ذكر ما قاله الألوسي في روح المعاني عن كلام الله

ذكر ما قاله الألوسي في روح المعاني عن كلام الله

– الجزء الأول-

1- الدليل على الكلام النفسي في حق المخلوق من القرآن

قال الآلوسي في مقدمة تفسيره تحت عنوان الفائدة الرابعة، ما نصه: “والدليل على أن للنفس كلاما بالمعنيين الكتاب والسنة فمن الآيات قوله تعالى : فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا فإن (قال) بدل من (أسر)، أو استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في ذلك الإسرار؟ فقيل: قال أنتم شر مكانا ، وعلى التقديرين، فالآية دالة على أن للنفس كلاما بالمعنى المصدري، وقولا بالمعنى الحاصل بالمصدر”. انتهى

أثبت الآلوسي هنا أن للكلام النفسي في حق المخلوق معنيان:

– الكلام المصدري: وهو مجرد التكلم أوحركة النفس في إضمار المعنى والتفكير به.

فعندما تخاطب نفسك سرًا، هذا الفعل نفسه اسمه “الكلام النفسي بالمعنى المصدري”.

– المعنى الحاصل بالمصدري: معناه الجملة أو الفكرة التي تكوّنت

مثال: “قال يوسف في نفسه: أنتم شر مكانًا”

هنا ليس المقصود فعل القول الداخلي فحسب، بل النتيجة المتشكلة في النفس وهي جملة “أنتم شر مكانًا”.

وباختصار فالكلام بالمعنى المصدري في حق المخلوق عند الألوسي هو فعل النفس وهي تُسرّ وتخاطب نفسها. وأما القول بالمعنى الحاصل بالمصدر، فهي عنده الجملة أو المضمون الذي وُلد من ذلك الفعل الداخلي.

إذن فيوسف عليه السلام حين “أسرها في نفسه” حصل عنده كلام نفسي بالمعنى المصدري، أي الفعل، وكانت نتيجته قولًا نفسيًا بالمعنى الحاصل بالمصدر، وهو مضمون: ” أنتم شر مكانًا”.

2- الدليل على الكلام النفسي لله تعالى من السنة النبوية

قال الألوسي: ” وقوله تعالى في الحديث القدسي: ” أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي” الحديث، وفيه دليل على أن للعبد كلاما نفسيا بالمعنيين، وللرب أيضا كلاما نفسيا كذلك، ولكن أين التراب من رب الأرباب فالمعنى الأول للحق تعالى شأنه صفة أزلية منافية للآفة الباطنية التي هي بمنزلة الخرس في التكلم الإنساني اللفظي، ليس من جنس الحروف والألفاظ أصلا، وهي واحدة بالذات تتعدد تعلقاتها بحسب تعدد المتكلم به، وحاصل الحديث من تعلق تكلمه بذكر اسمي تعلق تكلمي بذكر اسمه، والتعلق من الأمور النسبية التي لا يضر تجددها، وحدوث المتعلق إنما يلزم في التعلق التنجيزي ولا ننكره، وأما التعلق المعنوي التقديري، ومتعلقه فأزليان، ومنه ينكشف وجه صحة نسبة السكوت عن أشياء رحمة غير نسيان، كما في الحديث، إذ معناه أن تكلمه الأزلي لم يتعلق ببيانها مع تحقق اتصافه أزلا بالتكلم النفسي، وعدم هذا التعلق الخاص لا يستدعي انتفاء الكلام الأزلي كما لا يخفى”. انتهى

وقال بعد ذلك : (والمعنى الثاني) له تعالى شأنه كلمات غيبية، وهي ألفاظ حكمية مجردة عن المواد مطلقا نسبية كانت أو خيالية أو روحانية، وتلك الكلمات أزلية مترتبة من غير تعاقب في الوضع الغيبي العلمي لا في الزمان، إذ لا زمان، والتعاقب بين الأشياء من توابع كونها زمانية”. انتهى

فالألوسي يثبت أن لله كلاما بمعنيان:

– المعنى الأول: كلام الله صفة أزلية منافية للكلام الباطني الذي يختلج في نفس المخلوق، وهو كلام ليس من جنس الحروف والألفاظ أصلا، وهي صفة واحدة تتعدد تعلقاتها بحسب تعدد المتكلم به.

-المعنى الثاني: كلام الله عبارة عن كلمات غيبية، أزلية من غير تعاقب ولا تركيب، مرتبة في علم الله بلا زمان.