اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْقِيَامَةَ لا تَقُومُ حَتَّى تَحْصُلَ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى كما أخبر الصادقُ الأمين صلى الله عليه وسلم، أَمَّا الْعَلامَاتُ الصُّغْرَى فَمِنْهَا مَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ عَنْهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم أَنَّ جِبْرِيلَ سَأَلَهُ عَنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ أَيْ عَلامَاتِهَا فَقَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا – أَيْ سَيِّدَتَهَا – وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رَعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ وَهَذَا حَصَلَ. وَمِنْهَا: زَوَالُ جِبَالٍ عَنْ مَرَاسِيهَا وَكَثْرَةُ الزَّلازِلِ وَكَثْرَةُ الأَمْرَاضِ الَّتِي مَا كَانَ يَعْرِفُهَا النَّاسُ سَابِقًا، وَكَثْرَةُ الدَّجَّالِينَ وَخُطَبَاءِ السُّوءِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا ادِّعَاءُ أُنَاسٍ النُّبُوَّةَ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا أَيْضًا، وَتَغَيُّرُ أَحْوَالِ الْهَوَاءِ فِي الصَّيْفِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الشِّتَاءِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فِي الصَّيْفِ، وَكَذَلِكَ قِلَّةُ الْعِلْمِ وَكَثْرَةُ الْجَهْلِ أَيِ الْجَهْلِ بِعِلْمِ الدِّينِ وَهَذَا قَدْ حَصَلَ، وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ وَالظُّلْمِ، وَتَقَارُبُ الزَّمَانِ، وَتَقَارُبُ الأَسْوَاقِ، وَتَدَاعِي الأُمَمِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَتَدَاعِيهِمْ عَلَى قَصْعَةِ الطَّعَامِ يُحِيطُونَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَهَذَا كُلُّهُ حَصَلَ أَيْضًا. وَمِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ أَيْضًا مَا أَخْبَرَ عَنْهَا النَّبِيُّ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا – أَيْ سَيَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي – قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، أَيْ أَنَّهُنَّ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا لا تَسْتُرُ جَمِيعَ الْعَوْرَةِ وَأَنَّهُنَّ مَائِلاتٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَيُمِلْنَ غَيْرَهُنَّ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَيْ فَاجِرَاتٌ يَرْمِينَ النَّاسَ فِي الزِّنَى رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ أَيْ يَرْفَعْنَ رُؤُوسَهُنَّ لِيُعْجَبَ بِهِنَّ النَّاسُ أَوْ يَمْشِينَ مِشْيَةً خَاصَّةً يُمَيَّزْنَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِنَّ، وَهَذَا حَصَلَ فِي بَعْضِ مَا مَضَى مِنَ الزَّمَنِ فِي بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْطَبِقًا تَمَامَ الِانْطِبَاقِ عَلَى مُجَرَّدِ اللَّاتِي يَكْشِفْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِهِنَّ، بَلْ أُولَئِكَ يَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُنَّ زَانِيَاتٌ، أَخْبَرَ الرَّسُولُ عَنْهُنَّ فِي تِتِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا أَيْضًا حَصَلَ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسلم وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَحْمَدُ. وَءَاخِرُهَا (أي من آخرها) ظُهُورُ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ والمهدي رجلٌ طويلُ القامة آدمُ أي أسمر، وجهه كالكوكب الدري في الحسن والوضاءة، أجلى الجبهة أقنى الأنف أكحلُ العينين واسعَهما، دقيقُ الحاجبين طويلَهما، مفروقُ الحاجبين غير مقرونِهما، في خده الأيمن خال أسود كثُ اللحية برّاقُ الثنايا، يولدُ بالمدينة المنورة وينشأ بها ثم يأتي إلى مكة فيبايعه الأولياء ثم يأتي إلى بر الشام، وَ ظُهُورُ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ النَّاسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي فَيَمْلَؤُهَا – أَيِ الأَرْضَ – قِسْطًا وَعَدْلًا، فَالْمَهْدِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ حَسَنِيٌّ أَوْ حُسَيْنِيٌّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ أَنَّهُ يَسِيرُ مَعَهُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مَلَكٌ يُنَادِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ فَاتَّبِعُوهُ، وَوَرَدَ فِي الأَثَرِ أَيْضًا أَنَّ الْمَهْدِيَّ أَوَّلَ مَا يَخْرُجُ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَيَخْرُجُ مَعَهُ أَلْفٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ يَمِدُّونَهُ ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى مَكَّةَ وَهُنَاكَ يَنْتَظِرُهُ ثَلاثُمِائَةٍ مِنَ الأَوْلِيَاءِ هُمْ أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ جَيْشٌ لِغَزْوِهِ فَيَخْسِفُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْجَيْشِ الأَرْضَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي إِلَى بَرِّ الشَّامِ، وَفِي أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ تَحْصُلُ مَجَاعَةٌ، وَالْمُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَشْبَعُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ أَيْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ، يَعْنِي الْمُؤْمِنَ الْكَامِلَ. وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى عَشَرَةٌ وَهِيَ: 1خُرُوجُ الدَّجَّالِ، 2وَنُزُولُ الْمَسِيحِ، 3وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، 4وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، 5وَخُرُوجُ دَابَّةِ الأَرْضِ، بَعْدَ ذَلِكَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ تَوْبَةً، وَهَاتَانِ الْعَلامَتَانِ تَحْصُلانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالضُّحَى، وَدَابَّةُ الأَرْضِ هَذِهِ تُكَلِّمُ النَّاسَ وَتُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ وَلا أَحَدَ مِنْهُمْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهَا، 6ثُمَّ الدُّخَانُ، يَنْزِلُ دُخَانٌ يَنْتَشِرُ فِي الأَرْضِ فَيَكَادُ الْكَافِرُونَ يَمُوتُونَ مِنْ شِدَّةِ هَذَا الدُّخَانِ، وَأَمَّا المسلم يَصِيرُ عَلَيْهِ كَالزُّكَامِ، وَثَلاثَةُ خُسُوفٍ 7خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ 8وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ 9وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَهَذِهِ الْخُسُوفُ لا تَأْتِي إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ الْمَسِيحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَالْخُسُوفُ مَعْنَاهُ انْشِقَاقُ الأَرْضِ وَبَلْعُ مَنْ عَلَيْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْخُسُوفُ فِي ءَانٍ وَاحِدٍ، 10وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ فَتَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَعَدَنُ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ. وَالآنَ نَسْرُدُ بَعْضَ تَفَاصِيلِ بَعْضِ هَذِهِ الْعَلامَاتِ وَالَّتِي مِنْهَا خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَيُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ وَالْمَسِيحُ الْكَذَّابُ، وَسُمِّيَ بِالْمَسِيحِ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ السِّيَاحَةَ فَهُوَ يَطُوفُ الأَرْضَ فِي نَحْوِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ يَسِيحُ فِي الدُّنْيَا إِلَى كُلِّ الْجِهَاتِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَة لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَلا الْمَدِينَةَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَأْتِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَجِدُ عَلَى كُلِّ نَقَبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا أي أبوابها مَلَكًا مَعَهُ سَيْفٌ مُسَلَّطٌ فَيَفِرُّ. وَالدَّجَّالُ شَأْنُهُ غَرِيبٌ فِي تَنَقُّلِهِ لَيْسَ مِثْلَنَا لِيَفْتِنَ اللَّهُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَيَضِلُّوا مَعَهُ، يُسَهِّلُ لَهُ التَّنَقُّلَ فِي الأَرْضِ بِطَرِيقٍ غَرِيبٍ فَيُضِلُّ هُنَا وَهُنَا وَهُنَا يَقُولُ لِلنَّاسِ أَنَا رَبُّكُمْ وَيُظْهِرُ لَهُمْ تَمْوِيهَاتٍ فَيُؤْمِنُ بِهِ الْيَهُودُ ثُمَّ بَعْضُ الَّذِينَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةَ مِنْ غَيْرِ الْيَهُودِ، فَلِكَثْرَةِ سِيَاحَتِهِ يُسَمَّى الْمَسِيحَ، لَكِنَّهُ بِمَا أَنَّهُ كَافِرٌ يُضِلُّ النَّاسَ يُسَمَّى