الإمام الباقلَّانيِّ – بيان وُقوع الدَّسِّ والتَّحريف والتَّصحيف

بيان وُقوع الدَّسِّ والتَّحريف والتَّصحيف

في كُتُب الإمام الباقلَّانيِّ

كان القاضي أبو بكر الباقلانيُّ ألمعيًّا يُضرب المَثَل بفهمه وذكائه ويُلَقَّبُ بسيف السُّنَّة ولسان الأُمَّة.

على أنَّ كثيرًا مِن مُصنَّفات الباقلَّانيِّ ضاعت كما ضاعت كُتُب غيره مِن العُلماء فلم يصل منها إلَّا نُسَخ يسيرة وقع في بعضها التَّصحيف والتَّحريف على أيدي الزَّنادقة والمُشبِّهة فلم تكُن بخطِّ المُصنِّف ولا حُفظ لها سند موثوق ولا قُوبِلت على أُصول صحيحة.

فقد عاش الباقلانيُّ في القرن الرَّابع الهجريِّ وتُوُفِّيَ أوَّلَ الخامس، وفي ذلك الزَّمان كان الدَّسُّ كثيرًا جدًّا في كُتُب العُلماء بل وكان الدَّسُّ يقع أحيانًا في كتاب العالِم في حياته قبل موته فيراه بأُمِّ عينه كما حصل مع الإمام الغزاليِّ في نيسابور.

ففي “فضائل الأنام مِن رسائل حُجَّة الإسلام” صحيفة 45 أنَّ الغزاليَّ رحمه الله قال: “هاج حسد الحُسَّاد ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنَّهُم لبَّسوا الحقَّ بالباطل وغيَّروا كلمات مِن كتاب “المُنقذ مِن الضَّلال” وكتاب “مشكاة الأنوار” وأدخلوا فيها كلماتِ كُفر”. إلخ..

وقال الكوثريُّ في هامش “التَّبيين”: “مِن عادة الحشويَّة أنْ يترصَّدوا الفُرَص لإفناء أمثال هذه الكُتُب إمَّا بحرقها عِلانًا يوم يكون لهم شوكة وسُلطان وإمَّا بسرقتها مِن دُور الكُتُب أو بوضع موادَّ مُتلِفة فيها وإمَّا بتشويهها بطرح ما يُخالف عقولهم منها عند نسخها أو الكشط والشَّطب في نُسخها الأصليَّة”. انتهَى.

فالتَّصحيف والتَّحريف هُمَا السَّبب في أنَّنا نرَى في كُتُب الباقلَّانيِّ مسائلَ أنكرها العُلماء، على أنَّ بعضَهُم يُرجِع سبب وُجودها في كُتُبه إلى الدَّسِّ وهذا أرجح الآراء لِمَا سنجد فيما يُنقل عنه مِن تناقُض لا يُتَصَوَّر وُقوعُه مِن ألمعيٍّ يتوقَّد ذكاء كالإمام الباقلَّانيِّ.

فالمُجسِّمة مثلا، قد نقل الإمام أبو منصور البغداديُّ المتـوفى سنة 429هـجري الإجماع على كُفرهم في كتابه “الفَرق بين الفِرق” ثُمَّ قال: “فإنَّا نُكفِّرُهُم كما يُكفِّرون أهل السُّنَّة ولا تجوز الصَّلاة عليهم عندنا ولا الصَّلاة خلفَهُم” انتهَى.

ولعل مسألة كُفر المُجسِّمة من أكثر المسائل التي نقل عليها اجماع، كما في الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/J6LGGJE5tZKSpdsh/?mibextid=xfxF2i

والإجماع ينعقد باتِّفاق مُجتهدي الأُمَّة في عصر مِن العُصور، ولا يُنتقَض بعد ذلك وإن خالفه مَن خالفه، فلا يجوز الاغترار بما في بعض كُتُب الباقلَّانيِّ مِن عدم تكفير المُجسِّمة مثل ما يوجد في كتاب “اكفار المتأولين” فإنَّه قول لا يثبُت عنه بل، وفي مواضع أُخرَى من كتبه يُصرِّح الباقلَّانيُّ بتكفير المُجسِّمة.

وقد ردَّ البعضُ على الباقلَّانيِّ على تقدير ثُبوت ذلك عنه فيقول الإمام أبو إسحق الصَّفَّار الحنفيُّ الماتُريديُّ المتـوفى سنة 534 هـجري في “تلخيص الأدلَّة”: “وقد أخطأ هذا القائل في هذا القول؛ وقول أبي حنيفة بخلافه؛ وجميعُ الأشعريَّة خالفوا هذا الأشعريَّ فيما قال”. انتهَى.

وأمَّا أهل التحقيق فيستدلون على براءة الباقلَّانيِّ مِن القول الفاسد بقوله في “الإنصاف”: “أفتقولون إنَّ الله جسم وجوهر وعرَض؟ فإن قالوا نعم فقد أقرُّوا بصريح الكُفر للتَّشبيه” انتهَى

وبقوله عنهُم في “التَّمهيد”: “فإن مرُّوا على ذلك تركُوا التَّوحيد”. انتهَى

يعني كفروا كُفرًا صريحًا.

