روى مُسلم في صحيحه (1337) قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: “أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ، فَحُجُّوا” فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ [وَآلِهِ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ” ثُمَّ قَالَ: “ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ” الحديث.
بيَّن هذا الحديث الشَّريف أنَّ الأشياء على ثلاثة أقسام:
(1)- مأمور به = ((فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)).
(2)- مَنهِيّ عنه = ((وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ)).
(3)- مَعفُوّ عنه = ((ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ)).
فلو كان ما تَركَ حضرة النَّبي صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم فعلَه أو الأمرَ به بنَصٍّ تَفصيلي؛ يقتَضي إلحاقه بقِسم المَنهيّ عنه رأسًا؛ لَمَا كان لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: “ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ” فائدة.
قال الإمامُ النَّوَويُّ: ((قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ: “ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ”: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ)) [شرحُ صحيح مسلم (101/9)، دار إحياء التُّراث العربي].
