنى كذا فإنه يطلب الاطلاع على سر الملك وما يجد إلى ذلك سبيلا لوجهين:
أحدهما: أن الله تعالى ستر كثيرا من حكمه عن الخلق.
والثاني: أن ليس في قوى البشر إداراك حكم الله تعالى كلها، فلا يبقى مع المعترض سوى الإعتراض المخرج إلى الكفر: {…فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} والمعنى من رضي بأفعالي وإلا فليخنق نفسه فما أفعل إلا ما أريد » اهـ.
ـ[442] باختصار وتصرف من أساس التقديس (ص/20 – 21).
ـ[443] صيد الخاطر للحافظ ابن الجوزي (ص/265).
ـ[444] باختصار وتصرف من أساس التقديس (ص/20 – 21).
ـ[445] سورة آل عمران: جزء من الآية 97 .
ـ[446] دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد (ص/11).
ـ[447] صيد الخاطر للحافظ ابن الجوزي (ص/265).
ـ[448] هكذا في المطبوع، لكن الخنساء ماتت في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، سنة أربعة وعشرين للهجرة، والحجاج توفي سنةخمس وتسعين هجرية، والصحيح أنها ليلى الأخيلية، يراجع كتاب الأمالي في لغة العرب: (1/87)، لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي.
ـ[449] هكذا في النسخ المطبوعة من صيد الخاطر، لكنها في كتب اللغة والأدب: «سقاها»، يراجع: ديوان ليلى الأخيلية (ص/65)، زالعقد الفريد: (1/264)، وجمهرة خطب العرب: (1/408).
ـ[450] وذلك خشية أن تهجوه إن لم يجزل لها العطاء وقد دل مدحها إياه على ذلك، فلم يأمر بقطع لسانها؟!.
ـ[451]
ـ[452] سورة الشورى: 11 .
ـ[453]
ـ[454] سورة الأعراف: 54 .
ـ[455] سورة البقرة: 210 .
ـ[456] سورة ءال عمران: 18 .
ـ[457]
ـ[458] سورة الذاريات: 22 .
ـ[459] سورة الأعراف: 143 .
ـ[460] سورة الأعراف: 54 .
ـ[461] سورة التوبة: 129 .
ـ[462] سورة ءال عمران: 7 .
ـ[463] سورة فاطر: 10 .
ـ[464] سورة الأنعام: 18 .
ـ[465] سورة الواقعة: 85 .
ـ[466] سورة فاطر: 10 .
ـ[467] سورة الصافات: 99 .
ـ[468] سورة فاطر: 10 .
ـ[469] سورة المطففين: 18 .
ـ[470] سورة المعارج: 4 .
ـ[471] سورة هود: 123 .
ـ[472] سورة الأعراف: 206 .
ـ[473] سورة الأحزاب: 69 .
ـ[474]
ـ[475] سورة الملك: 16 .
ـ[476] سورة الزخرف: 84 .
ـ[477] سورة يونس: 7 .
ـ[478] سورة مريم: 93 .
ـ[479] سورة ءال عمران: 189 .
ـ[480] سورة الزمر: 68 .
ـ[481] سورة الأنبياء: 104 .
ـ[482] سورة البقرة: 210 .
ـ[483] سورة النحل: 33 .
ـ[484] سورة الفجر: 22 .
ـ[485] قاله الإمام أحمد بن حنبل فيما رواه عنه الحافظ البيهقي في مناقب أحمد وابن كثير في البداية والنهاية ( / ).
ـ[486] سورة القلم: 42 .
ـ[487] كما قال ابن عباس فيما رواه الحافظ البيهقي بسندين جيدين في الأسماء والصفات ولا يصح تفسيره بالعضو الجارحة أبدًا ولا كشف الساق عند ذكرها.
ـ[488] سورة ص: 45 .
ـ[489] سورة ص: 75 .
ـ[490] سورة المائدة: 64 .
ـ[491] سورة طه: 39 .
ـ[492] سورة الشورى: 11 .
ـ[493] سورة الإخلاص: 4 .
ـ[494] سورة المؤمنون: 91 .
ـ[495] سورة العنكبوت: 6 .
ـ[496]
ـ[497] سورة ءال عمران: 17 .
ـ[498] فتح الباري (3/30) وأخرجه أحمد في مسنده (4/22) وكذا الطبراني في المعجم الكبير (9/51).
ـ[499] مجمع الزوائد (10/153).
ـ[500] زاد المسير (1/225).
ـ[501] انظر مسند أحمد (2/160) ومسند ابن المبارك (ص165).
ـ[502]
ـ[503] سورة الشورى: 11 .
ـ[504] بتصرف من إيضاح الدليل لبدر الدين بن جماعة (ص114 – 115).
ـ[505] مشكل الحديث وبيانه لابن فورك (ص/61).
ـ[506] شرح مسلم (جـ2/241).
ـ[507] الاقتصاد في الاعتقاد (ص/62).
ـ[508] الأسماء والصفات (ص/421).
ـ[509] مرقاة المفاتيح (ج6/454).
ـ[510] الأسماء والصفات (ص422).
ـ[511] السنن الكبرى (ج7/388).
ـ[512] مختصر العلو (ص/82).
ـ[513] السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل (ص/94).
ـ[514] الشرح القويم في حل ألفاظ الصراط المستقيم (ص/117، وما بعدها).
ـ[515] رواية خمسة عشر صحابيًا.
ـ[516] فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/199)، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية ألا يفهموه.
ـ[517] تلبيس إبليس: (ص/162).
ـ[518] سورة ءال عمران: 7 .
ـ[519] إتحاف السادة المتقين (2/107 – 109).
ـ[520] سورة التحريم: 12 .
ـ[521] سورة الأحزاب: 57 .
ـ[522] سورة يوسف: 82 .
ـ[523] الباز الأشهب (ص/60).
ـ[524] سورة النجم: 9 .
ـ[525] سورة الشورى: 11 .
ـ[526] سورة القصص: 88 .
ـ[527] تفسير الثوري: (ص/194).
ـ[528] رواه ابن حبان: (7/446)، ذكر الأخبار عما يجب على المرأة من لزوم قعر بيتها، والهيثمي في موارد الظمآن: (1/103)، باب دخول النساء المسجد، وصلاتهن فيه، وفي بيوتهن، وغيرهما.
ـ[529] من شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص/121).
