- الكلام اللفظي و الكلام النفسي
- التفصيل بين الكلام النفسي القديم واللفظ المنزل الحادث عند الأشعرية
- ذكر بعض علماء السلف ممن وافق الأشاعرة في مسألة الكلام النفسي واللفظ المنزل
- – أبو حنيفة المتوفى سنة 150 هجري
- – أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـجري
- – ابن راهويه المتوفى سنة 238 هجري
- – ابْن كُلاَّبٍ المتوفى سنة 240 هجري.
- – أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هجري
- – هشام بن عبيد الله الرازي المتوفى سنة 245 هجري
- وحتى بعض العلماء الذين يعظمهم المجسمة وافقوا الأشعرية في هذه المسألة منهم:
- – أبو عبد الله بن منده المتوفى سنة 395 هجري
- اثبات صحة نسبة كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة
- كلام علاء الدين المرداوي الحنبلي عن الشيخين ابن كلاب والأشعري.
- العلماء الذين وافقوا الكرابيسي في مسألة اللفظ
- عقيدة أصبغ المالكي المتوفى سنة 225 هجري في اللفظ المنزل
- ثبوت قول البخاري “لفظي بالقرآن مخلوق” وبطلان ما روي عنه مما يخالف ذلك
- محمد بن نصر المروزي المتوفى سنة 294 هجري والقول بأن التلفظ بالقرٱن مخلوق
- كلام الله عز وجل
- ورد بعض شبه المجسمة
الكلام اللفظي و الكلام النفسي
الكلام قسمان اما لفظي او نفسي.
أ- الكلام اللفظي هو المركب من حروف وكلمات.
ولما كان الكلام اللفظي يقتضي اللغات، و يقتضي أيضا التركيب والتعاقب والترتيب، علم أنه وُضع للمخلوق لا للخالق.
ب- الكلام النفسي هو القائم بالنفس. ونفس الشىء ذاته
والدليل عليه ٱيات منها:
– قوله تعالى: “ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا اللّه بما نقول حسبهم جهنم”.
و قوله تعالى : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ .
– قوله تعالى: “وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ” -الأعراف: 205-
قال الفخر الرازي في تفسيره: “قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ فِي نَفْسِهِ وَجَبَ الِاعْتِرَافُ بِحُصُولِ الذِّكْرِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا مَعْنَى لِكَلَامِ النَّفْسِ إِلَّا ذَلِكَ.” انتهى
ويدل على الكلام النفسي أيضاً قول عمر رضي الله عنه: “زَوَّرْتُ في نفسي كلاماً”. انتهى
و الكلام النفسي إما أن يكون كلاما نفسيا بشريا حادثا، وهو عبارات مرتبة منظمة.
وإما كلاما نفسيا إلهيا قديما، وهو ليس بعبارات مرتبة .
وليعلم أن أهل السنة أطلقوا مصطلح الكلام النفسي القديم للتفريق بينه وبين الكلام الحادث سواء اللفظي منه أو النفسي البشري.
و معنى الكلام النفسي القديم، هو الكلام القائم بذاته تعالى، فلا ينفصل منه، وهو ليس حرفا ولا صوتا.
وهذا الكلام النفسي القديم ليس كلاما يحدثه الله في ذاته، ولا يقال أيضا أنه حدث في نفس الله. فهو لا يشبه الكلام النفسي البشري الذي يختلج في نفس الشخص.
وليعلم ان الكلام النفسي القديم يصح سماعه كما هو مذهب الأشعري والغزالي، بناءا على أن مدار صحة السماع هو وجود المسموع وإن لم يكن صوتا.
و الكلام النفسي القديم كان معروفا بين الصحابة، لكن المصطلح لم يظهر في زمانهم، وهذا كغيره من المصطلحات الحديثية والفقهية، التي ظهرت لاحقا، وهذا لعدم الحاجة إليه في زمانهم، ولعدم ظهور المشبهة بين أظهرهم ممن ينسبون الحرف والصوت لله عز وجل.
وأول من أشار إلي الكلام النفسي وعبر عنه هو الإمام أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة 150 هـجري في كتابه الفقه الأكبر، حيث قال : «ويتكلم لا ككلامنا ويسمع لا كسمعنا ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق». انتهى
و اول من اظهر مصطلح الكلام النفسي هو الشيخ عبد الله بن سعيد بن كلاب رضي الله عنه المتوفى سنة 241 هجري، و عن تلامذته اخذ ابو الحسن الاشعري، كما ذكر ذلك الذهبي في السير.
وأما غيره من علماء أهل السنة فاصطلحوا على مصطلحات مشابهة تفيد نفس المعنى:
– قال البخاري المتوفى سنة 256 هجري في خلق أفعال العباد: “وقراءة القرآن من جملة الصلاة، فالصلاة طاعة الله، والأمر بالصلاة قرآن، وهو مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء على اللسان، والقراءة والحفظ والكتابة مخلوق، وما قرئ وحفظ وكتب ليس بمخلوق، ومن الدليل عليه أن الناس يكتبون الله ويحفظونه ويدعونه، فالدعاء والحفظ والكتابة من الناس مخلوق، ولا شك فيه، والخالق الله بصفته، ويقال له: أترى القرآن في المصاحف؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن من صفات الله ما يرى في الدنيا، وهذا رد لقول الله عز وجل: ( لا تدركه الأبصار ) في الدنيا ( وهو يدرك الأبصار ) وإن قال يرى كتابة القرآن فقد رجع إلى الخلق، ويقال له: هل تدرك الأبصار إلا اللون؟ فإن قال: لا، قيل له: وهل يكون اللون إلا في الجسم؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن القرآن جسم يرى”. انتهى
وقال الطبري المتوفى سنة 310 هجري في التبصير: ” لأن الكلام لا يجوز أن يكون كلاماً إلا لمتكلم، لأنه ليس بجسمٍ فيقوم بذاته قيام الأجسام بأنفسها”. انتهى
وعليه فلا عبرة بمن أنكر الكلام النفسي، سواء الكلام النفسي البشري، أو الكلام النفسي القديم، لا سيما مجسمة العصر، ممن يقومون بالتعبير بأزرار الحاسوب عن مدلولات كلامهم النفسي، وما يقوم بقلوبهم من المعاني.
ولو كان الأخطل حيا بيينا لقال:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما .:. جعل الزر على الفؤاد دليلا
والناظر في أغلب اعتراضات المجسمة على مسألة الكلام النفسي يلاحظ أن عوامهم وعلماءهم لم يحيطوا فهما بها حتى أن التاج السبكي قد ذكر في طبقات الشافعية عند ترجمته للحافظ فخرُ الدين بن عساكر ما نصه: ” وكان بينه وبين الحنابلة ما يكون غالبا بين رَعاعِ الحنابلة والأشاعرة فيُذكر أنه كان لا يمرُّ بالمكان الذي يكون فيه الحنابلةُ خشية أن يأثموا بالوقيعة فيه وأنه ربما مر بالشيخ الموفّق بن قدامة فسلم فلم يرُد الموفَّق السلام، فقيل له فقال: إنه يقول بالكلام النَّفسي وأنا أردُّ عليه في نفسي. فإن صحَّت هذه الحكايةُ فهي مع ما ثبت عندنا من ورَعِ الشيخ موفَّق الدين ودينه وعلمه غريبة فإن ذلك لا يكفيه جوابُ سلامٍ وإن كان ذلك منه لأنه يرى أن الشيخ فخر الدين لا يستحقُّ جوابَ السّلام فلا كيد لمن يرى هذا الرأي ولا كرامة ولا تظُنُّ ذلك بالشيخ الموفَّق ولعل هذه الحكاية من تخليقات متأخِّري الحشوية”. انتهى
وهذه القصة إن ثبتت عن الموفق ابن قدامة فهي من جملة الأدلة التي تثبت أن بعض كبار المجسمة يظنون أن الكلام النفسي القديم هو ما يحدث من كلام في ذات الله و العياذ بالله. وعلى تقدير صحة القصة أيضا فما قاله ابن قدامة يعتبر من جملة مغالطاته لأن سماع الكلام النفسي يكون بخرق العادة، فيكون طلب ابن قدامة من ابن عساكر و الأشاعرة عامة سماع كلامه النفسي من قبيل خرق العادة، إلا إذا كان ابن قدامة يعتبر الأشاعرة عامة أولياء تجري على أيديهم الكرامات بسماع كلام الناس النفسي لذلك طالبهم بذلك، وإلا كان طلبه من قبيل العبث لا غير.
ويكفي أن أبا شامة شيخ الإمام النووي قال عنه “كلامه في العقائد على الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه ، فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها على جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الأخبار “. انتهى
وأعجب من ذلك أيضا قول ابن القيم، أن شيخه ابن تيمية ردّ مسألة الكلام النفسيَّ من تسعين وجها.
فحتى لو ردّه بزعْمِه من تسعمائة وجه أو تسعة آلاف وجه أو ما شاء من الأعداد، فإنما يَرُدّ على نفسهِ، ويشهدُ عليها بسوء الفهمِ للكتاب والسنَّةِ. وهذا معنى قول الإمام السبكي: ” إن علمَ ابن تيمية أكبر من عقله”، و قول زروق: “إن ابن تيمية ملموزٌ بنقص العقل”.
ملاحظة: مرادُ علماء أهل السُّنة بقولهم كلامُ الله معنًى قديمٌ قائم بذاته العلي أي الصفة التي تقوم بالذات وتتصف بها الذات ، كما قالوا: صفات المعاني ، أي الصفات التي هي معاني ، وليس مرادهم بالمعنى هنا المعنى الذي يقابل اللفظ ، أي المعنى الذي يُفهَم من اللفظ ويدل عليه اللفظ ويرتسم في ذهن الشخص لأن هذا لا يقوم بالذات العلي لأن ما قام بذهن المخلوق ليس بعينه هو القائم بالذات العلي ، بل الألفاظ وما قام بذهن المخلوق من معانيها يدلان على الكلام النفسي القائم بالذات العلي لأن صفته القائمة به لا تتصل بالمخلوق بأي وجه من الوجوه.
التفصيل بين الكلام النفسي القديم واللفظ المنزل الحادث عند الأشعرية
ليعلم أولا أن أكثر المجسمة والمشبهة والحشوية ما فهموا مصطلح “الكلام النفسي القديم” الذي يقول به أهل السنة الأشاعرة، يظنون أن معنى قولهم ” الكلام النفسي” أن الله ما تكلم، وان الكلام النفسي هو فقط ما أحدثه الله من كلام في ذاته والعياذ بالله. لذلك وجب البيان والتوضيح.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/StMmn9iWeXr5hjtC/
فكلام الله النفسي عند أهل السنة الأشاعرة، غير مخلوق، وهو دال على جميع معلومات الله.
وأما القرٱن الذي أنزله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو دال على بعض معلومات الله، كما أن التوراة المنزل على موسى دال على بعض معلومات الله، وكذلك الانجيل المنزل على عيسى فهو دال أيضا على بعض معلومات الله.
