هل يجوز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف ؟ – نعم يجوز.

  1. 1 يجوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
  2. 2 الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة حسنة
  3. 3 الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس حراما
  4. 4 الاحتفال بالمولد من مظاهر شكر  الله على إرساله ﷺ
  5. 5  الاحتفال بالمولد طاعة عظيمة يثاب فاعلها
  6. 6  الاحتفال بالمولد لا يخالف القرءان والسنة
  7. 7  استحسن العلماء في مشارق الأرض ومغاربها عمل المولد
  8. 8 من مئات السنين جرت عادة المسلمين على الاحتفال بالمولد
  9. 9  تقسيم البدعة مفهوم من عدة أحاديث
  10. 10  البدعة ضربان كما قسمها الإمام الشافعي
  11. 11  البدعة ضربان حسنة وقبيحة
  12. 12 بدعة خبيب الصحابي
  13. 13  نعمت البدعة هذه
  14. 14 بدعة حسنة فعلها عثمان
  15. 15  تنقيط المصحف بدعة حسنة
  16. 16 كتابة الصلاة على النبي بعد اسمه بدعة حسنة
  17. 17 قول ابن كثير فيمن بدأ بعمل المولد
  18. 18  الاحتفال بالمولد ليس عبادة لمحمد ﷺ
  19. 19  استخراج جواز عمل المولد من الحديث
  20. 20 سبب صيام النبي يوم الاثنين
  21. 21  المولد ليس احتفالا بوفاته ﷺ
  22. 22  النبي لم ينهنا عن الاحتفال بالمولد
  23.  23 الرد على شبهة في موضوع الاحتفال بالمولد
  24. 24  ليس في هذه الحديث دليل على تحريم المولد
  25. 25  الاحتفال بالمولد ليس فيه إشارة أن الدين لم يكتمل
  26. 26 الاحتفال بالمولد ليس فيه اتهام للرسول بالخيانة
  27. 27  النبي ما نهانا عن صيام عاشوراء
  28. 28 الاحتفال بالمولد وحديث كل بدعة ضلالة
  29. 29  الاحتفال بالمولد ليس من الغلو
  30. Rest of Articles 30-31-32….

1 يجوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

الحمد لله والصلاةُ والسلام على سيّدناَ مُحَمَّد رسول الله.  أما بعد في شهر ربيع الأول من كل سنة يعيش المسلمون في نسمات خير ، يعيشون في ذكرى ولادةِ سيدنَا محمدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذكرى مَولدِهِ عليه الصلاةُ والسلام لا بُدَّ لنا نحنُ أهلُ الحـقِ المؤمنونَ بالكتابِ والسُنة من أن نُبينَ للعامةِ والخَاصةِ من الناس مَشروعيةَ الاحتفالِ بالمولد النبوي الشريف.  ولبيان مشروعية هذا الأمر لا بد أن يُعلَمَ أنَّ البِدعةَ في الشرعِ هي الـمُحدَثُ الذي لم ينصَّ عليه القُرءانُ ولا جَاء في السنة ، و ليست كلُ بدعة على الإطلاق ضلالة وليست كل المحدثات على الإطلاق ضلالة إنما يُذمُّ من البِدع ما يُخالِفُ السنة ، ويُذم من الـمُحدثاتِ ما دَعا إلى الضلالة . وقد أساء بعض الناس من الذين يدّعون العلم والمعرفة تفسير  حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه وكل بدعة ضلالة فزعموا أن كلمة كل لا تكون إلا للشمول الكلي والإطلاق من غير أن يدخلَها التخصيصُ والاستثناء فشذوا بذلك عما فهمه علماء أهل السنة والجماعة وعامتهم من هذا الحديث وأعلنوها حربا ضروسا على الاحتفال بالمولد لمجرد أنه مما استحدثه المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فتراهم يفسقون المحتفلين بالمولد تارة أو يكفرونهم تارة اخرى بل ويصدرون فيهم فتاوى خطيرة قد تتحول مع مرور الزمن وعلى أيدي المتطرفين رصاصا في صدور الأبرياء المسلمين الذين يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ويظهرون الفرحة بهذه المناسبة العظيمة. والحق أن يقال إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ داخِلاً في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ “وكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ ” وبيان ذلك أنّ النَّوَوَيَّ في شَرحِ صَحيحِ مُسْلِمٍ قال ما نَصُّهُ “قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم “وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ” هَذا عامٌّ مَخْصُوصٌ (أي لَفْظُهُ عامٌّ وَمَعناهُ مَخْصوصٌ)، والْمُرادُ بِهِ غالِبُ البِدَعِ . وقالَ أيْضًا” ولا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَديثِ عامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ “كُلُّ بِدْعَةٍ مُؤَكَّدًا بِكُلّ، بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصيصُ مَعَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تعالى  تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْء.هـ. فَهَذِهِ الآيةُ يا أحبابنا لَفْظُها عامٌّ وَمَعْناهَا مَخْصُوصٌ لأنَّ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتي وَرَدَ أنَّها تُدَمِّرُ كُلَّ شىءٍ سَخَّرَهَا اللهُ على الكافِرينَ مِنْ قَوْمِ عادٍ فأهْلَكَتْهُم وَلَمْ تُدَمِّرْ كُلَّ مَن على وَجْهِ الأَرْضِ لأنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَنا أنَّهُ نَجَّى هُودًا عليه السلام وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤمِنينَ، قَالَ تعالى  {وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وَمِنَ الأَمْثِلَةِ على العامِّ الْمَخْصوصِ  ومما يُؤَيِّدُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلّ لا تَأتي دَائِمًا لِلشُّمُولِ الْكُلِّيِّ قَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم “كُلُّ عَيْنٍ زانيةٌ” وَمْعلومٌ شَرْعًا أنَّ هذا الْحديثَ لا يَشْمَلُ أَعْيُنَ الأنبياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّ اللهَ تعالى عَصَمَهُم مِنْ ذَلِكَ فماذا يقول المخالفون الذين يدعون زورا وبهتانا ان الاحتفال بالمولد حرام لمجرد انه بدعة  مستندين بذلك على فهمهم السقيم لحديث الرسول وكل بدعة ضلالة ؟!  قولهم كلمة كل لا يدخلها التخصيص فيه قدح للرسول، فيه اتهام لعين الرسول أنها تزني لأن الرسول قال كل عين زانية. فإن كان هؤلاء لا يتورعون عن اتهام الرسول من حيث يشعرون او لا يشعرون بهذا الفعل الخسيس القبيح فماذا يقولون عن عين الأعمى؟ هل تدخل عين الأعمى في هذا الحديث؟ هل يقال عن عين الرسول أنها تزني وهل يقال عن عين الأعمى أنها تزني؟ فإن قالوا عين الرسول تزني كفروا وإن قالوا لا لأن عين الرسول تُستثنى من حديث كل عين زانية يكونون بذلك قد رجعوا إلى قولنا من أن كلمة كل يدخلها التخصيص وتكون بذلك الحجة عليهم. وأما عن عين الأعمى  فإن قالوا عين الأعمى تزني رفعوا شعار السخافة والجهل عاليا فوق رؤوسهم وقلنا الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وإن قالوا لا لأن عين الأعمى تستثنى من حديث كل عين زانية يكونون بذلك قد رجعوا إلى قولنا أيضا من أن كلمة كل يدخلها التخصيص وتكون بذلك الحجة عليهم وظهر الحق لكل ذي عقل ودين. وهكذا يكون معنى “كل بدعة ضلالة” الأغلب لا سيما ان الرسول صلى الله عليه وسلم  قال “مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنقُصَ مِنْ أُجورِهِم شىْءٌ. فتبين لكم أيها الأحبة من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يدخل في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ “وكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ. فاحتفلوا بمولد النبي محمدٍ عليه الصلاة والسلام وامدحوه وافرحوا بذلك وفقكم اللهنقف هنا ونكمل في حلقة مقبلة إن شاء الله ما بدأنا به في بيانِ جَوازِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النبوي الشريف وَأَنَّ فيهِ أَجْرًا وَثَوَابًا. كل عام وانتم بخير وإلى اللقاء.

