الردود على الشبهات المثارة حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
الجزء 19- شبهة قول ابن عمر: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”
وردت عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما روايات متعددة تتعلق بمفهوم البدعة، من أبرزها القول المنسوب إليه: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”. وقد نُقلت هذه العبارة بعدة طرق.
▪︎ أولاً: رواية ابن أبي شيبة في المصنف
روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده، قال: عن وكيع قال: حدثنا هشام بن الغاز، قال: سألت نافعاً مولى ابن عمر: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة؟ فقال: قال ابن عمر: بدعة.
ويُفهم من هذا أن ابن عمر كان يصف بعض المحدثات بكونها بدعة، إلا أن استعماله للفظ “البدعة” لم يكن محصوراً في المعنى المذموم، بل كان يميز بين ما يُمدح منها وما يُذم.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/1B9xiT9ARr/
▪︎ ثانياً: رواية البيهقي واللالكائي والمروزي وغيرهم
نُقل عن ابن عمر بلفظٍ عام قوله: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”.
– روى محمد بن نصر المروزي في السنة قال: “حدثنا إسحاق، أنبأنا وكيع، عن هشام بن الغاز، أنه سمع نافعاً، يقول: قال ابن عمر: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسناً”.
– روى ابن بطة في الإبانة قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شبابة بن سوار، عن هشام، عن نافع، عن ابن عمر، قال: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”.
– روى البيهقي في المدخل: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العباس الأصم، ثنا محمد بن عبيد الله المنادي، ثنا شبابة، ثنا هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر قال: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”.
– قال أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث: “أخبرنا غير واحد إجازة عن الحافظ أبي طاهر السلفي وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحسين بن زكريا الطريثيثي المقريء قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري في شرح الحجج أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بإسناده أن عبد الملك ابن مروان سأل غضيف بن الحرث عن القصص ورفع الأيدي على المنابر فقال غضيف: إنهما لمن أمثال ما أحدثتم، وإني لا أجيبك إليهما، لأني حدثت أن رسول الله ﷺ قال: “ما من أمة تحدث في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة، والتمسك بالسنة أحب إلي من أن أحدث بدعة”. وفيه عن شبابة قال: حدثنا هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”. انتهى.
ويتضح من هذه الطرق أن الرواية مشهورة عن ابن عمر، غير أن تحليل سياقها ضروري لفهم مقصده، إذ لم يكن إطلاق لفظ “الناس” يراد به أهل العلم، بل الآخذين بالبدعة الضلالة من العامة، فإن أغلب العامة يتبعون البدع الباطلة يظنون أنها حسنة بمجرد رايهم وهواهم لا بالشرع والأصول.
وهؤلاء العامة لا عبرة بما يرونه أو بما يعتبرونه، بل العبرة بكلام العلماء.
و يُستدل على أن ابن عمر لم يكن يرفض كل ما جدّ رفضاً مطلقاً، بل كان يجيز الزيادة التي لا تخالف الأصول. ومن أمثلة ذلك، ما رواه أبو داود والدارقطني عن أبي بشر، قال: سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر، عن رسول الله ﷺ في التشهد: “التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”. قال: قال ابن عمر: زدت فيها: “وبركاته”. “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله”. قال ابن عمر: زدت فيها: “وحده لا شريك له”، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
كما كان ابن عمر يتتبع المواضع التي صلى فيها رسول الله ﷺ، فقد بوب البخاري في صحيحه: “المواضع التي صلى فيها النبي ﷺ”. وقال: ” حدثني نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي في تلك الأمكنة. وسألت سالمًا فلا أعلمه إلا وافق نافعًا في الأماكن كلها، إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء. انتهى.
وهذا يبين أن ابن عمر كان يميل إلى شدة الاتباع للنبي ﷺ، حتى في تفاصيل المواضع والزيادات، مما يدل على أن قوله في “البدعة” ليس على الإطلاق في كل زيادة، بل في ما يخالف الأصول.
▪︎ ثالثا: رواية ابن رجب في فتح الباري
قال ابن رجب: “روى وكيع في كتابه عن هشام بن الغاز، قال: سألت نافعاً عن الأذان يوم الجمعة، قال: سألت نافعاً مولى ابن عمر عن الأذان الأول يوم الجمعة، فقال: قال ابن عمر: بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”. انتهى
غير أن هذا النقل يُشكل من جهة أن كتاب وكيع غير محدد على وجه الدقة، إذ إن كثيراً من الكتب مفقودة أو منسوبة لغير مؤلفها.
ثم إن ابن رجب لم يذكر السند كاملاً عن وكيع، مما يجعل الرواية غير ثابتة على هذا الوجه.
فلو قيل أن ابن رجب لم يتفرد بهذا النقل بل تابعه أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن حيث قال: “فلما كان عثمان وفشا الناس وكثروا زاد النداء الثالث”. ثم قال: “وقد روي عن جماعة من السلف إنكار الأذان الأول قبل خروج الإمام. روى وكيع قال: حدثنا هشام بن الغاز قال: سألت نافعاً عن الأذان الأول يوم الجمعة، قال: قال ابن عمر بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإن رآه الناس حسناً”. انتهى.
فجوابه أن هذا الإسناد منقطع لا تقوم به حجة، والأقرب أن ناسخ الكتاب جمع بين رواية ابن عمر في مسألة الأذان يوم الجمعة وبين روايته العامة في ذم البدع.