وبهذا الاعتبار فكلام الله النفسي غير مساوي لمدلول القرٱن المنزل على سيدنا محمد.
القرٱن المنزل على سيدنا محمد المبتدأ بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس هو بعض مدلولات كلام الله النفسي الذي لا ينتهي.
قال تعالى: ” قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا” – الكهف: 109-
وقال تعالى: “ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله” -لقمان: 27-
• فلما يقول الأشاعرة ان “القرٱن كلام الله غير مخلوق”، مرادهم بذلك ان القرٱن من حيث هو مدلول كلام الله النفسي غير المخلوق.
وبما أنه دال أيضا على بعض معلومات الله، فهو من هذه الحيثية غير مخلوق. وهذا معنى ما نقله ابن هانئ في مسائله عن الإمام أحمد أنه قال: “القرآن عِلمٌ من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر”. انتهى
مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري
وجاء أيضا في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد: “من قال القُرْآنُ مخلوقٌ فهو عندنا كافِرٌ؛ لأنَّ القُرْآنَ مِن عِلمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ”. انتهى
وهذا مجمل المعنى المنقول عن السلف، فقد قال اللَّالَكائيُّ: ” قالوا كُلُّهم: القُرْآنُ كَلامُ اللهِ غَيرُ مَخلوقٍ، ومن قال: مخلوقٌ، فهو كافِرٌ. فهؤلاء خَمسُمائةٍ وخَمسونَ نَفسًا أو أكثَرُ من التابعينَ وأتباعِ التَّابعين والأئمَّةِ المَرْضِيِّين سوى الصَّحابةِ الخَيِّرينَ على اختلافِ الأعصارِ ومُضِيِّ السِّنينَ والأعوامِ”. انتهى
فكلام الله النفسي هو قديم قائم بذات الله، غير مخلوق ولا يتبعض ولا يتجزأ، و لا يقال كلام الله منه خرج.
• ولما يقول الأشعرية أن القرٱن بمعنى اللفظ المنزل مخلوق، فهذا ليس فيه انكار صفة الكلام القائمة بذات الله.
اللفظ المنزل المرتب والمنظوم، والمكتوب بلغة العرب، هذا قطعا محدث مخلوق.
قال اللهُ سُبحانَه: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” – الزخرف –
وهو ليس من تأليف ملك ولا بشر.
قال تعالى: “وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ”. انتهى
ولما كان الكلام القديم لا يوصف بحدوث نزوله إلينا علم أن قوله تعالى: “مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ”، يراد به اللفظ المنزل قطعا.
نقل الهروي في الفاروق بسنده إلى حرب الكرماني: سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني ابن راهويه عن قوله تعالى :{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} قال: قديم من رب العزة محدث إلى الأرض.
هو الهروي نفسه الذي تقدم ذكره في الكلام على كتاب السنة المنسوب كذبًا إلى الإمام أحمد، وقد كانت المجسمة بهراة تلقبه شيخ الإسلام نكاية بمن سمى بذلك الحافظ أبا عثمان الصابونيّ، قال ابن السبكيّ([1]): «وأما المجسّمة بمدينة هراة فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله الأنصاريّ صاحب كتاب ذم الكلام فلقبوه بشيخ الإسلام! وكان الأنصاريّ المشار إليه رجلًا كثير العبادة – على فساد في العقيدة – محدّثًا إلا أنه يُظْهِرُ التجسيم والتشبيه، وينال من أهل السّنة، وقد بالغ في كتابه ذمّ الكلام حتى ذكر أن ذبائح الأشعرية لا تحلّ! وكان أهل هراة في عصره فئتين: فئة تعتقده وتبالغ فيه لما عنده من التقشف والتعبد، وفئة تكفّره لما يظهره من التشبيه.
ثم ان الله تعالى جعل القرٱن معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. والله لا يجعل معجزة صفة من صفاته.
فالله عز وجل لا يتحدى الناس بأن يوجدوا قدرة مثل قدرته، لكن يتحداهم بما هو من الممكنات التي تدخل تحت قدراتهم. فبعجز المشركين على الاتيان بما يدخل تحت قدراتهم، يقيم الله عليهم الحجة.
ومما تقدم يُفهم أن القرٱن يطلق ويراد به:
-كلام الله الازلي، لأنه دال عليه، و لذلك يقال عنه غير مخلوق.
– اللفظ المنزل وهو حادث مخلوق.
ولأجل هذا التفصيل منع الكثير من السلف اطلاق عبارة القرٱن مخلوق، لأنها توهم أن صفة الكلام مخلوقة، وقد منع الإمام أحمد القول بخلق القرٱن زمن المحنة ومال إلى تأويل الٱثار التي توهم خلق القرٱن
قال الحافظ الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” ما نصه: ” قال أبو الحسن عبد الملك الميموني: قال رجل لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل : ذهبت إلى خلف البزار أعظه، بلغني أنه حدث بحديث عن الأحوص عن عبد الله – بن مسعود – قال: ” ما خلق الله شيئا أعظم من آية الكرسي… ” وذكر الحديث، فقال أبو عبد الله – أحمد بن حنبل -: ما كان ينبغي أن يحدث بهذا في هذه الأيام – يريد زمن المحنة – والمتن: ” ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ” وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة: إن الخلق واقع ههنا على السماء والأرض وهذه الأشياء، لا على القرآن”. انتهى
أَبُو الْحسن عبد الْملك بن عبد الحميد الْمَيْمُونِيّ الْجَزرِي صَاحب الإِمَام أَحْمد
روى عَنهُ وَعَن أَبِيه عبد الحميد وَجَمَاعَة
وَعنهُ النَّسَائِيّ وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَآخَرُونَ مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ – 274 هـ (887م)
طبقات الحفاظ – لجلال الدين السيوطي.
ذكر بعض علماء السلف ممن وافق الأشاعرة في مسألة الكلام النفسي واللفظ المنزل
– أبو حنيفة المتوفى سنة 150 هجري
قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر: ” وصفاتُهُ كلُها بخلافِ صفاتِ المخلوقينَ، يعلمُ لا كعلمِنا، يَقْدِرُ لا كقدرَتِنا، يَرَى لا كرؤيَتِنا، يتكلمُ لا ككلامِنا، ويسمعُ لا كسمعِنا. نحنُ نتكلمُ بالآلاتِ والحروفِ، واللهُ تعالى يتكلمُ بلا حروفٍ ولا آلةٍ. والحروفُ مخلوقةٌ، وكلامُ اللهِ تعالى غيرُ مخلوقٍ وهو شىءٌ لا كالأشياءِ، ومعنى الشىءِ إثباتُهُ بلا جسمٍ ولا جوهرٍ ولا عَرَضٍ، ولا حدَّ لهُ، ولا ضدَّ لهُ، ولا ندَّ له، ولا مِثلَ لهُ”. انتهى
راجع الرابط التالي في توثيق صحة نسبة كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة
https://www.facebook.com/share/p/1BACweZts3/
وهذا أثبته عن أبي حنيفة أيضا، المجسم ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية.
– أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـجري
قال البخاري في خلق أفعال العباد: قال أبو عبيد: ” وأما تحريفهم – أي الجهمية- ” من ذكر من ربهم محدث” فإنما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما علمه الله ما لم يعلم”. انتهى
وهذا ما عليه أهل السنة الأشعرية أن كلام الله قديم، وأما اللفظ المنزل فهو محدث.
ولما كان الكلام القديم لا يوصف بحدوث نزوله إلينا علم أن قوله تعالى: “مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ”، يراد به اللفظ المنزل قطعا.
– ابن راهويه المتوفى سنة 238 هجري
قال حَرْبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكِرْمَانِيُّ – تلميذ احمد بن حنبل – : سألت إسحاق بن إبراهيم الْحَنْظَلِي يعني ابن رَاهَوَيْه – شيخ احمد والبخاري – عن قوله تعالى :{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فقال: ” قديم من رب العزة محدث إلى الأرض”. انتهى
– ابْن كُلاَّبٍ المتوفى سنة 240 هجري.
وَكَانَ يُلَقَّبُ: كُلاَّباً؛ لأَنَّهُ كَانَ يَجُرُّ الخَصْمَ إِلَى نَفْسِهِ بِبَيَانِه وَبَلاَغَتِه. وَكَانَ يَقُوْلُ: بَأَنَّ القُرْآنَ قَائِمٌ بِالذَّاتِ بِلاَ قُدرَةٍ وَلاَ مَشِيْئَةٍ.
وَهَذَا مَا سُبِقَ إِلَيْهِ أَبَداً، قَالَهُ فِي مُعَارَضَةِ مَنْ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ. – الذهبي – سير أعلام
قال ابن القيم في اجتماع جيوشه، تحت باب أقوال أئمة الكلام من أهل الإثبات المخالفين للجهمية والمعتزلة والمعطلة، ما نصه:
” ( قول الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ) إمام الطائفة الكُلاَّبِيَّةُ كان من أعظم أهل الإثبات للصفات والفوقية وعلو الله على عرشه منكرا لقول الجهمية ، وهو أول من عرف عنه إنكار قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب تعالى ، وأن القرآن معنى قائم بالذات“. انتهى
وابن كلاب هو من رؤوس أهل السنة و من السلف الصالح.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/15W1fxKKDS/
– أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هجري
نقل الحافظ البيهقي في كتاب الاعتقاد ما نصه: ” وقوله: ” مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ”. [ الأنبياء: 2]…، وحين احتج به على أحمد بن حنبل رحمه الله قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه محدث“. انتهى
و قال الحافظ ابن كثير أيضا في البداية والنهاية ، ما نصه:” ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث ، لا الذكر نفسه هو المحدث”. انتهى
فقول أحمد ليس ظاهراً في الآية، بل الظاهر هو ما قاله المعتزلة، وأحمد نفسه قال عن المعتزلة ” وَإِنَّمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيَّ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِقَوْلِهِ أَرَاكَ تَنْتَحِلُ الْحَدِيثَ”. انتهى من حلية الأولياء
و أحمد قام بتأويل الآية وصرفها عن ظاهرها لامتناع حدوث كلام الله، ولو لم يكن كلام المعتزلة هو الظاهر لأثبت أحمد المحدث للذكر وللتنزيل معاً. والا فتنزيل القرآن على لسان الملك جبريل الذي أتى به، وقراءته على النبي صلى الله عليه وسلم هو المحدث.
– هشام بن عبيد الله الرازي المتوفى سنة 245 هجري
أخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية [ يعني ” مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ”. [ الأنبياء: 2]] ، فقال له هشام: “محدث إلينا محدث إلى العباد“.
– الكرابيسي المتوفى سنة 248 هجري
https://www.facebook.com/share/15YoZY8KJk/
– الإمام أصبغ المالكي المتوفى سنة 250 هجري
https://www.facebook.com/share/p/1AhXXrF3Df/
– البخاري المتوفى سنة 256 هجري
ذكر ابن مندة في مسألة الايمان ان البخاري كان يصحب الكرابيسي وأنه أخذ مسألة اللفظ عنه.
وراجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/16mEoZDn5L/
– محمد بن نصر المروزي المتوفى سنة 294 هجري
راجع الرابط التالي
https://www.facebook.com/share/p/1Fbymm2mhZ/
وحتى بعض العلماء الذين يعظمهم المجسمة وافقوا الأشعرية في هذه المسألة منهم:
– أبو بكر بن خزيمة المتوفى سنة 311 هجري، جاء في ” سير أعلام النبلاء في ترجمته أنه قال : ” القرآن كلام الله تعالى ، وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه مخلوق ولا مفعول ولا محدث. فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع ، وأقول : لم يزل الله متكلما والكلام له صفة ذات. انتهـى
فابن خزيمة يعتبر أن القرآن الذي هو صفة ذات الله ليس مخلوقا و لا محدثا و من قال بخلاف ذلك أو زعم أن كلام الله من صفة الفعل – كقول المشبهة أنه يتكلم إذا شاء أو أنه يتكلم بقدرته- فهو جهمي ضال.
-أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ أَيُّوْبَ بنِ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المَعْرُوفُ: بِالصِّبْغِيِّ. المتوفى سنة 342 هـجري
جمع وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي الفِقْه، وَتمِيَّز فِي عِلْم الحَدِيْث.
قال البيهقي في الأسماء والصفات : “ثم إن أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أملى اعتقاده واعتقاد رفقائه على أبي بكر بن أبي عثمان ، وعرضه على محمد بن إسحاق بن خزيمة فاستصوبه محمد بن إسحاق وارتضاه واعترف فيما حكينا عنه بأنه إنما أتى ذلك من حيث إنه لم يحسن الكلام ، وكان فيما أملى من اعتقادهم فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن نسخة ذلك الكتاب : من زعم أن الله تعالى جل ذكره لم يتكلم إلا مرة ولا يتكلم إلا ما تكلم به ثم انقضى كلامه كفر بالله ، بل لم يزل الله متكلما ، ولا يزال متكلما ،…. وكان فيما كتب : القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه خلقا ولا مخلوقا ، ولا فعلا ولا مفعولا ، ولا محدثا ولا حدثا ولا أحداثا”. انتهـى
قال الحاشدي محقق كتاب البيهقي عن هذا الخبر: إسناده صحيح.
وقد نقله أيضا الذهبي في قصة طويلة وفيها أنه عُرض على ابن خزيمة العقيدة السابقة فأقرها.
– أبو عبد الله بن منده المتوفى سنة 395 هجري
قال في كتاب التوحيد، ما نصه: ” فَمِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَمَنَحَ خَلْقَهُ الكَلامُ فَالله عز وجل تَكَلَّمَ كَلامَاً أَزَلِيَّاً غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَلا مُنْقَطِعٍ، بهِ يَخْلِقُ الأَشْيَاءَ، وَبِكَلامِهِ دَلَّ عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي لا يَسْتَدْرِكُ كَيْفِيَّتَهَا – أي حقيقتها- مَخْلُوقٌ، وَلا يَبْلُغُهُا وَصْفُ وَاصِفٍ، وَالعَبْد مُتَكَلِّمٌ بِكَلامِ مُحْدَثٍ مُعَلِّمٍ مُخْتَلِفٍ فَانٍ بِفَنَائِهِ، وَوَصَفَ وَجْهَهُ، فَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} الآية، فَأَخْبَرَ عَنْ فَنَاءِ وُجُوهِ المَخْلُوقِ وَبَقَاءُ وَجْهِهِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالسَّمِيعِ وَالبَصِيرِ، فَقَالَ: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِيعٌ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ لِكُلِّ الأَصْوَاتِ، بَصِيرٌ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ لمْ يَزَلْ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَلا يَزَالَ كَذَلِكَ، وَوَصَفَ عِبَادَهُ بِالسَّمَعِ وَالبَصَرِ المُحْدِثِ المَخْلُوقِ الفَانِي بِفَنَائِهِ الَّتيِ تَكِلُّ وَتَعْجَزُ عَنْ جَمِيعِ حَقِيقَةِ المَسْمُوعِ وَالمُبْصَرِ”. انتهى
فابن منده قد فرّق بين كلام الله القديم وكلام العبد المحدث، بقوله أن كلام العبد محدث مختلف؛ ويؤكد أن كلام الله أزلي وليس فيه شيء محدث أو مخلوق، بخلاف ابن تيمية وأتباعه الذين يزعمون أن كلام الله قديم النوع حادث الأفراد، ويعنون أنه حروف وأصواتٌ مُحْدَثَةٌ في ذات الله تعالى وأنه أفعال اختيارية حادثة يحدثها في ذاته متى يشاء وأنها حوادث لا أول لها.
فابْن تَيميَّة مثلا قال في مجموع الفتاوى، عن القرآن الذي هو صفة قائمة بذات الله تعالى: “هُوَ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ [يعني في ذات الله تعالى] وهل يقال: أحدَثَهُ في ذاته؟ على قولين: أصحُّهما أنه يقال ذلك” انتهى
ملاحظة:
ابن عثيمين قال أن الكلام الذي في المصحف مخلوق
راجع آخر المقال التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1ZBjyfd11U/
روابط ذات علاقة:
الكلام اللفظي والنفسي
https://www.facebook.com/share/p/16fuPBQcSV/
سلسلة رد الطعون عن أبي حنيفة
اثبات صحة نسبة كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة
– قال ابو اليسر البَزدويُّ في كتابه اصول الدين ما نصه: وقد صنَّف أبو حنيفة رضي الله عنه في ذلك كتاب “الفقه الأكبر” وذكر فيه إثبات الصفات, وإثبات تقدير الخير والشر من الله, وأن ذلك كله بمشيئته … وصنَّف كتاب “العالِم والمتعلم”, و”الرسالة”. انتهى
– و جاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية لابن ابي الوفاء 1/461 ما نصه: قال الكَردَري – اي في المناقب – فإِن قلت: ليسَ لأبي حنيفة كتاب مُصَنَّف قلت: هذا كلام المعتزلة ودعواهم أَنه لَيس له فى علم الكلام تصنيف, وغرضهم بذلك نفيُ أَن يكون: “الفقه الأكبر”, وكتاب: “العَالِم والمتَعلِّم” لَهُ؛ لأنَّه صَرَّح فيه بأكثر قواعد أهل السّنة والجماعة, ودعواهم أَنه كَانَ من الْمُعْتَزلَة وَذَلِكَ الْكتاب لأبي حنيفَة البُخَارِيّ وَهَذَا غلطٌ صَرِيح؛ فَإِنِّي رَأَيت بِخَط العَلامَّة مَولَانَا شمس الملَّة والدِّين الكَردريِّ البزاتقنيِّ العمادي هذَينِ الكتابَينِ وكتب فيهما أنهما لأبي حنيفة, وقال: تواطأ على ذَلِك جمَاعَة كثيرة من المشايخ”. انتهى
ثم قال: “ولم يكن الإمام : قَدَرِيَّاً، ولا جَبْرِيَّاً، ولا مُرْجِيا، ولا معتزلياً؛ بل سُنِّيَّاً، حَنَفِيَّاً، وتابعه يكون حنفياً”. انتهى
– وقال صاحب كتاب”مفتاح السعادة ومصباح السيادة” ما نصه:”ما قيل في الفقه الأكبر من أنه ليس للإمام أبي حنيفة، فمن اختراعات المعتزلة، زعماً منهم أن أبا حنيفة على مذهبهم، والحقيقة أن”الفقه الأكبر”هو للإمام أبي حنيفة، لهذا نرى ترجيح نسبة هذا الكتاب لأبي حنيفة”. انتهى
-وقال أبو المظفَّر الإسفراييني في التبصير ما نصه:” فليُنظَر فيما صنَّفه أبو حنيفة رحمه الله في الكلام وهو كتاب “العالِم”, وفيه الحجج القاهرة على أهل الإلحاد والبدعة, وكتاب “الفقه الأكبر” الذي أخبرنا به الثقةُ بطرِيق مُعتَمد وَإسنادٍ صَحِيح عن نصير بن يحيى عَن أبي مُطِيع عَن أبي حنيفة”. انتهى
فلو قيل أن أسانيد كتاب الفقه الأكبر لا تثبت عن الإمام أبي حنيفة
– الإسناد الأول: رواية ابي بكر الكاساني عن العلاء السمرقندي عن ابي المعين النسفي عن الحسين بن علي ابي مالك الختلي عن علي بن احمد الفارسي عن نصير بن يحيى عن ابي مطيع عن ابي حنيفة.
و أبو مطيع البلخي ضعيف الحفظ لم يوثقه أحد في نقله للآثار.
-الإسناد الثاني: رواية محمد بن مقاتل عن عصام بن يوسف عن حماد بن أبي حنيفة عن أبي حنيفة.
ومحمد بن مقاتل الرازي قال الإمام البخاري عنه: ” لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أروي عن محمد بن مقاتل” كما في لسان الميزان لابن حجر.
وقال الذهبي: ” ضعيف” كما في المغني في الضعفاء.
وقال ابن حجر: ” ضعيف” كما في التقريب.
وجواب ذلك أن يقال أن سند كتاب الفقه الأكبر مروي بأكثر من طريق آخر:
السند الأول: يرويه الحافظ محمد مرتضى الزبيدي من طريق أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم الأنصاري عن أبي حنيفة – انظر الصورة الأولى-
السند الثاني يرويه: زكريا الأنصاري عن الحافظ بن حجر من طريق القاضي محمد بن الحسن الشيباني عن أبي حنيفة رضي الله عنه – انظر الصور 2 و 3-
ومن المحدثين المعاصرين الشيخ كفايت بخاري الحنفي، يرويه بسنده قراءة و سماعا عن العلامة السيد لعل شاه البخاري عن السيد حسين أحمد المدني
عن شيخ الهند محمود حسن الديوبندي عن الشيخ عبد الغني المجددي عن الإمام محمد إسحاق الدهلوي عن الإمام عبد العزيز الدهلوي عن أبيه الإمام ولي الله الدهلوي عن أبي طاهر الكردي عن أبيه إبراهيم بن حسن الكوراني،
و به إلى الشيخ عبد الغني المجددي عن محمد عابد السندي عن يوسف المزجاجي عن أبيه محمد المزجاجي عن إبراهيم الكوراني، و هوعن صفي الدين القشاشي عن أحمد الشناوي عن الشمس الرملي عن زكريا الانصاري
عن الحافظ ابن حجر عن محمد بن علي الحريري عن قوام الدين أمير كاتب الأتقاني عن برهان الدين البخاري عن حافظ الدين محمد البخاري عن شمس الدين الكردري عن بدر الدين الورسكي عن عبد الرحمن الكرماني عن أبي بكر الأرسانبدي عن أبي عبد الزوزني عن أبي زيد الدبوسي عن أبي حفص الاستروشني عن أبي علي الحسين النسفي عن أبي محمد عبد الله الحارثي
عن أبي حفص الصغير عن أبي حفص الكبير عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني عن الإمام أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي.