وقد تمسَّك بعض أدعياء العلم في زماننا ممَّن يتمظهرون بالأشعريَّة زُورًا بما دُسَّ على الباقلَّانيِّ مِن ترك تكفير المُجسِّم والعياذ بالله، فكون الباقلَّانيِّ أشعريًّا فهو لا يُخالف الأشاعرةَ، والأشاعرةُ يحكُمون بكُفر المُجسِّمة قولا واحدا. قال الإمام العلَّامة فخر الدِّين أحمد بن حسن الجاربرديُّ التبريزيُّ المُتوفَّى سنة 746 هجريَّة في كتابه “السِّراج الوهَّاج” ما نصه: “المُجسِّمة كُفَّار عند الأشاعرة”. انتهَى.

وقد أخطأ بعض المُصنِّفين عندما قالوا إنَّ الأشاعرة لا يحكُمون بكُفر المُجسِّم، فردَّ عليهمُ الإمام الزَّركشيُّ في “تشنيف المسامع” بقوله: “ونُقِلَ عن الأشعريَّة أنَّه يَفسُقُ وهذا النَّقل عن الأشعريَّة ليس بصحيح”. انتهَى

أي أنَّ الصَّحيح أنَّ الأشاعرة يُكفِّرون المُجسِّمة.

و هذا هو مذهب الإمام الأشعريِّ، فقد ثبت أنَّه قال في النَّوادر: “مَن اعتقد أنَّ الله جسم فهُو غير عارف بربِّه وإنَّه كافر به”. انتهَى

والأشعريَّة كُلُّهم مع إمامهم في هذه القضيَّة ولا يثبُت عنه أنَّه تراجع عن تكفير المُجسِّمة كما يزعُم بعض المُنحرفين الجهلة.

والسَّلف مُجمعون على تكفير المُجسِّم كما عبَّر عنهُمُ الطَّحاويُّ في عقيدته الَّتي ذكر أنَّها بيان عقيدة أهل السُّنَّة فقال: “ومَن وصف الله بمعنًى مِن معاني البشر فقد كفر مَن أبصر هذا اعتبر وعن مثل قول الكُفَّار انزجر وعلم أنَّه بصفاته ليس كالبشر”. انتهَى.

وكذلك يُنسَب للباقلَّانيِّ مسائلُ أُخرَى فيها تكذيب للقُرآن الكريم هُو عند التحقيق بريء منها، فلا نُثبتُها عليه إن لم تُوجد البيِّنة الشَّرعيَّة فلا يجوز إثباتُها عليه لمُجرَّد أنَّنا قرأناها في كتاب مخطوط أو مطبوع منسوب لأحد مِن العُلماء.

فمن ذلك ما جاء في “اليواقيت والجواهر” للشَّعرانيِّ مِن أنَّ الإمام الباقلَّانيِّ قال: “قَبول إيمانه” – أي فرعون- هُو الأقوَى مِن حيث الاستدلال ولم يرد لنا نصٌّ صريح أنَّه مات على كُفره” انتهَى

ونقل الشَّعرانيُّ عنه هذا الكلام نزلة أُخرَى في “الأجوبة المرضيَّة”.

وهذا لا يوجد في كُتُب الباقلَّانيِّ؛ بل هذا مخالف لقوله تعالى: ” فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ”.

والا فإنَّ النُّسَخ الَّتي لم تكُن مُقابَلة بيد ثقة على نُسخة قابلها ثقة وهكذا إلى أصل المُؤلِّف الَّذي كتبه بخطِّه أو كتبه ثقة بإملاء المُؤلِّف فقابله على المُؤلِّف لا تُعتبَر نُسَخًا صحيحة بل هي نُسخ سقيمة.

بل في في بعض كُتُب الباقلَّانيِّ تجويز بعثة الكافر ومُرتكب الكبيرة والعياذ بالله، وهذا ظاهر الدسّ على الباقلَّانيِّ.

وفي بعض كُتُب الباقلَّانيِّ أنَّه قال: “فأثبتَ لنفسه في نصِّ كتابه‏:‏ الوجه والعينين” انتهَى

ومعلوم أنَّ لفظ التَّثنية غير وارد في القُرآن بخلاف الإفراد والجمع قال تعالَى: “وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” وقال عزَّ وجلَّ: “وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا” أمَّا ذكر التَّثنية فبدعة وتحريف.

فإذا قرأنا لعالِم قولًا يُخالف الشَّرع فلا نُثبتُه عليه بلا بيِّنة فهذا المُؤرِّخ الصَّلاح الصَّفديُّ عندما وجد مسألة مُنكرة منسوبة للإمام الجُوينيِّ قال في الوافي بالوَفَيات: “أنا أُحاشي إمام الحرمَين عن القَول بهذه المسألة والَّذي أظنُّه أنَّها دُسَّت في كلامه”. إلخ..

وقد أشار القاضي عياض إلى عبارة أنكرها في بعض كُتُب الغزاليِّ، فقال ابن حجر الهيتميُّ: “وعبارتُه الَّتي أشار إليها القاضي “على تقدير كونها عبارتَه وإلَّا فقد دُسَّ عليه في كُتُبه عبارات حسَدًا”. إلخ.. فانظُر كيف لم يقطع أنَّها مِن كلامه رغم كونها في كتابه.

ملاحظة: في بيان مَن هُو المُجسِّم الحقيقيُّ

أ) إنَّ الكلام في تكفير المُجسِّم يُراد به الَّذي عرف معنَى الجسم ثُمَّ أضافه إلى الله تعالَى، فهذا الَّذي كفَّره الأشاعرة وكافَّة أهل الإسلام. وأمَّا مَن توهَّم لجهله أنَّ لفظ “الجسم” يعني مثلا “الموجود” وأضافه إلى الله تعالَى فهذا لا يُحكَم بكُفره لأنَّه لا يُدرك مدلول اللَّفظ.

