اعترض يوتيوبرز مصري مُقيم في تُركيا، على قيام وزير الأوقاف في مصر بالمُشاركة في ذكر الله في جماعة يُردِّدون: ” لا إله إلا الله” ، من غير تحريف للفظ الجلالة أو غيره، وزعم اليوتيوبر أنَّ هذا التَّصرُّف مِن وزير الأوقاف غريب! وعلَّق بعد ذلك قائلًا: “فطرتي ما استساغتش الذِّكر الجماعي”.
والأعجب أنَّ هذا اليوتيوبر استدلَّ في إنكاره العجيب -المذكور أعلاه- بقول الله تعالَى: “وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ” الآية..
و لو كلَّف نفسه قراءة الآية الَّتي سبقت لفهم أنَّ هذه الآية جاءت بعد سياق فيه قولُه تعالَى: “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ”.
ولو كلَّف نفسه العودة إلى تفاسير أهل السُّنَّة والجماعة لوجد في تفسير الإمام الطَّبريِّ مثلا ما نصُّه: “يقول: ليكُن ذكر الله عند استماعك القُرآن في دُعاء إن دعوتَ غير جهار، ولكن في خفاء مِن القول” إلخ.. إذًا فليس في الآية نهي عن ذكر الله جهرًا وإنَّما هي فيما لو قُرِئ القُرآن.
وقد جاء القُرآن الكريم بالأمر بذكر الله بصيغة المُفرد؛ وبصيغة الجمع دون أن يكون ذلك مُقيَّدًا بأن يكون الذِّكر سرًّا كقوله تعالَى: “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” وكقوله تعالَى: “فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَر الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ” وكقوله تعالَى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا” الآية..
وفي الحديث الصَّحيح عن أبي هُريرة وأبي سعيد رضي الله عنهُما أنَّهُما شهدَا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: “لا يَقعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلا حَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ وَغَشِيَتهُمُ الرَّحمَةُ وَنَزَلَت عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَن عِندَهُ” رواه مُسلم -واللَّفظ له- والتِّرمذيُّ وابن ماجه.
وروى أحمد ومُسلم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خَرَجَ عَلَى حَلقَةٍ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَجلَسَكُم؟ قَالُوا: جَلَسنَا نَذكُرُ الله وَنَحمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسلامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَينَا. إلى قوله: “أَمَا إِنِّي لَم أَستَحلِفكُم تُهمَةً لَكُم، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبرِيلُ فَأَخبَرَنِي أَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ المَلائِكَةَ”. انتهَى.
فذكر الله مشروع مُطلَقًا كما دلَّتنا الآيات والأحاديث فلا يسع أحدًا مِن النَّاس أن يستدرك على الشَّرع، وكيف يستبيح أحد لنفسه أن يُنكر ذكر الله تعالَى في جماعة وهُو يرَى المُسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يذكُرون الله في موسم الحجِّ وفي تكبيرات العيد بلا نكير مِن أحد منهُم.