الدَّجَّالَ. وَلَمَّا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يَشْبَعُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتِنُ بِهِ بَعْضَ الْخَلْقِ، فَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يُيَسِّرُ اللَّهُ لَهُمُ الأَرْزَاقَ وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَهُ وَلا يَتَّبِعُونَهُ تَحْصُلُ لَهُمْ مَجَاعَةٌ، فَيُعِينُهُمُ اللَّهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، فَهَذَا يَقُومُ مَقَامَ الأَكْلِ فَلا يَضُرُّهُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمَّا يَنْزِلُ الْمَسِيحُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ رَخَاءٌ كَبِيرٌ، وَيَلْتَقِي الْمَهْدِيُّ بِعِيسَى أَوَّلَ نُزُولِهِ فَعِيسَى يُقَدِّمُ الْمَهْدِيَّ إِمَامًا إِظْهَارًا لِكَرَامَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْزِلُ لِيُطَبِّقَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ فِي عَهْدِ الْمَسِيحِ يَصِيرُ رَخَاءٌ كَثِيرٌ وَأَمْنٌ فَتُخْرِجُ الأَرْضُ مَا فِي دَاخِلِهَا مِنَ الذَّهَبِ حَتَّى إِنَّهُ لا يُوجَدُ إِنْسَانٌ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ مِنْ عُمُومِ الْغِنَى. وَالأَعْوَرُ الدَّجَّالُ مكتوب على جبهته كافر يقرأه كل مسلم وهو إِنْسَانٌ مِنْ بَنِي ءَادَمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِحْدَى عَيْنَيْهِ طَافِيَةٌ كَالْعِنَبَةِ وَالأُخْرَى مَمْسُوحَةٌ فَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الأَعْوَرُ. وَهُوَ الآنَ مَحْبُوسٌ فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، الْمَلائِكَةُ حَبَسُوهُ هُنَاكَ، وَهَذِهِ الْجَزِيرَةُ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً، رَءَاهُ وَاجْتَمَعَ بِهِ الصَّحَابِيُّ تَمِيمُ بنُ أَوْسٍ عِيَانًا، رَكِبَ وَمَنْ مَعَهُ السَّفِينَةَ فَتَاهَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ شَهْرًا وَبَعُدَتْ، ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فَاجْتَمَعُوا بِهِ مُكَبَّلًا بِالسَّلاسِلِ، وَهُوَ رَجُلٌ عَظِيمٌ جَسَدُهُ أي ضخم، كَلَّمَهُمْ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ قَالَ: أَنَا فُلانٌ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ، هَلْ صَارَ كَذَا، هَلْ صَارَ كَذَا، وَسَأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلّم، هَلْ ظَهَرَ النَّبِيُّ الْعَرَبِيُّ، ثُمَّ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا رَأَى هَذَا الصَّحَابِيُّ مِنَ الدَّجَّالِ. وَهَذَا الأَعْوَرُ الدَّجَّالُ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِلاءً مِنْهُ يُظْهِرُ عَلَى يَدَيْهِ خَوَارَقَ، وَمِنْ عَجَائِبِهِ أَنَّهُ يَشُقُّ رَجُلًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُكَذِّبُهُ فِي وَجْهِهِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُحْيِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ الَّذِي فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ: لَمْ أَزْدَدْ بِهَذَا إِلَّا تَكْذِيبًا لَكَ، وَيَقُولُ لِلسَّمَاءِ أَمْطِرِي فَتُمْطِرُ، وَيَقُولُ لِلأَرْضِ أَخْرِجِي زَرْعَكِ فَتُخْرِجُهُ، ومَعَهُ نَهْرَانِ وَاحِدٌ مِنْ نَارٍ وَهُوَ بَرْدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَوَاحِدٌ مِنْ مَاءٍ وَهُوَ نَارٌ عَلَيْهِمْ. وَأَوَّلُ مَا يَظْهَرُ الدَّجَّالُ يَكُونُ يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَأُسْبُوعٍ ( أي أول يوم من ظهوره كسنة والثاني كشهر والثالث كأسبوع وما يليه يوم بيوم. ورد في الحديث أنّ الدجال يعيش في الأرض أربعين يومًا بعد ظهوره يوم كسنة يعني يتأخر غروب الشمس حتى يصير اليوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع. سألوا الرسول كيف نصلي نحسب فقط صلاة يوم واحد؟ فقال لهم لا أقدروا له قدره معناه في هذا اليوم الذي هو كسنة لا يكفي أن تصلي صلاة يوم واحد، يعني تحسب من الظهر للعصر كم من الوقت، ومن العصر إلى المغرب كم من الوقت وهكذا. في ذلك الوقت تحسب هكذا لأنه يطول الوقت)، وَقَبْلَ ظُهُورِهِ بِثَلاثِ سَنَوَاتٍ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَ مَائِهَا ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ تُمْسِكُ ثُلُثَيْ مَائِهَا ثُمَّ قَبْلَ ظُهُورِهِ بِسَنَةٍ تُمْسِكُ كُلَّ مَائِهَا، ثُمَّ هَذَا الأَعْوَرُ الدَّجَّالُ يُصَادِفُ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى بِفِلسطِينَ فَيَقْتُلُهُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى هُنَاكَ بِبَابِ لُدٍّ، وَلُدٌّ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى فِلَسْطِينَ. وَأَمَّا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَهُمْ فِي الأَصْلِ قَبِيلَتَانِ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِنَ الْبَشَرِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ، وَأَمَّا مَكَانُهُمْ فَهُوَ مَحْجُوبٌ عَنِ النَّاسِ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ. اللَّهُ تَعَالَى حَجَزَهُمْ عَنِ الْبَشَرِ فَلا يَرَاهُمُ النَّاسُ، فَلا هُمْ يَأْتُونَ إِلَيْنَا وَلا نَحْنُ نَذْهَبُ إِلَيْهِمْ، الصَّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الأَوْلِيَاءِ حَجَزَهُمْ عَنِ الْبَشَرِ، بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَنَى سَدًّا، اللَّهُ تَعَالَى أَعْطَاهُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ سَبَبًا لِأَنَّهُ وَلِيٌّ كَبِيرٌ، كَانَتِ الرِّيحُ تَحْمِلُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِكَرَامَةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا بَنَى سَدًّا جَبَلًا شَامِخًا مِنْ حَدِيدٍ ثُمَّ أُذِيبَ عَلَيْهِ النُّحَاسُ فَصَارَ أَمْتَنَ، لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ أَنْ يَتَرَقَّاهُ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ (لأنّه أملس)، وَهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَخْتَرِقُوا هَذَا الْجَبَلَ كُلَّ يَوْمٍ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، وَيَقُولُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ طُولِ عَمَلٍ وَجُهْدٍ غَدًا نُكْمِلُ، فَيَعُودُونَ فِي الْيَوْمِ الْقَابِلِ فَيَجِدُونَ مَا فَتَحُوهُ قَدْ سُدَّ إِلَى أَنْ يَقُولُوا: غَدًا نُكْمِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَعُودُونَ فِي الْيَوْمِ الْقَابِلِ فَيَجِدُونَ مَا بَدَؤُوا بِهِ قَدْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ فَيُكْمِلُونَ الْحَفْرَ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْخُرُوجِ. ثُمَّ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ لا يَمُوتُ أَحَدُهُمْ حَتَّى يَلِدَ أَلْفًا مِنْ صُلْبِهِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا ذَكَرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، فَيَصِيرُ عَدَدُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ كَبِيرًا جِدًّا، حَتَّى إِنَّ الْبَشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ كَوَاحِدٍ مِنْ مِائَةٍ (وفي بعض الروايات كواحد من ألف)، اللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ يَعِيشُونَ الآنَ وَمَاذَا يَأْكُلُونَ، وَمَا يُرْوَى مِنْ أَنَّ ءَاذَانَهُمْ طَوِيلَةٌ يَنَامُونَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَيَتَغَطَّوْنَ بِالأُخْرَى وَأَنَّهُمْ قِصَارُ الْقَامَةِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ. وَفِي أَيَّامِهِمْ تَحْصُلُ مَجَاعَةٌ يَمُرُّونَ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّا الَّتِي فِي فِلَسْطِينَ فَيَشْرَبُونَهَا، فَيَمُرُّ ءَاخِرُهُمْ فَيَقُولُ كَانَ هُنَا مَاءٌ، فَلا يَتَجَرَّأُ المسلمونَ لِحَرْبِهِمْ، فَيَذْهَبُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى جَبَلِ الطُّورِ يَدْعُونَ اللَّهَ يَسْتَغِيثُونَ بِهِ مِنْهُمْ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُهْلِكَهُمْ، فَيُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُودًا يَدْخُلُ رَقَبَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيَرْمِيهِ صَرِيعًا مَيِّتًا، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى يُرْسِلُ طُيُورًا فَتَحْمِلُهُمْ وَتَرْمِيهِمْ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ يُنْزِلُ مَطَرًا يَجْرِفُ ءَاثَارَهُمْ إِلَى الْبَحْرِ، وَهَؤُلاءِ بَعْدَ أَنْ يَنْزِلَ سَيِّدُنَا عِيسَى بِمُدَّةٍ يَظْهَرُونَ. ثُمَّ إِنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ وَيَدَاهُ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ كَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلّم، مَعَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هَذِهِ الْمَنَارَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، أَمَّا الآنَ فَهِيَ مَوْجُودَةٌ كَمَا وَصَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْمَنَارَةُ هِيَ بِمَعْنَى عَمُودِ النُّورِ وَقَدْ عُمِلَ عَمُودُ نُورٍ لِلْمَطَارِ الْجَدِيدِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، ثُمَّ إِنَّ الْمَسِيحَ لَمَّا يَنْزِلُ يَلْتَقِي مَعَ الْمَهْدِيِّ فِي بِلادِ الشَّامِ، وَالشَّامُ لَيْسَتْ سُورِيَا فَقَطْ بَلْ لُبْنَانُ وَالأُرْدُنُّ وَفِلَسْطِينُ كُلُّ هَذَا شَامٌ. وَحَدُّ الشَّامِ مِنَ الْعَرِيشِ (في مصر) إِلَى بَالِسٍ (قريب من حلب في سوريا ) وَفِي ءَاخِرِ الزَّمَانِ يَنْزَوِي الإِيـمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا أَيْ إِلَى وَكْرِهَا، لِأَنَّ ءَاخِرَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الإِسْلامِ تَخْرَبُ هِيَ الْمَدِينَةُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: ءَاخِرُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الإِسْلامِ خَرَابًا الْمَدِينَةُ، وَلا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَدِينَةُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ غَيْرِهَا فِيمَا مَضَى وَفِيمَا سَيَأْتِي. وَفِي ءَاخِرِ الزَّمَانِ يُرْفَعُ الْقُرْءَانُ إِلَى السَّمَاءِ وَلا تَبْقَى ءَايَةٌ مِنَ الْقُرْءَانِ فِي الأَرْضِ، عِنْدَئِذٍ يَمُوتُ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلامُ. ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ حُصُولِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى الْعَشَرَةِ تَقُومُ الْقِيَامَةُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ بِمِائَةِ عَامٍ تَأْتِي رِيحٌ وَتَدْخُلُ تَحْتَ إِبْطِ كُلِّ مُسلم فَيَمُوتُ كُلُّ المسلمين وَيَبْقَى الْكُفَّارُ فَتَقُومُ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ، يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الصُّورِ أَيْ فِي الْبُوقِ فَيَفْزَعُونَ مِنْ هَذَا الصَّوْتِ ، فَإِنَّ صَوْتَ نَفْخَةِ إِسْرَافِيلَ فِي الْبُوقِ هَوْلُهُ عَظِيمٌ تَتَقَطَّعُ مِنْهُ قُلُوبُ الْكُفَّارِ حَتَّى يَمُوتُوا مِنْ شِدَّةِ هَذَا الصَّوْتِ، وَكَذَلِكَ الْجِنُّ الْكُفَّارُ يَمُوتُون تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلا يَبْقَى بَشَرٌ وَلا جِنٌّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ، وَأَمَّا الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ المسلمين وَالْكَافِرِينَ فَيُغْشَى عَلَيْهِمْ تِلْكَ السَّاعَةَ أَيْ يُغْمَى عَلَيْهِمْ إِلَّا الشُّهَدَاءَ أَيْ شُهَدَاءَ الْمَعْرَكَةِ فَلا يُغْشَى عَلَيْهِمْ تِلْكَ السَّاعَةَ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: النَّاسُ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى ءَاخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالأَنْبِيَاءُ لَمَّا يُصْعَقُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لا يُصِيبُهُمْ أَلَمٌ وَكَذَلِكَ الأَتْقِيَاءُ، وَلَمَّا يُفِيقُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ تِلْكَ الصَّعْقَةِ يَجِدُ مُوسَى وَهُوَ مَاسِكٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَمْرُهُ هَلْ أُعْفِيَ مِنَ الصَّعْقَةِ فَلَمْ يُصْعَقْ، أَمْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلَهُ.ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الْبَشَرِ يَمُوتُ الْمَلائِكَةُ، وَءَاخِرُهُمْ مَوْتًا عَزْرَائِيلُ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَثْنَى خَزَنَةُ الْجَنَّةِ وَخَزَنَةُ جَهَنَّمَ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْحُورُ وَالْوِلْدَانُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ إِسْرَافِيلَ الَّذِي كَانَ نَفَخَ فِي الصُّورِ الْمَرَّةَ الأُولَى، ثُمَّ يَنْفَخُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا فَيَقُومُ الأَمْوَاتُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَبَعْدَ ذَلِكَ السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ. ومما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم و يَجِبُ الإِيمَانُ به أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعِيدُ الأَجْسَادَ الَّتِى أَكَلَهَا التُّرَابُ، وَيُعِيدُ الأَرْوَاحَ إِلَيْهَا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ. ويجب اعتقاد أن الإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالْبَهَائِمَ بَعْدَمَا يُبْعَثُونَ يومَ القيامة يُحْشَرُونَ كُلُّهُمْ إِلَى مَوْقِفٍ وَاحِدٍ. وَيوم القيامة طُولُهُ كَخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِينِنَا هَذِهِ. أَوَّلُهُ مِنْ قِيَامِ النَّاسِ مِنَ الْقُبُورِ، وَءَاخِرُهُ بِاسْتِقْرَارِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِى الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ فِى النَّارِ. و كُلُّ إِنْسَانٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُهُ، فَمِنْ مَسْرُورٍ يَوْمَئِذٍ وَمِنْ مُسْتَاءٍ، كُلُّ إِنْسَانٍ يُعْطَى كِتَابَهُ الَّذِى فِيهِ مَا عَمِلَ. و أَعْمَالُ الْعِبَادِ تُوْزَنُ فِى الآخِرَةِ، الْحَسَنَاتُ فِى كَفَّةٍ وَالسَّيّـِئَاتُ فِى كَفَّةٍ. فَإِنْ رَجَحَتْ أي مالت كَفَّةُ الْحَسَنَاتِ فَالشَّخْصُ فَائِزٌ نَاجٍ، وَإِنْ رَجَحَتْ كَفَّةُ السَّيّـِئَاتِ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ فِى كَفَّةِ الْحَسَنَاتِ شَىْءٌ ويدخل النار ويبقى فيها إلى ما لا نهاية له. فالنار هي مَكَانُ عَذَابِ الْكُفَّارِ وَقِسْمٍ مِنْ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ فِى الآخِرَةِ. وَهِىَ نَارٌ حِسّـِيَّةٌ، شَدِيدَةُ الْحَرَارَةِ، لاَ تَنْطَفِئُ وَلاَ تَنْتَهِى. يَمْكُثُ الْكُفَّارُ فِيهَا فِى الْعَذَابِ أَبَدًا، لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا يَنْقَطِعُ. أَمَّا عُصَاةُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا فَإِنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيُدْخَلُونَ الْجَنَّةَ، لأَنَّ اللهَ مَا جَعَلَ عَذَابَ الْمُسْلِمِ وَ عَذَابَ الْكَافِرِ سَوَاءً. وليعلم أن هناك جسرٌ فوق جهنم يقال له الصراط، أَوَّلُهُ فِى الأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ وَءَاخِرُهُ قَبْلَ الْجَنَّةِ، يَرِدُهُ النَّاسُ. قِسْمٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ أَوَّلِهِ يَقَعُونَ فِى النَّارِ وَهُمُ الْكُفَّارُ، وَقِسْمٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَمْشُونَ عَلَى الصّـِرَاطِ ثُمَّ يَقَعُونَ فِى النَّارِ، وَالْبَاقُونَ نَاجُونَ. ثم بعد عبور الصراط وقبل دخول الجنة يشرب كل مؤمن من حوض نبيه وَكُلُّ نَبِىٍّ لَهُ حَوْضٌ تَشْرَبُ مِنْهُ أُمَّتُهُ. فَتَشْرَبُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنْ حَوْضِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ. وحوضُ النبي عليه الصلاة والسلام مَجْمَعُ مَاءٍ كَبِيرٌ، يَنْصَبُّ فِيهِ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ. والجنة يَجِبُ الإِيمَانُ بها، وَهِىَ مَوْجُودَةٌ الآنَ، فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَسَقْفُهَا الْعَرْشُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا بِكَثِيرٍ. وَفِيهَا دَرَجَاتٌ. والمؤمنون وَهُمْ فِى الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِأَعْيُنِ رُءُوسِهِمْ. يُعْطِيهِمُ اللهُ فِى أَعْيُنِهِمْ قُوَّةً يَرَوْنَهُ بِهَا، لا كَمَا يَرَوْنَ الْمَخْلُوقَاتِ. يَرَوْنَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِى جِهَةٍ ومكان، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ مَسَافَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. اللهُ يَجْعَلُ فِى أَعْيُنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُوَّةً يَرَوْنَ ذَاتَهُ الْمُقَدَّسَ بِهَا، فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ السُّرُورِ بِذَلِكَ مَا لا يُوْصَفُ، وَهَذَا أَعْظَمُ نَعِيمٍ يَتَنَعَّمُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ. نقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة المقبلة عن ولادة سيد العالمين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.
