بدأَ المرضُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في ليالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين قائد الغر المحجلين إمام الأتقياء العارفين سيدنا وقائدنا وحبيبنا ونور أبصارنا وبصائرنا محمد النبيِ العربيِ الأميِ الأمين العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه ومن والاه ورضي الله تعالى عن أمهاتِ المؤمنين وءالِ البيت الطاهرين وعن الخلفاءِ الراشدين أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعلي ورضي الله عن الأئمةِ المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسائر الصالحين، أما بعد، بدأَ المرضُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في ليالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَر،‏ تقولُ السّيِّدَةُ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها:‏ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏مِنَ ‏الْبَقِيعِ ‏ ‏فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَا رَأْسَاهُ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا يَا‏ ‏عَائِشَةُ ‏وَا رَأْسَاهُ. ‏ ثم أَتَمَّ الدَّوْرَ على نِسائِهِ حتى اشتَدَّ بِهِ المرَضُ وهوَ في بيتِ ميمونةَ فدَعَا نساءَه فاستأذنَهُنَّ أنْ يُمرَّضَ في بيتِ عائشة، فَأَذِنَّ لَه. ‏قَالَتْ عائشةُ: ‏لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ:‏ ‏أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي‏ الْمِخْضَبِ، ‏فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ ‏ ‏لِيَنُوءَ أي لينهض ‏ ‏فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،  فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ‏، ‏فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ ‏لِيَنُوءَ ‏فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي ‏الْمِخْضَبِ، ‏‏فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ ‏لِيَنُوءَ‏ ‏فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ ‏عُكُوفٌ ‏فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏لِصَلاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فقَالَ الرسول:” مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ” فقَالَتْ عائشة: يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ ضَعِيفُ الصّوْتِ، كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْءانَ، فقَالَ” مُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ”. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا ‏الْعَبَّاسُ والآخر عليٌّ ‏لِصَلاةِ الظُّهْرِ‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ‏ ‏يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَءَاهُ ‏أَبُو بَكْرٍ‏ ‏ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ ‏‏فَأَوْمَأَ‏ ‏إِلَيْهِ النَّبِيُّ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏أَنْ لا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ ‏أَبِي بَكْرٍ‏، وَكَانَ ‏أَبُو بَكْرٍ‏ ‏يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ ‏وَالنَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَاعِدٌ. ثم جَلَسَ الرسولُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فكَانَ أَوّلَ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وأوصى المهاجرين بالأنصار خيرا، ثُمّ قَالَ:” إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللّهِ خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللّهِ”. فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ، فَبَكَى وَقَالَ بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا،  فَقَالَ:” عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ”، ثُمّ قَالَ ” اُنْظُرُوا هَذِهِ الأبْوَابَ اللافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدّوهَا إلا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّي لا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ “. ثم عادَ إلى بيتِ عائشة، واشتدَّ عليهِ المرضُ وامتَنَعَ عنِ الخروجِ للنَّاس، و‏جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْب، فَقَالَتْ ‏فَاطِمَةُ ‏عَلَيْهَا السَّلام: ‏وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: ‏لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ. ‏ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، ‏ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ،‏ فسُئِلَتْ بعد وفاته، فَقَالَتْ إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي‏ ‏أَنَّ ‏‏جِبْرِيلَ ‏كَانَ ‏‏يُعَارِضُهُ ‏بِالْقُرْءانِ أي يُذَاكِرُه كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي هذا الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلا‏ ‏أُرَانِي إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ،‏ ‏فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. وبَيْنَما المسلمون فِي صَلاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ‏ ‏الاثْنَيْنِ‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ‏ ‏يُصَلِّي بهمْ ‏ ‏كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ حُجْرَةِ‏ ‏عَائِشَةَ، ‏فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، ‏فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللَّهُ فِيهِمْ بِالَّذِي رَءاهُمْ، وقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‏أَيُّمَا أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ‏أَوْ مِن الْمُؤْمِنِينَ ‏أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي. ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِه صلى الله عليه وسلم. تقولُ السيّدةُ عَائِشَة:” رَأَيْتُ رسولَ اللهِ وَهُوَ يَمُوتُ، وَعِنْدَه قَدَحٌ فِيهِ مَاء، فَيُدْخِلُ يَدَه فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُول: لا إِلَه إلا اللَّه، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَات، اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْت”، ثم سَمِعْتُهُ يقول:” مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيّينَ  وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّالِحِينَ‏ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا”. ماتَ رسولُ الله، ماتَ حبيبُ الله، ماتَ سيّدُ الخلقِ صلى الله عليه وسلم، فقَالَتْ فاطمةُ: يَا ‏ ‏أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا ‏أَبَتَاه مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ ‏مَأْوَاه، يَا ‏أَبَتَاه إِلَى ‏جِبْرِيلَ‏ ‏نَنْعَاه. وجاءَتِ التَّعزيَةُ يَسمَعُونَ الصّوتَ ولا يَرَوْنَ الشَّخص: السلامُ عليكُم يا أهلَ البيتِ ورحمةُ الله وبركاته” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” . إنَّ في اللهِ عَزَاءً عَنْ كُلِّ مُصِيْبَة، وخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِك، ودَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِت، فَبِالله ثِقُوا، وإيَّاه فارْجُوا، إِنما المصابُ مَنْ حُرِمَ الثَّواب، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبَرَكاته. كَانُوا يَرَوْنَ أَنّهُ الْخَضِرُ عليه السلام.  ثم وصَلَ الخبرُ إلى‏ ‏أَبِي بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فأَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ ‏حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى‏ ‏عَائِشَةَ، ‏فقصدَ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏فَقَبَّلَهُ بَيْن عَيْنَيْهِ وَبَكَى ‏‏وَقَالَ: وَا ‏نَبِيَّاه وَا‏ ‏خَلِيلاه وَا‏ ‏صَفِيَّاه، ثُمَّ قَالَ ‏بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيْتًا،” إنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون”، ماتَ رَسُولُ الله. ثم‏ ‏خَرَجَ الرَّجُلُ المتَمكِّنُ أبو بَكرٍ لِيُخْبِرَ الأُمَّة، فَحَمِدَ اللَّهَ ‏وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثم قَالَ: ‏أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏، ‏فَإِنَّ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تعالى:” إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ”، وقال:” وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا  رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَـإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شيئًا وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ”‏. فبكَى