ب) قال البغداديُّ في التَّبصرة البغداديَّة المُسمَّاة أُصول الدِّين: “وقد شاهدنا قومًا مِن الكرَّاميَّة لا يعرفون مِن الجسم إلَّا اسمه ولا يعرفون أنَّ خواصَّهم يقولون بحُدوث الحوادث في ذات الباري تعالَى فهؤُلاء يحِلُّ نكاحُهُم وذبائحُهُم والصَّلاة عليهم” انتهَى.

ج) وقال إمام الحرمين الجوينيُّ في الشَّامل: “اعلموا أرشدكُم الله أنَّ الخلاف في ذلك يدُور بيننا وبين فئتَين: إحداهُمَا تُخالف في اللَّفظ والإطلاق دون المعنى، والأُخرى تُخالف في المعنى. فأمَّا الَّذين خالفوا في الإطلاق دون المعنى فهُمُ الَّذين قالوا: المعنى بالجسم الوُجود أو القيام بالنَّفس” إلخ..

د) وقال البزدويُّ الحنفيُّ في أُصُول الدِّين له: “إلَّا أنَّ بعضهُم قالوا: نعني بالجسم الوُجود لا غير> انتهَى فهؤُلاء أي الَّذين لا يعرفون معنَى اللَّفظ ولا يُدركون مدلوله هُمُ الَّذين لا يحكُم الأشعريُّ بتكفيرهم”. انتهى

هـ) وعلى هذا يُحمَل توقُّف العُلماء أحيانًا في تكفير بعض مَن أضاف الجسم إلى الله ولذلك قال الكوثريُّ في مقالاته: “وإنَّ العزَّ بن عبد السَّلام يعذُر –في قواعده- مَن بَدَرَت منه كلمة مُوهِمة لكنَّه يُريد بذلك العاميَّ الَّذي تخفَى عليه مدلولات الألفاظ” إلخ.

روابط ذات علاقة:

الصفات الخبرية عند الامام الباقلاني

https://www.facebook.com/share/p/wxVMpLobZf8wsmP6/?mibextid=xfxF2i

حكم من نسب لله الحرف والصوت

https://www.facebook.com/share/b2ryQ9KmGoh33rkn/?mibextid=xfxF2i

الصفات الخبرية عند الإمام الباقلاني

كان الإمام الباقلاني على طريقة الأشعري في إثبات الصفات الخبرية وتنزيه اللهﷻ بمنع حملها على معانيها اللغوية الظاهرة من ألفاظها وتفويض حقائقها الى اللهﷻ

فقد قال الباقلاني في الانصاف في معرض كلامه عن صفات الذات: “وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل ” كل شيء هالك إلا وجهه ” وقال: ” ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ” واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: ” بل يداه مبسوطتان ” وقوله. ” ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ” وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: ” ولتصنع على عيني ” و ” تجري بأعيننا ” وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس”. انتهى

وقال في كتاب تمهيد الأوائل أن الباقلاني قال:‏ “صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه واليدان والعينان والغضب والرضا”. انتهى

وهذه النصوص المنقولة عن الباقلاني فيها اثبات الصفات الخبرية وهي : الوجه والعين واليد، من غير اثبات الجارحة، او الصورة أو الهيئة لله عز وجل.

لكن يلاحظ أن الباقلاني يذكر أحيانا صفة اليد والعين فيقول: اليدين والعينين.

والذي يقف على طريقة الباقلاني يعلم أنه أراد من وراء كلمة “اليدين” اثبات صفة واحدة وهي صفة اليد، بدليل قوله في الانصاف :” لأن قوله “بيديّ” يقتضي اثبات يدين هما صفة له”

وأراد من وراء كلمة ” العينين” اثبات صفة واحدة وهي صفة العين بدليل قوله في الانصاف ” وأن عينه ليست بحاسة من الحواس”. انتهى

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المتكلم -وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده- قال في كتاب الإبانة تصنيفه: “فإن قال قائل: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟ قيل له قوله: “وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ” -الرحمن:27- وقوله تعالى: “مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ” -ص:75- فأثبت لنفسه وجهاً ويداً.

فإن قال: فلم أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إن كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟”. انتهى

ملاحظة: أقدم مخطوطات كتاب التمهيد يوجد في باريس وكتب بعد 70 سنة من وفاة الإمام الباقلاني.

حكم من ينسب لله الحرف والصوت

إن من يقف على نصوص فتاوى العزّ بن عبد السلام و يوسف الأرموي و الخطيب محمد بن إبراهيم الحموي ومن قبلهم ومن بعدهم من أهل التحقيق يعلم مبلغ الخطورة في دعوى أنّ كلام الله حرف وصوت قائمان به تعالى.

فقد جاء في كتاب “نجم المهتدي ورجم المعتدي” للفخر بن المعلم القرشي سؤال عن حكم من يقول إن كلام الله القديم القائم بذاته حروف وأصوات.

– فكان جواب الإمام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله كالآتي:” القرآن كلام الله صفة من صفاته قديم بقدمه، ليس بحروف ولا أصوات ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين وكتابة الكاتبين فقد ألحدَ في الدين وخالف إجماع المسلمين، بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق ولا ترك البدع سارية في المسلمين، ويجب على ولاة الأمر إعانة العلماء المنـزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين.ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها. ولا يحل لولاة الأمر تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين، ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير، والله أعلم”. كتبه عبد العزيز بن عبد السلام .