ملاحظة:
قال الامام ابو حنيفة في الفقه الأكبر: “وَله يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْوَجْه وَالْيَد وَالنَّفس فَهُوَ لَهُ صِفَات بِلَا كَيفَ وَلَا يُقَال إِن يَده قدرته اَوْ نعْمَته لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة وَهُوَ قَول أهل الْقدر والاعتزال وَلَكِن يَده صفته بِلَا كَيفَ وغضبه وَرضَاهُ صفتان من صِفَات الله تَعَالَى بِلَا كَيفَ”. انتهى
وهذا النص لا إشكال فيه؛ لأنه رد لقول المعتزلة في حصرهم تأويل اليد بالقدرة أو النعمة وليس المراد إبطال مطلق التأويل، فالتعليل يقيد الإطلاق وهو قوله: “لأن فيه إبطال الصفة” ثم نسبته للمعتزلة.
فهرسة رد الطعون في أبي حنيفة
كلام علاء الدين المرداوي الحنبلي عن الشيخين ابن كلاب والأشعري.
ذكر الفقيه الحنبلي علاء الدين المرداوي في كتابه التحبير شرح التحرير، ابن كلاب والأشعري ووصف كل واحد منهما بالإمام.
وابن كلاب هو من متكلمي السلف الذي قاموا بتفنيد شبه الدهرية والملاحدة وأهل البدع كالمعتزلة.
قال الصفدي عنه :” عبدالله بن سعيد الفقيه وعده بعضهم من كبار متكلمي أهل السنة لإثباته للأسماء والصفات على طريق المتكلمين “. انتهى
و قال الإمام الجويني : بأنه من أصحابنا.
وقال البغدادي: بأنه من قدماء أصحابنا، وذكر اسمه أحيانا مقرونا بالنعت. وقال عنه: قال شيخنا .
وقال ابن حجر في ترجمته، أحد المتكلمين في أيام المأمون . ووصفه الإسنوي بأنه من كبار المتكلمين ومن أهل السنة.
وقال عنه ابن حزم : شيخ قديم للأشعرية .
ويؤخذ مما تقدم: أن ابن كلاب من أئمة المتكلمين، ولكنه من المنتسبين إلى أهل السنة، ولم يجتمع لأحد قبله هذا الوصف
وهو كما الباحث فاروق أحمد الدسوقي: “أول متكلم ليس من الجهمية أو المعتزلة أو القدرية أو المرجئة أو الشيعة أو الخوارج” .
قال القاضي عياض : وإنما كانوا يعرفون – أي الأشاعرة قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، فبهذه السمة أولا كان يعرف أئمة الذب عن السنة من أهل الحديث كالمحاسبي، وابن كلاب وعبد العزيز بن عبد الملك الملكي “
وترجم له الزبيدي فقال: لا يخلو زمان من القائمين بنصرة الدين وإظهاره، وقد سبق الأشعري في ذلك الإمام عبدالله بن سعيد وله كتب قواعد وكتب أصحاب “.
وذكر ابن النديم وغيره أنه كانت له مع عباد بن سليمان وهو من رءوس المعتزلة مناظرات ، وبسبب هذه المناقشات والمناظرات القوية هاجمه ابن النديم ونسب إليه بعض أقوال شنيعة نقلها عن عباد بن سليمان، وادعى أن ابن كلاب كان يقول : أن كلام الله هو الله وكان عباد يقول:إنه نصراني بهذا القول . وقد رد بعض العلماء على ابن النديم وأنكروا ما نسبه إلى ابن كلاب كالسهيلي، وابن حجر، والزبيدي وغيرهم.
فابن كلاب كان ممثلا لأهل السنة في النقاش العقلي، فقابل المعتزلة وقطعهم مرارا في مسألة إثبات الصفات القديمة لله، وهذا ما سبب هجوم ابن عباد عليه، وجعل المعتزلة يفردون الأبواب المتعددة في كتبهم للهجوم على ابن كلاب والكلابية، ويحاولون ما وسعهم الجهد وصل فكرته في الصفات لفكرة الأقانيم .
ومما ظهر من ذلك كتاب المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار، إذ أورد فيه بابا بعنوان: باب الرد على الكلابية وغيرهم، حاول فيه نقض أصلهم في الكلام، كما خصص فصلا كاملا في كتابه: (المغني) بعنوان: «فصل في الرد على الكلابية في إبطال قولهم أنه تعالى متكلم لم يزل بكلام مخالف لكلامنا، ثم اتبعه بفصل آخر باسم: فصل في إبطال قولهم أن كلام الله سبحانه وتعالى لا يوصف، ولا يقال فيه إنه غيره وما يتصل بذلك .
العلماء الذين وافقوا الكرابيسي في مسألة اللفظ
مسألة اللفظ و أنه مخلوق لم يتفرد بها الحسين الكرابيسي فقط من أئمة أهل السنة, بل نُقل ذلك عن العديد من العلماء كالإمام أبي حنيفة و الإمام البخاري و الإمام مسلم و محمد بن نصر المروزي و الحارث المحاسبي و البويطي و ابن كلاب وغيرهم.
أ- الإمام أبو حنيفة:
قال الإمام أبو حنيفة في “الفقه الأكبر”: ” يتكلم لا ككلامنا, و يسمع لا كسمعنا, نحن نتكلم بالآلات و الحروف و الله تعالى يتكلم بلا حروف و لا آلة, و الحروف مخلوقة وكلام الله غير مخلوق”. انتهى
وقال في الفقه الأكبر: والقرآن في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزَّل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، وكتابتنا له مخلوقة، وقراءتنا له مخلوقة، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن – حكاية عن موسى عليه السلام وغيره، وعن فرعون وإبليس فإن ذلك كلام الله، إخبارًا عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوقٌ، والقرآنُ كلامُ الله لا كلامُهم، وسمع موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله، فلما كلمه كلمه بكلامه الذي هو من صفاته ولم يزل به قائماً، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، فهو يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا”. انتهى
وهذا النص موجود أيضا في شرح الفقه الأكبر للملا علي القاري وذكره المجسم ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية و الوهابي عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في أشرطة دروس في العقيدة الشريط السابع عشر وقال عقبه: ” انتهى كلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وهو كلام عظيم”.
ونقل الكوثري في تأنيب الخطيب عن أبي حنيفة أنه قال في القرآن: “ما قام بالله غير مخلوق وما قام بالخلق مخلوق”. انتهى
ب- الإمام البخاري:
– جاء في تهذيب التهذيب: “وذكر بن مندة في مسألة الإيمان أن البخاري كان يصحب الكرابيسي وأنه أخذ مسألة اللفظ عنه”. انتهى
-وقال التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 2/ 12/ 13 – تحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي- ما نصه: “وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناء على معتقدهم، وهم المخطئون، والمجروح مصيب. قلت، ومن أمثلة ما قدمنا، قول بعضهم في البخاري : تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ. فيالله والمسلمين، أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك، وهو حامل لواء الصناعة، ومقدم أهل السنة والجماعة. ثم يا ألله والمسلمين، أتجعل ممادحه مذام؟ فإن الحق في مسالة اللفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفظه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى”. انتهى
– و قال الحافظ ابن كثير في طبقات الفقهاء الشافعيين 1/133 في ترجمة الكرابيسي ما نصه: ” الذي رأيت عنه أنه قال كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي بالقرآن مخلوق , ومن لم يقلْ : إن لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر . وهذا هو المنقول عن البخاري وداود بن على الظاهري , وكان الإمام أحمد يشدد في هذا البابَ لأجل حسم مادة القول بخلق القرآن” انتهى
– و قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح 1/293: “البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيـد وأمثالهـما، وأما المسائـل الكلامية فأكثرها من الكرابيـسي وابن كُـلاَّب ونحـوهما” انتهى
وأما دعوى ان البخاري قال : “من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقله”، فهذا غير ثابت عنه، فقد روي هذا عن البخاري من طريق خلف الخيام وهو ضعيف جدا كما أقر بذلك الجديع في العقيدة السلفية.
ج- محمد بن نصر المروزي
قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية 2/118-119: “ومقالة الحسين هذه قد نقل مثلها عن البخاري والحارث بن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المَرْوَزي وغيرهم”. انتهى
د- الإمام مسلم:
– قال الذهبي في السير في ترجمة الإمام مسلم 12-572 “كان مسلم بن الحجاج يُظهر القول في اللفظ ولا يكتمه وتابعه علي نحلته داود بن علي الأصبهاني وعبد الله بن سعيد بن كلاب وغيرهما”. انتهى
هـ – الحارث المحاسبي و البويطي و ابن كلاب
– قال شيخ المجسمة ابن تيمية في كتاب الفتاوى: “ولهذا عامة كلام أحمد إنما هو يجهم اللفظية لا يكاد يطلق القول بتكفيرهم كما يطلقه بتكفير المخلوقية وقد نسب إلى هذا القول غير واحد من المعروفين بالسنة والحديث كالحسين الكرابيسي ونعيم ابن حماد الخزاعي والبويطي والحارث المحاسبي ومن الناس من نسب إليه البخاري”. انتهى
عقيدة أصبغ المالكي المتوفى سنة 225 هجري في اللفظ المنزل
هو مفتي الديار المصرية في زمانه أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع المصري، أبو عبد الله الأموي المالكي، فقيه من كبار المالكية.
كان مولده بعد سنة 150 هجري، وهو من ولد عبيد المسجد، كان بنو أمية يشترون للمسجد عبيدا، يقومون على خدمة المسجد، وأصبغ من أولاد أولئك العبيد.
قال ابن معين: كان من أعلم خلق الله برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة متى قالها مالك، ومن خالفه فيها.
روى عن عبد العزيز الدراوردي، وعبد الله بن وهب، وأشهب، وابن سمعان، وأسامة بن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد، و عبد الله بن وهب، وابن القاسم، وغيرهم .
روى عنه: الذهلي، والبخاري، والترمذي، وأحمد بن الحسن الترمذي، وأبو الدرداء، عبد العزيز بن منيب المروزي، وبكر بن سهل الدمياطي، و يحيى بن معين، وابن وضاح، وآخرون كثر.
ذكر أبو العباس السرقسطي المتوفى سنة 392 هجري في كتاب التسمية والحكايات أن أصبغ كان يقول بخلق اللفظ، ويفتي بعدم قبول شهادة من يقول بعدم خلقه، ونص عبارته: لا أقبل شهادة من يقول “لفظي بالقرآن غير مخلوق”.
وهذه المسألة تدل دلالة واضحة على أمور منها:
– ان الحشوية المعاصرة تدلس على المسلمين عندما تدعي أن أهل الحديث على عقيدة واحدة.
