تنزيه الله عن الزمان و الرد على بعض شبه المجسمة

  1. نفي التغير في الفعل الإلهي عند الفخر الرازي ونقض التسلسل في المعلولات الزمانية
  2. صفة التخليق
  3. تنزيه الله عن الزمان و الرد على بعض شبه المجسمة
  4. نقض بعض شبهات ابن تيمية حول الفخر الرازي في مسألة دوام الفاعلية
  5. شرح كلام الرازي الذي ذكره في المطالب العالية حول ماهية الزمان.
  6. أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي المتوفى سنة 321 هجري

نفي التغير في الفعل الإلهي عند الفخر الرازي ونقض التسلسل في المعلولات الزمانية

معنى الفعل الإلهي في المباحث الكلامية هو الفعل الذي ينسب لله تعالى من خلق، وتصوير، وتقدير، وتدبير، ويشمل: خلق العالم، و رزق الخلق، إرسال والرسل، والإحياء والإماتة، وغير ذلك.

وقد يُطلق عليه بعض المتكلمين أيضا “تأثير الله في العالم”.

فالذين يزعمون أن فعل الله متعلق بالزمان يلزم من كلامهم أن الله يتغير، لأنه يفعل شيئًا بعد أن لم يكن فعله.

وأما القائلين بأن فعل الله ليس حادثًا، قالوا هو أزلي في تعلقه، وإن كان المفعول حادثًا.

وأما معنى الفاعلية الإلهية، فهي تعني دوام الفعل الإلهي، أي أن تعلّق قدرة الله وإرادته بالممكنات لا ينقطع، بل هو تعلّق مستمر أزلي، من غير بداية ولا نهاية، ولكن من غير أن يلزم منه حدوث في ذاته أو تغيّر. ويُعبر عنها أحيانًا بأنها تعلّق إرادته وقدرته بوجود المخلوقات.

وبعض المتكلمين، كالأشاعرة، قالوا: فعل الله هو أثر قدرته وهو حادث في المفعول لا في الفاعل، فقدرة الله لا تتعلق بواجب الوجود.

وفي هذا السياق تناول فخر الدين الرازي في المباحث المشرقية أحد أهم الإشكالات الكلامية المرتبطة بعلاقة الزمان بالفعل الإلهي، ومفهوم التسلسل في المعلولات الزمانية، وهي مسألة جوهرية في الجدل حول حدوث العالم و دوام الفعل الإلهي.

وليعلم أن المعلول هو كل ما وُجد بسبب علّة، أي ما يُطلق عليه الحادث الزماني. وقد أبطل الرازي القول بإمكان تسلسل لا أول له في المعلولات، أي الحوادث، لأن ذلك يستلزم تسلسلًا لا بداية له في الزمان، وهو ما يُعدّ باطلًا عقليًا.

ففي مبحث الكم، وتحت الفصل 12، ناقش الرازي إمكان اللانهاية الفعلية فيما يتعلق بالحوادث الماضية والمستقبلية. وخلص إلى أنه لا يمكن تصور جملة الحوادث الماضية كشيء متحقق بالفعل، لأن ذلك يقتضي تحقق عدد غير متناهٍ من الأمور الواقعة فعليًا، وهو ممتنع عقلاً. وقد ميّز الرازي هنا بين:

اللانهاية بالقوة: التي تعني تزايدًا يمكن أن يستمر نظريًا إلى ما لا نهاية.

اللانهاية بالفعل: وهي التي تفترض تحقق عدد لا نهائي دفعة واحدة، وهو أمر مستحيل من جهة العقل.

وفي مبحث العلل والمعلولات، و تحت الفصل 6، قدّم الرازي برهانًا إضافيًا على دوام الفاعلية الإلهية، ونفى القول بحدوث مؤثريّة الله تعالى في لحظة معينة، حيث أنه رفض القول بأن الله أصبح مؤثّرًا في وقت معين بعد أن لم يكن، أو أن تأثيره (قدرته على الخلق) ظهر في لحظة زمنية.