وذكر ابن المعلم أيضا فتوى أخرى عن حكم الذين يقولون أن الله يتكلم بالحرف و الصوت و نص السؤال: “ما قولكم في الحشوية الذين على مذهب ابن مرزوق وابن الكيزاني اللذين يعتقدان أن الله سبحانه يتكلم بحرف وصوت، تعالى الله عن ذلك، وأن أفعال العباد قديمة، هل تنفذ أحكامهم على أهل التوحيد وعامة المسلمين وهل تقبل شهادتهم على المسلمين أم لا؟”
فكان جواب الإمام يوسف الأرموي ما يلي: “ما نص عليهم أعلاه اقترفوا حوبة عظيمة يجب عليهم القفول عما اعتقدوه، وهم كفار عند أكثر المتكلمين وكيف يسوغ قبول أقوالهم؟ ويجب على مَنْ إليه الأمر إحضارهم واستتابتهم عمَّا هم عليه، فإن تابوا وإلا قتلوا، وحكمهم في الاستتابة حكم المرتد في إمهاله ثلاثة أيام ولا يقتل في الحال”.كتبه يوسف الأرموي
وذكر ابن المعلم استفتاء آخر صورته: ” ما قول الفقهاء الأئمة قادة علماء هذه الأمة أدام الله إرشادهم ووفق إصدارهم وإيرادهم في الحشوية الذين على مذهب ابن مرزوق وابن الكيزاني؛ اللذين يعتقدان أن الله سبحانه متكلم بحرف وصوت، وأن أفعال العباد قديمة، هل تقبل شهادتهم على أهل الحق الموحدين الأشعرية، وهل تنفذ أحكام قضائهم على الأشعرية أم لا؟”

– فكان جواب الخطيب محمد بن إبراهيم الحموي ما نصه: ” من قال إن الله متكلم بحرف وصوت فقد قال قولاً يلزم منه أن الله جسم, ومن قال: إنه جسم فقد قال بحدوثه، ومن قال بحدوثه فقد كفر، والكافر لا تصح ولا تقبل شهادته، والله أعلم”. انتهى
– و كان جواب الشيخ محيى الدين محمد بن أبي بكر الفارسي: ” من قال إن الله سبحانه متكلم بالصوت والحرف فقد أثبت الجسمية وصار بقوله مجسماً، والمجسم كافر”. انتهى
و قد نقل الإمام العلامة محمد زاهد الكوثري هذه الأجوبة أيضا في تعليقه على “السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل” للإمام شيخ الإسلام العلامة تقي الدين السبكي.
– و قال الإمام الكوثري في الرد على النونية في الصحيفة 172 ما نصه: “بل من قال إن كلام معبوده حرف وصوت قائمان به فهو الذي نحت عجلاً جسداً له خوار, يحمل أشياعه على تعبّده”. انتهى

– و قال الامام المجتهد ابو ثور ابراهيم بن خالد المتوفى سنة 240 هجري ما نصه: “من قال إن كلام الله – اي المعنى القائم به- سبحانه مخلوق فقد كفر وزعم ان الله عز و جل حدث فيه شىء لم يكن”. انتهى رواه اللالكائي في الفصل المعقود لذكر اعتقاد ابي ثور وهو تصريح بتكفير من نسب قيام الحروف و الأصوات بالله تعالى.

– وقال الإمام الباقلاني في الإنصاف ما نصه: ” ثم يقال لهم: خبرونا: أيصح خروج حرف من غير مخارج ؟ فإن قالوا: لا. قلنا: فتقولون أن الباري تعالى عن قولكم ذو مخارج من شفة للفاء؛ وحلق للحاء؛ ولسان للثاء؛ وإن قالوا: نعم جسموا بإجماع المسلمين؛ وإن قالوا: لا تحتاج الحروف إلى مخارج؛ فقد كابروا الحس والعيان مع قولهم بصحة الخبر المروي بزعمهم، وذلك أن كلامه منه خرج، وكلامه عندهم حروف، فيجب على قولهم أن يكون خروجها من مخارج؛ وكل هذا القول كفر وضلال، وسفه وحمق وجهل عظيم”. انتهى
– وذكر اليافعي في “مرآة الجنان” عند ذكره لحوادث سنة 705هـ وما جرى فيها لابن تيمية: “وكان الذي ادّعى به عليه – أي: على ابن تيمية – بمصر أنّه يقول: إنّ الرحمن على العرش استوى حقيقة, وإنّه يتكلّم بحرف وصوت، ثمّ نودي بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه”. انتهى

و نقل ابن أيبك الدواداري في حوادث عام 705 هـجري في الجزء 9 نص المرسوم الذي حذر فيه القضاة من عقيدة التجسيم ونصه: “ولما ثبت ذلك في مجلس الحكم العزيز المالكي، حكم الشرع الشريف بأن يسجن هذا المذكور-أي ابن تيمية -، ويُمنع من التصرف والظهور ومرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن التشبيه في اعتقاد مثل ذلك، أو يغدو له في هذا القول متبعا، أو لهذه الألفاظ مستمعا، أو يسري في التشبيه مسراه، أو أن يفوه بجهة للعلو مخصصا أحدا كما فاه، أو يتحدث إنسان في صوت أو حرف، أو يوسع القول في ذات أو وصف، او يطلق لسانه بتجسيم ، أو يحيد عن الطريق المستقيم، أو يخرج عن رأي الأمة أو ينفرد عن علماء الأئمة، أو يحيز الله تعالى في جهة، أو يتعرض إلى حيث وكيف ، فليس لمعتقد هذا إلا السيف” انتهى. معناه أن معتقد ذلك كافر مرتد.

-وقال الإمام السنوسي في شرحه لعقيدته الكبرى ما نصه: أما العامة فأكثرهم ممن لا يعتني بحضور مجالس العلماء ومخالطة أهل الخير، يتحقق منهم اعتقاد التجسيم والجهة وتأثير الطبيعة، وكون فعل الله لغرض، وكون كلامه جل وعلا حرفاً وصوتاً، ومرة يتكلم ومرة يسكت كسائر البشر، ونحو ذلك من اعتقادات أهل الباطل، وبعض اعتقاداتهم أجمع العلماء على كفر معتقديها. انتهى

– بل ذكر الفخر الرازي في تفسيره ان القول بان كلام الله حرف وصوت هو عين كلام النصارى، ونص عبارته: “المسألة الثانية عشرة [الأصوات التي نقرأ بها ليس كلام الله] : زَعَمَتِ الْحَشْوِيَّةُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ الَّتِي نَسْمَعُهَا مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الَّتِي نَسْمَعُهَا مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِلِسَانِهِ وَأَصْوَاتِهِ، فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهَا عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَنَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الصِّفَةَ الْوَاحِدَةَ بِعَيْنِهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَالَّةٌ فِي بَدَنِ هَذَا الْإِنْسَانِ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَيْضًا فَهَذَا عَيْنُ مَا يَقُولُهُ النَّصَارَى مِنْ أَنَّ أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ حَلَّتْ فِي ناسوت صريح، وزعموا أنها حَالَّةٌ فِي نَاسُوتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَغَيْرُ زَائِلَةٍ عَنْهُ، وَهَذَا عَيْنُ مَا يَقُولُهُ الْحَشْوِيَّةِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى حَالٌّ فِي لِسَانِ هَذَا الْإِنْسَانِ/ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، إِلَّا أَنَّ النَّصَارَى قَالُوا بِهَذَا الْقَوْلِ فِي حَقِّ عِيسَى وَحْدَهُ، وَهَؤُلَاءِ الْحَمْقَى قَالُوا بِهَذَا الْقَوْلِ الْخَبِيثِ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ”. انتهى

– وقال سعيد فودة في شرحه على العقيدة الطحاوية عند قول الطحاوي ” ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر” قال: هذا نص صريح في تكفير المجسمة والمشبهة، والذين يشبهون الله تعالى بأحد من خلقه.وفيه رد مباشر على من قال من المجسمة بأن الله تعالى يتكلم بالصوت والحرف، وبأن كلامه عبارة عن حوادث متتالية يوجدها في ذاته، وهي عبارة عن أصوات وحروف، يوجدها الله تعالى بقدرته في نفسه، وكل منها حادث، لاحق لما قبله وسابق لما بعده، فهذا معنى من المعاني الثابتة للبشر، فمن أثبتها لله تعالى فإن الإمام الطحاوي ينص على كفره، هذا هو المفهوم من عبارته. انتهى

وهذا ما عليه شيخ المالكية أبي محمد القروي
https://www.facebook.com/share/p/HNSaeVnkTZF9eDND/?mibextid=xfxF2i

تنبيه: قال بعض العلماء لو قال شخص إن كلام الله صوت أزلي أبدي ليس فيه تعاقب الحروف فلا يُكَفَّر إن كان نيته كما قال. فليس هذا تجسيما. أما من جعله صوتا بحرف فهو كفر.

مخطوطة كتاب الانصاف للباقلاني

“الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به” هو كتاب في علم الكلام السني من تأليف القاضي أبو بكر الباقلاني الملقب بشيخ السنة، ولسان الأمة، المتكلم على مذهب أهل السنة، وأهل الحديث وطريقة أبي الحسن الأشعري.

وبعض الفقهاء كالقاضي عياض في فهرسته، وابن قيم الجوزية في اجتماع جيوشه وغيرهما، اطلقوا عليه اسم “رسالة الحرة”.

ولعل سبب تسميته بهذا الاسم، قول الباقلاني في مقدمته للكتاب: «أما بعد فقد وقفت على ما التمسته الحرة الفاضلة الدينة ـ أحسن الله توفيقها ـ لما تتوخاه من طلب الحق ونصـرته، وتنكب الباطل وتجنبه، واعتماد القربة باعتقاد المفروض في أحكام الدين واتباع السلف الصالح من المؤمنين، من ذكر جمل ما يجب على المكلفين اعتقاده ولا يسع الجهل به، وما إذا تدين به المرء صار إلى الالتزام الحق المفروض، والسلامة من البدع والباطل المفروض، وإني بحول الله تعالى وعونه، ومشيئته وطوله، أذكر لها جملا مختصرة تأتي على البغية من ذلك، ويستغنى بالوقوف عليها عن الطلب واشتغال الهمة بما سواه.». انتهى

ثم ان الكتاب له مخطوطة واحدة انفردت بها دار الكتب المصرية، كما صرح بذلك الشيخ محمد زاهد الكوثري، وهي تحمل عنوان الانصاف.