الناسُ والْغُصَّةُ في حُلُوقِهِم، فَمِنْهُم مَن دُهِشَ فَخُولِط، وَمِنْهُم مَنْ أُقعِدَ فَلَمْ يُطِقِ القِيَام، وَمِنْهُم مَنِ اعتُقِلَ لِسَانُهُ فَلَمْ يُطِقِ الكَلام. و‏قَالَ عُمَرُ:‏ ‏وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا‏ ‏أَنْ سَمِعْتُ ‏ ‏أَبَا بَكْرٍ‏ ‏تَلاهَا حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأرْضِ، فعَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَدْ مَاتَ. قَالَ ابن عباس: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلاهَا ‏أَبُو بَكْرٍ‏، ‏فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنْ النَّاسِ إِلا يَتْلُوهَا. حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون. في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فارق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياة الدنيا بعد أن أدى الأمانة حق أدائها، ودعا الناس إلى الصراط المستقيم وكان قد لاقى من أجل ذلك مشقاتٍ جمةً، وأهوالا عظيمةً فثبت غير مبال إلى أن جاء الحق وزهق الباطل فجزاه الله عنا خيرا. ثم غُسل عليه الصلاة والسلام بثيابه وكفن في ثلاثة أثواب وصلى عليه المسلمون أفرادا بلا إمام، ثم حُفر له لحد في بيت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها حيث توفي صلى الله عليه وسلم فدفن هناك. ولا يزال قبره الشريف الأنور مقصدا للمسلمين إلى يومنا هذا يتوجهون للصلاة في مسجده ولزيارته عليه الصلاة والسلام وللتبرك به والدعاء عنده رجاء الإجابة. أحبابنا الكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وونحن أيضا سنموت يوما ما فلنثبت على طاعة الله إلى الممات مهما كثرت البلايا ومهما كثرت الفتن. ولنتذكر قول من قال لله عليك يا رفيع القدر بالتقوى، لا تبع عزها بذل المعاصي، من خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة، نصره الله من غير جند وأغناه من غير مال وأعزه من غير عشيرة.   عليك بتـقـوى اللـٰه إن كنت غـافلا    يـأتـيـك بـالأرزاق مـن حـيـث لا تـدري.   فكـيـف تخـاف الفـقـر واللـٰه رازق    فقد رزق الطـيـر والحـوت فـي البـحـر. ومـن ظـن أن الـرزق يـأتـي بـقـوة    ما أكل العـُصـفـور شيـئا مـع النـسـر. تزود من الدنـيـا فـإنـك لا تـدري    إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر. فكـم من صـحـيـح مـات من غـيـر علة    وكم من سقـيـم عـاش حـيـنـا من الدهر. وكـم من فتـى أمسـى وأصبـح ضـاحكـًا    وقد نُسِجت أكفانه وهو لا يـدري. وكـم من صـغـار يرتجـى طـولُ عمـرِهم    وقـد أُدخـلـت أجسـادُهم ظلمةَ القـبـر. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها. فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها. فاغتنموا أوقاتكم في طاعة الله يا أحبابنا، أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات، ومن كان عنده قضاءُ صلوات فاتته بغير عذر فليباشر فورا بالقضاء، وتذكروا الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل وهو يعظه :  اغتنم خمسا قبل خمس : شبابَك قبل هرمك ، وصحتَك قبل سقمك ، وغناكَ قبل فقرك ، وفراغَك قبل شغلك ، وحياتَك قبل موتك  .وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابرُ سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيتَ، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ، فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتِك لمرضك ومن حياتِك لموتك. فيا أحبابنا الكرام أخلصوا العمل لله تعالى واحذروا من الغرق في الدنيا وتوبوا من المعاصي واخرجوا من المظالم وأدوا الحقوق لأهلها وافعلوا الطاعات واجتنبوا المحرمات واعلموا أن من كان للموت ذاكرا كان للموت مستعدا ، فاتقوا الله حق تقاته وتوبوا إليه قبل أن يفاجئكم ملكُ الموت. الذكي الفطن من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت فماذا هيأت لأول ليلة في القبر؟ ذاك القبر الذي يضم بين جوانبه الجثثَ الهامدة التي لا حراك فيها، ولا نبض في عروقها، والأجسامَ البالية، والعظامَ النخرة، والأشلاءَ المبعثرة، والشعورَ المتناثرة، والأوصالَ المتقطعة. القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران ولا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها. تخيل أخي الحبيب.. إذا وضعك أبناؤك وأحِباؤك في قبرك، وأغلقوا عليك فأحكموا الإغلاق، ثم تركوك وحيدا وانصرفوا عنك، وأنت تسمع قرع نعالهم، ذهبوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، في بيت الغربة، في بيت الوحدة، في بيت التراب، في بيت الدود، تخيل كلَ هذا ثم سل نفسك، ماذا حضرت لذلك اليوم؟ هل أنت مستعد؟ هل أديت الواجبات واجتنبت المحرمات؟ هل تعلمت علم الدين وعملت به؟ هل أنت من المصلين أم من تاركي الصلاة؟ ماذا تنتظر؟ إلى متى تؤجل؟ ما الذي يؤخرك عن العمل الصالح والتوبة إلى الله؟ ألا تذكر الموت؟ ألا تتفكر بالقبر كيف يُخرّق الأكفان ويمزّق الأبدان ويُسيل الدم ويؤكل اللحم؟ ألا تتفكر بالقبر كيف يفرق الأوصال؟ كيف يفصل الكتفين من الذراعين، والذراعين من العضدين، والوركين من الفخذين، والفخذين من الركبتين، والركبتين من الساقين، والساقين من القدمين؟ لا تنخدع بهذه الحياة الدنيا، و لا تغرق في هذه الحياة الدنيا، و لا تنفتن بها، فهي للزوال وللرحيل. وإن كنت من الذين يتركون الصلاة فاستدرك، وإن كنت من الذين لا يجتنبون الحرام فاستدرك، وإن كنت من الغافلين عن طاعة الله فاستدرك وتب إلى الله قبل فوات الأوان . وتذكر قول الله تعالى: قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفرُ الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. هذه الآية تحثنا على التوبة والاستغفار وعدم القُنوطِ من رحمة الله. فلا تيأس من رحمة الله، وأحسن الظن بالله، وتب إلى الله تفوزُ وتربح ورب الكعبة. وتذكر قولَ النبي صلى الله عليه وسلم »كل بني ءادم خطاءون وخير الخطائين التوابون« معناه كل بني ءادم يأثمون معناه غالبهم، وخيرهم الذي يكثر التوبة أي أنه كلما عصى يتوب. واعلم رحمك الله أن من تاب من ذنب محي عنه ثم إن عاد إليه كتب عليه، ثم إن تاب منه محي عنه وهكذا كلما عاد إلى الذنب ثم تاب منه محي عنه والله غفور رحيم. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له . وقال الله تعالى ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله. سل نفسك أخي الكريم أما آن لهذه الأذن أن تسمع أما آن لهذه العين أن تدمع أما آن لهذا القلب أن يخشع؟ أما آن لهذه النفس أن تشبع؟! فهيا بنا نتوب إلى الله ونكثر من الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار ونترك قرناء السوء ونهجر الأصحاب الفسقة الذين يحببون إلينا المعصية ويبعدوننا من الطاعة ولنلتحق بصحبة الصادقين الأخيار كي تكون صحبتهم دافعا لنا لتحسين أحوالنا ورادعا لنا عن العودة إلى المعاصي. واسمعوا معي هذه القصة وخذوا منها العبر. مِمَّا يُحْكَى مِنْ قِصَّةِ مَنْ تَابَ مِمَّنْ قَبْلَنَا قِصَّةُ مَالِكِ بنِ دِينَارٍ رَضِىَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَصْلِ تَوْبَتِهِ فَقَالَ وُلِدَ لِى بِنْتٌ فَشُغِفْتُ بِهَا فَلَمَّا دَبَّتْ عَلَى الأَرْضِ ازْدَادَتْ فِى قَلْبِى حُبًّا فَكُنْتُ إِذَا وَضَعْتُ الْمُسْكِرَ جَاءَتْ إِلَيَّ وَجَاذَبَتْنِى إِيَّاهُ فَوَقَعَ عَلَى ثَوْبِى فَلَّمَا تَمَّ لَهَا سَنَتَانِ مَاتَتْ فَحَزِنْتُ كَثِيرًا وَبِتُّ ثَمِلًا  مِنَ الْخَمْرِ. فَرَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ كَأَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ قَدْ خَرَجُوا وَحُشِرَ الْخَلائِقُ وَأَنَا مَعَهُمْ فِى مَوْقِفِ الْحَشْرِ فَسَمِعْتُ حِسًّا مِنْ وَرَائِى فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِتِنِّينٍ عَظِيمٍ وَهُوَ ثُعْبَانٌ كَبِيرٌ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ أَسْوَدُ أَزْرَقُ مَنْظَرُهُ مُخِيفٌ وَقَدْ فَتَحَ فَاهُ مُسْرِعًا نَحْوِى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ هَارِبًا فَزِعًا مَرْعُوبًا فَمَرَرْتُ فِى طَرِيقِى بِشَيْخٍ نَقِىِّ الثِّيَابِ جَمِيلِ الْخِلْقَةِ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَىَّ السَّلامَ فَقُلْتُ لَهُ أَجِرْنِى وَأَغِثْنِى فَقَالَ أَنَا ضَعِيفٌ وَهَذَا أَقْوَى مِنِّى وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مُرَّ بِأَسْرَعَ فَلَعَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يُسَبِّبُ لَكَ مَا يُنْجِيكَ مِنْهُ فَوَلَّيْتُ هَارِبًا عَلَى وَجْهِى فَصَعِدْتُ عَلَى شُرَفٍ مِنْ شُرَفِ الْقِيَامَةِ فَأَشْرَفْتُ عَلَى طَبَقَاتِ النِّيرَانِ فَنَظَرْتُ إِلَى هَوْلِهَا فَكِدْتُ أَهْوِى