ثم ذكر أن الحوادث لا بد لها من أسباب، فقال: “(فان قيل) تجدد مؤثرية المؤثر يستدعى علة (أجبنا عنه) بأن المؤثرية حكم اضافي لا وجود لها في الخارج فلا تستدعي علة (و لنجعل هذا الموضع) مبدأ لبرهان آخر على دوام الفاعلية (فنقول) هذه الحوادث لا بد لها من أسباب و لا بد أن تكون أسبابها حادثة أو بمشاركة أمور حادثة فأما أن يكون حدوثها لحدوث عللها دفعة واحدة أو لحدوث قرب عللها منها. و القسم الأول يوجب وجود علل و معلولات غير متناهية معاً و هو محال فاذاً حدوثها لاجل قرب عللها عنها وذلك القرب لأجل ان السابق علة لصيرورة ذلك الحادث مستعد القبول الفيض عن واهب الصور فتلك الأمور المتعاقبة إما ان تكون آنية أو زمانية فإن كانت آنية لزم تتالي الآنات و قد بطل ذلك”. انتهى

معناه إذا قيل إن كل حادث لا بد له من علّة، وأن العلّة أيضًا حادثة، فإما أن توجد كل العلل والمعلولات دفعة واحدة، أو أن تترتب الحوادث على بعضها بتدرج زمني. الخيار الأول يستلزم وجود سلسلة غير متناهية من العلل والمعلولات في لحظة واحدة، وهذا محال عقليًا.

أما الخيار الثاني، وهو التوالي الزمني، فإنه يستلزم وجود علاقة سببية بين الحوادث، بحيث يكون السابق علةً لتأهل اللاحق للفيض، أي لحدوثه.

و يضيف أن هذه الحوادث المتعاقبة لا يمكن أن تكون “آنية” – أي تقع كلها في آنٍ واحد- ، وهو أيضًا محال.

فالآن هو” لحظة لا تتجزأ، ولا يمكن تصور سلسلة من “الآنات” مجتمعة في آنٍ واحد.

فإذا قلنا إن هناك سلسلة من الآنات الموجودة فعلًا دفعة واحدة، فنحن في الحقيقة نجعل الزمان كله محصورًا في لحظة واحدة، وهذا تناقض. بمعنى آخر: لا يمكن أن تكون اللحظات الزمانية كلها مجتمعة في لحظة واحدة، لأن ذلك يلغي الزمان، ويجعل التعاقب الزماني باطلًا من أصله.

استنادًا إلى هذه النتائج، يقرر الرازي أن الله تعالى لا يتغير، ولا يطرأ عليه فعل حادث، وأن الفعل الإلهي ليس زمانيًا، بل هو تعلق دائم، وحكم عقلي إضافي، لا يحتاج إلى علّة متجددة، ولا يحدث في زمان معيّن.

وعليه فالقول بحدوث الفعل الإلهي في لحظة معينة قول باطل لأنه يستلزم التغير والله منزه عن التغير والتجدد، و التغير معناه الزوال، كما ذكر ذلك جمهور السلف، و قد نفوه عن الله عز وجل.

راجع الرابط التالي: https://www.facebook.com/share/p/1XxpTmQSFU/

و في مبحث الحركة والزمان، تحت الفصل 66، أكّد الرازي استحالة أن يكون للزمان طرف بالفعل، أي بداية لا نهائية من الحوادث، لأن ذلك يعني تحقق عدد غير متناهٍ من الحوادث فعليًا، وهو محال عقلاً.

فيتلخص مما تقدم أن الرازي يرى أن القول بتسلسل الحوادث الزمانية، سواء كانت عللًا أو معلولات، باطل من جهة العقل. كما يرفض تصور الفعل الإلهي بصفته حادثًا زمانيًا، ويؤكد أن الله تعالى فاعل أزلي دائم الفاعلية، وأن الزمان والمعلولات الزمانية مخلوقة بترتيب لا يُعقل أن يكون غير متناهٍ.

