رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني المتوفى سنة 734 هـجري و أبي عبد الله بن الحاج – 2

  1. أول من أحدث ذلك
  2. البدعة الحسنة
  3. أصل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن
  4. ويرحم الله تعالى القائل:
  5. زعم الإمام العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي أن عمل المولد بدعة مذمومة وألف في ذلك كتابا
  6. رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني المتوفى سنة 734 هـجري
  7. رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني المتوفى سنة 734 هـجري – 2
  8. «ذاك يوم ولدت فيه»
  9. ثم قال ابن الحاج: ومنهم من يفعل المولد لا لمجرد التعظيم، ولكن له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها في بعض الأفراح أو المواسم ويريد أن يستردّها ويستحي أن يطلبها بذلك،
  10. زيادة بيان

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

قال الحافظ أبو الخير السخاوي- رحمه الله تعالى- في فتاويه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. انتهى.

وقال الإمام الحافظ أبو الخير بن الجزري- رحمه الله تعالى- شيخ القراء: من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.

أول من أحدث ذلك

قلت: وأول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكوبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجوا

قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عادلا- رحمه الله تعالى- وأكرم مثواه. وقد صنف الشيخ أبو الخطاب بن دحية- رحمه الله تعالى- كتابا له في المولد سماه: «التنوير في مولد البشير النذير» فأجازه بألف دينار.

ص362 – كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد – الباب الثالث عشر في أقوال العلماء في عمل المولد الشريف واجتماع الناس له وما يحمد من ذلك وما يذم – المكتبة الشاملة

قال سبط بن الجوزي- رحمه الله تعالى- في مرآة الزمان: حكى من حضر سماط المظفر في بعض المولد أنه عد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس غنم شوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف قرص ومائة ألف زبدية أي من طعام، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم. وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة. فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يفتك من الفرنج في كل سنة بمائتي ألف دينار، وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار، وهذا كله سوى صدقات السر.

وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين [ (١) ] أن قميصه

ان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم. قالت: فعاتبته في ذلك فقال: ألبس ثوبا بخمسة دراهم وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا وأدع الفقير والمسكين.

وقد أثنى عليه الأئمة، منهم الحافظ أبو شامة شيخ النووي في كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وقال: مثل هذا الحسن يندب إليه ويشكر فاعله ويثنى عليه.

قال ابن الجوزي: لو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وإدعام أهل الإيمان.

وقال ابن ظفر: بل في الدر المنتظم: وقد عمل المحبون للنبي صلى الله عليه وسلم فرحا بمولده الولائم-، فمن ذلك ما عمله بالقاهرة المعزية من الولائم الكبار الشيخ أبو الحسن المعروف بابن قفل قدس الله تعالى سره، شيخ شيخنا أبي عبد الله محمد بن النعمان، وعمل ذلك قبل جمال الدين العجمي الهمذاني وممن عمل ذلك على قدر وسعه يوسف الحجار بمصر وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحرض يوسف المذكور على عمل ذلك.

قال: وسمعت يوسف بن علي بن زريق الشامي الأصل المصري المولد الحجار بمصر في منزله بها حيث يعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام منذ عشرين سنة وكان لي أخ في الله تعالى يقال له الشيخ أبو بكر الحجار فرأيت كأنني وأبا بكر هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم جالسين، فأمسك أبو بكر لحية نفسه وفرقها نصفين وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كلاما لم أفهمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم مجيبا له: لولا هذا لكانت هذه في النار. ودار إلي وقال: لأضربنك.

وكان بيده قضيب فقلت: لأي شيء يا رسول الله؟ فقال: حتى لا تبطل المولد ولا السنن. قال يوسف: فعملته منذ عشرين سنة إلى الآن. قال: وسمعت يوسف المذكور يقول: سمعت أخي أبا بكر الحجار يقول: سمعت منصورا النشار يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول لي: قل له لا يبطله. يعني المولد ما عليك ممن أكل وممن لم يأكل. قال: وسمعت شيخنا أبا عبد الله بن أبي محمد النعمان يقول: سمعت الشيخ أبا موسى الزرهوني يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فذكرت له ما يقوله الفقهاء في عمل الولائم في المولد فقال صلى الله عليه وسلم: «من فرح بنا فرحنا به» .

