أما بعد فكلامنا الآن إن شاء الله متعلق بالنفقة على الزوجة. نفقة الزوجة بالمعنى الذي يَشمَل مؤن الزوجة، ليس فقط الأكل والشرب، واجبةٌ إذا كانت ممكِّنَةً من نفسِها، ويُعلم التمكين بأن تُخبِرَ الزوج، عقدا العقد ثم أخبرته قالت له متى ما أردت الجماع أنا لا أمتنِعُ منك، مشافهة أو برسالة أو نحو ذلك. وتجب النفقة على الزوج يومًا بيوم، يعنى بفجر كل يوم، أما بمجرد العقد قبل التمكين فلا تجبُ النفقة. وقد جعل الشرع لنفقة الزوجة قدرًا معلومًا، يعنى ليست نفقةُ الزوجةِ مبنيةً على الكفاية فقط، لا. وتستحق الزوجةُ النفقةَ نفسَها فى حال صحتها ومرضها، شِبَعِها وعدمِ ذلك. فإن أكلت مع زوجِها على ما جرت بها العادة كفى ذلك من ناحية الأكل والشرب إن رضِيَت. فإذا كان على الزوج نفقة ماضية لها أو حاضرة يجوز لها أن تَعْتَاضَ عنها، أن تأخذ بدلاً منها شيئًا ءاخر إلاَّ إذا دَخَلَ الربا فى المعاملة فلا يجوز عند ذلك. فإن كان الزوج موسِرًا بأن كان عنده ما يكفيه بقيةَ العمر الغالب وزيادة عليه مدَّان وَجَبَ لها عليه فى كل يوم مدان من غالبِ قوت بلد إقامَتِها أي حيث هى موجودة، يعنى إذا طلع الفجر يُنْظَر فى حاله هل عنده هذا أم لا؟ فإن كان عنده يُعتبر لذلك اليوم موسرًا فيجبُ عليه مُدَّان. أما المتوسط فيجبُ عليه مدٌّ ونصف، والفقيرُ مد. فإن كان القوت الغالب فى البلد قمحًا، أعطاها كلَّ يوم مدَّين من القمح، وإن كان شعيرًا فشعير وإن كانت ذرةً فذرة وهكذا. ويجب للزوجة مع القوت إدام، هو مثلُ الإدام الذي جرت العادة بأكله لأمثال الزوج، أمثالُ الزوج ماذا جرت عادتُهم أن يأكلوا مع الخبز؟ الإدام الذي جرت عادتهم أن يأكلوه مع الخبز يجب عليه أن يُعْطِيَها ذلك، مثل الزيت مثلاً. ما جرت به عادةُ أمثاله. فلو اختَلَفا فى قَدْرِ الأدم فرضَه القاضي باجتهاده، فإن كان البلد فيه أكثر من إدام، ليس فيه إدام غالب، فاللائق بحال الزوج، أي يعطيها اللائق بحاله. ويختلف الإدام فى العادة باختلاف الفصول الأربعة. ويجب أيضًا لها لحم وما يطبخ به أيضًا هذا اللحم على حسب العادة على ما يليق بحال الزوج من حيث النوع وعدد المرات، مثلاً فى كل أسبوع مرة. ويأتيها أيضًا بالفاكهة التي تَغْلِب فى ذلك الفصل ونحوِ ذلك مما جرت به العادة. ويجب لها عليه سراج فى أول الليل. ويجب لها عليه الكسوة من الجنس الذي جرت به عادة أمثاله من أهل الفضل، يعنى ليس إذا كان مثلُه فاسقًا مستهترًا، ليس هذا القدوة فى هذه الحال. فيختلف ذلك من كَتّان إلى حرير إلى قطن، كما أن الكِسوة تختلف باختلاف البلاد. أما عدد الكسوة فلا يختلف، إنما يجبُ لها عليه كسوة للصيف وكسوة للشتاء، عند الفقهاء فى هذا الباب الفصولُ اثنان، ستة أشهر صيف وستة أشهر شتاء. الفصول أربعة لكن فى هذا