قال محقق كتاب اعجاز القرٱن للباقلاني وهو السيد محمد صقر: “كتاب الحرة: ومبلغ علم الباحثين عنه أنه من كتب الباقلاني المفقودة، التي لا يعرفون موضوعها، ولا يفقهون معنى تسميتها. ومن أعجب العجب أن الكتاب موجود بين أيديهم، مطبوع يقرءون فيه، لكنه يحمل اسما آخر لم يضعه له الباقلاني، وهو: ” الانصاف ” الذي طبع بالقاهرة في سنة 1369 بتحقيق المرحوم الشيخ محمد زاهد الكوثري. وإني لأقطع بأن كتاب ” الانصاف ” هذا إنما في حقيقة الامر كتاب ” رسالة الحرة ” وأن ذلك الاسم الذي طبع به، اسم دخيل عليه، قد وضع على نسخته المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية”. انتهى

وقال أيضا: “ولست أدرى كيف مر محقق الكتاب على هذا الكلام، دون أن ينتبه لدلالته الناطقة باسمه، مع علمه بأن القاضي عياضا قد ذكر ” رسالة الحرة ” ضمن مؤلفات الباقلاني، ولم يذكر ” الانصاف ” ولست أدرى كيف فاته مع ذلك أن يتنبه إلى النصين الدخيلين على كلام الباقلاني في هذا الكتاب – في ص 58، 64 – والمصدرين بقول كاتبهما:

” قال الشيخ الأجل الامام جمال الاسلام: ووقع لي أنا دليل.. “. و ” قال الشريف الاجل جمال الاسلام: ووقع لي جواب أخصر من هذا وأجود..؟! ” ولا مراء في أن هذين النصين من تعليق بعض قراء النسخة على هامشها، فأدخلهما ناسخها أو طابعها في صلب الكتاب. وقد نقل ابن حزم – في الفصل 4 / 216 – قولا زعم أن الأشاعرة قالوه في كتبهم وهو: ” أن الروح تنتقل عند خروجها من الجسم إلى جسم آخر “، وعقب عليه بقوله: ” هكذا نص الباقلاني في أحد كتبه وأظنه الرسالة، المعروفة بالحرة. وهذا مذهب التناسخ بلا كلفة “. ولقد كذب على ابن حزم ظنه، فليس في رسالة الحرة ما يشير إلى هذا القول المزعوم من قريب أو بعيد، ولم يرد في رسالة الحرة – من حديث الروح – إلا قوله ص 45: ” ويجب أن يعلم أن كل ما ورد به الشرع من عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، ورد الروح إلى الميت عند السؤال، ونصب الصراط والميزان، والحوض، والشفاعة للعصاة”. انتهى

وقال جلال محمد عبد الحميد في كتاب “نشأة الأشعرية وتطورها” : ونأخذ على الكوثري كذلك تقيده بعنوان النسخة التي رجع إليها في حين أن مقدمة الكتاب صريحة في القطع بكون الكتاب «رسالة الحرة» . فهذا العنوان هو الوارد في فهرس القاضي عياض” . انتهى

لذلك ذكر بعض المستشرقين ان الكتاب له عنوانان كما صرحت بذلك الباحثة Sabine Schmidtke

في كتاب

The Oxford Handbook of Islamic Theology

ومما تقدم يفهم ان الباقلاني له كتاب أسمه رسالة الحرة، وهو نفسه كتاب الانصاف، لكن هذا الكتاب طُبع اعتمادا على مخطوطة يتيمة، و متأخرة، فقد ذكر الباحث علي رضا البلوطي أنها من منسوخات 1300 ه‍ـجري وليس فيها ذكر اسم الناسخ ولا إسناد المخطوطة للمصنف. لذلك لم يجزم الكوثري بنسبة كل ما في الكتاب للباقلاني فقال: “بين أيدينا كتاب بالغ النفع يسمى “الإنصاف: فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به” يُنسب إلى الإمام النظار، المتكلم المغوار أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني”. انتهى

بل هذا الكتاب فيه نصوص مقحمة فيه كما قال جلال محمد عبد الحميد في كتاب “نشأة الأشعرية وتطورها” :” وقد ذكر السيد صقر ناشر کتاب «إعجاز القرآن» الباقلاني أن هناك نصوصاً دخيلة في كتاب «رسالة الحرة» لم ينتبه إليها الكوثري وهي واضحة يسهل الاستدلال عليها”. انتهى

بل نجزم بوجود تبديل وتحريف في هذا الكتاب لبعض عبارات الباقلاني مخالفة لما نقله عنه تلاميذه كالقول بأن القرٱن ليس كلام الله على الحقيقة، بل هو كلام جبريل.

راجع أيضا الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/p/wdFSfKfVNb6kr3n5/?mibextid=xfxF2i