– أصبغ وافق أبا حنيفة وأهل السنة عامة في القول بأن اللفظ المنزل مخلوق، ولم يهجره عامة أهل الحديث كالذهلي والبخاري ويحي بن معين وغيرهم.
– أصبغ وافق أيضا الإمام أحمد، حيث نقل ابن كثير في البداية والنهاية عن البيهقي أنه قال: “وفيها حكى أبو عمارة وأبو جعفر، أخبرنا أحمد شيخنا السراج، عن أحمد بن حنبل، أنه قال: اللفظ محدث”. انتهى
ملاحظة: القرآن إذا أريد به اللفظ المنزل و النظم المُحدَث، فهو لا شك مخلوق، وإذا أريد به الصفة، أي الكلام القائم بذاته تعالى فهو غير مخلوق.
رابط ذو علاقة:
كلام الله النفسي:
https://www.facebook.com/share/p/1Bxw73ex6N/
ثبوت قول البخاري “لفظي بالقرآن مخلوق” وبطلان ما روي عنه مما يخالف ذلك
لقد ثبت عن البخاري قوله “لفظي بالقرآن مخلوق”، وكان ذلك سبب هجر الذهلي له وتحريضه الناس عليه وترك الرواية عنه.
ففي كتاب “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم الرازي وهو معاصر للبخاري، قال: “محمد بن إسماعيل البخاري أبو عبد الله، قدم عليهم الري سنة مائتين وخمسين، روى عن عبدان المروزي وأبى همام الصلت بن محمد والفريابي وابن أبي أويس سمع منه أبي وأبو زرعة ثم تركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى النيسابوري أنه أظهر عندهم أن لفظه بالقرآن مخلوق”. انتهى
قال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لكتاب “سير أعلام النبلاء” معلقاً على ما أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: “هذا عجيب من أبي زرعة وأبي حاتم، فإنهما قد وثقا مسلما، وأثنيا عليه، مع أنه يقول بمقالة شيخه البخاري في مسألة اللفظ، ولا يمكن أن يسوغ صنيعهما هذا إلا بحمله على العصبية والهوى والحسد”. انتهى
وهذا يدلنا على أن مسلماً أيضاً يقول بمقالة البخاري أي “لفظي بالقرآن مخلوق” وقد نص على ذلك الذهبي صراحة فقال في “سير النبلاء” : “كان مسلم بن الحجاج يُظهر القول باللفظ ولا يكتمه”. انتهى
و قال الحافظ ابن عبد البر في كتابه “الانتقاء” في ترجمة الإمام الحافظ الكَرَابيسي ما نصه: ” وكان الكرابيسي، وعبدالله بن كُلاَّب، وأبو ثور، وداود بن علي، والبخاري، والحارث بن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المروزي، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلّم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسبٌ له وفعلٌ له وذلك مخلوق”. انتهى
وذكر ابن مندة في مسألة الايمان ان البخاري كان يصحب الكرابيسي وأنه أخذ مسألة اللفظ عنه. نقله الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب.
وقال التاج السبكي في طبقاته: ” لقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه، رواها حاتم بن أحمد بن الكندي قال سمعت مسلم بن الحجاج فذكر الحكاية وفيها أن رجلا قام إلى البخاري فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا”. انتهى
لكن زعم بعضهم أن البخاري أنكر أنه قال تلك العبارة، وذكروا في ذلك مقالات مكذوبة عن البخاري منها:
أ- ما نقله الذهبي في السير، ونصه: «وأما البخاري، فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله، غير مخلوق». انتهى
وهذه الرواية منقطعة السند، وكل عاقل يعلم أن التلفظ بالقرٱن هو من جملة حركات العباد، وأصواتهم وأفعالهم المخلوقة.
ب- ما نقله ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة، أن البخاري قال: «القرآن من أوله إلى آخره: كلام الله، ليس شئ منه مخلوق. ومن قال: إنه مخلوق، أو شئ منه مخلوق: فهو كافر. ومن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق: فهو جهمى كافر». انتهى
وهذه الرواية منقطعة السند أيضا
ج- ما نقله ابن الجوزي في المنتظم، قال: “أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال أخبرنا الخطيب أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا الحسن بن محمد الأشقر قال : أخبرنا محمد بن أبي بكر البخاري الحافظ قال : حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ قال سمعت بكر بن المنير يقول: ……كان البخاري قد قَالَ: أفعال العباد مخلوقة. فقلت له: قد قلت لفظي بالقرآن مخلوق. فقال: أنا لا أقول هذا، وإنما أقول أفعال العباد مخلوقة”. انتهى
وهذه الرواية فيها بكر بن منير البخاري، وهو مجهول الحال.
د- ما نقله الخطيب البغدادي في تاريخه، وهي قوله: “قال أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل ، قال : سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول : كنا يوما عند أبي إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي ، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فقال محمد بن نصر : سمعته يقول : من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله”. انتهى
كما رواها اللالكائي في “شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة” فقال: “وأخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال : ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال : ثنا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل قال : سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول : كنا يوما عند أبي إسحاق القرشي ومعنا محمد بن نصر المروزي , فجرى ذكر محمد بن إسماعيل , فقال محمد بن نصر : سمعته يقول : من زعم أني قلت : لفظي بالقرآن مخلوق , فهو كذاب , فإنى لم أقله . فقلت له : يا أبا عبد الله فقد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه . فقال : ليس إلا ما أقول وأحكي لك عنه . قال أبو عمرو الخفاف : فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه فقلت له : يا أبا عبد الله هاهنا رجل يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة . فقال لي : يا أبا عمرو احفظ ما أقول : من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت : لفظي بالقرآن مخلوق , فهو كذاب , فإنى لم أقل هذه المقالة , إلا أني قلت : أفعال العباد مخلوقة”. انتهى
ورواها الذهبي في سيره فقال: «وقد قال البخاري في الحكاية التي رواها غنجار في (تاريخه) حدثنا خلف بن محمد بن إسماعيل، سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف ببخارى يقول: كنا يوما عند أبي إسحاق القيسي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله». انتهى
وهذه قصة مكذوبة لأن في سندها: أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل، وهو ساقط الرواية عند أهل الحديث لا يعول عليه.
قال الحافظ ابن حجر في “لسان الميزان” : “خلف بن محمد الخيام البخاري أبو صالح مشهور أكثر عنه ابن مندة، قال الحاكم: سقط حديثه برواية حديث نهى عن الوقاع قبل الملاعبة. وقال أبو يعلى الخليلي: خلّط وهو ضعيف جداً روى متوناً لا تعرف، … فسمعت الحاكم عقبه يقول خذل خلف بهذا وبغيره، وسمعت الحاكم وابن أبي زرعة يقولان: كتبنا عنه الكثير ونبرأ من عهدته وإنما كتبتا عنه للاعتبار”. انتهى
وكذا قال الحافظ الخليلي في كتابه “الإرشاد”
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: “تكلّم فيه أبو سعيد الإدريسي ولينه”. انتهى
وقال ابن عراق في “تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة”، ما نصه: “خلف بن محمد بن إسماعيل أبو صالح البخارى الخيام، اتهمه ابن الجوزى بوضع حديث”. انتهى.
و قال مدعي الحديث الألباني في “ضعيفته” : “لكن في أحد الطريقين خلف بن محمد بن إسماعيل, وهو ساقط الحديث”. انتهى
وبذلك سقط الاحتجاج بهذه الرواية المكذوبة
وقد اعترف ابن تيمية الحَرَّاني بثبوت تلك المقالة عن البخاري ومسلم فقال في “درء التعارض”، ما نصه: “وحصل بين البخاري وبين محمد بن يحيى الذهلي في ذلك ما هو معروف، وصار قوم مع البخاري كمسلم بن الحجاج نحوه، وقوم عليه كأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين وغيرهما، وكل هؤلاء من أهل العلم والسنة والحديث وهم من أصحاب أحمد بن حنبل ولهذا قال ابن قتيبة : إن أهل السنة لم يختلفوا في شيء من أقوالهم إلا في مسألة اللفظ”. انتهى
ولكن هذا المتناقض الحراني ينقل أشياء في مواضع من كتبه وينقضها في مواضع أخرى، حيث قال في مجموع الفتاوى: «بَعْضُ أَهْلِ الْغَرَضِ نَسَبَ الْبُخَارِيَّ إلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَرَضِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ عَنِّي أَنِّي قُلْت لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَذَبَ». انتهى
و قال أيضا: “افْتَرَى بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْبُخَارِيِّ الْإِمَامِ صَاحِبِ ” الصَّحِيحِ ” أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَجَعَلُوهُ مِنْ ” اللَّفْظِيَّةِ “. انتهى
وقد حاول بعض أهل السنة التوفيق بين أقوال البخاري في اثبات قوله “لفظي بالقرٱن مخلوق” وانكاره لهذه العبارة.
– قال الحافظ ابن حجر في الفتح : قال الكرماني هذه الأحاديث تدل على أن العمل منسوب إلى العبد لان معنى الكسب اعتبار الجهتين فيستفاد المطلوب منها ولعل غرض البخاري في تكثير هذا النوع في الباب وغيره بيان جواز ما نقل عنه أنه قال لفظي بالقرآن مخلوق ان صح عنه. قلت: قد صح عنه انه تبرأ من هذا الاطلاق فقال كل من نقل عني اني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي وانما قلت أفعال العباد مخلوقة أخرج ذلك غنجار في ترجمة البخاري من تاريخ بخارا بسند صحيح إلى محمد بن نصر المروزي الامام المشهور انه سمع البخاري يقول ذلك ومن طريق أبي عمر وأحمد بن نصر النيسابوري الخفاف انه سمع البخاري يقول ذلك”. انتهى
فالحافظ ابن حجر قد صحح رواية انكار البخاري اطلاق القول “لفظي بالقرٱن مخلوق” ولكنه نقل في مقدمة الفتح ما نصه: ” فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل، فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا”. انتهى
أي ان الحافظ أنكر العبارة وأقر بصحة معناها.
وقد بين شيخ الوهابية ابن باز هذه المسألة في موقعه جوابا عن سؤال: “هل قال البخاري رحمه الله بأن القرآن ليس مخلوقًا وهو كلام الله، ولكن التلفظ به مخلوق؟”، فقال ما نصه: “إذا قال: صوتي مخلوق، أما القرآن فهو كلام الله، وأوضح الأمر فلا حرج، إذا وضح أن مراده صوته، ولهذا كره إطلاق هذه الكلمة بعض أهل العلم: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأنه يوهم، وبعضهم أجاز ذلك على نية الصوت.