صفة التخليق

ذكر بعض أهل السنة أن التخليق هو صفة أزلية قائمة بذات الله، وان تخليق الله للمخلوقات أزلي و المخلوق حادث.

والماتريدية يعبرون عنها بالتكوين.

فالله تعالى قدر في الأزل وشاء في الأزل وعلم في الأزل أن هذا العالم سيكون موجودا، فأوجده في الوقت الذي علم وقدر وشاء أن يكون موجودا بتخليقه الأزلي.

ولما ثبتت صفة التخليق لله، ثبت أيضا أنه موصوف بالخالقية في الأزل، وان الله يسمى خالقا في الأزل.

فالله منذ الأزل اسمه الخالق، وهذا ليس لتحقق خلق بعض المخلوقات، إذ لا يقال عن الله أنه خلق المخلوقات في الأزل لأن هذا اللفظ يوهم أن المخلوقات كانت موجودة في الأزل.

فاطلاق اسم الخالق عليه عز وجل مبني على اتصافه بصفة التخليق وهو وصف حقيقي و ليس مجازيا.

فالتخليق هو صفة ثابتة لله يتأتى بها إيجاد وابراز الأشياء من العدم إلى الوجود، فلا يقال أنها كانت معطلة أو غير فاعلة حتى خلق الله الماء مثلا، لأن الأزلي لا يوصف بالتعطل والبداءة.

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: “باب ما جاء في تخليق السموات والارض وغيرها من الخلائق، وهو وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ وَهُوَ الْخَالِقُ الْمُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ”. انتهى

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده في خلق أفعال العباد فقال : اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر ، وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله ، وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا ” كن مخلوق ، وقال السلف : التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ، ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات”. انتهى

وقال فريق ٱخر من أهل السنة أن التخليق معناه القدرة على الاختراع، أي الابراز من العدم إلى الوجود وفق المشيئة الأزلية.

قال ابن عذبة في الروضة البهية : ” إن مبدأ الإيجاد عند الماتريدية هو صفة التكوين ، وعند الأشعرية صفة القدرة والإرادة”. انتهى

فالله هو الذي خلق هذا العالم وما فيه، خلق المكان و هو الفراغ الذي يشغله الحجم، فهو من صفات الاحجام ويسمى عرضا، وهو لا يقوم بنفسه انما يقوم بغيره .

في الازل اي فيما لا ابتداء له كان الله وحده لا شريك له لم يكن مكان ولا جهة ولا سماء ولا عرش ولا نور ولا ظلام

اول ما خلق الله الماء، فخُلق المكان الذي حوى الماء وخُلق الزمان.

قال تعالى: ” قل الله خالق كل شىء” فالذي ينفي ان المكان مخلوق فقد كذّب الله والعياذ بالله، ومن زعم أنه يوجد مكان غير مخلوق فهو مشرك.

و الله يسمى خالقا قبل خلقه للخلق. قال ابن الهمام في «المسايرة» : ” فقوله: “ذلك بأنه على كل شيء قدير” ، تعليل وبيان لاستحقاق اسم الخالق قبل المخلوق فأفاد أن معنى الخالق قبل الخلق، واستحقاق اسم الخالق بسبب قيام قدرته تعالى على الخلق، فاسم الخالق أزلي ولا مخلوق في الأزل لمن له قدرة الخلق في الأزل، وهذا ما يقول الأشاعرة. انتهى

وقال الطحاوي في عقيدته: “ليس بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري. له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالقية ولا مخلوق. وكما أنه محيي الموتى بعدما أحياهم استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم……ذلك بأنه على كل شىء قدير”. انتهى

وقد خالف ابن تيمية و سائر فرق المجسمة، مذهب أهل السنة، فقالوا أن جنس العالم أزلي مع الله، والله لا يسمى خالقا الا بعد انشاء الخلق بالفعل.

قاعدة: الله تعالى لا يقوم بذاته صفة حادثة، لأن قيام الصفة الحادثة في ذات يدل على حدوث الذات، لأن أقوى علامات الحدوث التغير .