2 الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة حسنة

أمَّا بَعْدُ نُكمِلُ ما كنا قد بدأنا بهِ في بيانِ جَوازِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النبويِ الشريف وَأَنَّ فيهِ أَجْرًا وَثَوَابًا. ولِفَهمِ هذا الموضوعِ كما ينبغي لا بُدَ للإنسانِ أن يعلمَ أنَّ ما أُحدِثَ في الإسلامِ بعدَ وفاةِ الرسولِ من الأمورِ التي لم يَنُصَّ عليها القُرءانُ ولا الْحَديثُ تُسمّى بدعة. والبدعةُ منها قبيحٌ ومنها حسن فالقبيحُ منها ماخالفَ الشريعةَ والحسنُ منها ما لم يُخالف الشريعة. فالاحتفالُ بالمولدِ النبويِ الشريف من البدعِ الحسنةِ لأنه لا يخالفُ الشريعةَ إنما هو عبارةٌ عن إظهارِ الفرحةِ بولادةِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم على وجهٍ جائزٍ في شرعِ اللهِ من نحوِ قراءةِ القرآنِ ومدحِ الرسولِ وقراءةِ شيءٍ من سيرتِهِ العطرةِ وإطعامِ الطعامِ وتوزيعِ الهدايا وإنفاقِ المالِ على المحتاجين حبًا برسولِ الله. وليسَ في أيٍّ من ذلكَ ما لا يَرضاهُ الله والرسول . ولكن بزغت منذُ نحوِ مائتينِ وخمسينَ سنة فرقةٌ ضَالَّةٌ اتَّخَذَتْ من التجسيمِ والتشبيهِ دينًا ومن الطَّعْنِ بالنبيِّ والصالحينَ سبيلًا ومن تكفيرِ المسلمينَ بنِسبتِهم إلى الشِّرْكِ مذهبًا  فأَعْرَضَتْ عن طاعةِ الله ورسولهِ واتَّبَعَتْ غيرَ سبيلِ المؤمنين. ثم صاروا يهاجمونَ ويطعنونَ  ويسخرونَ من الذينَ يحتفلونَ بالمولدِ النبويِ الشريف ويفترونَ عليهم لتنفيرِ الناسِ منهم، وتَتجلى خطورةُ الأمرِ بكونِ هذه الحربِ على المولد ومن يَحتفلُ به في الحقيقةِ ليست حرباً على أشخاصِ هؤلاء ، لكنها حربٌ على ما يحملِونَه من علمٍ ودين، أي أنها في خاتمةِ المطاف حربٌ على دينِ الله وبالخصوصِ على أهلِ السنةِ والجماعة لأن هؤلاء الذينَ خاضوا هذه الحربَ الخاسرة يأتونَ الناسَ باسمِ اهل السنة والجماعة او باسم انهم سلفية أو سلف وهم في الحقيقةِ والواقع بعيدونَ عنهم بُعدَ الجنةِ من النار. هؤلاء الذين يُحرِمونَ الاحتفالَ بالمولدِ النبوي الشريف من الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، يأتون بِشُبُهاتٍ حولَ الاحتفالِ بالمولدِ ويَنشرونها ليوهموا الناسَ أن هذا الاحتفالَ مما يُبغِضُ الرحمان ويُسِرُ الشيطان وهم في ذلك كاذبون وعليهم من الله ما يستحقون. ولذلك كانَ لا بُد أن نُبينَ للعامةِ والخَاصةِ من المسلمين مَشروعيةَ الاحتفالِ بالمولدِ النبوي الشريف حتى لا يَقعوا في فُخوخِهم. نقولُ متوكلينَ على الله  المولدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولا يُقالُ الرَّسُولُ لَمْ يأتِ بِه فَلا نَعْمَلُهُ احْتِجَاجًا بِقولِهِ تعالى  وَما ءاتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فانْتَهوا  : لأنه لَيْسَ كُلُّ أمْرٍ لَمْ يأمُرْنا بِهِ الرَّسُولُ ولا نَهانا عَنْهُ فَهُوَ حَرامٌ، لا سيما أن الله تعالى يقولُ في القرآنِ الكريم: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. فالله تعالى ما قال وما تركَه الرسولُ فانتهوا عنه! والله تعالى ما قال وما لم يفعله الرسول فانتهوا عنه! والله تعالى ما قال وما لم يأمر به الرسول فانتهوا عنه! وقد ثبتَ عنِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ الْمَرْضِيينَ المبشرينَ بالجنةِ أَشْياءَ لَمْ يَفْعَلْها الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم ولا أمَرَ بِها ولا نَهى عنها مِمَّا يُوافِقُ الْكِتابَ والسُّنَّةَ فكانوا قُدْوَةً لنا فيها، فَهَذا أبو بَكْرٍ الصِّديقُ يَجْمَعُ القُرءانَ ويُسَمِّيهِ بِالْمُصْحَفِ، وهَذا عُمَرُ بنُ الْخطَّابِ يَجْمَعُ النَّاسَ في صلاةِ التَّراويحِ على إمامٍ واحِدٍ وَيَقولُ عَنْها : نِعْمَتِ البِدْعَةُ هَذِهِ، وهَذا عُثمانُ بنُ عَفَّانَ يأمُرُ بِالأَذانِ الأوَّلِ لِصَلاةِ الْجُمَعَةِ، وهَذا الإمامُ عليٌّ يُنْقَطُ الْمُصْحَفُ وَيُشَكَّلُ في زمانِهِ على يَدِ يَحْيى بنِ يَعْمَرَ، وهَذا عُمَرُ بنُ عَبِدِ العزيزِ يعْمَلُ الْمَحارِيبَ والْمآذِنَ لِلْمَساجِدِ. كُلُّ هَذِهِ لَمْ تَكُنْ في زَمانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكل هذه لم يفعلها الرسولُ ولا أمَرَ بها ولا نهى عنها، فَهَلْ سَيَمْنَعُها الْمانِعُونَ لِلْمَوْلِدِ في أيَّامِنا هَذِهِ أوْ أَنَّهُم سَيَتَحَكَّمُونَ فَيَسْتَبِيحُونَ أَشياءَ وَيُحَرِّمُونَ أَشياءَ؟! وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فإِنَّهُم حَرَّمُوا الْمَوْلِدَ وأباحُوا نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ وأباحُوا أشياءَ كثيرَةً مِمَّا لَم يَفْعَلْهَا الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم كَالرُّزْناماتِ -مواقيتِ الصَّلواتِ- الَّتي لَمْ تَظْهَرْ إلا قَبْلَ نَحْوِ ثلاثِمِائَةِ عامٍ وَهُم يَشْتَغِلُونَ بِهَا وَيَنْشُرونَها بينَ النَّاسِ. كَذَلِكَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ الرَّسُولُ لَمْ يأمُرْنا بِهِ ولا نَهانا عَنْهُ فَلَيْسَ حَرامًا عَلَيْنا عَمَلُهُ لأَنَّهُ مُوافِقٌ لِدِينِهِ صلى الله عليه وسلم. الْحاصِلُ لَيْسَتْ كُلُّ أُمُورِ الدِّينِ جَاءَتْ نَصًّا صَريحًا في القُرءانِ أوْ في الْحديثِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ فيهِما فَلِعُلَمَاءِ الأُمَّةِ الْمُجْتَهِدينَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَديثِ أنْ يَسْتَنبِطُوا أَشْياءَ تُوافِقُ دينَهُ صلى الله عليه وسلم، وَيُؤيِّدُ ذَلِكَ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم “مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا“، فيُسْتفَادُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أَذِنَ للمُسلمينَ أَنْ يُحدِثُوا في دينِهِ ما لا يُخالِفُ القُرءانَ والْحديثَ فيُقالُ لذلكَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ. وليُعلم أنَّ المولدَ  سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ دَاخِلاً تَحْتَ نَهْيٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ “مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ : لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْهَمَ بِقَوْلِهِ “ما لَيْسَ مِنْهُ” أَنَّ الْمُحْدَثَ إِنَّما يَكُونُ ردًّا أيْ مَرْدُودًا إِذا كانَ على خِلافِ الشَّريعَةِ، وأَنَّ الْمُحْدَثَ الْمُوافِقَ لِلشَّريعَةِ لَيْسَ مَرْدُودًا. فالرَّسُولُ لَمْ يَقُلْ مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ بَلْ قَيَّدَهَا بِقَولِهِ “ما لَيْسَ مِنْهُ” لِيُبَيِّنَ لَنَا أنَّ الْمُحْدَثَ إِنْ كانَ مِنْهُ (أي مُوافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَشْرُوعٌ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ (أي لَمْ يَكُنْ موافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَمْنوعٌ. وَلَمَّا كانَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ أمْرًا موافقا للشرع ثَبَتَ أنَّهُ لَيْسَ بِمَرْدُودٍ. فاحتفلوا بمولد النبي محمدٍ عليه الصلاة والسلام وامدحوه  وافرحوا بذلك. نقف هنا ونكمل في حلقة مقبلة إن شاء الله ما بدأنا به في بيانِ جَوازِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النبوي الشريف وَأَنَّ فيهِ أَجْرًا وَثَوَابًا. كل عام وانتم بخير وإلى اللقاء