أما المتلفظ به وهو القرآن فهو كلام الله منزل غير مخلوق، ولكن المتكلم بهذا يوضح”. انتهى
راجع الرابط التالي الذي قيل فيه:
https://binbaz.org.sa/…/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%B9%D8%A8…
و قال التاج السبكي في طبقاته:
“وقال محمد بن يحيى الذهلى من زعم أن لفظى بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلم ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر. وإنما أراد محمد بن يحيى والعلم عند الله ما أراده أحمد بن حنبل كما قدمناه فى ترجمة الكرابيسي من النهي عن الخوض فى هذا ولم يُرد مخالفة البخاري. وإنْ خالفه وزعم أن لفظه الخارج من بين شفتيه المحدثتين قديم فقد باء بأمر عظيم، والظن به خلاف ذلك وإنما أراد هو وأحمد وغيرهما من الأئمة النهى عن الخوض فى مسائل الكلام. وكلام البخاري عندنا محمول على ذكر ذلك عند الاحتياج إليه فالكلام في الكلام عند الاحتياج واجب والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنة.
فافهم ذلك ودع خرافات المؤرخين واضرب صفحا عن تمويهات الضالين الذين يظنون أنهم محدثون وأنهم عند السنة واقفون وهم عنها مبعدون وكيف يُظن بالبخارى أنه يذهب إلى شيء من أقوال المعتزلة وقد صح عنه فيما رواه الفربري وغيره أنه قال إنى لأستجهل من لا يكفر الجهمية
ولا يرتاب المنصف فى أن محمد بن يحيى الذهلى لحقته آفة الحسد التى لم يسلم منها إلا أهل العصمة
وقد سأل بعضهم البخاري عما بينه وبين محمد بن يحيى فقال البخارى كم يعترى محمد بن يحيى الحسد فى العلم والعلم رزق الله يعطيه من يشاء
ولقد ظرف البخارى وأبان عن عظيم ذكائه حيث قال وقد قال له أبو عمرو الخفاف إن الناس خاضوا فى قولك لفظي بالقرآن مخلوق. يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك من زعم من أهل نيسابور وقومس والرى وهمذان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أنى قلت أفعال العباد مخلوقة.
قلت: تأمل كلامه ما أذكاه ومعناه والعلم عند الله إني لم أقل لفظي بالقرآن مخلوق لأن الكلام فى هذا خوض فى مسائل الكلام وصفات الله التى لا ينبغى الخوض فيها إلا للضرورة ولكني قلت أفعال العباد مخلوقة وهى قاعدة مغنية عن تخصيص هذه المسألة بالذكر فإن كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة فألفاظنا مخلوقة.
لقد أفصح بهذا المعنى فى رواية أخرى صحيحة عنه رواها حاتم بن أحمد بن الكندي قال سمعت مسلم بن الحجاج فذكر الحكاية وفيها أن رجلا قام إلى البخارى فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا.
وفى الحكاية أنه وقع بين القوم إذ ذاك اختلاف على البخارى فقال بعضهم قال لفظى بالقرآن مخلوق وقال آخرون لم يقل
قلت فلم يكن الإنكار إلا على من يتكلم فى القرآن
فالحاصل ما قدمناه فى ترجمة الكرابيسى من أن أحمد ابن حنبل وغيره من السادات الموفقين نهوا عن الكلام فى القرآن جملة وإن لم يخالفوا فى مسألة اللفظ فيما نظنه فيهم إجلالا لهم وفهما من كلامهم فى غير رواية ورفعا لمحلهم عن قول لا يشهد له معقول ولا منقول ومن أن الكرابيسى والبخارى وغيرهما من الأئمة الموفقين أيضا أفصحوا بأن لفظهم مخلوق لما احتاجوا إلى الإفصاح هذا إن ثبت عنهم الإفصاح بهذا وإلا فقد نقلنا لك قول البخارى أن من نقل عنه هذا فقد كذب عليه”. انتهى
فالبخاريُّ على مذهب أهل الحق الأشعريّين، كما قرُره أبو العباس القرطبي في كتابه في ترجمة البخاري




محمد بن نصر المروزي المتوفى سنة 294 هجري والقول بأن التلفظ بالقرٱن مخلوق
قال الذهبي في السير في ترجمة محمد بن نصر، ما نصه:” ابن الحجاج المروزي الإمام ، شيخ الإسلام أبو عبد الله الحافظ . مولده ببغداد في سنة اثنتين ومائتين ومنشؤه بنيسابور ، ومسكنه سمرقند . كان أبوه مروزيا ، ولم يرفع لنا في نسبه .
ذكره الحاكم فقال : إمام عصره بلا مدافعة في الحديث .
سمع بخراسان من يحيى بن يحيى التميمي ، وأبي خالد يزيد بن صالح ، وعمرو بن زرارة ، وصدقة بن الفضل المروزي ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن حجر . وبالري : محمد بن مهران الجمال ، ومحمد بن مقاتل ،ومحمد بن حميد ، وطائفة . وببغداد : محمد بن بكار بن الريان ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، والطبقة . وبالبصرة : شيبان بن فروخ ، وهدبة بن خالد ، وعبد الواحد بن غياث ، وعدة . وبالكوفة : محمد بن عبد الله بن نمير ، وهنادا ، وابن أبي شيبة ، وطائفة . وبالمدينة : أبا مصعب ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وطائفة . وبالشام : هشام بن عمار ، ودحيما .
قلت : وبمصر من يونس الصدفي ، والربيع المرادي ، وأبي إسماعيل المزني ، وأخذ عنه كتب الشافعي ضبطا وتفقها ، وكتب الكثير ، وبرع في علوم الإسلام ، وكان إماما مجتهدا علامة ، من أعلم أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين ، قل أن ترى العيون مثله .
قال أبو بكر الخطيب حدث عن عبدان بن عثمان . ثم سمى جماعة ، وقال : كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام .
قلت : يقال : إنه كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق ” . انتهى
وقال الذهبي: ” قال أبو بكر الصيرفي من الشافعية : لو لم يصنف ابن نصر إلا كتاب : ” القسامة ” لكان من أفقه الناس” . انتهى
وقال : ” قال عبد الله بن محمد الإسفراييني : سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : كان محمد بن نصر بمصر إماما . فكيف بخراسان ؟”. انتهى
وقال : ” وقال القاضي محمد بن محمد : كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون : رجال خراسان أربعة : ابن المبارك ، وابن راهويه ، ويحيى بن يحيى ، ومحمد بن نصر” . انتهى
وقال الذهبي: “قال الحافظ السليماني : محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء”. انتهى
كان رحمه الله منزها لله عن سمات التشبيه والتجسيم، فقد قال في كتاب ” تعظيم قدر الصلاة” فيما نقله الحافظ ابن حجر في النكت الظراف”، في معرض كلامه عن حديث : “أتاني ربي في أحسن صورة”، ما نصه: “هذا حديث اضطرب الرواةُ في إسناده، وليس يثبت عن أهل المعرفة”. انتهى
ومحمد بن نصر المروزي هو في حكم الجهمية الكفرة عند الوهابية وطائفة الحدادية.
فقد نقل الحافظ الذهبي في تاريخ الاسلام و في السير عن أبي عبد الله بن مندة في مسألة الإيمان أنه قال : “صرح محمد بن نصر في كتاب ” الإيمان ” بأن الإيمان مخلوق ، وأن الإقرار ، والشهادة ، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق ، ثم قال : وهجره على ذلك علماء وقته ، وخالفه أئمة خراسان والعراق” . انتهى
والعجب كيف يقال هجره علماء وقته وخالفه أئمة خراسان والعراق، وقد روى عن ابن نصر الأئمة الأعلام ومنهم:
1. محمد بن المنذر
2. ابن خزيمة
3. أبو عوانة صاحب المستخرج
4. أبو العباس بن سراج
5. محمد بن يوسف الشيباني حافظ النيسابور صاحب المسخرج على الصحيحين
6. أبو حامد بن الشرقي.
7. أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم .
8. محمد بن إسحاق السمرقندي.
وتمام كلام ابن مندة في كتاب الإيمان: ” قال محمد بن نصر: “الإِيمَانُ هَاهُنَا عِبَادَةُ العَابِدِينَ للَّهِ، قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: “وَمَا أُمِرُوا إلاَّ ليَعبُدُوا اللَّهَ مُخلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلكَ دَينُ القَيِّمَةِ” – البينة: 5- وَقَال: “فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلصًا لهُ الدِّينَ” – الزمر: 2-، فَالمُؤمِنُ هُوَ العَابِدُ للَّهِ، وَالعِبَادَةُ للَّهِ هُوَ فِعلُهُ، وَهُوَ الإِيمَانُ، وَالخَالقُ هُوَ المَعبُودُ الَّذِي خَلقَ المُؤمِنَ، وَعِبَادَتَهُ وَكُلُّ شَيءٍ مِنهُ فَالخَالقُ بِصِفَاتِهِ الكَامِلةِ خَالقٌ غَيرُ مَخلُوقٍ، وَلا شَيءَ مِنهُ مَخلُوقٌ، وَالعِبَادُ بِصَفَاتِهِم وَأَفعَالهِم وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُم مَخلُوقونَ. وقال عَزَّ وَجَلَّ: “إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإِيمَانِ” – آل عمران: 193- ، قَال بَعضُ أَهل التَّأوِيل: يَعنِي القُرآنَ، قَال: وَإِنَّمَا أَرادَ أَنَّ المُنَادِي، هُوَ القُرآنُ ليسَ يَعنِي أَنَّ الإِيمَانَ هُوَ القُرآنُ يَعنُونَ أَنَّهُم سَمِعُوا القُرآنَ يَدعُو إِلى الإِيمَانِ، فَآمَنَّا فَاللهُ هُوَ الدَّاعِي إِلى الإِيمَانِ بِكَلامِهِ، وَهُوَ القُرآنُ فَاللهُ الخَالقُ، وَكَلامُهُ صِفَةٌ لهُ دَعَا النَّاسَ بِكَلامِهِ إِلى الإِيمَانِ أَي دَعَاهُم إِلى أَن يُؤمِنُوا بِرَبِّهِم، فَهَذَا تَأوِيلُ مَا تَقَدَّمَ، لأَنَّ مَذهَبَ أَهل العِلمِ أَنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنقُصُ”. انتهى
كلام الله عز وجل
ورد بعض شبه المجسمة
1- القول في كلام الله عز وجل عند أهل السنة
كلام الله سبحانه وتعالى القائم بذاته واحد لا تعدد فيه ولا يوصف بالتجزء ولا بالتركيب و لا يتعلق بمشيئته عز وجل، فلا يقال عن صفة الكلام أنها قديمة الجنس حادثة الأفراد كما يزعم الحشوية والمجسمة.
بل هو متكلم عز وجل بكلام أزلي لا يوصف بالحرف أو الصوت أو اللغة او التعاقب أو الابتداء أو الانتهاء، أو التفاضل، ولا يوصف بالتعدّد ولا بالتكثّر، إذ لا يفهم التكثّر إلاّ بالتركيب و كلامه تعالى غير مركّب. وهذا اعتقاد عامة أهل السنة والجماعة.