رابط ذو علاقة:

قوله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين: https://www.facebook.com/share/p/15ASbLcRMU/

تنزيه الله عن الزمان و الرد على بعض شبه المجسمة

الجزء الأول

1- أدلة أهل السنة في تنزيه الله عن الزمان

معتقد المسلمين كافة ان الله سبحانه وتعالى منزه عن الزمان لأنه خالقه ومدبره.

و العمدة في هذه المسائل النص الشرعي المحكم من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والاجماع

وقد أتى النص الشرعي بما لا يحصى من الشواهد على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن هذا المعنى.

ومِن أظهر النصوص الشرعية التي أتت بنفي ذلك هو قول الله سبحانه وتعالى:

-“هل تعلم له سميا “

-” ولم يكن له كفوا أحد”

-” فلا تضربوا لله الامثال”

– ” هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ” – الحديد: 3- وهذه الآية تدل على أن الله كان قبل خلق الزمان، فهو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية.

– وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ” – الرعد: 8 – معناه أن الله ليس محكومًا بالزمن، بل هو الذي يقدر الزمان والمكان.

وكذلك العقل، فهو يوافق تلك النصوص الشرعية المحكمة في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الزمان، لأن الله لو كان متصفا بالزمان لكان متغيرا والمتغير محتاج لمن غيره.

فمذهب أهل السنة أن المعاني العقلية الصريحة لا تتعارض مع النصوص الشرعية المحكمة.

وأما ما ورد في النصوص المتشابهة من نسبة الزمان لله، فهو ليس على ظاهره، من ذلك :

أ- قوله سبحانه وتعالى: ” كل يوم هو في شأن” -الرحمن:29- وهذه الـآية فسرها النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره : حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثني عمرو بن بكر السكسكي ، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ، عن أبيه ، عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي ، عن أبيه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ” كل يوم هو في شأن ” ، فقلنا : يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟ قال : ” أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين ” .

ب- قوله سبحانه وتعالى: “وإنّ يوماً عند ربّكَ كألفِ سنةٍ ممّا تعُدّون”. – الحج :47 – و معناها أنّ يوماً من أيام الآخرة كألفِ سنةٍ ممّا تعُدّون.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره : والقول الثاني عندي أشبه بالحقّ في ذلك; وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن استعجال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب، ثم أخبر عن مبلغ قدر اليوم عنده، ثم أتبع ذلك قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالمة، تركه معاجلتهم بالعذاب, فبين بذلك أنه عنى بقوله: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) نفي العجلة عن نفسه، ووصفها بالأناة والانتظار، وإذ كان ذلك كذلك, كان تأويل الكلام: وإن يوما من الأيام التي عند الله يوم القيامة, يوم واحد كألف سنة من عددكم, وليس ذلك عنده ببعيد، وهو عندكم بعيد، فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته حتى يبلغ غاية مدّته.

ج- الحديث القدسي: ” لا تسبوا الدهر فأنا الدهر” هذا الحديث هو على حذف مضاف أي أنّ الله فاعلُ الدهر أي خالقُه ومصرّفُه، قال تعالى : ” ألم تر أنّ اللهَ يُولِجُ الليلَ في النهار ويُولِجُ النهارَ في الليل وسَخَّر الشمسَ والقمرَ كلٌّ يجري الى اجل مسمى وأنّ اللهَ بما تعملون خبير “. – سورة لقمان-

وللتوسع في شرح الحديث ينبغي ان نذكر أنّ المجاز قسمان : مجاز تشبيه ومجاز حذف.

فمجاز التشبيه كقول : زيد اسد، زيد بدر، معناه أنّ زيداً شجاع كالاسد وجميل كالبدر وهذا المجاز يجوز على المخلوق ولا يجوز في حق الله تبارك وتعالى لقوله تعالى لقولِه :” ولله المثل الاعلى” اي لله الوصفُ الذي لا يُشبه وصفَ غيرِه. واما القسم الثاني من المجاز فهو مجاز الحذف وهو جائز في حق الله، ومثال ذلك قوله تعالى : “وجاء ربك والملك صفاً صفاً” أي جاءت قدرة الله أي أثر من آثارِ قدرتِه كما ثَبَتَ في تفسيرها عن الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه فيما رواه البيهقي في كتاب “مناقب احمد”.