وقال الشيخ الإمام العلامة نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ في فتوى بخطه: إذا أنفق المنفق تلك الليلة وجمع جمعا أطعمهم ما يجوز إطعامه وأسمعهم ما يجوز سماعه ودفع للمسمع المشوق للآخرة ملبوسا، كل ذلك سرورا بمولده صلى الله عليه وسلم فجميع ذلك جائز ويثاب

فاعله إذ أحسن القصد، ولا يختص ذلك بالفقراء دون الأغنياء، إلا أن يقصد مواساة الأحوج فالفقراء أكثر ثوابا، نعم إن كان الاجتماع كما يبلغنا عن قراء هذا الزمان من أكل الحشيش واجتماع المردان وإبعاد القوال إن كان بلحية وإنشاد المشوقات للشهوات الدنيوية وغير ذلك من الخزي والعياذ بالله تعالى فهذا مجمع آثام.

وقال الإمام العلامة ظهير الدين جعفر التزمنتي: هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له إعظاما ومحبة لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرة منه، وهي بدعة حسنة إذا قصد فاعلها جمع الصالحين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإطعام الطعام للفقراء والمساكين، وهذا القدر يثاب عليه بهذا الشرط في كل وقت، وأما جمع الرعاع وعمل السماع والرقص وخلع الثياب على القوال بمروديته وحسن صوته فلا يندب بل يقارب أن يذم، ولا خير فيما لم يعمله السلف الصالح، فقد

قال صلى الله عليه وسلم: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها» .

وقال الشيخ نصير الدين أيضا: ليس هذا من السنن، ولكن إذا أنفق في هذا اليوم وأظهر السرور فرحا بدخول النبي صلى الله عليه وسلم في الوجود واتخذ السماع الخالي عن اجتماع المردان وإنشاد ما يثير نار الشهوة من العشقيات والمشوقات للشهوات الدنيوية كالقد والخد والعين والحاجب، وإنشاد ما يشوق إلى الآخرة ويزهد في الدنيا فهذا اجتماع حسن يثاب قاصد ذلك وفاعله عليه، إلا أن سؤال الناس ما في أيديهم بذلك فقط بدون ضرورة وحاجة سؤال مكروه، واجتماع الصلحاء فقط ليأكلوا ذلك الطعام ويذكروا الله تعالى ويصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاعف لهم القربات والمثوبات.

وقال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» قال الربيع: قال الشافعي- رحمه الله تعالى ورضي عنه-: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا

فهي محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر- رضي الله تعالى عنه- في قيام رمضان نعمت البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن. وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى.

البدعة الحسنة

متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي. وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعهد في الصدر الأول، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى. ومن أحسن ما ابتدع في زماننا هذا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة «إربل» جبرها الله تعالى، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكر الله تعالى علي من من به من إيجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا [ (١) ] أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيرهم رحمهم الله تعالى.

وقال الشيخ الإمام العلامة صدر الدين موهوب بن عمر الجزري [ (٢) ] الشافعي رحمه الله تعالى: هذه بدعة لا بأس بها ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده في إظهار السرور والفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال في موضع آخر: هذا بدعة، ولكنها بدعة لا بأس بها، ولكن لا يجوز له أن يسأل الناس بل إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أن نفس المسؤول تطيب بما يعطيه فالسؤال لذلك مباح أرجو أن لا ينتهي إلى الكراهة.

وقال الحافظ- رحمه الله تعالى-: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ومن لا فلا. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما

ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى. فقال: «أنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه» .

فيستفاد من فعل ذلك شكرا لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الكريم نبي الرحمة في ذلك اليوم؟

وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم حتى نقلوه إلى أي يوم من السنة. وفيه ما فيه.

فهذا ما يتعلق بأصل عمل المولد.

وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخيرات والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا بحيث يتعين السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، ومهما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلافا للأولى. انتهى.

أصل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن

وقال بعض أهل العلم: عندي أن أصل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.وقد ظهر لي تخريجه على أصل صحيح غير الذي ذكره الحافظ، وهو ما رواه البيهقي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا فعله صلى الله عليه وسلم إظهارا للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين وتشريعا لأمته صلى الله عليه وسلم، كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وسلم بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات والمسرات.