3 الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس حراما

الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلامِ وأكرمنا بالإيمانِ ورحِمنا ببِعثةِ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أما بعدُ يعيشُ عشاقُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في شهرِ ربيعِ الأولِ من كلِ سنةٍ أيامَ  فرَحٍ وسرورٍ بمولدِ حبيبِهم وسيدِهم ونورِ عينِهم وقُرةِ أعينُهم وقائدِهم وإمامِهم محمدٍ عليه الصلاة والسلام ويُعَبِّرونَ عن فَرَحِهِم وسرورِهم بإقامةِ احتِفالاتِ المولدِ هنا وهناك بينما يُخَيِّمُ اليأسُ فوقَ رؤوسِ الذينَ يُحرِمونَهُ فتراهُم يَعيشونَ حالةَ اكتئابٍ وإحباطٍ يتفاقم و يأسٍ يَتعاظم بعدَ فَشَلِ ما بَذلوا في سبيلِ مَنْعِ المولدِ وتَنفيرِ الناسِ منه. فإنهم في كلِّ سنةٍ يُضاعِفونَ الجهودَ ويَبذُلونَ الغالي والنفيسَ ويَبُثّونَ أتباعَهم في صُفوفِ الجماهيرِ لتَثبيتِهم على الوفاءِ له ذا الهدفِ القبيحِ، والغايةِ الخاسرةِ ومع ذلكَ يَرجِعونَ في كلِ سنةٍ على أعقابِهم يَجُرونَ ذُيولَ الخيبةِ وراءَهم وهُم صاغِرون فَمنهم من يَفقِدُ الأملَ في تَحقيقِ غايَتِهِ ومنهم من يكاد. والله يهدي من يشاءُ ويُضِلُ من يشاء والحمدُ لله على نعمةِ الإسلامِ وحبِ النبيِ عليه الصلاة السلام.  نُتابِعُ ما بدأنا بهِ في بيانِ جَوازِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النبوي الشريف وَأَنَّ فيهِ أَجْرًا وَثَوَابًا. ليُعلم أنَّ الْمَوْلِدَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ كَمَا قيلَ إِنَّ أصلَهُ هُوَ أنَّ أُناسًا كانُوا يَحْتَفِلُونَ بِوفاتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ ذَكَرَ الْحُفَّاظُ والعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحابِ التَّوارِيخِ وغَيْرِهِم أنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَحْدَثَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ هُوَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ الَّذي كانَ يَحْكُمُ إِرْبِلَ، وَهُوَ وَرِعٌ، صالِحٌ، عالِمٌ، شُجَاعٌ، ذُو عِنَايَةٍ بِالْجِهَادِ، كانَ من الأَبْطالِ، مَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ الفِرِنْجَ بِعَكَّا، هُوَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَحْدَثَ هَذَا الأَمْرَ، ثُمَّ وافَقَهُ العُلَماءُ والفُقَهاءُ، حَتَّى عُلَمَاءُ غَيْرِ بَلَدِهِ الَّذي يَحْكُمُهُ، وقد ذَكَرَ ذَلِكَ الْحافِظُ السيوطِيُّ في كِتابِهِ الأوائِلِ، ولا زالَ الْمُسْلِمونَ على ذَلِكَ مُنْذُ ثَمانِمِائةِ سَنَةٍ حَتَّى الآنَ. فأيُّ أَمرٍ اسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وأَجْمَعوا عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَأَيُّ شىءٍ اسْتَقْبَحَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ قَبيحٌ، ومَعْلومٌ أنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ لا يَجْتَمِعُونَ على ضَلالَةٍ لِحديثِ “إِنَّ أُمَّتي لا تَجْتَمِعُ على ضَلالة”ٍ رَواهُ ابنُ ماجَه في سُنَنِهِ، فلا عبرةَ بكلامِ من أفتى بخلافِ إجماعِهم لأنهُ ليسَ كلامَ مُجتَهد ، والعبرةُ إنما هي بما وافَقَ كلامَ العلماءِ المعتبرين ، والأصلُ في الأشياءِ الإباحةُ ما لم يَرِدِ التحريم.، ودين الله يُسْرٌ وليسَ بعُسْرٍ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد. أيها الإخوة المؤمنون اثبتوا على اعتقاد أنَّ المولدَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ واعلموا أنه لا يُقالُ عَنْهُ لوْ كانَ خَيْرًا لنصّ عليه الرَّسُولُ أو لعمله ،  فَجَمْعُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ وتَشْكيلُهُ عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما نَصَّ عليهِ ولا عَمِلَهُ. واستعمال الآلات الكهربائية من نحو الكاميرا والكمبيوتر والمذياع والراديو والتلفزيون لنشر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوسيع دائرة الدعوة عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما نَصَّ عليهِ ولا عَمِلَهُ. فَهُؤلاءِ الَّذينَ يَمْنَعُونَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدَعوى أنَّهُ لَوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّنا الرَّسولُ عليهِ وَهُم أَنْفُسُهُم يَشْتَغِلُونَ في تَشْكيلِ الْمُصْحَفِ وَتَنْقيطِهِ يَقَعونَ في أَحَدِ أمْرَيْنِ : فَإِمَّا أنْ يَقولُوا إِنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ لَيْسَ عَمَلَ خَيْرٍ لأنَّ الرَّسولَ ما فَعَلَهُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عليهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ، وإِمَّا أنْ يَقولُوا إنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ عَمَلُ خيرٍ ولَو لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسولُ وَلَمْ ينصَّ عليهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ. وَفي كِلا الْحالَيْنِ نَاقَضُوا أَنْفُسَهُم وزالت شبهتُم. فيا أيها الإخوة المؤمنون ازدادوا حبا بالرسول واحتفلوا بمولد الرسول واثبتوا على اعتقاد أنَّ المولدَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الدِّينَ لَمْ يَكْتَمِلْ وَلَيْسَ فيهِ تَكذيبٌ لِقَولِهِ تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ كما يُمَوِّهُ المانعون على الناس لأنَّ الآية مَعْناها أنَّ قواعِدَ الدِّينِ تَمَّت، قالَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ “وَقالَ الْجُمْهُورُ : الْمُرادُ مُعْظَمُ الفَرَائِضِ والتَّحليلِ والتَّحْريمِ، قالوا  وقَد نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قُرءانٌ كثيرٌ، ونَزَلَتْ ءايةُ الرِّبا وَنَزَلَت ءايةُ الكَلالَةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ”. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ هِيَ ءاخِرَ ءايَةٍ نَزَلَت مِنَ القُرءانِ بَلْ ءاخِرُ ءايَةٍ نَزَلَتْ هِيَ قولُهُ تعالى {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون} وقد ذَكَرَ ذَلِكَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فماذا يقول المانعون بعدما ثبت أن قول الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ لَيْسَتْ هِيَ ءاخِرَ ءايَةٍ نَزَلَت مِنَ القُرءانِ الكريم ؟ هل سيضربون بالآيات التي نزلت بعد هذه الآية عُرض الحائط أم يقولون إنها ليست من الدينِ في شيءٍ أم يَتهمونَ الرسولَ بأنه افترى على اللهِ وزادَ في كتابِ الله ما ليسَ منه؟ وليُعلم يا أحبابنا الكرام أن تَحريم المولدِ وتنفيرَ الناسِ منه والاستهزاءَ والسخريةَ بهذه المناسبةِ العظيمةِ فيه تطاولٌ على صاحبِ الذكرى صلى الله عليه وسلم وإساءةٌ لما يزيدُ عن مليار ومائتي مليون مسلم يعشقونَ محمدًا ويُحبونه ويُؤمنونَ به صلى الله عليه وسلم ولن تزيدَهم هذه الحملةُ المسعورةُ على المولدِ النبوي الشريف إلا صلابةً وثباتا على هذه البدعة الحسنة حبًا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وفي ختام هذه الحلقة أتقدم منكم بخالص التهاني بهذه المناسبة العطرة العزيزة على قلب كل مسلم. دام ذكرُه صلى الله عليه وسلم على لساني ولسانِكم وعلى ألسنةِ المسلمينَ جميعا. أعادَها الله علينا بالخيرِ واليُمنِ والبركات. كلُّ عامٍ وأنتم والأمةُ الإسلاميةُ بألفِ خيرٍ وإلى اللقاء.

4 الاحتفال بالمولد من مظاهر شكر  الله على إرساله ﷺ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. قَالَ الله تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (آل عمران 164)

وهذه الآية المباركة العظيمة معناها أن الله تعالى قد أنعم على المؤمنين وتفضّل عليهم وأحسن إليهم إذ بعث فيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي يعرفون نسبه وحاله وخلقه وسيرته ولسانه، يتلوا عليهم ءايات القرءان ويشرح لهم معانيها ويُزكيهم أي يطهرهم من الشرك والمعاصي والرذائل والقبائح وسائر الخصال الذميمة، ويحثهم على الأخلاق الجميلة والصفات الحميدة.  وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وهو القرءان وَالْحِكْمَةَ وهي السنة بعد أن كانوا في ضلال مبين. فالله تعالى أخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور ببعثة محمد صلى الله عليه وسلّم.

فبسبب محمد عليه الصلاة والسلام أنقذ الله تعالى الملايين بل المليارات من الناس من الخلود الأبدي في نار جهنم. فبعثة النبي محمد نعمة من الله عظيمة ومنّة من الله كريمة ورحمة من الله كبيرة لا سيما وقد قال الله تعالى في القرءان الكريم: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. وإن كان المسلم يشكر الله تعالى على نعمة شرب الماء وتنفس الهواء فمن باب أولى أن يشكر المسلم ربه على نعمة إرسال النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن مظاهر شكر الله على نعمة إرسال النبي محمد صلى الله عليه وسلّم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فهو شيء حسن جميل مفيد مبارك يزيد المحبين حبا برسول الله ويزيد المشتاقين اشتياقا لرسول الله ويزيد الهائمين هياما برسول الله ويزيد المؤمنين تعلقا برسول الله وثباتا على نهجه وتمسكا بسنته والتزاما بأوامره فلا وجه لتفسيق وتكفير وتضليل المسلمين الذين يحتفلون بالمولد ولا دليل على تحريمه ولا هو حرام أصلا.

وإن أردنا أن نعد ما حوى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من الخيرات التي يحبها  الله والرسول لوجدنا الشيء الكثير. فمن هذه الخيرات اجتماع الناس على الخير وهذا مما يقوي وينمي التكاتف والتآلف والتضامن والتعاون الذي لا بد منه لوحدة المسلمين. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يد الله مع الجماعة. أي البركة مع الجماعة.

ومن الخيرات التي تحصل في المولد قراءة القرءان وقد قال الله تعالى: فاقرءوا ما تيسر من القرءان (المزمل)

ومن الخيرات التي تحصل في المولد ذكر الله وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا (الأحزاب)

ومن الخيرات التي تحصل في المولد الصلاة على النبي وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

ومن الخيرات التي تحصل في المولد توزيع الشراب الحلال والطعام الحلال وقد قال الله تعالى: و يطعمون الطعام علي حبه

ومن الخيرات التي تحصل في المولد إعطاء درس ديني فيه تعليم وتذكير للناس بتقوى الله وقد قال الله تعالى: وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

ومن الخيرات التي تحصل في المولد مدح الرسول لا سيما وقد مدح الله نبيه في القرءان الكريم في كثير من الآيات، منها وإنك لعلى خلق عظيم.

وقد أمرنا الله بتعظيم حبيبه محمد وتفخيمه واحترامه وتوقيره، يقول تعالى: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه (الفتح) ومن تعظيم النبي مدحه صلى الله عليه وسلم. وفي آية أخرى مدح الله الذين يعظمون الرسول فقال سبحانه وتعالى: فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (الأعراف).

هذا ما يحصل في المولد النبوي الشريف وليس فيما ذكرناه ما ينكره مسلم. فاحتفلوا بالمولد وأكثروا من الخطبِ والأناشيدِ والأشعارِ في مدحِ خيرِ البريةِ  واعلموا أن هذه الاحتفالاتِ التي يقومُ بها المسلمونَ في شهرِ ربيعِ الأول من كلِ سنةٍ بمناسبةِ المولدِ الشريفِ في بلاد المغربِ العربي ومصرَ وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا وبنغلادش والهند وباكستان وروسيا وأندونيسيا وغيرِها دليلٌ على أن المسلمين لا يعبأون بأفكار من يُحرّمُ المولد وأن هؤلاء منبوذون ممقوتون لا عِبرة بكلامهم ولو ملؤوا السهل والجبل. والله تعالى أعلم واحكم وكل عام وأنتم بخير والحمد لله رب العالمين

5  الاحتفال بالمولد طاعة عظيمة يثاب فاعلها

قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا.

إِخْوَةَ الإِيمانِ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَريمَةُ عَلى أَنَّ مَنْ أَرادَ النَّجاةَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَماءُ المسْلِمينَ وَأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ وَجَاءَ في الحَديثِ الموْقُوفِ عَنِ الصَّحابِيِّ الجَليلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قالَ “مَا رَءاهُ المُسْلِمونَ حَسَنًا -أَيْ أَجْمَعُوا عَلى أَنَّهُ حَسَنٌ – فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَما رَءاهُ المُسْلِمونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ قَبِيحٌ”. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا ٱسْتَحْسَنَتْهُ الأُمَّةُ أَيُّها الأَحِبَّةُ وَأَجْمَعَتْ عَلى مَشْرُوعِيَّتِهِ الاِحْتِفالُ بِذِكْرى وِلادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مِنَ الطَّاعاتِ العَظِيمَةِ الَّتِي يُثابُ فاعِلُهَا لِمَا فيهِ مِنْ إِظْهارِ الفَرَحِ وَالاِسْتِبْشارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّريفِ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنَ البِدَعِ الحَسَنَةِ الَّتي ٱتَّفَقَ عُلَماءُ الأُمَّةِ عَلى جَوازِها وَأَوَّلُ ما حَدَثَ هَذا الاِحْتِفالُ في أَوَائِلِ القَرْنِ السَّابِعِ مِنَ الهِجْرَةِ أَحْدَثَهُ ذَلِكَ التَّقِيُّ العَالِمُ الـمُجَاهِدُ الـمُظَفَّرُ مَلِكُ إِرْبِل، وَجَمَعَ لِهَذا كَثيرًا مِنْ عُلَماءِ عَصْرِهِ فَٱسْتَحْسَنُوا فِعْلَهُ وَمَدَحُوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَهَكَذا العُلَماءُ بَعْدَهُمْ أَيُّها الأَحِبَّةُ لَمْ يُنْكِرْ فِعْلَ الموْلِدِ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى ظَهَرَ في القَرْنِ المَاضِي جَماعَةٌ مِنَ الْمُجَسِّمَةِ نُفاةِ التَّوَسُّلِ فَأَنْكَرُوا فِعْلَ الموْلِدِ إِنْكارًا شَديدًا أَيْ أَنْكَرُوا ما ٱسْتَحْسَنَتْهُ الأُمَّةُ جَمْعاءَ لِعُصُورٍ مُتَتَالِيَةٍ وَزَعَمُوا بِجَهْلِهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ عَلى الدِّينِ أَنَّهُ بِدْعَةُ ضَلالَةٍ وَٱسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ وَضَعوهُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَهُوَ حَدِيثُ “كل بدعة ضلالة” وَأَرادُوا أَنْ يُمَوِّهُوا بِهِ عَلى النَّاسِ وَهُوَ حَديثٌ صَحيحٌ لَكِنَّ مَعْناهُ أَنَّ مَا ٱسْتُحْدِثَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ حَسَنَةٍ إِلاَّ مَا وَافَقَ الشَّرْعَ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مَذْمُومًا فَكَلِمَةُ كُلُّ يُرادُ بِها هُنا الأَغْلَبُ أي أغلبُ البدع ضلالة وليس معنى الحديث أن جميع البدع بلا استثناء ضلالة والدليل على ذلك ما صَحَّ في صَحيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “مَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُها وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ” وَلِذَلِكَ قالَ الإِمامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ “اَلبِدْعَةُ بِدْعَتانِ مَحْمُودَةٌ وَمَذْمُومَةٌ، فَما وافَقَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَحْمودٌ وَما خالَفَهَا فَهُوَ مَذْمومٌ” رَواهُ عَنْهُ الإِمامُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.

ثُمَّ كَيْفَ يَا أَهْلَ الفَهْمِ يَقولُ هَؤُلاءِ المحْرُومُونَ عَنِ ٱجْتِماعِ المسْلِمينَ عَلى قِراءَةِ القُرْءانِ وَذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَمَدْحِ محمدٍ سَيِّدِ الأَكْوانِ مِمَّا شَرَعَهُ اللهُ وَالرَّسولُ وَتَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ إِنَّهُ بِدْعَةُ ضَلالٍ وَكَيْفَ يَجْرُؤُونَ عَلى ذَلِكَ. أَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُ تعالى : ﴿فَٱقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ﴾ ، وَقَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ٱذْكُرُواْ اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ ، أَلَمْ يَرِدْ مَدْحُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ في القُرْءَانِ الكَريمِ فَقالَ اللهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَنْ حَبِيبِهِ المصْطَفَى صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ، وَقالَ سُبْحانَهُ عَنْهُ أَيْضًا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ ، ثُمَّ أَيُّهَا الأَحْبابُ أَلَمْ يَجِئْ في السُّنَّةِ المطَهَّرَةِ أَيْضًا ما يَدُلُّ عَلى مَدْحِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ جَماعَةً وَفُرادَى بِدُفٍّ وَمِنْ غَيْرِ دُفٍّ في المسْجِدِ وَخارِجَهُ، أَلَيْسَ ثَبَتَ في الحَديثِ الصَّحيحِ الذي رواه أحمد وابن حبان أَنَّ أَشْخاصًا مِنَ الحَبَشَةِ كانُوا يَرْقُصُونَ في مَسْجِدِ رَسولِ اللهِ وَيَمْدَحُونَهُ بِلُغَتِهِمْ فَقالَ رَسولُ اللهِ “مَاذَا يَقُولُونَ” فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ “مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ”، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ذَلِكَ. أَلَيْسَ قالَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ لَهُ “يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي ٱمْتَدَحْتُكَ بِأَبْيَاتٍ” فَقالَ رَسولُ اللهِ “قُلْهَا لاَ يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ” فَأَنْشَدَ قَصِيدَةً فَما مَنَعَهُ رَسولُ اللهِ وَلاَ نَهاهُ وَلاَ قالَ لَهُ حَرامٌ أَنْ تَمْدَحَنِي بَلِ ٱسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ وَدَعَا لَهُ بِأَنْ تَبْقَى أَسْنَانُهُ سَلِيمَةً فَحَفِظَها اللهُ لَهُ بِبَرَكَةِ دُعاءِ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ تُوُفِّيَ العَبَّاسُ في خِلافَةِ عُثْمانَ بْنِ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما وَهُوَ ٱبْنُ ثَمانٍ وَثَمانِينَ سَنَةً وَلَمْ يَسْقُطْ لَهُ سِنٌّ وَلا ضِرْسٌ.

وَٱسْمَعُوا أَيُّها الإِخْوَةُ ماذا قالَ الحافِظُ السُّيُوطِيُّ عِنْدَما سُئِلَ عَنْ عَمَلِ المَوْلِدِ الشَّريفِ في رِسالَةٍ سَمَّاها “حُسْنُ المَقْصِدِ في عَمَلِ المَوْلِدِ” قالَ وَٱسْمَعُوا جَيِّدًا “أَصْلُ عَمَلِ المَوْلِدِ الَّذي هُوَ ٱجْتِماعُ النَّاسِ وَقِراءَةُ ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءانِ وَرِوايَةُ الأَخْبارِ الوَارِدَةِ في مَبْدَإِ أَمْرِ النَّبِيِّ وَما وَقَعَ في مَوْلِدِهِ مِنَ الآياتِ، ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِماطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيادَةٍ عَلى ذَلِكَ هُوَ مِنَ البِدَعِ الحَسَنَةِ الَّتِي يُثابُ صاحِبُها لِما فِيهِ مِنْ تَعْظيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ وَإِظْهارِ الفَرَحِ وَالاِسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّريفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.

فَلا يَهُولَنَّكُمْ عِبادَ اللهِ رَحِمَكُمُ اللهُ كَلامُ نُفاةِ التَّوَسُّلِ المَحْرُومِينَ مِنْ مَحَبَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَجْدادِي وَأَجْدَادَكُمْ وَأَسْلافي وَأَسْلافَ المسْلِمِينَ كُلَّهُمْ في كُلِّ أَرْجاءِ المَعْمُورَةِ كَانُوا عَلى ضَلالٍ في ٱحْتِفالِهِمْ بِالموْلِدِ الشَّريفِ حَتَّى جَاءُوا هُمْ فَعَرَفُوا الحَقَّ. هَؤُلاءِ جاهِلُونَ بِالخَالِقِ تَعالى مَحْرُومُونَ مِنْ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ الكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالتَّسْليمِ لاَ تَغْتَرُّوا بِشُبَهِهِمْ وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلى إِنْكارِهِمْ وَٱحْتَفِلُوا بِالمَوْلِدِ الشَّريفِ وَٱقْرَأُوا القُرْءانَ وَٱقْرَأُوا ما حَصَلَ عِنْدَ مَوْلِدِهِ وَما ظَهَرَ مِنَ الآيَاتِ الباهِرَاتِ وَٱمْدَحُوهُ بِحُسْنِ النِّيَّةِ وَعَظِّمُوا قَدْرَهُ وَلا تُبَالُوا بِمُنْكِرٍ أَوْ جاحِدٍ. كل عام وانتم بخير وإلى اللقاء.

6  الاحتفال بالمولد لا يخالف القرءان والسنة

أَمّا بَعْدُ، إِخْوَةَ الإِيمَانِ، إِنَّ الاِحْتِفَالَ بِذِكْرَى مَوْلِدِ الرَّسُولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ يُثَابُ فَاعِلُهَا لِأَنَّـَها تُوَافِقُ الشَّرِيعَةَ وَلا تَحْتَوِي عَلَى مَا يُخَالِفُ القُرْءَانَ وَالسُّنَّةَ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِـهَا ” ، وَالمُسْلِمُونَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِـَها يَحْتَفِلُونَ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا مِنَ اللهِ شَيْئاً مِنْ بَرَكَاتِهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ إِظْهَارَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَالبَهْجَةِ وَتِلاَوَةَ القُرْءَانِ وَإِنْشَادَ المَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَتِلاَوَةَ سِيرَةِ الرَّسُولِ فِي ذِكْرَى وِلاَدَتِهِ لِبَيَانِ عِظَمِ قَدْرِهِ عَلَيْهِ الصّلاَةُ وَالسَّلاَمُ شَىْءٌ يُحِبُّه اللهُ وَرَسُولُهُ، وَالاِحْتِفَالُ بِالمَوْلِدِ فِيهِ إِظْهَارُ الفَرَحِ بِسَيِّدِ العَالَمِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَذَلِكَ الاِحْتِفَالُ بِالمَوْلِدِ فِيهِ شُكْرُ اللهِ عَلَى إِظْهَارِ هَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ نِعْمَةِ بُرُوزِ الرّسُولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَفيِه تَعْظِيمٌ لِلرّسُولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ .

7  استحسن العلماء في مشارق الأرض ومغاربها عمل المولد

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ المُؤْمِنُونَ، لَقَدِ اسْتَحْسَنَ عَمَلَ المَوْلِدِ العُلَمَاءُ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِـهَا، وَمِنْ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءِ أَحْمَدُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلاَنِيُّ وَتِلْمِيذُهُ الحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَكَذَلِكَ الحَافِظُ السُّيُوطِي. وَالحَافِظُ السُّيُوطِيُّ عَمِلَ رِسَالَةً لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَةِ هَذَا الأَمْرِ سَمّاهَا “حُسنُ المَقْصِدِ فِي عَمَلِ المَولِدِ ” قَالَ فِيهَا : ” فَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عَمَلِ المَوْلِدِ النَّبَوِي فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مَا حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ؟ وَهَلْ هُوَ مَحْمُودٌ أَمْ مَذْمُومٌ ؟ وَهَلْ يُثَابُ فَاعِلُهُ أَوْ لاَ ؟ وَالجَوَابُ عِنْدِي: أَنَّ أَصْلَ عَمَلِ المَوْلِدِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ، وَرِوَايَةُ الأَخْبَارِ الوَارِدَةِ فِي مَبْدَأِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَمَا وَقَعَ فِي مَوْلِدِهِ مِنَ الآيَاتِ ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ هُوَ مِنَ البِدَعِ الحَسَنَةِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَإِظْهَارِ الفَرَحِ والاِسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ” وَقَالَ أَيْضاً : ” وَقَدِ اسْتَخْرَجَ لَهُ –أَيِ المَوْلْدُ- الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ حَجَرٍ أَصْلاً مِنَ السُّنَّةِ ، وَاسْتَخْرَجْتُ لَهُ أَنَا أَصْلاً ثَانِيًا” .

وَقَدْ ذَكَرَ الحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ عَمَلَ المَوْلِدِ حَدَثَ بَعْدَ القُرُونِ الثَّلاَثَةِ الأُولَى. ثُمَّ مَا زَالَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ مِنْ سَائِرِ الأَقْطَارِ فِي المُدُنِ الكِبَارِ يَعْمَلُونَ المَوْلِدَ وَيَتَصَدَّقُونَ فِي لَيَالِيهِ بِأَنْوَاعِ الصَّدَقَاتِ وَيَعْتَنُونَ بِقِرَاءَةِ مَوْلِدِهِ الكَرِيمِ وَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَاتِهِ كُلُّ فَضْلٍ عَمِيمٍ.

وَمَا كَانَ اسْتِحْسَانُ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ لِهَذَا الأَمْرِ إِلاَّ لِأَنَّـهُمْ وَزَنُوا الأُمُورَ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ لاَ بِمِيزَانِ الهَوَى فَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مُخَالَفَةً لِلشَّرْعِ : فَفِي الاِحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  يَتْلُوا المُسْلِمُونَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ الكَرِيمِ وَفِي ذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِلشَّرْعِ، وَفِيهِ يَقْرَؤُونَ قِصَّةَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ الشَّرِيفِ وَقِصَّةِ حَيَاتِهِ وَمَا فِيهِمَا مِنْ دُرُوسٍ وَعِبَرٍ تَجْعَلُ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ ثَبَاتاً أَكْبَرَ وَهِمَّةً أَعْلَى مُتَدَبِّرِينَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ عَزّ وَجَلّ : ] وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ ما نثبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [  ، وَفِي المَوْلِدِ يَمْدَحُ المُسْلِمُونَ نَبِيَّهُمْ مُحَمَّداً صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَفِي هَذَا أَيْضاً مُوَافَقَةٌ لِلشَّرْعِ ، فَاللهُ مَدَحَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ ، وَالنَّبِيُّ مَدَحَ نَفْسَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ :” أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ ” وَفِي حَدِيثٍ ءَاخَرَ : ” أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ ءَادَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ ” ، وَالاِسْتِمَاعُ لِلْحَادِي فِي المَدْحِ جَائِزٌ لاَ شَىْءَ فِيهِ ، فَفِي صَحِيحِ البُخَارِي كِتاَبِ الأَدَبِ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  إِلَى خَيْبَر فَسِرْنَا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعَامِرِ بنِ الأَكْوَعِ : أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ ؟ قَالَ : وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِراً فَـنَـزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، ثُمَّ إِنَّهُ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ فَقَالَ : ” ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ” وَفِي هَذَا الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ الأَيَّامِ الَّتِي تَتَجَدَّدُ فِيهَا نِعَمُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِـهَا عَلَيْنَا هِيَ إِظْهَارُهُ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَبِعْثَتُهُ وَإِرْسَالُهُ إِلَيْنَا، وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ] لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ [ ثُمَّ لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَوِي العَقْلِ مَا يَحْصُلُ مِنَ البَرَكَاتِ وَالخَيْرَاتِ مِنْ جَرَّاءِ الاِحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ ، فَتَبَيَّنَ لَكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ مِنْ هَذَا أَنَّ الاِحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ فَلاَ وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ ، بَلْ هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُسَمَّى سُنَّةً حَسَنَةً لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَمَلَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  : ” مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىءٌ ” اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِبَرَكَاتِ نَبِيِّكَ الكَرِيمِ وَاجْعَلْنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ المُخْلِصِينَ .

8 من مئات السنين جرت عادة المسلمين على الاحتفال بالمولد

مِنْ مِئَاتِ السِّنِينَ جَرَتْ عَادَةُ المُسْلِمِينَ عَلَى الاِحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهُ هُوَ المَلِكُ المُظَفَّرُ وَدَعَا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ العُلَمَاءِ وَرِجَالِ الدَّوْلَةِ وَغَيْرِهِمْ فَأَعْجَبَ الكُلَّ. فَوَافَقَ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ وَالفُقَهَاءُ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَعْمُولاً بِهِ إِلَى هَذَا العَصْرِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عِنَايَةً بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَأَهْلُ مِصْرَ. وَهَذَا لاَ يُنْكِرُهُ ذُو فَهْمٍ بِالدِّينِ لِأَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ : ” مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ ” . عَمَلاً بِهَذَا الحَدِيثِ نَعْمَلُ هَذَا الاِحْتِفَالَ . وَذَلِكَ المَلِكُ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهُ نَرْجُو لَهُ مِنَ اللهِ أَجْراً كَبِيراً لِأَنه طَبَّقَ هَذَا الحَدِيثَ. وَلَيْسَ كَمَا يَزْعَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَ هَؤُلاَءِ حُجَّةٌ سِوَى قَوْلُهُمْ : مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ ، مَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ. وَكَمْ مِنْ أَشْيَاءٍ يَعْمَلُونَهَا لَمْ يَفْعَلْهَا الرَّسُولُ، مِنْ ذَلِكَ عَمَلُ المَحَارِبِ لِلْمَسَاجِدِ ، فَالرَّسُولُ مَا عَمِلَ مِحْرَابًا لِمَسْجِدِهِ بَلْ عُمِلَ لِمَسْجِدِهِ مِحْرَابٌ بَعْدَ تِسْعِينَ عَاماً ، وَالقُرْءَانُ الكَرِيمُ مَا كَانَ فِيهِ هَمْزَةً وَلاَ شَدَّةً عِنْدَمَا أَمْلاَهُ الرَّسُولُ عَلَى الصَّحَابَةِ بَلْ كَانَتِ المَصَاحِفُ مُجَرَّدَةً. ثُمَّ بَعْضُ العُلَمَاءِ الأَتْقِيَّاءِ عَمِلَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ مِنَ التَّنْقِيطِ وَالتَّشْكِيلِ والشَّدَّةِ وَالهَمْزَةِ، وَهَذِهِ لاَ يُنْكِرُهَا هَؤُلاَءِ، أَمَّا عَمَلُ المَوْلِدِ فَيُنْكِرُونَهُ، بِدُونِ دَلِيلٍ يَسْتَحْسِنُونَ هَذَا وَيُحَرِّمُونَ ذَاكَ. وَنَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللهِ تَعَالَى الأَجْرَ لِمِنْ يَقُومُ بِهَذَا الاِحْتِفَالِ وَلِلْحَاضِرِينَ إِذَا دُعُوا إِلَيْهِ. وَنَحْنُ عِنْدَنَا الاِحْتِفَالُ بِالمَوْلِدِ فِيهِ أَجْرٌ، إِذْ نَحْنُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ نَتَّبِعُ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ، نَحْنُ نَنْتَسِبُ إِلَى الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِي  وَلَيْسَ عِنْدَنَا أَفْكَارٌ جَدِيدَةٌ نَدْعُو إِلَيْهَا النَّاسَ.

9  تقسيم البدعة مفهوم من عدة أحاديث

أما بعد،  البِدعةُ في الشرعِ هي الـمُحدَثُ الذي لم ينصَّ عليه القُرءانُ ولا جَاء في السنة ، والبِدعةُ تَنقَسِمُ إلى قسمين : بِدعةُ ضَلالةٍ : وهي الـمُحدثةُ الـمُخالفةُ للقرءانِ والسنة. وبِدعةُ هُدى : وهي الـمُحدثَةُ الموافقة للقرءانِ والسنة.