2- مفهوم الزمان

عند اللغويين والأصوليين: الزمان هو مقارنة متجدد بمتجدد لتوقيت معلوم بمجهول.

قال شيخ الاسلام زكريا الأنصاري في كتاب غاية الوصول في شرح لب الأصول: “الأصح (أن الزمان) معناه اصطلاحا (مقارنة متجدّد موهوم لمتجدد معلوم) إزالة للإبهام من الأول بمقارنته للثاني كما في؛ آتيك عند طلوع الشمس”. انتهى

أما الفلاسفة، فقد قال ارسطو: “الزمان هو مقدار الحركة من جهة المتقدم والمتأخر “، ووافقه عليه ابن سينا في كتاب النجاة و الكندي في رسائله الفلسفية.

نقله عنهم الفخر الرازي في المطالب العالية.

وهذه المدرسة تسمّى بـ”المشّائيّة” لأن أرسطو كان عادةً يدرّس الطلبة وهو يمشي.

وقال ابن سينا؛ ان الزمان هو مقدار الهيئة غير القارّة، والهيئة غير القارّة هي الحركة.

وقد عرف شيخ المجسمة ابن تيمية الزمان بقوله: “هو مقدار الحركة، أي حركة الأفلاك، فقد قال في مجموع فتاويه: “وليس في شيء من أدلتهم ما يدل على قدم الفلك ، ولا قدم شيء من حركاته ؛ ولا قدم الزمان الذي هو مقدار حركة الفلك. والرسل أخبرت بخلق الأفلاك وخلق الزمان الذي هو مقدار حركتها، مع إخباره بأنها خلقت من مادة قبل ذلك، وفي زمان قبل هذا الزمان”. انتهى من مجموع الفتاوى

3-الفرق بين الزمن النسبي والمطلق

اختلف الناس في الزمان هل هو نسبي أو مطلق.

فذكر بعض الفزيائيين أن الزمن نسبي و ليس ثابتًا، وقالوا أنه لا يوجد “ساعة كونية” تحسب الزمن نفسه لكل شيء في الكون. وهذه النظرية مبنية على أساس أنه لا يمكننا تحديد لحظة “بداية مطلقة” للزمن.

وأما الاصوليون فقالوا أن الزمان مخلوق وهو يسير بطريقة واحدة بالنسبة لجميع المخلوقات. فهذا الزمان له بداية وهو لا يعتمد على الحركة أو غيرها، بل هو إطار مرجعي شامل لكل شيء.

وقد تمسك بعض المجسمة بنسبية الزمان لاثبات مفهوم الزمان الأزلي وبالتالي اثبات قيام الحوادث بذات الله، والعياذ بالله، وهذا لا شك كفر واشراك.

وهؤلاء يزعمون أن الله يختص بالزمان، مع اختلاف بين الزمان الذي يختص به الله والزمان الذي يختص به مخلوقاته.

قال الباحث أحمد عصام النجار، في مقال له بعنوان: ” هل الله تعالى في زمان؟ خلاصة مفهوم الزمان عند ابن تيمية ومخالفيه” ، ما نصه: “إذاً: يلزم من هذا أنّ الزمان يمكن أن يختلف من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر بحسب الجسم أو بحسب الحركة التي يُقَدّر بها هذا الزمان، فمثلاً: اليوم في كوكب الأرض يُقدّر بمقدار حركة الأرض حول محورها أو بمقدار حركة الشمس وغير ذلك.

أما اليوم في الكواكب الأخرى فيُقَدّر بحركات أخرى، لذلك اليوم في كوكب الأرض يختلف عن اليوم في الكواكب الأخرى، يعني اليوم في كل كوكب: مقدار هذه اليوم يختلف من مكان إلى آخر”. انتهى

وجواب ذلك: أن الزمان قد يختلف من مكان إلى ٱخر لكن يبقى بين تلك الأزمنة نسب و مقادير زمنية تدل أنها بخلق الله، لقوله تعالى: كل شىء عنده بمقدار، اي هو بتدبير الله وتقديره وخلقه.