 (١) ] عمر بن محمد بن خضر الإربلي الموصلي، أبو حفص، معين الدين، المعروف بالملاء: شيخ الموصل. كان صالحا زاهدا عالما. له أخبار مع الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي. أمر الملك العادل نوابه في الموصل أن لا يبرموا فيها أمرا حتى يعلموا به الملاء. وهو الذي أشار على العادل بعمارة الجامع الكبير في الموصل. وهو المعروف اليوم بالجامع النوري. قال سبط ابن الجوزي: وإنما سمي «الملاء» لأنه كان يملأ تنانير الآجر ويأخذ الأجرة فيتقوت بها، ولا يملك من الدنيا شيئا. وصنف كتاب «وسيلة المتعبدين في سيرة سيد المرسلين» . توفي سنة ٥٧٠ هـ. انظر الأعلام ٥/ ٦٠، ٦١.
[ (٢) ] موهوب بن عمر بن موهوب بن إبراهيم الجزري، ثم المصري، القاضي صدر الدين، أبو منصور. ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين- بتقديم التاء- وخمسمائة. وأخذ عن السخاوي وابن عبد السلام وغيرهما، قال الذهبي:
وتفقه وبرع في المذهب، والأصول، والنحو، ودرس وأفتى وتخرج به جماعة. وكان من فضلاء زمانه. وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدة. وقال غيره: تخرجت به الطلبة وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به. توفي بمصر فجأة في رجب سنة خمس وستين وستمائة. ودفن بسفح المقطم. انظر الطبقات لابن قاضي شهبة ٢/ ١٥٢، ١٥٣، وشذرات الذهب ٥/ ٣٢٠.

[ (١) ] محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، شمس الدين، العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي، الشهير بابن الجزري: شيخ الإقراء في زمانه. من حفاظ الحديث. ولد ونشأ في دمشق، وابتنى فيها مدرسة سماها «دار القرآن» ورحل إلى مصر مرارا، ودخل بلاد الروم، وسافر مع تيمورلنك إلى ما وراء النهر. ثم رحل إلى شيراز فولي قضاءها. ومات فيها. نسبته إلى «جزيرة ابن عمر» . من كتبه «النشر في القراآت العشر» ، و «غاية النهاية في طبقات القراء» اختصره من كتاب آخر له اسمه «نهاية الدرايات في أسماء رجال القراآت» و «التمهيد في علم التجويد» توفي سنة ٨٨٣ هـ. انظر الأعلام ٧/ ٤٥.

ويرحم الله تعالى القائل:

لمولد خير العالمين جلال … لقد غشي الأكوان منه جمال

فيا مخلصا في حق أحمد هذه … ليال بدا فيهن منه هلال

فحق علينا أن نعظم قدره … فتحسن أحوال لنا وفعال

فنطعم محتاجا ونكسو عاريا … ونرفد من أضحى لديه عيال

فتلك فعال المصطفى وخلاله … وحسبك أفعال له وخلال

لقد كان فعل الخير قرة عينه … فليس له فيما سواه مجال

والقائل أيضا:

يا مولد المختار أنت ربيعنا … بك راحة الأرواح والأجساد

يا مولدا فاق الموالد كلها … شرفا وساد بسيد الأسياد

لا زال نورك في البرية ساطعا … يعتاد في ذا الشهر كالأعياد

في كل عام للقلوب مسرة … بسماع ما نرويه في الميلاد

فلذاك يشتاق المحب ويشتهي … شوقا إليه حضور ذا الميعاد

زعم الإمام العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي أن عمل المولد بدعة مذمومة وألف في ذلك كتابا

وزعم الإمام العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي أن عمل المولد بدعة مذمومة وألف في ذلك كتابا قال فيه: الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسر لنا إتباع آثار السلف الصالحين، حتى امتلأت قلوبنا بأنواع علم الشرع وقواطع الحق المبين، وطهر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين. أحمده على ما من به من أنوار اليقين، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد: هل له أصل في الشرع أو هو بدعة حدثت في الدين؟

وقصدوا الجواب عن ذلك مبينا والأيضاح عنه معينا. فقلت وبالله التوفيق: ما أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار الصالحين المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، أو مكروها أو محرما. وليس بواجب إجماعا، ولا مندوبا، لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون المتدينون فيما علمت. وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو حراما وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين: أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله لا يجاوزون ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئا من الآثام

فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام سرج الأزمنة وزين الأمكنة.