ذكر مناظرة الإمام الباقلاني مع ملك الروم حول انشقاق القمر

جاء في تاريخ قضاة الأندلس لأبي الحسن بن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي ما نصه: ” قال – ملك الروم – له – أي أبو بكر الباقلاني الأشعري المالكي- : هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ قلت: هو صحيح عندنا. وانشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! حتى رأى الناس ذلك، وإنما رآه الحضور ومن اتفق نظره له في تلك الحال. فقال الملك: وكيف لم يره جميع الناس؟ قلت: لأن الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقوقه وحضوره. فقال: وهذا القمر بينكم وبينه نسبة وقرابة. لأي شيء لم تعرفه الروم وغيرها من سائر الناس، وإنما رأيتموه أنتم خاصة؟ قلت: فهذه المائدة بينكم وبينها نسبة؛ وأنتم رأيتموها دون اليهود، والمجوس، والبراهمة، وأهل الإلحاد، وخاصة يونان جيرانكم؛ فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن. فتحير الملك وقال في كلامه: سبحان الله! وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني، وقال: نحن لا نطيقه. فلم أشعر إذ جاءوا برجل كالدب أشقر الشعر؛ فقعد. وحكيت له المسألة؛ فقال: الذي قال المسلم لازم. ما أعرف له جواباً، إلا الذي ذكره. فقلت له: أتقول إن الكسوف، إذا كان، أيراه جميع أهل الأرض، أم يراه أهل الإقليم الذي في محاذاته؟ قال: لا يراه إلا من كان في محاذاته. قلت: فما أنكرت من انشقاق القمر، إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية ومن تأهب للنظر له، فأما من أعرض عنه أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر منها، فلا يراه. فقال: هو كما قلت. ما يدفعك عنه دافع. وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا. وأما الطعن في غير هذا الوجه، فليس بصحيح! فقال الملك: وكيف يطعن في النقلة؟ فقال النصراني: تنبيه هذا من الآيات: إذا صح وجه أن ينقله الجم الغفير، حتى يتصل بنا العلم به، ولو كان كذلك، لوقع لنا العلم الضروري به. فلما لم يقع، دل على أن الخبر مفتعل باطل. فالتفت الملك إلي وقال: الجواب؟ قلت: يلزمه في نزول المائدة ما لزمني في انشقاق القمر؛ ويقال له: لو كان نزول المائدة صحيحاً، لوجب أن ينقله العدد الكثير؛ فلو نقله العدد الكثير، فلا يبقى يهودي ولا نصراني، إلا ويعلم هذا بالضرورة؛ ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة، دل على أن الخبر كذب. فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس. وانفصل المجلس على هذا”. انتهى

كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع لأبي الحسن الأشعري

1- ذكر بعض من قال أن كتاب اللمع من ٱخر مصنفات أبي الحسن الأشعري

ذهب بعض الباحثين إلى أن كتاب اللمع هو آخر ما صنفه الإمام أبو الحسن الأشعري، منهم:

– حمودة غرابة الذي حقق كتاب اللمع بعد المستشرق ماكارثي.

– الدكتور جلال محمد مومس في كتابه عن نشأة الأشعرية وتطورها.

– الدكتورة فوقية حسين.

2-اعتناء الأشاعرة بكتاب اللمع

لقد أعتنى الأشاعرة بكتاب اللمع شرحا وتدريسا منهم:

أ- القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هـجري: له كتاب في نقض كتاب القاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي المتوفى سنة 415 هـجري الذي نقض فيه اللمع. وكتاب الباقلاني اسمه نقض نقض اللمع.

وهذا يدل على وقوف الباقلاني على ٱراء الأشعري في كتابه اللمع وتأييده لمنهجه وٱراءه.

بل ان الباقلاني اعتنى بشرح اللمع، فقد قال القاضي عياض في ترتيب المدارك عند ترجمة الباقلاني: “وأخذ عنه إذ ذاك، أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي، وجماعة من أهل السنّة، بشيراز. وقرأوا عليه شرح اللمع”. انتهى

وقد ألَّف إمام الحرمين الجويني المتوفى سنة 478 هـجري، كتابه “الشامل في أصول الدين”، شرح فيه شرح الباقلاني لللمع.

وشرح اللمع للباقلاني اطلع عليه أيضا أبو القاسم عبد الجليل بن أبي بكر الرَّبَـعـي القروي الديباجي – كان حياً سنة 478 هـجري – وقد ذكره في كتابه التسديد في شرح التمهيد.

وهذا الكتاب هو شرح لكتاب “تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل” لـ أبي بكر الباقلاني.

وفي هذا الكتاب ما يدل على أن أبا بكر الربعي قد اطلع على تصانيف الباقلاني؛ كـشرح اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، وهداية المسترشدين، و نقض النقض على الهمداني.

ب – ابن فورك المتوفى سنة 406 هـجري: له شرح على اللمع وهو مفقود.

ج- ابن خفيف الشيرازي: علق على كتاب اللمع في مواضع:

راجع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/p/5PL2eQDHQQFZDzci/…

هذا وقد اعترف ابن تيمية المتوفى سنة 728هـجري باعتناء أصحاب الأشعري بكتاب اللمع فقال في كتابه النبوات ما نصه: “وكتابه المشهور، المسمى باللمع في الرد على أهل البدع، وقد اعتنى به أصحابه، حتى شرحوه شروحًا كثيرةً”. انتهى

بل ان ابن تيمية نقل من الكتاب نصوصاً في معرض تقريره لبعض المسائل العقدية والتعليق عليها، كما في درء التعارض.

3- بيان اعتناء الأشاعرة بطريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري وبقواعده واستدلالاته في تقرير العقائد.

إن العمدة عند أهل السنة الأشعرية في تقرير العقائد الاسلامية على طريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري هي القواعد والاستدلالات النقلية والعقلية التي تلقاها تلاميذه عنه بالسند المتصل.