فالنسب الزمانية يمكن تقدير اختلافها بين المناطق على الأرض كقولنا مثلا أن النهار في المناطق الاستوائية أطول من النهار في المناطق الشمالية.

كما يمكن تقدير الاختلاف أيضا بين الأرض و الكواكب؛ فدوران الأرض حول نفسها يقدره العلماء بحوالي 24 ساعة، في حين ان مدة دوران المريخ حول نفسه يقدرونه بحوالي 25 ساعة، فيمكن هنا تقدير تفاوت زماني.

بل يمكن أيضا اثبات نسبة زمانية بين طول اليوم في الدنيا و طول يوم القيامة، وهذا مستفاد من قوله تعالى: “وإنّ يوماً عند ربّكَ كألفِ سنةٍ ممّا تعُدّون”

وعليه فوجود مقادير ومعايير ونسب زمانية، تجعلنا نجزم أن الزمان متعلق بالمخلوق لا بالخالق سبحانه وتعالى.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند قوله صلى الله عليه وسلم: “وكتب في الذكر كل شيء”، ما نصه: “وفيه أن جنس الزمان ونوعه حادث”. انتهى

ومن أظهر الأدلة على أن الزمان مخلوق لله يتصرف فيه كيف شاء، قصة الإسراء والمعراج حيث نجد فيها ما يبين قدرة الله سبحانه في التصرف في الزمان على الكيفية التي يريد. فقد أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت الله الحرام من مكة إلى بيت المقدس في الشام، ثم صلى فيه بالأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء، يستفتح له عند كل سماء، ورأى عدداً من الأنبياء؛ يسأل عنهم، وكلّم بعضهم، ورأى أهل النار، ودخل الجنة، ووصل إلى مكان سمع فيه صريف أقلام الملائكة، وفرضت عليه الصلاة في تلك الرحلة العظيمة، ثم هبط إلى الأرض، ورجع إلى فراشه في مكة في أقل من ليلة، وليس هذا بغريب ولا مستحيل، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الزمان، وهو القادر على أن يتصرف فيه بما شاء، وأن يصرفه على ما يشاء.

4-نفي معنى الزمان في حقّ الله تعالى

ذكر الباحث أحمد عصام النجار ان ابن تيمية لما ثبت عنده أن المقصود بالزمان هو مقدار الحركة، أجاز إثبات مثل هذا المعنى في حق الله سبحانه وتعالى.

فقال: “والحركة إما يُقصد بها الانتقال من مكان إلى آخر، وإما يُقصد بها مجرّد الفعل، أن ينتقل الشخص من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً، هذا الانتقال من عدم الفعل إلى الفعل يُسمّى في اصطلاح الفلاسفة بالحركة.

فإذاً يصحّ انطباق هذا المعنى في حقّ الله سبحانه وتعالى، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى فعّالٌ لما يُريد، إذاً الله سبحانه وتعالى يفعل، ومقدار هذه الأفعال -مقدار هذه الحركات- هي الزمان الأزلي”. انتهى

والجواب على ذلك أن يقال أن هذا الكلام باطل من وجوه:

الأول: ان تعريف الزمان بأنه مقدار الحركة هو تعريف ناقص يربط الزمان بالحركة فقط، مما يعني أن الزمان لا يكون له وجود إلا بوجود حركة. بعكس التعريف الثاني للزمان وهو “مقارنة متجدد بمتجدد آخر” فهو أدق وأشمل لأنه لا يحصر الزمان بالحركة فقط، بل يشمل أي تغير يمكن مقارنته بآخر. و التغيير أعمّ من الحركة، فالتغير قد يشمل الأعراض والصفات والكيفيات والأفكار والمعتقدات….