والثاني: أن تدخله الجناية وتشتد به العناية حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء من البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الغانيات إما مختلطات بهن أو متشرفات والرقص بالتثني والانعطاف والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد والخروج في التلاوة والذكر المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: إن ربك لبالمرصاد وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك بنفوس موتى القلوب وغير المستقيلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات. فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ! ولله در شيخنا القشيري رحمه الله تعالى حيث يقول فيما أجازناه:

قد عرف المنكر واستنكر ال … معروف في أيامنا الصعبة

وصار أهل العلم في وهدة … وصار أهل الجهل في رتبه

حادوا عن الحق فما للذي … سادوا به فيما مضى نسبه

فقلت للأبرار أهل التقى … والدين لما اشتدت الكربه

لا تنكروا أحوالكم قد أتت … نوبتكم في زمن الغربة!

ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب!.

هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه. وهذا ما علينا أن نقول ومن الله تعالى نرجو حسن القبول.

هذا جميع ما أورده الفاكهاني في كتابه المذكور.

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني المتوفى سنة 734 هـجري

والجواب على هذه الشبهة أن يقال أن تحليل أمر أو تحريمه إنما هو وظيفة المجتهد كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وليس لأي شخص ألّف مؤلفًا صغيرًا أو كبيرًا أن يأخذَ وظيفة الأئمة الكرام فيُحلل ويحرّم دون الرجوع إلى كلام الأئمة المجتهدين. ثم ان علماء المذاهب الأربعة المعتبرة ينقسمون إلى مراتب:

المجتهد المطلق و المجتهد المنتسب و أصحاب الوجوه و أصحاب الترجيح و النقلة. و العبرة في كل مذهب بأقوال المجتهدين و أصحاب الوجوه، وأما من هم دون ذلك فليس لهم الأهلية لاستنباط الأحكام.

والتاج الفاكهاني لم يقل عنه واحد من الفقهاء و لا من أصحاب طبقات المالكية أنه كان من المجتهدين أو من أصحاب الوجوه، فلا عبرة بكلامه اذا خالف كلام من هو أعلى درجة منه في العلم، والا فقد قال محمد بن أحمد عليش المالكي المتوفى سنة 1299هـجري، في كتابه القول المنجي ما نصه: «لا زال أهل الإسلام يحتفلون ويهتمون بشهر مولده عليـه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقـون في لياليه بأنواع الصدقات و يظهرون السرور ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم، وأول من أحدث فعل المولد الملك المظفر أبو سعيد صاحب إربل فكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل احتفالاً هائلاً”. انتهى

وقد تكلم ابن عليش في كتابه فتح العلي المالك عن بعض المنكرات التي قد تحصل في المولد وحذر منها فقال : “عمل المولد ليس مندوبًا، خصوصًا إن اشتمل على مكروه، كقراءة بتلحين أو غناء، ولا يسلم في هذه الأزمان من ذلك وما هو أشدّ.”. انتهى

ولم يطلق ابن عليش بتحريم المولد ان سلم من المنكرات كما يزعم بعض المُنكرين.

وقد خالف الفاكهاني أيضا كبار أئمة المالكية أيضا ومنهم:

– أبو العباس السبتي المتوفى سنة “633 هـجري، حيث قال في “الدُّر الـمُنَظَّم في مولد النبي المعظم ما نصه: “كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء، كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف، وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار”. انتهى

– محمد بن أبي إسحق بن عباد النفزي المتوفى سنة 805 هـجري، حيث نقل عنه صاحب المعيار المعرب بخصوص الاحتفال بذكرى المولد النبوي قوله: “الذي يظهر أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم، وكل ما يقتضيه الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع وإمتاع البصر، وتنزه السمع والنظر، والتزين بما حسن من الثياب، وركوب فاره الدواب؛ أمر مباح لا ينكر قياساً على غيره من أوقات الفرح”. انتهى

وقال: “وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه النفوس السليمة، وترده الآراء المستقيمة”. انتهى

ثم إن الفاكهاني كان من كبار الصوفية، فهو عندهم مشرك بالله، فقد نقل عنه الإمام ابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة أن الشيخ تاج الدين الفاكهاني قال: “كان الشيخ أبو العباس الشاطر الدمنهوري يقول: لا يحجبني عن أصحابي التراب. فكان؛ فطلبت من الله تعالى عنده ثلاث حوائج: تزويج البنات من فقراء صالحين، وحفظ كتاب الله كان تعسر علي، والحج. وكنت أعوز من النفقة ألف درهم…”. انتهى

أي أنه يثبت تصرف الأولياء بعد موتهم، فما معنى احتجاجهم برأيه في المولد؟

والفاكهاني أيضا ليس ممن يرضاه القوم في مسألة الزيارة التي يبدعون الناس بها، وله في ذلك كتاب أسماه: “التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة”.

وهم أيضا لا يرتضون عقيدته:

فقد قال في كتابه “عقيدة في أصول الدين” صـحيفة 41-45 ما نصه:

نؤمن بالله تعالى واحد موجود، وقديم باق، لا يزال ولا يفنى.

،لا منقسم ولا متبعض.

ليس بجسم فيمس، ولا جوهر فيحس، ولا عرض فيفتقر ويندس.

لا يوصف بالأكوان، ولا تتناوله الأمكنة والأزمان.

وقال في صفات الله تعالى :

وله تعالى:

“السمع” الذي يسمع به كل المسموعات، من غير أذن جارحة.

و”بصر” يبصر به كل المبصرات، من غير آلة وحدقة.

وله “الكلام” القديم، المنزه عن الحروف والأصوات، المقدس عن انطباق الشفاه، وتحرك اللهاة.

وأنه المتعال عن الحدود والجهات، والأقطار والغايات، المستغن عن الأماكن والأزمان، ليس له “تحت” فيقله ويرفعه، ولا “فوق” فيكون فوقه ما يمسكه، ولا “جانب” فيكون إلى جانبه ما يعاضده أو يزاحمه، لا حد له ولا نهاية.

ولا يوصف بالذوق والشم، ولا بالفرح والغم.

وقد تصدى الحافظ السيوطي للرد على رسالة الفاكهاني فقال: “وقد ادعى الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني من متأخري المالكية أن عمل المولد بدعة مذمومة، وألف في ذلك كتابا سماه (المورد في الكلام على عمل المولد)، وأنا أسوقه هنا برمته وأتكلم عليه حرفا حرفا..”. انتهى

ثم قال السيوطي: “أما قوله: لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، فيقال عليه: نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له إمام الحفاظ أبو الفضل ابن حجر أصلا من السنة، واستخرجت له أنا أصلاً ثانياً، وسيأتي ذكرها بعد هذا.

وقوله: بل هو بدعة أحدثها البطالون… إلى قوله: ولا العلماء المتدينون يقال عليه: قد تقدم أنه أحدثه ملك عادل عالم، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، وحضر عنده فيه العلماء والصلحاء من غير نكير منهم، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً، فهؤلاء علماء متدينون رضوه وأقروه ولم ينكروه.

وقوله: ولا مندوبا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع يقال عليه: إن الطلب في المندوب تارة يكون بالنص، وتارة يكون بالقياس، وهذا وإن لم يرد فيه نص ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما.

وقوله: ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين: كلام غير مسلم، لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضا: مباحة ومندوبة وواجبة.

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات:البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله علبه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد:البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة.قال: والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة.

وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال:وللبدع المندوبة أمثلة: منها: إحداث الربط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول، ومنها: التراويح، والكلام في دقائق التصوف، وفي الجدل، ومنها: جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى.

وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال:المحدثات من الأمور ضربان:

أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة.

والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.

وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: (نعمت البدعة هذه) يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى.

هذا آخر كلام الشافعي.

فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين: ولا جائز أن يكون مباحا… إلى قوله: وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة إلى آخره؛ لأن هذا القسم مما أحدث، وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي، وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.

وقوله: والثاني …إلى آخره، هو كلام صحيح في نفسه غير أن التحريم فيه إنما جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التي ضمت إليه، لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد، بل لو وقع مثل هذه الأمور في الاجتماع لصلاة الجمعة مثلا لكانت قبيحة شنيعة، ولا يلزم من ذلك ذم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح، وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليالي من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح، فهل يتصور ذم الاجتماع لأجل هذه الأمور التي قرنت بها، كلا، بل نقول: أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربة وما ضم إليها من هذه الأمور قبيح شنيع، وكذلك نقول: أصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة وما ضم إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع.

وقوله: مع أن الشهر الذي ولد فيه … إلى آخره جوابه أن يقال:

أولاً: إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسلوان والكتم عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته.