وهذا التقسيمُ مفهومٌ من عدّة أحاديث منها حديث البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ :” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” ورواه مسلم بلفظٍ ءاخر وهو ” مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أَمرنا فهو رد”. فأفهم رسول الله ﷺ بقوله : “ما ليس منه” أنَّ الـمُحْدثَ إنما يكون رداً أي مَردوداً إذا كان على خلافِ الشريعةِ وأنَّ المحدَث الموافقَ للشريعة ليس مردوداً .

10  البدعة ضربان كما قسمها الإمام الشافعي

قالَ الإمامُ الشافعيُّ رضيَ الله عنه في كتابه  الأم : ” البِدعةُ ضَربان : بِدعةُ هُدى وبِدعةُ ضَلالة ” ، وروى البيهقيُ  بإسناده في مناقبِ الشافعي عنِ الشافعي رضي الله عنه قالَ : “الـمُحدثاتُ من الأمور ضَربان : أحدُهُما ما أُحدِثَ مِما يُخالف كتاباً أو سُنةً أو أثراً أو إجماعاً ، فهذه البدعةُ الضلالة ، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحدٍ من هذا وهذه مُحدَثةٌ غيرُ مَذمومُة ” .

11  البدعة ضربان حسنة وقبيحة

قال النووي في كتاب تـهذيب الأسماء واللغات  ما نصه  : ” البِدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله ﷺ ، وهي مُنقسمة إلى حَسَنةٍ وقبيحة “. فعُلِمَ من ذلك جَوازُ أن يحدَث بعد رسول الله ﷺ شىءٌ لم يَنصَّ عليه النبي ولا فَعلَه شرطَ أن يكون مُوافقاً للكتاب والسنة والإجماع والأثر، والقاعدة كما قال سيدُنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ” ما رءاه المسلمون حَسَناً فهو عند الله حسنٌ وما رءاه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيحٌ “.

12 بدعة خبيب الصحابي

خُبيبُ رجلٌ من أولياء الصّحابة وكان قد قَتلَ في معركة بدرٍ أحدَ أكابر مُشركي مكّة، فلما أسره الكفّار وقدموه للقتل ثأرًا، قال لهم: أمهلُوني حتى أصلّيَ ركعتين فصلّى ركعتين ثم هُمْ قتلوه، قبل ذلك ما أحدٌ فعل هذا.  روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال : فَكَانَ خُبيْبُ أَوَّلَ مَن سَنَّ رَكْعَتَينِ عِندَ القَتْلِ. فأعجب هذا الأمر الصّحابةُ، والرسولُ  بلَغَهَ فما أنكره، ما قال أنا ما قلتُ له، ما قال أنا ما قلت لأحدٍ إذا قدّم للقتل ليصلّ ركعتين. وهذا يدل على جواز فعل أمرٍ ما نص عليه القرءان ولا نص عليه الرسول بشرط أن يوافق الشرع. فما فعله خبيب الصحابي يقال له بدعة حسنة.

13  نعمت البدعة هذه

مما يدلّ على أن الشىءَ الـمُحدَثَ إذا كان موافقاً للشّريعة فليس مردوداً جمع النّاس على صلاة التراويح في رمضان وكانوا في أيّام رسول الله ﷺ يصلّونـها فرادى وقال عمر عن ذلك : ” نِعمَ البِدعَةُ هَذِهِ “، وقد روى ذلك عن عمر البخاري في صحيحه وفي الموطأ بلفظ “نِعمَتِ البِدعَةُ هَذِهِ “.

14 بدعة حسنة فعلها عثمان

من البدع الحسنة زيادة عثمان بن عفّان رضي الله عنه أذاناً ثانياً يوم الجمعة، وهذا الأذان الثاني الذي زاده هو الأذان الأول. ولم يكن هذا الأذان في أيّام رسول لله ﷺ، وما زال النّاس على هذا الأذان يومَ الجمعة في مشارق الأرض ومغاربـها ، وقد روى ذلك عن عثمان البخاريُّ في صحيحه فالذين يقولون ليست هناك بدعة حسنة، ويزعمون زورا أن البدعة لا تكون إلا ضلالة هل سَيقتصرون على أذان واحد يوم الجمعة كما كان الأمر أيّام رسول الله ﷺ أم يؤذنون أذانين كما فعل عثمان، فما هذا التناقض بين فعلهم وقولهم !

15  تنقيط المصحف بدعة حسنة

الصّحابة الذين كتبوا الوحي الذي أملاه عليهم الرسول كانوا يكتبون الباء والتاء ونَحْوَهُمَا بِلاَ نُقَطٍ ثم عثمان بن عفّان لما كتب ستَّ مصاحف استبقى عنده نُسخة وأرسل الباقي إلى الآفاق إلى البصرة ومكّة وغيرهِما ، ولم تكن تلك المصاحف منقوطة ، وإنما أوّل من نقّط المصاحف رجلٌ من التابعين من أهل العلم والفضل والتقوى يقال له يحي بن يعمر ولم ينكر العلماء عليه هذه البدعةَ الحسنة مع أن الرّسول ما أمر بنقط المصحف ولا فعله. وهذا يدلّ على أنّه ليس كلّ ما لم يفعله الرسول ولم يأمر به حراما.

16 كتابة الصلاة على النبي بعد اسمه بدعة حسنة

من البدع الحسنة كتابة “صلى الله عليه وسلم” عند كتابة اسم النَّبِيِّ. العلماء أحدثوا كتابة ” صلى الله عليه وسلم ” عند كتابة اسمه ، أيام الرّسول ما كان هذا، ولم يأمر النبيُ بكتابتها في رسائله التي أرسلـها إلى الملوك والرؤساء ليدعوهم إلى الإسلام ، وإنّما كان يُكتب من محمّد رسول الله إلى فلان. فإذاً إضافة ” صلّى الله عليه وسلّم ” بعد اسم الرسول بدعةٌ حسنة أحدثها العلماء، و تدخل تحت حديث الرَّسول ﷺ الذي يقول فيه : ” منْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِـهَا مِنْ غَيْـرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىءٌ” . فالذين ينكرون الاحتفال بمولد الرسول ﷺ بدعوى أن الرّسول ما فعله ولا أمر به يقال له : أنتم ونحن نكتب بعد اسم النّبيّ ” صلى الله عليه وسلم ” والرّسول ما نص على ذلك ولا أمر به ولا فعله ولا الصّحابة، فكيف تحلّلون هذا وتنكرون الاحتفال بالمولد بدعوى أن الرّسول لم يفعله ولا أمر به والصحابة لم يفعلوه ، بـهذا يفحمون ، لا حجّة لهم إلا العناد ، يقال لهم : أنتم مُتحكّمون لا تمشون مع الدليل إنما تمشون مع هواكم . فتبين لكم أيها الأحبة من هذا، أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة لأنه يوافق الشرع وإن كان مما لم يفعله الرسول ولا الصحابة فلا وجه لإنكاره ، بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله ﷺ : ” مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىءٌ ” ثم تذكروا دائما أن الله تعالى قال وما نهاكم عنه فانتهوا ولم يقل ما لم يفعله فانتهوا عنه ولم يقل ما لم يأمر به فانتهوا عنه. وفي الختام نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدينا والدنيا والآخرة بجاه حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.

17 قول ابن كثير فيمن بدأ بعمل المولد

الاحتفال بمولد رسول الله  ﷺ هو من البدع الحسنة ، فهذا العمل لم يكن في عهد النبيّ ولا في زمن الصّحابة وإنّما إقامة الاحتفال بذكرى مولد الرسول الله ﷺ أحدث في أوائل القرن السابع للهجرة ، وأوّل من أحدثه ملك إربل ، وكان عالما تقياًّ محباًّ للرّسول صلى الله عليه وسلم وللعلماء وكان شجاعا يقال له المظفَّر ، فأظهر الفرح بمولد الرّسول ﷺ وعمل لذلك احتفالا كبيرا فكان يجمع لهذا كثيرا من الفقهاء والمحدثين ويُتلى القرءان ويُقرأ المولد وتُزين البلاد وتذبح الذبائح وتصنع الحلوى لإطعام الناس. فوافق على عمل المولد العلماء والفقهاء ولم يزل ذلك معمولا إلى هذا العصر . قال ابن كثير في تاريخه ما نصه  : ” كَانَ المَلِكُ المُظَفَّرُ يَعْمَلُ المَوْلِدَ الشَرِيفَ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ وَيَحْتَفِلُ بِهِ احتِفَالاً هَائِلاً وَكَانَ شَهْماً بَطَلاً عَالِمًا رَحِمَهُ الله تَعَالَى وَأَكْرَمَ مَثوَاهُ “.

18  الاحتفال بالمولد ليس عبادة لمحمد ﷺ

الْموْلِدُ هُوَ شُكْرٌ للهِ تعالى عَلَى أنَّهُ أَظْهَرَ مُحَمَّدًا في مِثْلِ هَذا الشَّهر، لَيْسَ عِبَادَةً لِمُحَمَّدٍ، نَحْنُ لا نَعْبُدُ مُحَمَّدًا وَلا نَعْبُدُ شَيْئًا سِوى اللهِ، نَحْنُ لا نَعْبُدُ مُحمَّدًا بَلْ نَعْتَبِرُ مُحَمَّدًا دَاعِيًا إلى اللهِ، هَدَى النَّاسَ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْظيمَ الذي يليق به، واللهُ تعالى امْتَدَحَ الَّذينَ ءامنُوا بِهِ ﷺ وَعَزَّرُوهُ أي عظَّمُوهُ فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ:  فَالَّذِينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُو.  ثم يا أحبابنا الكرام إن المولد فيه خير وبركة، الْمَوْلِدُ فيهِ اجْتِمَاعٌ على طاعَةِ اللهِ، اجْتِمَاعٌ على حُبِّ اللهِ وحُبِّ رسُولِ اللهِ، اجْتِمَاعٌ على ذِكْرِ اللهِ وَذِكْرِ شَىْءٍ مِنْ سيرَةِ رَسولِ اللهِ ونَسَبِهِ الشَّريفِ، وشَىْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْخَلْقِيَّةِ والْخُلُقِيَّةِ، وَفيهِ إِطْعامُ الطَّعامِ لِوجْهِ اللهِ تَعَالى واللهُ تعالى يَقولُ ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾  ، بَعْدَ هذا كَيْفَ يُحَرِّمُ شَخْصٌ يَدَّعي العِلْمَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ فَرَحًا بِوِلادَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ  ؟!