وهذا الأصل ذكره الإمام أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة 150 هـجري في كتابه الفقه الأكبر، حيث قال : «ويتكلم لا ككلامنا ويسمع لا كسمعنا ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق». انتهى
وقد قرره لاحقا عبد الله بن كلاب المتوفى سنة 241 هـجري، حيث قال: ” وإن الكلام ليس بحرف ولا صوت، ولا ينقسم، ولا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يتغاير وإنه معنى واحد بالله تعالى”. انتهى
وأقره أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري.
قال ابن عبد البرّ في التمهيد : القُرْآنَ عِنْدَنَا كَلَامُ اللَّهِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا يَدْخُلُ التَّفَاضُلُ فِي صِفَاتِهِ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي المَفْضُولِ مِنْهَا. انتهى
وهذا أيضا رأي بعض كبار الحنابلة و فضلائهم، فقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ” وسلك طريقة ابن كُلاب في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة و الصفات الاختيارية وأن الرب يقوم به الأول دون الثاني-كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتميميين أبي الحسن التميمي، وابنه أبي الفضل التميمي، وابن ابنه رزق الله التميمي، وعلى عقيدة الفضل ـ التي ذكر أنها عقيدة أحمد ـ اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد من الاعتقاد”. انتهى
و قد نقل الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، الملقب بابن القطان الاجماع على ما تقدم في كتابه الاقناع في مسائل الاجماع فقال: ” كلام الله باقٍ، وكلام غيره عرض لا يبقى. وأجمعوا على أن كلام الله عز وجل ليس بحروف ولا أصوات”. انتهى
وقال: “واتفق العقلاء على استحالة بقاء الأصوات مع اختلافهم في بقاء سائر الأعراض، فلا يتقرر إثبات صوت قديم أصلاً. واتفق أهل الحق على قدم كلام الله تعالى. واتفقت الأمة على وحدانيته تعالى، فلو قامت به أصوات متضادة لكان ذلك اجتماع المتضادات في الموجود الواحد. وجميع المسلمين سائرون إلى وجوب العلم بأن القرآن كلام الله تعالى. واتفق المسلمون أن القرآن من كلام الله. وأجمع أهل الحق والسنة والجماعة أن أمره الذي هو قوله وكلامه غيرمحدث ولا مخلوق”. انتهى
بل قال الحافظ أبو بكر بن سابق الصقلي المالكي في كتابه ” مسألة الشارع في القرءان”: و قد أجمع اهل السنة و سائر اهل البدع من الخوارج و القدرية على اختلاف مذاهبهم على انه لا يجوز ان يكون بذات الله كلام هو حروف و أصوات و على أن من قال إن كلام الله الموجود بذاته حروف و أصوات فهو كافر.” انتهى
2- الفرق بين صفة الكلام القائمة بذات الله واللفظ المنزل:
إن أهل السنة و بعض كبار المحدثين و الحنابلة يفرقون بين كلام الله الأزلي ويقولون عنه غير مخلوق، وبين اللفظ المنزل المكتوب بين دفتي المصحف.
فهذا هشام بن عبيد الله الرازي، الذي ترجم له الذهبي بقوله: “هشام بن عبيد الله الرازي السني، الفقيه، أحد أئمة السنة”، قال: “القرآن كلام الله غير مخلوق. فقال له رجل أليس الله يقول ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، فقال محدث إلينا وليس عند الله بمحدث”. انتهى
ونقله الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فقال: “وأخرج بن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية فقال له هشام: محدث إلينا محدث إلى العباد وعن احمد بن إبراهيم الدورقي نحوه”. انتهى
ونقل ابن كثير في البداية والنهاية، عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل مثل ذلك، فقال : “ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى: “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون” -الأنبياء: 2- . قال: يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث، لا الذكر نفسه هو المحدث”. انتهى
وهذا عينه كلام أهل السنة من الأشعرية، فهم يفرقون بين الكلام الأزلي القائم بذاته تعالى وبين اللفظ المنزل، و جميعه يقال له كلام الله.
لكن المجسمة يقومون بالتشنيع على الأشعرية في هذه المسألة، لأنه لا يعجبهم هذا التفصيل، وقد بين عوار كلامهم الشيخ عبد الله بن عودة بن عبد الله صوفان القدومي الحنبلي، حيث قال في “المنهج الأحمد في درء المثالب التي تنمى لمذهب الإمام أحمد” ما نصه: ” وأمّا من قال إن كلام الله تعالى معنى قديم قائم بذاته تعالى ، مُعبّر عنه بالعبارات التي نقرأها ونكتبها ونحفظها ، وهو قديم ، فليس من الكفر في شيء”. انتهى
وبعض هؤلاء المجسمة يزعمون أن الأشعرية يقولون أن القرٱن ليس كلام الله، بل هو كلام جبريل، وقد نقض قولهم ابن تيمية في مجموع الفتاوى فقال: “ويظن أن هذا قول الأشعري بناء على أن الكلام العربي لم يتكلم الله به عنده, وإنما كلامه معنى واحد قائم بذات الرب هو الأمر والخبر إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا , وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة, وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا , وهذا القول وإن كان قول ابن كلاب والقلانسي والأشعري ونحوهم فلم يقولوا إن الكلام العربي كلام جبريل، ومن حكا هذا عن الأشعري نفسه فهو مجازف”. انتهى
3- منع القول بأن كلام الله الذي هو صفة ذاته محدث، متعلق بمشيئته
القول بأن كلام الله مُحدث أو أنه يتعلق بمشيئته منعه علماء أهل السنة و أئمة الحديث:
– قال أبو بكر بن خزيمة: «القرآن كلام الله تعالى، وصفة من صفات ذاته، ليس شيء من كلامه مخلوقا ولامفعولا ولامحدَثا، فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدَث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل فهو جهمي ضال مبتدع، وأقول : لم يزل الله متكلِّماً، والكلام له صفة ذاتٍ”. انتهى
نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء.
– وقال الامام المجتهد ابو ثور ابراهيم بن خالد: من قال إن كلام الله – اي القائم به- سبحانه مخلوق فقد كفر وزعم ان الله عز و جل حدث فيه شىء لم يكن. انتهى رواه اللالكائي في الفصل المعقود لذكر اعتقاد ابي ثور
وهذا الأصل موافق لما جاء في مسائل ابن هانئ، حيث نقل عن الإمام أحمد أنه قال: “القرآن عِلمٌ من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر”. انتهى
فكما أن العلم قائم بذاته تعالى أزلي غير مخلوق و لا حادث، فالكلام أيضًا قائم بذاته، غير مخلوق و لا حادث. فلو تعلق كلامه تعالى بإرادته كما تزعم الكرامية لكان حادثا.
-قال أبو علي الهاشمي الحنبلي: “والقرآن كلام الله تعالى , وصفة من صفات ذاته, غير مخلوق ولا محدث”. انتهى نقله ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة.
وزعم بعض المشبهة أن كلام الله قديم النوع حادث الأفراد، وهي من أشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ولازم قوله أن كلامه القائم بذاته، بعضه أفضل من بعض.
وقد التزم ابن تيمية ذلك حتى قال بتفاضل صفات رب العالمين القائمة بذاته، ونص عبارته كما في مجموع الفتاوى: “الصفات تتفاضل من وجهين : أحدهما: أن بعض الصفات أفضل من بعض، وأدخل في كل الموصوف بها…..”. انتهى
فجعل القديم يتفاضل و يتمايز وبعضه أكمل من بعض، وهو من حيث لا يشعر قد هدم قاعدته: “القول في بعض صفات الله تعالى كالقول في البعض الآخر”
فلو كانت الصفات تتمايز فكيف يكون القول في بعضها كالقول في البعض الٱخر؟
وقد برأ الله أهل السنة الأشعرية من مثل هذه اللوازم الفاسدة باعتراف ابن تيمية نفسه حيث قال في مجموع الفتاوى: “وأما نقل هذا القول عن الأشعري وموافقيه فغلط عليهم؛ إذ كلام الله عندهم ليس له كل و لا بعض و لا يجوز أن يقال هل يفضل بعضه بعضا أو لا يفضل فامتناع التفاضل فيه عنده كامتناع التماثل , ولا يجوز أن يقال أنه متماثل ولا متفاضل إذ ذلك لا يكون إلا بين شيئين”. انتهى
و راجع الرابط التالي:
4- نقض شبهة أولى يذكرها المجسمة
حاول بعض المجسمة ايراد اعتراضات على قول الأشعرية بأن كلام الله واحد لا يتبعض ولا يتجزأ، فقالوا : “ما ذهب إليه الأشاعرة في هذه المسألة أمر لا يقبله العقل ولا يسوغه الشرع، ، لأنه يؤول لاستواء الأمر والنهي والخبر والإنشاء، ويلزم منه أن :قل هو الله أحد هي بعينها :تبت يدا أبي لهب وتب ، ولا تقربوا الزنا؛ ثم قالوا عن هذا المعنى النفسي: إن عُبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة. ويلزم من هذا أن ما في القرآن من المعاني هو ما في التوراة والإنجيل، وهذا باطل يكفي في بطلانه مجرد تصوره”
و هذه الشبهة أجاب عنها بعض العلماء فقالوا: كلام اللّه تعالى هو صفة قائمة بذاته تتعلّق بكلّ ما يتعلّق به العلم من المتعلّقات، ولكنّ تعلّق العلم يكون تعلّق كشف، وأمّا تعلّق الكلام فإنّه يكون بياناً ودلالة لما كشف عنه العلم.
فكلام اللّه تعالى لا حدّ له من حيث إنّه متعلّق بما لا حدّ له، وهو نفس ما يتعلّق به العلم.
فالصّفة القائمة بالذّات لا توصف بالكثرة ولا بالقلّة، ولكن الموصوف بذلك هو تعلّقاتها، أي يقال: إنّ تعلّقات الكلام كثيرة.
وأمّا الكلمات اللّفظيّة التي أنزلها اللّه تعالى على رسله على هيئة كتب أو غير ذلك، فهذه لا يقال فيها: أنّها صفة من صفات اللّه، بل هي عبارة عن كلام الله الأزلي.
فكلام اللّه تعالى يطلق على أمرين، الأوّل: الصّفة القائمة بذاته تعالى، والثّاني: هو اللّفظ المنزّل على رسله، وهذا مع أنّه حادث ومخلوق، إلاّ أنّه يقال عنه أنّه كلام اللّه على هذه الجهة، وذلك من حيث هو دالّ على كلام اللّه تعالى، أي على بعض متعلّقات كلام اللّه تعالى الأزلي، المتعدّدة إضافاته وتعلّقاته.