وقد قال ابن رجب في كتاب اللطائف في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين: لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم”. انتهى

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني المتوفى سنة 734 هـجري – 2

قوله: لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة فيقال عليه: نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود، وقد استخرج له إمام الحفاظ أبو الفضل بن حجر أصلا من السنة

وقوله بل هو بدعة أحدثها البطالون إلى قوله: «ولا العلماء المتدينون» يقال عليه: إنما

أحدثه ملك عادل عالم وقصد به التقرب إلى الله تعالى، وحضر عنده فيه العلماء والصلحاء من غير نكير منهم. وارتضاه ابن دحية وصنف له من أجله كتابا، فهؤلاء علماء متدينون رضوه وأقروه ولم ينكروه.

وقوله: «ولا مندوبا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع» يقال عليه: إن الطلب في المندوب تارة يكون بالنص وتارة يكون بالقياس، وهذا وإن لم يرد فيه نص ففيه القياس على الأصلين الآتي ذكرهما.

وقوله: «ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين» كلام غير مستقيم لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة. قال النووي- رحمه الله تعالى- في «تهذيب الأسماء واللغات: البدعة في الشرع: هي ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة» . وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى- في القواعد: البدعة منقسمة إلى واجبة وإلى محرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة. قال: والطريق في ذلك أن نعرض البدعة على قواعد الشرع، فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة. وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة منها: إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول. ومنها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى.

وروى البيهقي بإسناده في «مناقب الشافعي» عن الشافعي- رحمه الله تعالى- ورضي عنه قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا. وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر- رضي الله تعالى عنه- في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه. يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى. هذا آخر كلام الشافعي.

فعرف بذلك منع قول الشيخ تاج الدين: «ولا جائز أن يكون مباحا» إلى قوله: «وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة» الخ لأن هذا القسم مما أحدث وليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي، لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي من اقتراف الآثام إحسان، فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.

وقوله: والثاني الخ

الأشياء المحرّمة التي ضمت إلى المولد والتي يفعلها بعض الناس من نحو المعازف المحرمة أو أي فعل أو قول أو اعتقاد محرم في الشريعة ، لا من حيث الاجتماع لإظهار شعار المولد، كما لا يلزم من ذلك تحريم أصل الاجتماع لصلاة الجمعة إذا فعل بعض الناس محرما في أُثناء الإجتماع لصلاة الجمعة. وقد رأينا بعض هذه الأمور يقع في ليال من رمضان عند اجتماع الناس لصلاة التراويح فلا تحرم التراويح لأجل هذه الأمور التي قرنت بها، بل نقول: أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنّة وقربة وما ضمّ إليها من هذه الأمور قبيحٌ شنيع.

أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوبٌ وقربة. وما ضمّ إليه من هذه الأمور مذموم وممنوع

وكذلك نقول: أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوبٌ وقربة. وما ضمّ إليه من هذه الأمور كالغناء المحرم أو العزف بالالات المحرمة مذموم وممنوع.

وقوله مع «أن الشهر الذي وقع فيه» الخ. جوابه أن يقال: إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثّت على أظهار شكر النعم والصبر والسّكون والكتم عند المصائب. وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره، بل نهى عن النّياحة وإظهار الجزع، فدلّت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته صلى الله عليه وسلّم وقد قال ابن رجب في كتاب «اللطائف» في ذمّ الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لأجل قتل الحسين- رضي الله تعالى عنه- لم يأمر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن هو دونهم؟

وقد تكلم الإمام أبو عبد الله بن الحاج- رحمه الله تعالى- في كتابه «المدخل» على عمل المولد فأتقن الكلام فيه جداً وحاصله: مدح ما كان فيه من إظهار شعار وشكر، وذمّ ما احتوى عليه من محرّمات ومنكرات. وأنا أسوق كلامه فصلاً فصلاً

أشار صلى الله عليه وسلم إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين:

«ذاك يوم ولدت فيه»

فتشريف هذا اليوم متضمن تشريف هذا الشهر الذي ولد فيه فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضّله بما فضل الله تعالى به الأشهر الفاضلة وهذا منها،

لقوله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي»

وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها، لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها. وإنما يجعل التشريف بما خصّت به من المعاني.

فانظر إلى ما خصّ الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضلٌ عظيم لأنه صلى الله عليه وسلم ولد فيه؟

فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرّم ويعظّم ويحترم الاحترام اللائق به، إتباعاً له صلى الله عليه وسلم في كونه كان يخصّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البرّ فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى قول ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان» فنمتثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا.

