عقيدة الكرابيسي في صفة الكلام
لقد كان الإمام أبو الحسين الكرابيسي يثبت الصفات لله تعالى و لا يقول أنها مخلوقة خلافا للجهمية و المعتزلة الذين ينكرون قيام الصفات بذات الله و يقولون أن كلام الله مخلوق. لكن الكرابيسي رحمه الله تكلم في مسألة اللفظ وقال أن لفظه بالقرآن هو المخلوق ولم يقل عن كلام الله الذي هو صفة ذاته أنه مخلوق.
ولمزيد توضيح المسألة نقول:
القرآن له إطلاقان:
– يُطلق و يراد به كلام الذاتي الذي هو صفة من صفاته. و هو على هذا المعنى لا يقال عنه أنه مخلوق أو حادث بل هو كلام أزلي لا يُبتدأ و لا يختتم و لا يوصف بحرف أو صوت أو لغة.
– ويُطلق و يراد به اللفظ المنزل المكتوب في المصاحف و المقروء بالألسن و المحفوظ في الصدور إذ هو عبارة عن كلام الله الأزلي. إذ لا يُعقل أن تحل صفة من صفات الله في الورق أو في صدور الخلق أو على ألسنة المقرئين و غيرهم.
ومن جملة الأدلة على أن الكرابيسي يثبت صفات الله و لا يقول أنها مخلوقة كما تزعم الجهمية و المعتزلة ما قاله الحافظ ابن عبد البر في الانتقاء في فضل الثلاثة الأئمة الفقهاء و نص عبارته: “وكان الكرابيسى وعبد الله بن كلاب وأبو ثور وداود بن علي وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذى تكلم به الله صفة من صفاته لا يجوز عليه الخلق وان تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له وذلك مخلوق وأنه حكاية عن كلام الله وليس هو القرآن الذى تكلم الله به وشبهوه بالحمد والشكر لله وهو غير الله فكما يؤجر فى الحمد والشكر والتهليل والتكبير فكذلك يؤجر فى التلاوة ” انتهى.
وجاء في كتاب تهذيب التهذيب ما نصه: “قال أبو الطيب الماوردي كان الكرابيسي يقول القرآن غير مخلوق ولفظي به مخلوق”. انتهى
فأبو علي الكرابيسي بريء من القول بأن صفات الله مخلوقة, شأنه في ذلك شأن شيخه الوليد بن أبان الكرابيسي – المتوفى سنة 214 هجري – الذي أخذ عنه علم الكلام. فقد جاء في تاريخ بغداد جزء 13 صحيفة 471 ما نصه: ” الوليد بن أبان الكرابيسي كان أحد المتكلمين في الأصول على مذاهب أهل الحق وهو أستاذ الحسين بن علي الكرابيسي. أخبرنا الأزهري حدثنا أبو بكر بن شاذان حدثنا أبو عبيد المحاملي مذاكرة قال سمعت داود بن علي الأصبهاني يقول كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابيين ليغتسل ويتطهر وكان به المذهب قال فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء فقال مسألة. قال: وأنا على هذه الحال؟ فقال له: نعم. فقال أليس رووا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فهذا الذي أنت فيه إيش؟ قال: إبليس يوسوس لي ويوهمني أني لم أطهر. قال: فهو الذي وسوس لك حتى قلت القرآن مخلوق”. انتهى
فالوليد بن ابان شيخ الكرابيسي كان ينكر على بشر المريسي المعتزلي قوله بأن القرآن مخلوق لانه فهم منه جحد صفة الكلام القائمة بذات الله. ومع ذلك فقد نسبه بعضهم للاعتزال فقد جاء في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لأبي المحاسن جمال الدين يوسف بن تغري بردي الحنفي المتوفى سنة 874 هجري ما نصه: “وفيها توفي الوليد بن أبان الكرابيسي المعتزلي؛ كان من كبار المعتزلة بالبصرة وله في الاعتزال مقالات معروفة يقوي بها مذاهب المعتزلة. قلت – أي ا بن تغري بردي – : كان من كبار العلماء. ذكره المسعودي وأثنى على علمه وفضله”. انتهى
فبعض علماء أهل السنة الذين تكلموا في مسألة اللفظ نُسبوا للتجهم و الاعتزال باطلا كما حصل مع الكرابيسي و غيره من ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي طالب المكي أنه قال : “سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول : “مات بشر المريسي وخلفه حسين الكرابيسي”.
فهذا الكلام لا يصح عن الإمام أحمد بن حنبل فهو من رواية أبي طالب أحمد بن حميد المكي المتوفى سنة 244 هجري. وهذا الرجل كان يهم في بعض ما ينقله عن الإمام أحمد.
قال ابن بدران في المدخل:” ولقد وهم أبو طالب حقا, فإن قول الإمام هذا ليس بمخلوق أشار به إلى المقروء وأبو طالب فهم أنه أشار به إلى ألفاظ القارىء وهذا أشد الغلط”. انتهى
وذكر أبو الفضل صالح بن الإمام أحمد في كتابه المحنة:” تناهى إلي أن أبا طالب يحكي عن أبي أنه يقول لفظي بالقرآن غير مخلوق فأخبرت أبي بذلك فقال من أخبرك فقلت فلان, قال ابعث إلى أبي طالب فوجهت إليه فجاء و جاء فوران فقال له أبي أنا قلت لفظي بالقرآن غير مخلوق و غضب و جعل يرعد” إلى أن قال: ” و بلغني أنك وضعت ذلك في كتابك و كتبت به إلى القوم فان كان في كتابك فأمحه اشد المحو و اكتب إلى القوم الذين كتبت إليهم إني لم أقل لك هذا و غضب و اقبل عليه فقال: يحكي عني ما لم أقل لك فجعل فوران يعتذر إليه و انصرف من عنده وهو مرعوب فعاد أبو طالب فذكر أنه قد حك ذلك من كتابه و أنه كتب إلى القوم يُخبرهم أنه وهم على أبي عبد الله في الحكاية”. انتهى