الباب يعتبرون فصلين، فيعتبرون كِسوتين، كسوة للصيف وكسوة للشتاء، فكل ستة أشهر يجب للزوجة على الزوج كسوة، يجبُ لها قميص وهو ما يسمونه الآن فستان، وسروال وخِمار وشىء تلْبَسُه فى رجلها، وفى الشتاء يجب ذلك وزيادة عليه جُبَّةً تكفي فى دَفْعِ البرد كأن تكون محشُوَّةً، والتِّكَّة التي يَسْتَمْسِكُ بها السروال حتى لا يسقط و َزِر إن كان يُحتاجُ إليه وخَيْط خياطة، ويجب لها أيضًا ما تَقْعُدُ عليه يعنى سَجَّادة للشتاء وبِساط رقيق للصيف هذا على الغنىّ أما الفقير اللَّبْد أو يقولون له اللَّبَّاد فى الشتاء وحصير فى الصيف. ويجب لها أيضًا ما تنامُ عليه من الفراش، طرّاحة تنام عليها ومِخَدَّة تحت رأسها و ما تتغطى به كاللِّحاف فى البرد والْمَلاَءَةِ فى الصيف ولا يجب أن يُجَدِّد ذلك كلَّ فصل إنما يُصْلِحُهُ على حَسَبِ العادة ويجب على الزوج تمليكُ زوجتِه الطعام يعنى إلاَّ إن تراضيا فأكلت معه كما يأكُلُ الزوج والزوجة عادة، لكن كلامنا على حسب الأصل، ويجب أن يُمَلِّكَها الطعام القمح ونحوه، حبًّا سليمًا غيرَ مُسَوَّس وعليه هو طحنُه وعجنُه وخَبزُه يعنى بنفسه أو هو يُكَلّفُ غيرَه بفعل ذلك، هذا إذا كان القوت الغالب يحتاج إلى ذلك، فإذا كان تمر لا يحتاج إلى أن يطحنه. ويجب لها ءالة أكل مثل قَصعَة وصحن ومِلعقة ومِغرَفة وقِدر ونحوِ ذلك مما تحتاجُه للأكل ولا يشترط أن يكون من حديد أو نُحاس، قد يكون بعضُها من خشب وبعضُها من خزف وغير ذلك، ويجب لها ءالةُ شرب يعنى كالجرة والكُوز وءالة تنظيف من نحو الْمُشط والصابون لأنه تحتاجُه للرأس والثياب. ووعاءٌ تغسِلُ فيه ثيابها، وماءُ وضوء وغُسل هو تسبَّبَ فيه بخلاف الحيض مثلاً. ولا يجب عليه ما اعتيد إعطاؤه للمرأة عقب الولادة كسَمن وفِراخ وعَسَل. ولا يجب عليه أن يُعْطِيَها ما تتزينُ به، أما إن هيأ لها ذلك وأرادَ أن تتزين له وَجَبَ عليها. ويجب لها عليه مَسْكَن ولا يُشترط أن يكون مِلكًا للزوج إنما يكفى بأجرة لكن لا بد أن يليق بمثلها لأنها لا تتمَلَّكُه. وإن كانت ممن يُخْدَمُ مِثْلُها فعلى الزوج إخدامُها، يعنى إن كانت عادةُ مِثْلِها أنها تُخْدَمُ فى بيت أبيها فطلبت منه الخادمة وكان مستطيعًا وجَبَ عليه أن يُخْدِمَها، أما إن كانت هى لا تريد ذلك فلا يجبُ عليه. ولا يكفى أن يخدِمَها هو بنفسه لأنها تَسْتَحِى منه وتُعَيَّر بذلك أيضًا. ثم إن أَعْسَرَ الزوج بالنفقة المستَقْبَلَة فلَها أن تَصْبِرَ على إعساره، وتُنْفِقُ على نفسها ويصيرُ ما أنفقته على نفسها دَيْنًا عليه. ولها إن لم تصبر أن تفسَخَ النكاح بخمسة شروط. الشرط الأول الإعسار، أن يكونَ الزوج معسرًا، أما إن كان قادرًا على الإنفاق عليها لكن لم يُنْفِق فلا فسخ لأنها تستطيعُ تحصيلَ حقِّها بواسطة الحاكم.