فِيهَا مِنْ فَزَعِى مِنَ التِّنِّينِ وَهُوَ فِى طَلَبِى فَصَاحَ بِىَ صَائِحٌ ارْجِعْ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا فَاطْمَأَنَّيْتُ إِلَى قَوْلِهِ وَرَجَعْتُ. رَجَعَ إِلَى الْوَرَاءِ وَرَجَعَ التِّنِّينُ فِى طَلَبِهِ فَقَالَ فَأَتَيْتُ الشَّيْخَ فَقُلْتُ يَا شَيْخُ سَأَلْتُكَ أَنْ تُجِيرَنِى مِنْ هَذَا التِّنِّينِ فَلَمْ تَفْعَلْ فَبَكَى الشَّيْخُ وَقَالَ أَنَا ضَعِيفٌ وَلَكِنْ سِرْ إِلَى هَذَا الْجَبَلِ فَإِنَّ فِيهِ وَدَائِعَ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِى أَوْلادَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ صِغَارٌ فَإِنْ كَانَ لَكَ فِيهِ وَدِيعَةٌ فَسَتَنْصُرُكَ فَنَظَرْتُ إِلَى جَبَلٍ مُسْتَدِيرٍ فِيهِ كُوًى مُخَرَّقَةٌ وَطَاقَّاتٌ مُعَلَّقَةٌ وَسُتُورٌ مِنْ حَرِيرٍ وَمَصَارِعُ مِنَ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ مُفَصَّلَةٌ بِالْيَوَاقِيتِ مُكَوْكَبَةُ الدُّرِّ وَهَرَبْتُ إِلَيْهِ وَالتِّنِّينُ وَرَائِى حَتَّى إِذَا اقْتَرَبْتُ مِنْهُ صَاحَ بَعْضُ الْمَلائِكَةِ ارْفَعُوا السُّتُورَ وَافْتَحُوا الْمَصَارِيعَ وَأَشْرِفُوا فَلَعَلَّ لِهَذَا الْبَائِسِ فِيكُمْ وَدِيعَةً تُجِيرُهُ مِنْ عَدُوِّهِ فَإِذَا السُّتُورُ قَدْ رُفِعَتْ وَالْمَصَارِيعُ قَدْ فُتِحَتْ فَأَشْرَفَ عَلَىَّ أَطْفَالٌ بِوُجُوهٍ كَالأَقْمَارِ وَقَرُبَ التِّنِّينُ مِنِّى فَتَحَيَّرْتُ فِى أَمْرِى فَصَاحَ بَعْضُ الأَطْفَالِ وَيْحَكُمْ أَشْرِفُوا كُلُّكُمْ فَقَدْ قَرُبَ مِنْهُ فَأَشْرَفُوا فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ فَإِذَا بِابْنَتِى الَّتِى مَاتَتْ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَىَّ مَعَهُمْ فَلَمَّا رَأَتْنِى بَكَتْ وَقَالَتْ أَبِى وَاللَّهِ أَىْ تَحْلِفُ هَذَا أَبِى ثُمَّ وَثَبَتْ كَرَمْيَةِ السَّهْمِ حَتَّى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَىَّ فَمَدَّتْ يَدَهَا الشِّمَالَ إِلَى يَدِى الْيُمْنَى فَتَعَلَّقْتُ بِهَا وَمَدَّتْ يَدَهَا الْيُمْنَى إِلَى التِّنِّينِ فَوَلَّى هَارِبًا ثُمَّ أَجْلَسَتْنِى وَقَعَدَتْ فِى حِجْرِى وَقَالَتْ يَا أَبَتِ ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ يَا بُنَيَّة أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الْقُرْءَانَ فَقَالَتْ يَا أَبَتِ نَحْنُ أَعْرَفُ بِهِ مِنْكُمْ قُلْتُ فَأَخْبِرِينِى عَنْ هَذَا التِّنِّينِ الَّذِى أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَنِى قَالَتْ ذَلِكَ عَمَلُكَ السُّوءُ قَوَّيْتَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغْرِقَكَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ قُلْتُ أَخْبِرِينِى عَنِ الشَّيْخِ الَّذِى مَرَرْتُ بِهِ فِى طَرِيقِى قَالَتْ يَا أَبَتِ ذَلِكَ عَمَلُكَ الصَّالِحُ أَضْعَفْتَهُ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ طَاقَةٌ لِعَمَلِكَ السُّوءِ. فَانْتَبَهْتُ فَزِعًا فَلَّمَا أَصْبَحْتُ فَارَقْتُ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ وَتُبْتُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا سَبَبُ تَوْبَتِى.   فهيا بنا نتوب إلى الله يا جماعة فالتوبة سبب في تفريج الهم وراحة الضمير وطمأنينة النفس ورضوان الله والإحسان إلى الناس وتحسين المجتمع والتخلص من شؤم المعصية. أخي الحبيب استقم و كن داعيا لله ولا تكن عاصيا لله. قال الله تعالى: إن الذينَ قالوا ربُنا اللهُ ثم استقاموا تتنزلُ عليهمُ الملائكةُ ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسُكم ولكم فيها ما تدَّعون . نُزُلًا منْ غفورٍ رحيم . ومن أحسنُ قولًا ممن دعا إلى اللهِ وعَمِلَ صالحًا وقال إنني من المسلمين. صدق الله العظيم. اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا عيبا إلا سترته ولا هما إلا فرجته ولا كربا إلا رفعته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا مسلما إلا رحمته برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك فحول الحال إلى أحسن وتب علينا وسامحنا وأصلحنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد أهل الأرض والسماء ومصباح الدنيا وخاتم الأنبياء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.