فالذي أنزله اللّه تعالى على النبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام هو عبارة عن كلامه تعالى الأزلي الذي لا يبتدأ ولا يختتم، ويدلّنا على بعض متعلّقات كلامه، ويسمّى القرآن، والذّكر والفرقان، فالقرٱن يعبر عن كلام اللّه تعالى الواحد الذي هو صفة ذاته غير المتعدّد ولا المتكثّر، وهو يدلّنا في الوقت نفسه على بعض متعلّقات هذه الصّفة، ولا يجوز أن يكون دالاّ على جميع متعلّقات كلامه الذاتي، فهذا باطل وغير لازم، لأنّ المنزل على سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ليس هو نفس الصّفة الأزلية حتّى يقال إنّه يجب أن يكون دالاّ على جميع المتعلّقات، بل هو معبّر عنها، ودالّ على بعض متعلّقاتها.
ونحن نجزم أنّ متعلّقات أيّ مدلولات الكتاب المنزل على سيّدنا محمّد محدودة، وهي ليست دالّة قطعاً على جميع معلومات اللّه تعالى.
فوجب إذن ألاّ يكون ما أنزله اللّه على نبيّه عليه السّلام هو نفس الصّفة لاستحالة ذلك. وكذلك يقال فيما أنزله اللّه تعالى على أنبيائه عليهم السّلام مثل موسى وعيسى، فما أنزل على موسى يسمّى توراة، وأنزله اللّه تعالى باللّغة العبريّة، وهو معبّر عن كلام اللّه الذاتي ودالّ على بعض متعلّقاته.
وكذلك الإنجيل الذي أنزله اللّه تعالى على عيسى عليه السّلام فهو معبّر عن كلام اللّه تعالى الذاتي ودالّ على بعض متعلّقات كلام اللّه تعالى الأزليّ. فكلّ هذه الكتب يقال عنها أنّها معبّرة عن كلام اللّه تعالى الأزليّ لأنّه واحد بالذّات لا يتعدّد، فلو قلنا إنّ ما يعبّر عنه القرآن غير ما يعبّر عنه الإنجيل، وكلّ منهما معبّر عن صفة الكلام القائمة باللّه تعالى، أي القائمة بذات اللّه تعالى، للزم أن تكون الصّفة القائمة بذاته تعالى متكثّرة متعدّدة ومركّبة من أجزاء، وكلّ هذا باطل، لأنّ ما كان كذلك فهو حادث ولا شكّ، والحادث لا يقوم بذات القديم، بخلاف المشبهة والكرامية.
ولكنّا نقول إنّ كلّ الكتب معبّرة عن الصّفة الواحدة القائمة بالذّات، ودالّة لنا على بعض ما تتعلّق به هذه الصّفة من المتعلّقات.
ومعلوم أنّه لا ينكر توحّد الصّفة وتكثّر التعلّقات، كما في القدرة والعلم مثلاً، فعلم اللّه تعالى واحد بالذّات ولكنّه متعلّق بما لا يتناهى من المتعلّقات، وهذا المعنى هو الذي يريده أهل الحقّ بقولهم إنّ كلام اللّه تعالى واحد قائم بذاته تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، فإن عبّر عنها بالعربيّة فقرآن، وبالسّريانيّة فإنجيل، وبالعبرانيّة فتوراة، والاختلاف إنّما هو في العبارات دون المسمّى.
5- نقض شبهة ثانية يذكرها المجسمة
قال ابن أبي العزِّ في شرحه على الطَّحاويَّة، ما نصه: “ويقال لِمَن قال: إنه معنى واحد: هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه؟ فإن قال: سمعه كله فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله، وفساد هذا ظاهر، وإن قال: بعضه، فقد قال: يتبعض وكذلك كل من كلمه الله، أو أنزل إليه شيئاً من كلامه . ولمَّا قال تعالى للملائكة”إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة” -البقرة:30- ولما قال لهم “اسْجُدُوا لِآدَمَ” -البقرة:34- وأمثال ذلك هل هذا جميع كلامه أو بعضه؟ فإن قال: إنه جميعه، فهذا مكابرة، وإن قال بعضه فقد اعترف بتعدده”. انتهى
وقال سفر الحوالي في شرح كلام ابن أبي العزِّ: ” فيقال: ما الذي سمع موسى عليه السلام من ربه -عز وجل- لما كلمه؟ إن قالوا: سمع جميع كلام الله؛ لأنه معنى واحد لا يتجزأ ولا يتبعض، فهذا واضح البطلان؛ لأنه إنما سمع بعضه. وإن قالوا: سمع البعض.
قلنا: إذاً قد أقررتم أنتم بالتبعيض وبالتعدد، فقد ناقضتم أنفسكم، وهذا اعتراف منكم بأن قولكم: “إنه معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد قائم بالنفس” باطل، ثم نقول: هل سمع موسى عليه السلام كل ما في نفس الله سبحانه وتعالى، فإن قالوا نعم فهذا باطل؛ لأنه -سبحانه وتعالى- لا أحد يحيط بعلمه أبداً فعلمه -سبحانه وتعالى- فوق إدراك كل إنسان”. انتهى
والجواب على هذه الشبهة أن يقال: ان أهل الحق الأشعرية والماتريدية لا يقولون إنَّ سيدنا موسى عليه السلام قد سمع عين صفة الكلام القائمة بذات الله، إنما لهم قولان في هذه المسألة:
-أما الأشعرية ، فيقولون أن سيدنا موسى عليه السلام قد سمع بعض متعلَّقات صفة الكلام. فالله خلق في سيدنا موسى إدراكاً مباشرا لبعض ما تعلَّقت به صفة الكلام من دون واسطة حرف و صوت.
فلا إشكال من أيِّ وجه في أن نقول إنَّ سيدنا موسى قد سمع كلام الله ويراد بذلك بعض ما تعلَّقت به صفة الكلام.
ثم هل يقول هؤلاء المشبهة أن الله لما كلم موسى عليه السلام، سمع موسى القرٱن بما أنه سمع كلام الله الأزلي؟ أم أنه سمع بعض متعلقات الكلام الأزلي؟
قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في التحرير و التنوير:” أمّا تكليم الله تعالى بعض عباده من الملائكة أو البشر فهو إيجاد ما يعرِف منه الملَك أو الرسول أنّ الله يأمر أوْ ينهَى أو يخبر. فالتكليم تعلُّق لصفة الكلام بالمخاطب على جَعْل الكلام صفة مستقِلّة، أو تعلّق العِلم بإيصال المعلوم إلى المخاطب، أو تعلّق الإرادة بإبلاغ المراد إلى المخاطب. فالأشاعرة قالوا: تكليم الله عبده هو أن يخلق للعبد إدراكاً من جهة السمع يتحصّل به العلم بكلام الله دون حروف ولا أصوات.
وقال: “فعلى هذا القول لا يلزم أن يكون المسموع للرسول أو الملك حروفاً وأصواتاً بل هو علم يحصل له من جهة سمعه يتّصل بكلام الله، وهو تعلّق من تعلّقات صفة الكلام النفسي بالمكلِّم فيما لا يَزال، فذلك التعلّق حادث لا محالة كتعلّق الإرادة”. انتهى
-وأما الماتريدية فقالوا: الله تعالى متصف بكلام أزلي، ولما كلم الله موسى، خلق الله حرفا و صوتا يدل على مراد الله عز وجل.
ملاحظة: ابن عثيمين ذكر ان الكلام الذي في المصحف مخلوق- انظر الصورة-

عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد الأنصاري الهروي 396 هـ (1005م) – 481 هـ (1088م) – أَبُو إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن جَعْفَر بن مَنْصُور بن مت الْأنْصَارِيّ الْهَرَوِيّ – من ذُرِّيَّة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
الكتاب المسمّى الأربعين في دلائل التوحيد لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي
هو الهروي نفسه الذي تقدم ذكره في الكلام على كتاب السنة المنسوب كذبًا إلى الإمام أحمد، وقد كانت المجسمة بهراة تلقبه شيخ الإسلام نكاية بمن سمى بذلك الحافظ أبا عثمان الصابونيّ، قال ابن السبكيّ([1]): «وأما المجسّمة بمدينة هراة فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله الأنصاريّ صاحب كتاب ذم الكلام فلقبوه بشيخ الإسلام! وكان الأنصاريّ المشار إليه رجلًا كثير العبادة – على فساد في العقيدة – محدّثًا إلا أنه يُظْهِرُ التجسيم والتشبيه، وينال من أهل السّنة، وقد بالغ في كتابه ذمّ الكلام حتى ذكر أن ذبائح الأشعرية لا تحلّ! وكان أهل هراة في عصره فئتين: فئة تعتقده وتبالغ فيه لما عنده من التقشف والتعبد، وفئة تكفّره لما يظهره من التشبيه.
ومن مصنفاته التي صوّبت نحوه سهام أهل الإسلام الكتاب المسمّى «ذمّ الكلام»، والكتاب المسمى «الفاروق في الصفات»، وكتاب «الأربعين»، وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح، وكان شديد التعصب للمجسّمة المشبهة من الحنابلة الذين شذّوا عن المنهج الحنبليّ السليم المنزّه، بحيث كان ينشد على المنبر على ما حكى عنه تلميذه محمد بن طاهر([2]): [الكامل]
| أنا حنبليٌّ ما حييتُ وإن أَمُتْ | فوصيتي للناسِ أن يَتَحَنبلُوا |
وترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيريّ لكونه أشعريًّا، وكل هذا تعصب زائد برَّأنا الله من الأهواء» اهـ.
وفي كتابه المسمى الأربعين قال: «إن محمدًا ﷺ رأى ربه في صورة شابّ أمرد([3]) في قدميه خضرة!»، وفيه باب بعنوان: «وضع الله عزّ وجلّ قدمه على الكرسيّ»، وباب في «إثبات الجهات لله عزَّ وجلَّ»، وباب في «إثبات الحد لله عزَّ وجلّ»، وباب في «إثبات الخط لله عزَّ وجلّ»، وباب في الهرولة لله عزَّ وجلّ، ومن عناوينها يتبيّن ما تحتها من الأخبار الواهية التي لا يركن إليها في الاعتقاد بالله عزّ وجلّ.
[1] ) طبقات الشافعية الكبرى، السبكيّ، 4/ 272، 273.
[2] ) محمد بن طاهر بن عليّ بن أحمد المقدسيّ الشيبانيّ، ت 507هـ، أبو الفضل، رحالة مؤرخ، من حفاظ الحديث. مولده ببيت المقدس ووفاته ببغداد. له كتب كثيرة، منها: «تاريخ أهل الشام ومعرفة الأئمة منهم والأعلام»، و«تذكرة الموضوعات»، و«أطراف الكتب الستة»، و«إيضاح الإشكال في من أبهم اسمه من النساء والرجال» و«صفوة التصوف». الأعلام، الزركلي، 6/171.
[3] ) «الأَمْرَدُ: الشَّابُّ طَرَّ شارِبُهُ ولم تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ. مَرِدَ كفَرِحَ مَرَدًا ومُرُودَةً وتَمَرَّدَ: بَقِي زمانًا ثم الْتَحَى» اهـ. القاموس المحيط، الفيروزأبادي، مادة م ر د، ص 407.