ومن تلك الأسانيد ما ورد ذكره في ثبت الأمير الكبير محمد بن عبدالقادر السنباوي الأزهري، حيث قال ما نصه: “وأما الكلام فأروي طريقة الأشعري ومصنفاته بسند شيخ الإسلام زكريا وغيره إلى الفخر الرازي عن والده ضياء الدين عن أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري عن إمام الحرمين عن أبي القاسم الإسفرايني عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وإسفراين بياء واحدة من غير همز من خراسان عن أبي الحسن الباهلي البصري عن أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري”. انتهى

وهو مذكور أيضا في سد الأرب من علوم الاسناد والأدب

وقد أورد الشيخ محمد بن سليمان الروداني المتوفى سنة 1094 هـجري سنده أيضا في أخذ العقيدة الأشعرية إلى الإمام أبي الحسن الأشعري فقال:” سلسلة أصول الدين: أخذته عن شيخنا أبي عبد الله بن سعيد المراكشي، بسنده إلى الجلال السيوطي، عن التقي الشمني، وشمس الدين إمام الشيخونية، وهو عن الكمال بن الهمام، عن العز ابن جماعة، عن ضياء الدين القرمي. وأخذ التقي الشمني عن الفاسي شمس الدين البسطامي، وعلاء الدين البخاري. وهو عن المحقق سعد الدين التفتازاني، والبسطامي، عن الضياء القرمي، وهو والتفتازاني عن القاضي عضد الدين الإيجي، عن زين الدين الهنكي، عن القاضي ناصر الدين البيضاوي. وهو أخذ عن كثير من أصحاب التاج محمد بن الحسين الأرموي، صاحب الحاصل، ومن أصحاب الصفي الأرموي صاحب التحصيل، عنهما، وهما عن الإمام فخر الدين الرازي، عن والده ضياء الدين، عن أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، عن إمام الحرمين، عن أبي القاسم الإسكاف، عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، عن أبي الحسين الباهلي، عن شيخ السنة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري”. انتهى

فالعمدة عند الأشعرية في تلقي أصول الدين وعلوم التوحيد على طريقة أبي الحسن الأشعري هو الاسناد وتقرير قواعد العقائد لا مجرد الاعتماد على المخطوطات.

ومن القواعد المحكمة المسطورة في كتاب اللمع، نذكر ما يلي

• فإن قال قائل: لم زعمتم أن الباري سبحانه لا يشبه المخلوقات؟ قيل [له] : لأنه لو أشبهها لكان حكمه في الحدث حكمها، ولو أشبهها لم يخل من أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها. فإن أشبهها من جميع الجهات كان محدثا مثلها من جميع الجهات، وإن أشبهها من بعضها كان محدثا من حيث أشبهها، ويستحيل أن يكون المحدث لم يزل قديما. وقد قال الله تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” -الشورى: 11- . وقال تعالى: “لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ” -الإخلاص: 4- .

4- ذكر تحقيقات كتاب اللمع، ومخطوطاته.

كتاب اللمع تم تحقيقه عدة تحقيقات:

– الأول : للنصراني ريتشارد مكارثي اليسوعي طبع في المطبعة الكاثوليكية، ونشر سنة 1953. ‏وقد اعتمد على المخطوطة الموجودة في الجامعة الأمريكية ببيروت.

– الثاني : لحموده غرابة وطبع تحقيقه عدة مرات منها مرة في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ومرة في المكتبة الأزهرية. واعتمد المحقق على مخطوطتين:

• الأولى: الموجودة في الجامعة الأمريكية ببيروت، و قال أن ناسخها غير معروف ولا يوجد تاريخ للنسخ. وقدر المحقق بأن زمن النسخ يعود لما بعد وفاة الغزالي لقول الناسخ بأنه نسخ إحدى مصنفات الغزالي.

وهذا يدلنا على أن أقدم مخطوطة لكتاب اللمع كتبت بعد وفاة الغزالي سنة 505 هـجري، أي بعد وفاة الأشعري بحوالي 200 سنة.

كما ذكر المحقق أن كتابة الناسخ سيئة، وأنه أهمل التنقيط فى كلمات كثيرة. كما ذكر أيضا أن الناسخ أسقط في بعض الأحيان كلمات وجملا ، وزاد في بعض الأحيان كلمات وجملا أخرى، كما عكس الترتيب في بعض العبارات ووضع عكس المطلوب فى البعض الآخر ، وقال أن الناسخ لا يعرف القرآن جيداً ، وليست له ثقافة عربية واسعة .

•النسخة الثانية: موجودة في المتحف البريطاني، و قال المحقق بأن ناسخها نصراني . وهذه النسخة منقولة عن نسخة بيروت

– الثالث: لعبد العزيز عز الدين السيروان.

-الرابع: للشيخ حسن الشافعي.

5- التنبيه على ثلاث مصنفات للأشعري تحمل اسم اللمع

ذكر ابن عساكر أن الإمام أبي الحسن الأشعري قد كتب ثلاثة كتب بعنوان « اللمع »:

– كتاب اللمع الصغير

– كتاب اللمع الكبير.

– كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع.

ورغم تشابه عناوين الكتب الثلاثة فإن الأشعري نفسه قد ذكر أن هناك علاقة بين اللمع الصغير واللمع الكبير، فاللمع الكبير هو مدخل لكتابه «إيضاح البرهان»، وأما «اللمع الصغير» فهو مدخل إلى اللمع الكبير، أي أن اللمع الصغير هو كالمقدمة لللمع الكبير.

ثم ان بعض المخطوطات ورد فيها ما يلي: “اذا قال نعلم على الضرورة أن البنية الباصرة اذا نامت زال عنها ادراكها و لا نشك في ذلك، فعلمنا أن النوم يضاد الادراك هكذا في كتاب اللمع الكبير”. انتهى

فعلم أن كتاب “اللمع الكبير” للشيخ أبي الحسن الأشعري مغاير لكتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع لتباين متن الكتابين.