وَاللَّهِ، إنِّي لَأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ

جاء في صحيح مسلم (1270) أنَّ أميرَ المؤمنينَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ – رضي الله عنه – قَبَّلَ الحَجَرَ “الأَسْوَدَ” وَقَالَ: “وَاللَّهِ، إنِّي لَأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ”.

وهذا القول الجليل من الفاروق عُمَرَ – رضيَ الله عنه -: “وَأنَّكَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ” يُقرِّر أصلًا جليلًا من أُصول العقيدة، وهو أنَّ حقيقةَ التَّوحيد إنَّما تقوم على إفرادِ الله تعالى بالقُدرةِ المُطلقةِ والتَّدبير والاستِقلاليَّة في التَّأثير بالنَّفع والضّر، وحده جلَّ وعلا لا شريك له في ذلك.

ومن ثَمَّ فهذا نصٌّ صريحٌ يُبيِّن أنَّ شِركَ الجاهِليِّين لم يكن في مُجرَّد اتِّخاذِهم الأوثانَ – وهي مجرَّد حجارة – وَسائط في العِبادة؛ بل كان مَبنِيًّا على اعتِقادِهم فيها نَوعَ استِقلالٍ بالتَّصرُّف وَالنَّفع والضّر، وذلك عين الشِّرك الأكبر في الرُّبوبِيَّة.

وعليه، فإنَّ هذه الكلمة العُمَريَّة الفاصلة تُبطل من أساسه زعمَ ابنِ تَيمِيَّةَ وأتباعه منَ الحَشوِيَّة الغُلاة، الَّذين ادَّعوا أنَّ أولئك المُشركينَ كانوا يُوَحِّدونَ الله في رُبوبيَّته حقَّ التَّوحيد، وأنَّ شِركهم إنَّما وقع في تَوسيطهم هذه الأوثان فقط!.