19  استخراج جواز عمل المولد من الحديث

الأصْلُ الذي اسْتَخْرَجَهُ الْحافِظُ ابنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ  مِنَ السُّنةِ على جَوازِ عَمَلِ الْمَوْلِدِ مَا رَوَاهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدينةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عاشُوراءَ، فَسُئِلوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالوا: “هُوَ الْيَومُ الَّذي أَظْهَرَ اللهُ مُوسى وَبَني إسْرائيلَ على فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نصُومُهُ تَعْظيمًا لَهُ”، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ:  “نَحْنُ أَوْلى بِموسى” وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ أَمْرَ اسْتِحْبابٍ. فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ فِعْلُ الشُّكْرِ للهِ تعالى على ما تَفَضَّلَ بِهِ في يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ حُصُولِ نِعْمَةٍ أَو رَفْعِ نِقْمَةٍ، ويُعادُ ذَلِكَ في نَظيرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، والشُّكرُ للهِ يَحْصُلُ بِأَنْواعِ العِبادَةِ كالسُّجودِ والصِّيامِ والصَّدَقَةِ والتِّلاوَةِ، وأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ بُرُوزِ النَّبي صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم . ذَكَرَ ذَلِكَ الإمامُ السُّيوطِيُ في كِتَابِهِ الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.

20 سبب صيام النبي يوم الاثنين

الأصْلُ الذي اسْتَخْرَجَهُ الْحَافِظُ السِّيوطِيُّ مِنَ السُّنةِ على جَوازِ عَمَلِ الْمَوْلِدِ في رِسَالَتِهِ “حُسْنُ الْمَقْصِدِ في عَمَلِ الْمَوْلِدِ” : قَوْلُهُ ﷺ: “ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فيهِ وفيهِ أُنْزِلَ عَلَيّ”، لَمَّا سُئِلَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ سَبَبِ صِيامِهِ لِيوْمِ الاثنينِ. وفي هَذَا الْحديثِ إِشارَةٌ إِلى اسْتِحْبابِ صِيامِ الأيَّامِ الَّتي تَتَجَدَّدُ فِيها نِعَمُ اللهِ تعالى على عِبادِهِ، وإنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَيْنا إِظْهَارَهُ وَبِعْثَتَهُ وإرسالَهُ إِلَيْنَا، وَدَليلُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى:  ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِم ﴾ قالَ الْحافِظُ السِّيوطيُّ في رِسَالَتِهِ “وقَدِ اسْتَخْرَجَ لَهُ – أي الْمَوْلِدِ – إِمامُ الْحُفَّاظِ أبو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ حَجَرٍ أَصْلاً مِنَ السُّنَّةِ واسْتَخْرَجْتُ لَهُ أَنا أَصْلاً ثانيًا …” اه

21  المولد ليس احتفالا بوفاته ﷺ

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهِ المسلمونَ وَلَيْسَ كَمَا قيلَ إِنَّ أَصْلَهُ هُوَ أنَّ أُناسًا كانُوا يَحْتَفِلُونَ بِوفاتِهِ ﷺ: فَقَدْ ذَكَرَ الْحُفَّاظُ والعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحابِ التَّوارِيخِ وغَيْرِهِم أنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَحْدَثَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ هُوَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ(مظفرُ الدين أبو سعيد كوكبري بنُ زين الدين علي بنِ بكتكين بنِ محمد وُلِدَ 549 مات: 630) و كانَ يَحْكُمُ إِرْبِلَ، وَهُوَ وَرِعٌ، صالِحٌ، عالِمٌ، شُجَاعٌ، ذُو عِنَايَةٍ بِالْجِهَادِ، كانَ مِنَ الأَبْطالِ، مَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ الفِرِنْجَ بِعَكَّا، هُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَحْدَثَ هَذَا الأَمْرَ، ثُمَّ وافَقَهُ العُلَماءُ والفُقَهاءُ، حَتَّى عُلَمَاءُ غَيْرِ بَلَدِهِ الَّذي يَحْكُمُهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْحافِظُ السِّيوطِيُّ في كِتابِهِ الأوائِلِ، ولا زالَ المسلمونَ على ذَلِكَ مُنْذُ ثَمانِمِائةِ سَنَةٍ حَتَّى الآنَ. فأيُّ أَمرٍ اسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وأَجْمَعوا عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَأَيُّ شىءٍ اسْتَقْبَحَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ قَبيحٌ، ومَعْلومٌ أنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ لا يَجْتَمِعُونَ على ضَلالَةٍ لِحديثِ: “إِنَّ أُمَّتي لا تَجْتَمِعُ على ضَلالَةٍ”  رَواهُ ابنُ ماجَه في سُنَنِهِ.

22  النبي لم ينهنا عن الاحتفال بالمولد

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولا يُقالُ الرَّسُولُ لَمْ يأتِ بِه فَلا نَعْمَلُهُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تعالى ﴿وَما ءاتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فانْتَهوا﴾ فَلَيْسَ كُلُّ أمْرٍ لَمْ يأمُرْنا بِهِ الرَّسُولُ ﷺ ولا نَهانا عَنْهُ فَهُوَ حَرامٌ، فالرَّسُولُ لَمْ يأمُرْنا بِنَقْطِ الْمُصْحَفِ ولا نَهانا عَنْهُ فلَيْسَ حَرامًا عَلَيْنَا عَمَلُهُ لأنَّهُ مُوافِقٌ لِدينِهِ  كَذَلِكَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ الرَّسُولُ لَمْ يأمُرْنا بِهِ ولا نَهانا عَنْهُ فَلَيْسَ حَرامًا عَلَيْنا عَمَلُهُ لأَنَّهُ مُوافِقٌ لِدِينِهِ. الْحاصِلُ لَيْسَتْ كُلُّ أُمُورِ الدِّينِ جَاءَتْ نَصًّا صَريحًا في القُرءانِ أوْ في الْحديثِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ فيهِما فَلِعُلَمَاءِ الأُمَّةِ الْمُجْتَهِدينَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَديثِ أنْ يَسْتَنبِطُوا أَشْياءَ تُوافِقُ دينَهُ، وَيُؤيِّدُ ذَلِكَ قَولُهُ ﷺ: “مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا… “، فيُسْتفَادُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أَذِنَ للمُسلمينَ أَنْ يُحدِثُوا في دينِهِ ما لا يُخالِفُ القُرءانَ والْحديثَ فيُقالُ لِذَلِكَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ.

 23 الرد على شبهة في موضوع الاحتفال بالمولد

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ ولا يُقالُ عَنْهُ لوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّ الرَّسُولُ أُمَّتَهُ عليه: فَجَمْعُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ وتَشْكيلُهُ عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ ما نَصَّ عَلَيْهِ الرَّسولُ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم ولا عَمِلَهُ. فَهُؤلاءِ الَّذينَ يَمْنَعُونَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدَعوى أنَّهُ لَوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّنا الرَّسولُ عَلَيْهِ وَهُم أَنْفُسُهُم يَشْتَغِلُونَ في تَشْكيلِ الْمُصْحَفِ وَتَنْقيطِهِ يَقَعونَ في أَحَدِ أمْرَيْنِ :

  فَإِمَّا أنْ يَقولُوا إِنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ لَيْسَ عَمَلَ خَيْرٍ لأنَّ الرَّسولَ ما فَعَلَهُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ،  وإِمَّا أنْ يَقولُوا إنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ عَمَلُ خَيْرٍ و لَو لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسولُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ. وَفي كِلا الْحالَيْنِ نَاقَضُوا أَنْفُسَهُم.

24  ليس في هذه الحديث دليل على تحريم المولد

– الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ دَاخِلاً تَحْتَ نَهْيٍ مِنْهُ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم بِقَوْلِهِ: “مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ” لأنَّهُ ﷺ أَفْهَمَ بِقَوْلِهِ: “ما لَيْسَ مِنْهُ” أَنَّ الْمُحْدَثَ إِنَّما يَكُونُ ردًّا أيْ مَرْدُودًا إِذا كانَ على خِلافِ الشَّريعَةِ، وأَنَّ الْمُحْدَثَ الْمُوافِقَ لِلشَّريعَةِ لَيْسَ مَرْدُودًا. فالرَّسُولُ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم لَمْ يَقُلْ مَنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا فَهُوَ رَدٌّ !! بَلْ قَيَّدَهَا بِقَولِهِ: “ما لَيْسَ مِنْهُ”  لِيُبَيِّنَ لَنَا أنَّ الْمُحْدَثَ إِنْ كانَ مِنْهُ (أي مُوافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَشْرُوعٌ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ (أي لَمْ يَكُنْ مُوافِقًا لِلشَّرْعِ) فَهُوَ مَمْنوعٌ. وَلَمَّا كانَ عَمَلُ الْمَوْلِدِ أمْرًا مَشروعًا بِالدَّليلِ النَّقْلِيِّ مِنْ قُرْءانٍ وَسُنَّةٍ ثَبَتَ أنَّهُ لَيْسَ بِمَرْدُودٍ. والْحَديثُ رَواهُ الشَّيْخانِ.

25  الاحتفال بالمولد ليس فيه إشارة أن الدين لم يكتمل

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الدِّينَ لَمْ يَكْتَمِلْ وَلا تَكذيبًا لِقَولِهِ تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ ،  لأنَّ مَعْناها أنَّ قواعِدَ الدِّينِ تَمَّت، قالَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ: “وَقالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرادُ مُعْظَمُ الفَرَائِضِ والتَّحليلِ والتَّحْريمِ، قالوا: وقَد نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قُرءانٌ كثيرٌ، ونَزَلَتْ ءايةُ الرِّبا وَنَزَلَتْ ءايةُ الكَلالَةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ”. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ هِيَ ءاخِرَ ءايَةٍ نَزَلَت مِنَ القُرءانِ بَلْ ءاخِرُ ءايَةٍ نَزَلَتْ هِيَ قولُهُ تعالى: ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون ﴾  ذَكَرَ ذَلِكَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.