الثاني: تعريف الزمان بأنه مقدار الحركة يدل أنه مخلوق بنص القرٱن؛ قال تعالى: “كل شىء عنده بمقدار” وهذا دليل أن الحركة لها مقدار وكيفية، وكل ذلك لا يليق نسبته لله.

الثالث: قول الباحث أن الحركة يُقصد بها الانتقال من مكان إلى آخر، و يُقصد بها أيضا مجرّد الفعل”. وهذا قول باطل لأن الفعل مفهوم أوسع من الحركة، فهو يشمل أي تأثير يقوم به فاعل معين، سواء أدى إلى حركة أم لا. فمثلًا؛ التفكير والكلام النفسي أفعال لكنها ليست حركات مكانية، وبالتالي ليس كل فعل حركة.

وفعل الله أزلي أبدي والمفعول حادث كما ذكر ذلك البخاري، وهذا يعني ان فعل الله ليس حركة لأن الحركة حادثة لها مقدار وكيفية.

الرابع: قوله: “ومقدار هذه الأفعال هي الزمان الأزلي”.

وهذه سفسطة والا فالمقدار يتعلق بالمخلوق لا بالفعل الأزلي،

وأما الزمان فله بداية قطعا بعكس الأزلي الذي لا بداية له.

قال تعالى: هو الأول،

وهذه الٱية معناها أن الذي لم يكن شىء معه فهو الأزلي بهذا المعنى و كل ما سواه فهو حادث.

نقض بعض شبهات ابن تيمية حول الفخر الرازي في مسألة دوام الفاعلية

قال فخر الدين الرازي في المباحث المشرقية ما نصه:

“الفصل الرابع في دوام فاعلية الباري تعالى

إنا قد بيّنا في باب العلة أن واجب الوجود لذاته، كما أنه واجب الوجود لذاته، فهو واجب الوجود من جميع جهاته، وإذا كان كذلك وجب أن تدوم أفعاله بدوامه. وبيّنا أيضاً أن سبق العدم ليس شرطًا في احتياج الفعل إلى الفاعل.

وبيّنا في باب الزمان أن الزمان لا يمكن أن يكون له مبدأ زماني، وحللنا فيه الشكوك والشبه. وأيضاً فلو فعل بعدما لم يفعل لكان قاصدًا إلى الفعل التالي، وذلك محال كما سبق في باب المريدية، فالمذهب باطل، وقالوا: لو كان فاعلاً بعدما لم يكن لكان عالمًا بالجزئيات، وبطلان التالي يدل على بطلان المقدَّم.

وأيضًا العالم غير ممتنع أن يكون دائم الوجود، وما لم يمتنع أن يكون دائم الوجود يكون دائم الوجود، فالعالم يجب أن يكون دائم الوجود”. انتهى.

هذا النص من الرازي يتناول مسألة دوام فاعلية الله تعالى من زاوية عقلية محضة، ويندرج ضمن سياق مناظراته الكلامية في إثبات ما يليق بالله و ما لا يليق به وفق أصول المتكلمين.

فبدأ الرازي بتقرير أن الله تعالى “واجب الوجود لذاته”، أي أن وجوده لا يستند إلى علة خارجية، بل هو استحقه لذاته. وهذا يقتضي عقلا أن تكون أفعاله دائمة بدوام ذاته، باعتبار أن الأزلية من لوازم الوجوب الذاتي.

ثم نفى الرازي أن يكون سبق العدم شرطًا لوحده في احتياج الفعل إلى الفاعل، وسبب ذلك أن بعض الملاحدة قالوا: “الشيء لا يحتاج إلى الفاعل إلا إذا وُجد بعد أن لم يكن”. فلو كان موجودًا منذ الأزل، فلا معنى لاحتياجه إلى فاعل.

فأجاب الرازي عن ذلك بقوله أن ذلك غير صحيح، لأن الافتقار إلى الفاعل لا يُشترط فيه أن يُسبق المفعول بالعدم فقط، بل حتى – على تقدير وجوده في الأزل، فإنه يفتقر إلى الفاعل في كل لحظة من لحظات وجوده. فالافتقار ليس إلى “إحداث بعد عدم”، فقط بل إلى “إيجاد دائم من غيره”.