روابط ذات علاقة:
الردود على الشبهات المثارة حول مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
الجزء 1:
أ- الرد على من زعم أن الفاطميين هم أول من احتفل بالمولد النبوي
ب-بيان ان الترك لا يفيد التحريم كما يزعم المبتدعة
ج-الدليل على ان النبي بيّن لصحابته عظيم قدر يوم ولادته، وان الصحابة كانوا يعظمون يوم مولده
د- ذكر بعض الأصول التي اعتمدها العلماء لتجويز عمل المولد
هـ- قياسهم عمل المولد بتخصيص قيام الليل يوم الجمعة
و- احتفالهم باسبوع ابن عبد الوهاب
ز- رنين أتباع ابليس بمناسبة المولد الهادي المختار.
الرابط:
الجزء 2: ذكر بعض من ألف في المولد النبوي المبارك
الجزء 3: في بيان جواز قول “عيد المولد النَّبوي”
الجزء 4: شبهة أن مولد الرَّسول هو يوم وفاته صلَّى الله عليه وسلَّم، وشبهة أن يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم غير ثابت.
الجزء 5: زعمهم أن المولد لو كان خيرا لسبقنا إليه الصحابة و التابعون
الجزء 6: شبهة سؤال المنكرين هل المولد طاعة لله أم معصية؟
الجزء 7: رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني
الجزء 8: رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام ابن الحاج المالكي
الجزء 9: تلبيسات ابن تيمية حول عمل المولد النبوي الشريف
الجزء 10: التحقيق في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
الجزء 11: قول سيدنا عمر: ” نعمت البدعة هذه”
الجزء 12: حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
الجزء 13: رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الشاطبي
الجزء 14: أول من احتفل بالمولد النبوي في المغرب والأندلس
الجزء 15: الخيانة العلمية للوَهَّابي إسماعيل الأنصاري في نقل كلام بعض الأئمَّة حول عمل الـمولد.
https://www.facebook.com/share/p/SwQQThyqWX2QzRGm/?mibextid=qi2Omg
الجزء 16: شبهة استدلال منكري عمل المولد بمقالة الامام مالك: “مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ”
https://www.facebook.com/share/p/dS7kWXVokjgVEmrz/?mibextid=qi2Omg
الجزء 17: رد بعض الشبهات حول قاعدة ” الترك لا يفيد التحريم”
https://www.facebook.com/share/p/uG7NdqVJTFbiauUb/?mibextid=qi2Omg
الجزء 18: تفسير النجم الطوفي الحنبلي لحديث مسلم “ذاك يوم وُلدت فيه”
https://www.facebook.com/share/p/1W7nv8UCFc/
الجزء 19 – شبهة قول ابن عمر: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”
https://www.facebook.com/share/p/1JXXt3fQpC/
حكم صلاة الضحى جماعة في المسجد عند عبد الله بن عمر
كان عبد الله بن عمر يرى أن صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة محدثة، ولم يكن يصليها. فقد قال مورق العجلي : قلت لابن عمر : أتصلي الضحى ؟ . قال : لا . قلت : فعمر ؟ . قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ . قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟. قال : لا إخاله .
و روى البخاري ومسلم عن مجاهد قال: «دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، والناس يصلون الضحى في المسجد، فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة». انتهى
وصلاة الضحى جماعة في المسجد أحدثها في زمن عثمان بعض أهل البوادي، فقد قال ابن جريج : “وقال ناس : أول من صلاها أهل البوادي ، يدخلون المسجد إذا فرغوا من أسواقهم . وقول طاووس : إن أول من صلاها الأعراب ، إذا باع أحدهم بضاعة يأتي المسجد فيكبر ويسجد”. انتهى
ومع أنها بدعة محدثة، من حيث أنها تخصيص عبادة بمكان و زمان لم يخصصهما لها الشرع، فقد اعتبرها عبد الله بن عمر رضي الله عنه بدعة حسنة.
روى ابن الجعد في مسنده، ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير و أيضا ابن أبي شيبة في مصنفه عن الأعرج، قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى، وهو مستند ظهره إلى حجرة عائشة، فقال: بدعة، ونعمت البدعة، وصححه ابن حجر في فتح الباري والزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية.
و روى ابن أبي شيبة في مصنفه أيضا عن سعيد بن عمرو القرشي قال: اتبعت عبدالله بن عمر لأتعلم منه فما رأيته يصلي السبحة، وكان إذا رآهم يصلونها قال: من أحسن ما أحدثوا سبحتهم هذه.
وقال ابن حجر في فتح الباري: «روي سعيد بن منصور بسند صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا». انتهى
وروى عبد الرزاق في مصنفه: عن سالم عن ابن عمر قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئاً أحب إلي منها. وسنده صحيح كما قال ابن حجر في فتح الباري والزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية
ورى عبد الرزاق عن بن جريج قال حدثني جعفر بن محمد أن علي بن أبي طالب كان يذكر له هذه الصلاة التي احدث الناس فيقول صلوا ما استطعتم فإن الله لا يعذب على الصلاة.
وخلاصة الأمر أن الناس أحدثوا أمراً جديدا في صلاة الضحى ، وهو الحرص على أداء هذه العبادة في أول وقتها في المسجد ، وأن ابن عمر حكم على فعلهم هذا بأنه بدعة ومحدثة ، وأنه هو ما كان يصليها كما يصليها الناس ، ومع ذلك فقد أثنى على ما يفعلونه بأنه نعمت البدعة ، وأنه من أحسن ما أحدثوا .
