حُكْمُ ذَمِّ الإحسان
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أمَّا بعد:
فإنَّه قد يحصل أحيانًا أنْ يقولَ شخصٌ: (أنا غبيٌّ) أو (أنا حمارٌ) إنْ فعلتُ كذا وكذا، أي: إنْ فعل فعلاً هو في نفسِه إحسانٌ إلى غيره.
ولا شكَّ أنَّ قائلَ هذه العبارة إنْ كان يفهم منها ـ أي: يعتقد ـ أنَّ معناها: أنّ هذا العملَ الحسنَ الذي مدحه الشرعُ مذمومٌ، فإنَّه يكفر إذا كان لا يخفى عليه مدحُ الشرع له. وكذلك الحكمُ إذا فُهِمَ من كلامه ذمُّ الإحسان على الإطلاق، وذلك لأنَّ الشرع يأمر بالإحسان حتى إلى مَن أساء إليك، وهذا أمرٌ معلومٌ ظاهرٌ بين المسلمين.
وأمَّا إنْ كان القائلُ يفهم من كلامه أنَّه غبيٌّ؛ لأنَّه لم يُدرِك أنّ المخاطَب لا يَعرف له إحسانَه، وأنَّه يُنكِره ولا يشكر جميلَه، فلا يكفر.
ومثلُ ذلك الحكمُ في مَن يقول لغيره: (أنت لا تستأهل أنْ أعمل معك معروفًا).
وقد وقع السؤالُ عن شخصٍ وهب بيتَه لزوجتِه، فقال له آخر: (يا غبيُّ! يا حمارُ! كيف تفعل هذا؟ قد تختلف معها في المستقبل فتطلِّقها، فتخرجك من البيت!).
فالجواب: أنّ مَن قال هذه الكلمة وهو يفهم منها ذمَّه لأجل الإحسان الذي عمله معها، وهو الإحسان الذي أمر به الشرعُ وامتدحه، فإنَّه يكفر بلا شكٍّ.
أمَّا إنْ كان المرادُ لومَه على عدم نظرِه في العواقب، أو لومَه لأنَّه فعل ذلك لا ابتغاءَ ثواب الله، بل لغرضٍ دنيويٍّ مع ما فيه من فسادٍ محتمل، أو أنّ المراد: (أنت تعرف أنّها لا تُقِرُّ لك بالإحسان، ومع ذلك تُحسِن إليها متوقِّعًا منها الاعترافَ لك، فهذا غباءٌ)، أو أنّ المراد: أنّ الإحسان يُجرِّئها على الظلم والإساءة، أو معنىً يشبه ذلك ممَّا لا يتضمَّن ذمَّ ما مدحه الشرعُ وأمر به، فإنَّه لا يكفر.
وكذلك قد يأمر شخصٌ غيرَه بطاعةٍ أو ينهاه عن معصية، فيجيبه: (لا علاقة لك) أو (لا دخل لك). وهو لا يريد إنكارَ وجوب الطاعة أو حرمة المعصية، وإنَّما مراده: (أنا مصرٌّ على فعل هذا، فلا تتكلَّمْ معي فيه). فمثلُ هذا لا يُكَفَّر.
وقد يطلب الرجلُ من زوجتِه أنْ تُحضِر له شيئًا، فتجيبه: (أنت ثقيلُ الدَّم) أو (قليلُ الفهم) أو نحو ذلك، وهي لا تريد أنَّ مجرَّدَ الطلب مذمومٌ على الإطلاق، ولا أنَّ الإحسانَ للغير مذموم، وإنَّما تعني: (أنت لا تراعي راحتي، أو لا تنظُر إلى حالي، أو تكثر من الطلبات). فإنْ كان الأمر كذلك، فلا تُكَفَّر المرأة بمثل هذا الكلام، لا سيما وأكثر الأزواج لا يطلبون من أزواجهم هذه الأمور ابتغاءَ مرضاة الله، بل لمآربَ دنيويَّة.
