ذكر بعض الأحاديث الموضوعة والضعيفة في كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب
للشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب عنوانه كتاب التوحيد، ألفه في باب العقائد، احتج فيه ببعض الأحاديث الضعيفة، وأيضا الموضوعة، بل وهِم فيه أوهاماً كثيرة؛ فزاد في الأحاديث من عنده؛ ونسب بعض الأحاديث إلى غير مصادرها.
ففي باب “فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما” مثلا أورد ابن عبد الوهاب في تفسير هذه الآية قصة تقدح في عصمة نبي الله آدم عليه السلام وترميه والسيدة حواء بالشرك؛ وهي قصة واهية، ذكر أنه رواها ابن أبي حاتم عن ابن عباس، فقال: “لما تغشاها آدم حمَلَت، فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلنَّ له قرنيَ أيِّل، فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلن ولأفعلن – يخوفهما – سمِياه عبدالحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت، فأتاهما، فقال مثل قوله: فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت، فأتاهما، فذكر لهما، فأدركهما حبُّ الولد، فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى “جعلا له شركاء فيما آتاهما”. انتهى
ولا شك ان من نسب الشرك لنبي من أنبياء الله هو الذي خرج من ربقة التوحيد لتكذيبه ما علم من الدين بالضرورة.
قال ابن كثير في تفسيره: “هذه الآثار متلقاة عن أهل الكتاب”. انتهى
وقال ابن حزم في “الفِصَل في الملل والأهواء والنحل”: “وهذا الذي نسبوه إلى آدم من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة… ولم يصح سندها قط، وإنما نزلت الآية في المشركين على ظاهرها”. انتهى
و قال الإمام القرطبي في تفسيره: “لا يعوِّل عليها من كان له قلب”. انتهى
والعجب من أحفاد ابن عبد الوهاب ودفاعهم عن أبيهم بالباطل؛ فبعد أن اطلع عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، مؤلف الكتاب المسمى “فتح المجيد شرح كتاب التوحيد” على قول ابن كثير وتعليله لضعف الرواية بثلاث علل، قال عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ بعد كل هذا : “وهذا بعيد جداً”.
فيرضى بزعمه برمي الأنبياء بالشرك، ويرد أقوال العلماء من غير دليل حتى يسلم جدّه من الخطأ.
ومن الأدلة أيضا أن ابن عبد الوهاب ليس متضلعا في الحديث، زيادة بعض الألفاظ ليست من أصل المتن، من ذلك قوله: “ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟. ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟
وهذا الحديث رواه مسلم في كتاب “صفة القيامة والجنة” ، وزاد فيه محمد بن عبد الوهاب بعد الأرضين كلمة “السبع” وهو ليس في صحيح مسلم كما وهم الشيخ.
كما استدل أيضا بالرواية التالية عن أبي ذر : “ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض”.
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط عن هذا الحديث : إسناده ضعيف جداً.
وفي باب ما جاء في قوله تعالى :”وما قدروا الله حقّ قدره” ذكر محمد بن عبد الوهاب الرواية التالية:
“ هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ …”
وهي رواية موضوعة باطلة رواتها بين مجهول وكذاب وضعيف، فسندها فيه:
– يحيى بن العلاء . قال عنه وكيع بن الجراح (يكذب) ، وقال عنه أحمد بن حنبل (كذاب يضع الحديث) وقال عنه يحيى بن معين (ليس بثقة) ، وقال عمرو بن الفلاس والبخاري (متروك الحديث) وقال إبراهيم الجوهري(شيخ واهٍ)
– عبدالله بن عميرة الكوفي . قال عنه إبراهيم الحربي (لا أعرفه) ، وقال الذهبي (لا يُعرَف) ، وقد ضعَّفه العقيلي وابن عدي وفي لسان الميزان (مجهول)
وقد قال ابن عبد الوهاب في الحديث: أخرجه أبو داود وغيره ، وهذا وهم فالحديث قد رواه الامام أحمد وليس أبو داود ، وهو مما تفرد به أحمد بين الأئمة أمثال : (مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة والدارمي) فلم يروه أحد منهم.
ولقد صدق قول مفتي الحنابلة الشيخ محمد بن عبد الله النجدي في كتابه “السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة” إن أبا محمد بن عبد الوهاب كان غاضبا عليه لأنه لم يهتم بالفقه وهذا معناه أنه ليس من المبرزين بالفقه ولا بالحديث، إنما دعوته الشاذة شهرته، ثم أصحابه غلوا في محبته فسموه الإمام والمجدد.
وقال ابن عبد الوهاب أيضا: “وعن طارق بن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب. قال ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله. فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله ، فضربوا عنقه؛ فدخل الجنة” رواه أحمد.
وهذا الحديث ليس في كتب الامام أحمد المطبوعة، انما تبع ابن عبد الوهاب، ابن القيم في عزوه للإمام أحمد، كما ذكر ذلك سليمان بن عبد الله بن محمد عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد.
وهذا يدل أيضا أن محمد ابن عبد الوهاب مجرد ناقل من غير تحقيق ولا تدقيق.
وليعلم أيضا ان كتاب التوحيد حققه و خرج أحاديثه أحد الوهابية المدعو أبو مالك الرياشي اليمني، وبتصفح كتابه نقف أن الرياشي حكم على 26 حديثا تارة بالضعف وتارة بالوضع، يمكن تقسيمها كما يلي:
– 3 أحاديث شديدة الضعف
– 4 أحاديث منكرة أو موضوعة
– 10 أحاديث بين مرسل و منقطع و موقوف و معضل و شاذ.
– 13 أثرا ، بين ضعيف و ضعيف جدا.
– 3 آثار موقوفة أو منقطعة.
وقد حاول بعض شراح كتاب التوحيد تقسيم الأحاديث فيه إلى أحاديث استدلال للتأسيس، وأحاديث استدلال للتأييد وزعموا أن تلك الأحاديث الضعيفة من قبيل التأييد فقط، وكلام هؤلاء كذر الرماد على العيون ومجرد محاولات متهافتة لدفع تشنيع أهل السنة عليهم، فان الطعن في الكتاب لا يتعلق بوجود أحاديث ضعيفة بالأساس، بل بوجود أحاديث موضوعة و شديدة النكارة، ولا يقول من له مسكة عقل أن مثل هذه الأحاديث يحتج بها للتأييد، والطعن فيه أيضا ان الرجل يهم في ألفاظ بعض مرويات الصحاح و يعزو بعضها لغير مصادرها.
و من المعلوم أيضا في باب العقائد أنه لا يحتج فيه الا بالأدلة النقلية الثابتة الصحيحة لرد مقالات أهل البدع من معتزلة و حشوية و كرامية، أو بالأدلة العقلية الموافقة للكتاب والسنة لرد مقالات الفلاسفة والملاحدة كما فعل الامام فخر الدين الرازي وعامة المتكلمين الذين يطعن فيهم أفراخ الوهابية.
ثم ان الطعن في الكتاب سببه أيضا ان محمد بن عبد الوهاب احتج بٱيات نزلت في المشركين فأسقطها على المسلمين بغير وجه حق لسوء فهمه لمعنى العبادة، فكفرهم بها وحكم بكفر من قام بمجرد التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وهذه من بدعه التي اتبع فيها ابن تيمية، ولو كان متبعا للسلف حقا كما يدعي فليأتي لنا بنص واحد من مقالات علماء السلف فيها تحريم التوسل فضلا عن الحكم بكفر المتوسل برسول الله او ليأتي لنا بكلام عالم من علماء السلف فسر العبادة بأنها مجرد التوسل او الاستعانة او مجرد النداء.