الشرطُ الثاني كونُ الإعسار بالنفقة أو بالكِسوة، ومثل النفقة والكِسوة المسكن.
والشرط الثالث كونُ الإعسار بنفقتها هى لا بنفقة الخادمة التي أخدمها إياها.
الرابع أن يُعْسِر بمثل نفقة المعسرين أما لو كان غنيًّا فانتقل إلى حالِ المتوسط أو إلى حالِ الفقير وما زال يُنفِقُ عليها نفقة الفقراء ليس لها أن تفسَخ بذلك.
الشرطُ الخامس كون النفقة مستَقْبَلَة فلا تستطيع أن تَفْسَخَ الآن لأنه عَجَزَ فى خلال الشهر الماضى وهو الآن قادر. والفسخ له طريقة، تَرْفَعُ الأمر إلى القاضي أو إلى الْمُحَكَّم كما ذكرنا. ويثبُتُ عنده إعسارُ الزوج إما بأن يعتَرِفَ الزوج بإعساره أو بالبينة، بعد ثبوت إعساره يجبُ أن يُمْهَلَ ثلاثة أيام فإن مضت مدة الإمهال وهو بعدُ عاجز ففى صبيحة اليوم الرابع تَرْفَعُ الأمرَ إلى الحاكم فيَفْسِخُ عند ذلك القاضي العقد أو هى بإذن القاضي. وفى المسئلة زيادة تفصيل يسأل عنه من احتاج إليه. وكذلك يجوز للزوجة أن تفسخ النكاح إن أعسر زوجُها بالمهر الحالّ قبلَ الدخول، أما إذا حصل الدخول فليس لها أن تفسخ لأن المهر عند ذلك صار دَيْنًا فى رقبته ولا فسْخَ بالدين لأنها هى رضيت بهذا الأمر.
نفقة العبيد والبهائم
النوع الثاني من أنوتع النفقة نفقةُ الرَّقيق يدخُلُ فيها نحو أجرة الطبيب له وثمن الدواء، هذه النفقة واجبة لحديث مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوكِ طعامُه وكِسوَتُه ولا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ ما لا يُطيق اهـ فمَن مَلَكَ رقيقاً وجبَ عليه نفقَتُه سواءٌ كان ذكرًا أو أنثى أو مستأجَرًا أو مُعارًا فيطعِمُه من القوت، غالب قوت أرقاء البلد ومن الأدم، من غالب أُدْمِ أرقاء البلد، هذا الواجب عليه، ومن الكِسوة أيضًا ما اعتادَه أرقاء تلك البلد هذا الواجب لكنّ الأحسن والسُّنَّة أن يطعِمَه السيدُ مما يأكل وأن يكسُوَه مما يكتَسِى، أما الواجب فما ذكرناه. ويعتبر فيه حالُ العبد وحال السيد من حيث الإعسار واليسار مثلاً. ولا يكفى فى السترة أن يكسُوَه ما يستر عورتَه فقط ولو لم يتأذَّ بحر أو برد لأن فيه إذلالاً للعبد إلا إن كان في بلد عادةُ أهله هكذا فينتفى هذا المعنى.