إن قال قائل: قد التزم صلى الله عليه وسلم في الأوقات الفاضلة ما التزمه في غيره.

فالجواب: أن ذلك لما علم من عادته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما كان يخصه، ألا ترى إلى أنه صلى الله عليه وسلم حرّم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة، ومع ذلك لم يشرع في قتل صيده ولا شجره الجزاء تخفيفاً على أمته ورحمة بهم، وكان ينظر إلى ما هو من جهته وإن كان فاضلاً في نفسه فيتركه للتخفيف عنهم.

فعلى هذا: تعظيم هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القربات، فمن عجز عن ذلك فأقلّ أحواله أن يجتنب ما يحرّم عليه ويكره له تعظيماً لهذا الشهر الشريف، وإن كان ذلك مطلوباً في غيره إلا أنه في هذا الشهر أكثر احتراماً، كما يتأكّد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرم فيترك الحدث في الدّين ويجتنب مواضع البدع وما لا ينبغي.

وحاصل ما ذكره: أنه لم يذمّ المولد بل ذمّ ما يفعله بعض الناس من المحرّمات والمنكرات في مناسبة المولد النبوي الشريف، وأول كلامه صريح في أنه ينبغي أن يخصّ هذا الشهر بزيادة فعل البرّ وكثرة الخيرات والصدقات وغير ذلك من وجوه القربات، وهذا هو عمل المولد الذي استحسنّاه، فإنه ليس فيه شيء سوى قراءة القرآن وإطعام الطعام وذلك خيرٌ وبرّ وقربة.

وأما قوله أي ابن الحاج آخراً: إنه بدعة: فإما أن يكون مناقضاًَ لما تقدّم، أو أنه يحمل على أنه بدعة حسنة، 

وقد قيل :

وأما قوله أي ابن الحاج آخراً: إنه بدعة: فإما أن يكون مناقضاًَ لما تقدّم، أو أنه يحمل على أنه بدعة حسنة، كما تقدم تقريره في صدر الباب، أو يحمل على أن فعل ذلك خير والبدعة منه نيّة المولد كما أشار إليه بقوله: «فهو بدعة بنفس نيته فقط، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد» فظاهر هذا الكلام أنه كره أن ينوي به المولد فقط ولم يكره عمل الطعام ودعاء الإخوان إليه. وهذا إذا حقّق النظر يجتمع مع أول كلامه لأنه حثّ فيه على زيادة فعل البر وما ذكر معه على وجه الشكر لله تعالى إذ أوجد في هذا الشهر الشريف سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وهذا هو معنى نية المولد. فكيف يذم هذا القدر مع الحث عليه أولاً؟!.

وأما مجرد فعل البر وما ذكر معه من غير نية أصلاً فإنه لا يكاد يتصوّر، ولو تصوّر لم يكن عبادة ولا ثواب فيه، إذ لا يعمل إلا بنية، ولا نية هنا إلا الشكر لله تعالى على ولادة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الشريف، وهذا معنى نية المولد فهي نية مستحسنة بلا شك.

فتأمّل.

ثم قال ابن الحاج: ومنهم من يفعل المولد لا لمجرد التعظيم، ولكن له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها في بعض الأفراح أو المواسم ويريد أن يستردّها ويستحي أن يطلبها بذلك،

 فيعمل المولد حتى يكون سبباً لأخذ ما اجتمع له عند الناس وهذا فيه وجوه من المفاسد: أنه يتصف بصفة النفاق، وهو أن يظهر خلاف ما يبطن، وظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة، وباطنه أنه يجمع فيه فضةً. ومنهم من يعمل المولد لأجل جمع الدراهم أو طلب ثناء الناس عليه ومساعدتهم له، وهذا أيضاً فيه من المفاسد ما لا يخفى. انتهى.

وهذا أيضاً من نمط ما تقدم ذكره، وهو أن الذم فيه إنما حصل من عدم النيّة الصالحة، لا من أصل عمل المولد. انتهى ما أوردته من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.

ورضي عنه، والله هو الهادي للصواب.

منقول بتصرف :

https://shamela.ws/book/1693/410#p1

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82%D9%8A

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

Shaykh Gilles Sadek

فكرتان اثنتان على ”رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني المتوفى سنة 734 هـجري و أبي عبد الله بن الحاج – 2

التعليقات مغلقة.