الظلمَ شؤمُه عظيمٌ : يَا ظَالِمًا فَرِحًا بِالعِزِّ سَاعَدَهُ ** إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ

قال الأديب أبو الفتح البستي في نونيته عنوان الحكم:

يَا ظَالِمًا فَرِحًا بِالعِزِّ سَاعَدَهُ
           إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ

هنا ينبهُنا إلى أن الظلمَ شؤمُه عظيمٌ ويحذرُنا من خطره ويبين لنا أن الظلمَ مرتعُه وخيمٌ يقول لنا “يَا ظَالِمًا فَرِحًا بِالعِزِّ سَاعَدَهُ” من الناس من يعينُهم على ظلمِهم بالغير سلطانُه وسطوَتُه وجَاهُه ورئاسَتُه وكثير من الظلمة هذا حالُهم العزُّ هنا يُقابه الذُّلُّ والمرادُ السَّطوةُ والسلطان والرئاسة بعض الناس بسبب سطوته وسلطانه وماله أحيانا يظلمُ غيرَهُ،

قال: “إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ” الأصل في السِّنَةِ النعاسُ الذي يسبقُ النوم وقد نزه ربُّنا سبحانه نفسَه عن ذلك في آية الكرسيِّ {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} أي لا يلحق الهَ عزوجلَّ نُعاسٌ ولا نومٌ، فالنعاسُ هو الذي يسبق النَّومَ استعمل لفظة السِّنة وأراد بها الغفلةَ ولم يُرد بها النعاسَ لأن الإنسان إذا أصابتهُ السِّنة أي النعاس يغفُلُ عن كثير مما يجري حولَهُ فاسعمل كلمة السنة وأراد بها الغفلةَ اللّازمةَ عنها “سَاعَدَهُ” عِزُّه على ظلم الناس.

أحب منكم أن تتنبهوا إلى قضيةٍ مهمةٍ خالقُ الدهرِ ومالكُه والمتصرفُ فيه هو الله لا يغفُلُ ولا ينامُ والدهر ليس اسما من أسماء الله عزوجل ولكن جاء في بعض الأحاديث إطلاقُ الدهر وإضافتُه إلى الله بمعنى أنه خالقُه ومدبرُهُ والمتصرف فيه فالله هو الذي يُجري الزمان يقلبُنا في أزمانٍ مختلفةٍ من أحوالٍ إلى أحوالٍ أخرى

قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: “لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهرُ أُقلبُ ليلَه ونهارَه” أي خالقُ الدهر والمراد بالدهر الزمانُ الله خالق الدهرِ والمتصرفُ فيه ومالكُهُ.

 هنا يقول لك إذا غفلتَ فدعتكَ قُدرتُك على ظلم الناس أو دعاكَ عزُّك وسطوتُك وسطانُك أن تظلم الناسَ فلا ينبغي أن تُغفِلَ أن اللهَ سبحانه لا ينام يراكَ ويعلمُ ظلمَكَ وستنالُ عقوبَتَكَ إذا شاء سُبحانه
كثير من الناس ربما يظلمُ في غفلةٍ شديدةٍ يكون واقعا في غفلة شديدةٍ فيظلمُ غيرَه منهم من يندمُ بعد ذلك ويفيقُ من غفلته ومنهم من يبقى راتعا في ظلمه نسأل اللهَ السلامة وهذا عاقبتُه عند الله عظيمةٌ

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ “الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامةِ” من الناس من يمشي يوم القيامة وبين يديه نورٌ بسبب تقواهُ وبسبب صلاحِهِ ومن الناس من يمشي يوم القيامةِ وبين يديه ظلمة بسبب ظلمه للناس وهذا يحصُل بين الناس بكثرةٍ في أزماننا هذه،

وقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ “إن اللهَ لَيُمْلِي لِلظالمِ حتى إذا أخذَهُ لم يُفلتهُ” ربما يؤخر عقوبتَه إلى الآخرة ولا يُعاجلُه بالعقوبةِ في الدنيا مع أنه يظلمُ الناسَ كثيرا فينخدع بعدمِ عقوبة الله له على ظلمه ويغترُ فبدل أن يرعَوِيَ وينكفَّ ويُحجِمَ عن هذا الظلمِ تجده يزيدُ في ظلمه لأن الله لم يعاجله بالعقوبة على ظلمه في الدنيا فينخدعُ ويزيدُ في ظلمِهِ “حتى إذا أخذَهُ لم يُفلتهُ” أي حتى إذا وافى ربَّهُ يوم القيامة تنالُه عقوبةُ الله ولا يُفْلُتُهُ عذابُه لأن الظلم شؤمُه عظيمٌ.