النوع الثالث من أنواع النفقة هو نفقة البهائم لكن هنا المراد ليس أى حيوان، بل الحيوان المحترم. يعنى مثلاً الفأرة لا تجب نفقتها والغراب لا تجبُ نفقته، والعقرب لا تجبُ نفقته، والكلب العقور أي المؤذي لا تجب نفقته. لكن لا تحبس لتموت جوعاً. فعلى مالك البهيمة عَلَفُها وسقيُها بقدر الكفاية يعنى لأول الشِّبَع فإن امتَنَع المالك من ذلك وكان له مال أَمَرَهُ الحاكمُ بأمرٍ من ثلاثة: إما أن يَبيعَ البهيمة أو يَهَبَها أو نحوَ ذلك، أو يعلِفَها ويسقِيَها بقدر الكفاية، أو يذبَحَها إن كانت مأكولة، فإن كانت غيرَ مأكولة أمرَه بأحد أمرين: ببيعِها أو بهبَتِها أو نحوِ ذلك، والأمر الثاني أن يكفِيَها الطعامَ والشرابَ، فإن لم يأت المالك بشىء من ذلك، اجتهد الحاكمُ فى الحال وفعل فى البهيمة ما يراه مناسبًا من هذه الأمور، فإن أتى للبهيمة بالطعام والشراب، أتى لها بذلك من مال صاحبها. فإن لم يكن للمالك مال، الحاكم عند ذلك إما أن يؤْجِرَ الدابة على المالك وإما أن يبيعَهَا أو يبيعَ جزءًا منها فإن تعذَّر ذلك كُفِيت الدابة من بيت المال إن لم يكن هناك سبيل لكفايَتِها، الحمار أو الحصان ونحو ذلك يُكفى من بيت المال. ولا يحلِبُ المالك من لبن دابته ما يضُرُّ ولدَها أي أن لا يحلب الحليب بحيث لا يترك للولد شيئاً حين يكون الحليب غذاءًا للولد، فإن لم يكن لها ولد فحَلَبَها سُنَّ أن لا يُخرجَ كلَّ اللبن من الضرع بل يسن أن يترك فى الضرع شيئًا من اللبن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. ويسن لمن يحلبُ البهيمة أن يَقُص أظافره حتى لا يؤذيها. ويجوز له أن يسقِىَ ولد البهيمة من حليب غيرِها إن أخذه أي إن استَمْرَأَه. ويجب على مالك النحل أن يُبقي له فى الكَوَّارة من العسل ما يَكفيه حتى لا يموت أو يضع له شيئاً ءاخر يأكلُه إذا أخذ كلَّ العسل. والذي يملك دودَ القز عليه أن يأتيه بالتوت أو يُخَلِّيه يأكل التوت هو. ولا يجوز أن يكلَّفَ الرقيقُ والبهائم من العمل ما لا يُطيقون يعنى ما لا يطاق بحسب العادة على الدوام وإلا قد يُطيق العبد عملاً ما يومًا أو يومين ثم ينهار فلا يجوز أن يكلِّفَه السيد ذلك وكذا البهيمة. فإذا استعمل المالك رقيقه نهارًا أراحه ليلاً وإن استعمله ليلاً أراحَه نهارًا ويريحُه فى الصيف وقتَ القيلولة فى النهار لأنه وقتُ الراحة عادةً.
نفقة المولودين
المولودون وإن سَفَلوا تجب نفقَتُهم على الوالدِين بثلاث شرائط. الشرط الأول: الفَقْرُ والصِغَر يعنى الفقر مع الصغر، أما الصغير الغنىّ فلا يجبُ على الوالدِ الإنفاقُ عليه، بل يُنفِقُ عليه من ماله. والشرطُ الثاني: الفقرُ مع الزمانة وهي العجز عن العمل، فيُفهم من ذلك أن الولد إذا كان قادراً على العمل ولو كان صغيراً يجوز لوالده أن يُؤْجِرَه أي أن يُشَغِّلَه بأجرة في عمل يليقُ بالولد ويَصْرِف على الولد من تلك الأجرة. الشرط الثالث: الفقرُ والجنون، لأن المجنون لا يستطيع أن يعمل، لكن إذا كان الولد المجنون غنيًا فيجوز لوالده أن يصرف عليه من ماله أي من مال الولد المجنون. وإن كان للولد أبوان، أب وأم، فالنفقة على الأب دون الأم وإلا إن لم يكن له إلا أحدُهما فالنفقةُ عليه. فإن كان أولادُه متوفِّينَ وأولاد الأولاد فى حال الفقر والزمانة مثلاً فعليه نفقتُهم. ولما نقول الولد، هذا يشمل الذكر والأنثى. هذا نوع من أنواع النفقة.

فكرتان اثنتان على ”نفقة الزوجة في الإسلام“
التعليقات مغلقة.