26 الاحتفال بالمولد ليس فيه اتهام للرسول بالخيانة

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ اتَّهامٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ بِالْخِيانَةِ بِدَعْوى أنَّهُ لَمْ يُعَرِّفْ أُمَّتَهُ بِهِ كَمَا زَعَمَ الْمانعُونَ لِلْمَوْلِدِ: فإِنْ كانَ كُلُّ فِعْلٍ أُحْدِثَ بَعْدَ الرَّسُولِ لَمْ يُعَرِّفِ النَّبِيُّ أُمَّتَهُ بِهِ مِمَّا هُوَ موافِقٌ لِلقُرءانِ والسُّنةِ يَكونُ فيه اتَّهامٌ لِلرَّسولِ بِالْخِيانَةِ فَعلى قَوْلِكُمْ أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وَعَلِيٌّ وعُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ وصَفوةٌ مِنْ عُلَماءِ الأُمَّةِ اتَّهَمُوا الرَّسُولَ بِالْخِيانَةِ لأنَّهُم أَحْدَثُوا أشياءَ مُوافِقَةً للقُرءانِ والسُّنةِ مِمَّا لَمْ يُعَرِّفِ الرَّسولُ أُمَّتَهُ بِها.

أمَّا استِشهادُ المانعين للمولد بِما ينْسُبُونَهُ للإمامِ مالِكٍ مِنْ أنَّهُ قالَ: “مَنِ ابْتَدَعَ في الإسْلامِ بِدْعَةً يَراهَا حَسَنَةً فَقَد زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا خانَ الرِّسالَةَ ” فَمَعْناهُ : “مَنِ ابْتَدَعَ في الإسْلامِ بِدْعَةً (أي مُحَرَّمَةً) يَراهَا (أي الذي ابْتَدَعَها يَراها) حَسَنَةً فَقَد زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا خانَ الرِّسالَةَ (لأنَّ مُحَمّدًا جاءَ بِخِلافِها)” والمراد بالبدعة هنا البدعة المحرمة كَعقيدَةِ التَّشبيهِ والتَّجسيمِ ولَيْسَ في الْمَوْلِدِ وما أَشْبَهَ.

ثُمَّ هم يسْتَشْهِدُونَ بِقَوْلِ الإمامِ مالِكٍ وهم يكَفِّرونَهُ مَعْنًى وإنْ لَمْ يكَفِّروهُ لَفْظًا، لأنَّ الْخَليفةَ الْمَنْصورَ لَمَّا جاءَ الْمَدينةَ سَأَلَهُ: “يا أَبا عَبْدِ اللهِ أسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وأدْعو أم أسْتَقبِلُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ؟ قالَ: وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسيلَةُ أبيكَ ءادَمَ إلى اللهِ تعالى؟ بَلِ اسْتَقْبِلْهُ واسْتَشْفِع بِهِ فَيُشَفِّعَهُ اللهُ”، وهَذا عِنْدَهم شِرْكٌ وضَلالٌ مُبينٌ. يرمون عُلَماءَ الأمَّةِ بالشِّركِ ثُمَّ يستشهدون بِأقْوالِهِم !؟. والْحادِثَةُ رَواها القاضي عِياضٌ في كِتابِهِ الشِّفا في بابِ تَعْظيمِ أَمْرِهِ وَوُجوبِ تَوْقيرِهِ وَبِرِّهِ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم.

27  النبي ما نهانا عن صيام عاشوراء

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلا يُمْنَعُ بِدَعْوى أنَّ فيهِ مُشابَهَةً لِلنَّصارَى في احْتِفالِهِم بِمَوْلِدِ عيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: لأنَّ ما أَصْلُهُ يُوافِقُ دِينَ اللهِ مِمَّا عَمِلَهُ أولَئِكَ اليَهودُ أوِ النَّصارى إِنْ نَحْنُ عَمِلْناهُ فَهُوَ مُرَخَّصٌ لَنا، بِخِلافِ ما فَعَلُوهُ مِمَّا لا يُوافِقُ دِينَ اللهِ، ألَيْسَ الرَّسولُ لَمَّا رأى اليَهودَ تَصومُ يَوْمَ عاشُوراءَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدينةَ وقالُوا: “هَذا يومٌ أَغْرَقَ اللهُ فِرْعَونَ وَنَصَرَ مُوسى” قالَ ﷺ: “نَحْنُ أَوْلى بِموسى مِنْكُم” وأمَرَ بِصَوْمِهِ، ما قالَ لا تَصُومُوا عاشُوراءَ اليهودُ تَصُومُهُ هَذا تَشَبُّهٌ بِهِم، بَلْ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِصَوْمِهِ، فَنَحْنُ نُعَظِّمُ هَذا الْيَوْمَ كَمَا أولَئِكَ عَظَّمُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاء.

28 الاحتفال بالمولد وحديث كل بدعة ضلالة

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ داخِلاً في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ ﷺ  بِقَوْلِهِ: “وكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ”: قالَ النَّوَوَيُّ (في شَرحِ صَحيحِ مُسلم – الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ في صَحيفَةِ مِائَةٍ وأَرْبَعَةٍ وخَمْسينَ) ما نَصُّهُ:
“قَوْلُهُ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم: “وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ” هَذا عامٌّ مَخْصُوصٌ (أي لَفْظُهُ عامٌّ وَمَعناهُ مَخْصوصٌ)، والْمُرادُ بِهِ غالِبُ البِدَعِ”

وقالَ النَّوَوِيُّ أيْضًا: “ولا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَديثِ عامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ ﷺ: “كُلُّ بِدْعَةٍ” مُؤَكِّدًا      بِـ (كُلُّ)، بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصيصُ مَعَ ذَلِكَ (أَيْ رَغْمَ ذَلِكَ)، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْء ﴾ (سورةَ الأحقاف25) ا.ه. فَهَذِهِ الآيةُ لَفْظُها عامٌّ وَمَعْناهَا مَخْصُوصٌ لأنَّ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتي وَرَدَ أنَّها تُدَمِّرُ كُلَّ شىءٍ سَخَّرَهَا اللهُ على الكافِرينَ مِنْ قَوْمِ عادٍ فأهْلَكَتْهُم وَلَمْ تُدَمِّرْ كُلَّ مَنْ على وَجْهِ الأَرْضِ لأنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَنا أنَّهُ نَجَّى هُودًا وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤمِنينَ،        قَالَ تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾  وَمِنَ الأَمْثِلَةِ على العامِّ الْمَخْصوصِ قَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: “كُلُّ عَيْنٍ زانيةٌ” وَمْعلومٌ شَرْعًا أنَّ هذا الْحديثَ لا يَشْمَلُ أَعْيُنَ الأنبياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّ اللهَ تعالى عَصَمَهُم مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلى الْعَالَمين ﴾ (سورةَ الأنعام 86)  وَقَدْ وَرَدَ في الْحَديثِ الصَّحيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوودَ في سُنَنِهِ في بَابِ ذِكْرِ الصُّورِ وَالْبَعْثِ أَنَّهُ ﷺ قال: “كُلَّ ابْنِ ءادَمَ تَأكُلُ الأَرْضُ إلا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ”  وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ كَلِمَةَ (كُلّ) لا تَأتي دَائِمًا لِلشُّمُولِ الْكُلِّيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاء” رواهُ أبو داود. فَيَكُونُ مَعْنَى “كُلَّ ابْنِ ءادَمَ تأكُلُ الأَرْضُ” الأغْلَبَ لأَنَّ الرَّسُولَ اسْتَثْنَى في الْحَديثِ الآخَرِ الأَنْبِيَاءَ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ مِنَ العُلَماءِ أنَّ حديثَ “كُلَّ ابْنِ ءادَمَ تَأكُلُ الأَرْضُ” مِنَ العامِّ الْمَخْصوصِ الإمامُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِهِ على صَحيحِ مُسلم.

29  الاحتفال بالمولد ليس من الغلو

الْمَوْلِدُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ دَاخِلاً في الإطْراءِ الَّذي نَهانا عَنهُ الرَّسُولُ بِقَوْلِهِ ﷺ: “لا تُطْروني كَما أطْرَتِ النَّصارى الْمَسيحَ ابنَ مَرْيَم”  لأنَّ مَعْناهُ لا تَرْفَعُوني فَوْقَ مَنْزِلَتي كَمَا رَفَعَتِ النَّصارى عيسى فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، جَعَلُوهُ إلـهًا خالِقًا. أمَّا عَمَلُنَا لِلْمَوْلِدِ لَيْسَ رَفْعًا لِلرَّسُولِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ بَلْ هُوَ شُكْرٌ للهِ تعالى على وِلادَتِه.  فَإِذًا قَوْلُهُ ﷺ:”لا تُطْرُوني”  لَيْسَ مَعْناهُ لا تَمْدَحُوني على الإطلاقِ، بَلِ الْحَقُّ أنْ يُقالَ ما كانَ غُلُوًّا فَهُوَ مَمنوعٌ وَما لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ، وإلا كَيْفَ أَذِنَ الرَّسُولُ لِعَمِّهِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنْ يَمْدَحَهُ بَلْ وَدَعا لَهُ، فَقَد ثَبَتَ بِالإسْنادِ الْحَسَنِ فِيما رواهُ ابنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ في الأماليِّ أنَّ الرَّسولَ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّم قالَ لَهُ عَمُّهُ العباسُ رضيَ اللهُ عنه: “يا رَسولَ الله إِنِّي امْتَدَحْتُكَ بِأبْياتٍ”، فقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”قُلْهَا لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ”  فَكانَ مِمَّا قَالَهُ العبَّاسُ رَضيَ اللهُ عَنْهُ في مَدْحِ النَّبِيِّ ﷺ:”وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أشْرَقَتِ الأَرْضُ وَضاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ”.

Rest of Articles 30-31-32….