وبهذا فرق الرازي بين “القدم الذاتي” و”القدم بالإمكان” بالدلائل العقلية.

وأما من ناحية الشرع فكل حادث له بداية أي سبقه عدم جزما.

كما بيّن الرازي في موضع آخر أن الزمان لا يمكن أن يكون له بداية من جهة العقل الخالص، إذ أن تصور “أول الزمان” يقتضي مفارقة الزمان لذاته، وهو غير معقول. لكنه في موضع آخر، كما في المطالب العالية، فصل بين الحكم العقلي والحكم الشرعي، حيث قال عن الزمان: “فلم يكن واجب الوجود من جميع جهاته، فلم يكن واجب الوجود بحسب ذاته بل كان ممكن الوجود لذاته”. انتهى.

وهو يشير هنا إلى الزمان، مستدلًا على أنه مخلوق لأنه متغير، وكل متغير ممكن الوجود وليس واجبًا لذاته.

راجع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/p/18xYrfiugZ/

بل إن الرازي قرر في غير موضع من كتبه حدوث العالم بالأدلة العقلية القطعية، فقد استدل على ذلك في «لباب الإشارات» بقوله: أجسام العالَم متناهية، وكل متناه فإنه مختص بمقدار يجوز في العقل وجودُ ما هو أزيد منه وأنقص منه، وكل ما كان كذلك فإنه لا يختص بقدره المعيّن إلا بواسطة قَصْدِ فاعل مختار، وكل ما كان فعلا لفاعل مختارٍ فهو محدَثٌ؛ لأن القصد إلى الإيجاد لا يصح إلا حال الحدوث. انتهى

وأما قوله في المباحث المشرقية: “العالم غير ممتنع أن يكون دائم الوجود…”

فهو من جنس التقرير العقلي المجرد، وليس من باب الحكم الشرعي القطعي. ويُفهم هذا في ضوء مسلك الرازي في كتبه الكلامية، حيث يقرر المسائل على وجه الاحتمال العقلي والمناظرة دون أن يلتزم بها في مقام العقيدة الشرعية، على خلاف ما فعله في التفسير الكبير وأساس التقديس حيث جزم فيها بحدوث العالم موافقة للنصوص الشرعية.

ويجب أن يُفهم كلام الرازي هنا على أنه تقرير لإمكان عقلي لا اعتقاد بوجوب ديمومة العالم لذاته، فالعالم عنده ممكن الوجود، ودوامه تابع لمشيئة الله تعالى. وهذا يختلف جوهريًا عن مذهب الفلاسفة القائلين بقدم العالم بذاته، كما يختلف عن مذهب ابن تيمية الذي يرى أن نوع العالم قديم أزلي.

ومن ثم، فإن من زعم أن الرازي يوافق ابن تيمية في مسألة “قدم نوع العالم” لم يُحسن فهم كلام الرازي ولا دقّق في منهج ابن تيمية.

فابن تيمية يرى أن الفاعل لم يزل فاعلًا، ولا يزال، وأن المفعولات تتجدد بتجدد الإرادة الأزلية، بينما الرازي يرى أن دوام الفعل متصور عقلاً، ولكنه لا يقطع به شرعًا.

وباختصار، فإن الرازي يفرّق بين ما يجوزه العقل، وما تثبته الشريعة. فهو يُجيز قدم الزمان من حيث العقل المجرد – في مواضع من كتبه- ، لكنه لا يجزم بذلك اعتقادًا، بل يلتزم بحدوث العالم امتثالًا للنصوص. وأما ديمومية العالم وبقاءه عنده فهو ممكن من ناحية العقل إذا تعلقت مشيئة الله بذلك فقط.

ملاحظة 1 : دوام الفاعلية ينبغي فهمها على أن فعل الله تعالى أزلي أبدي و أن فعله عز وجل لا يناقض كماله، فلا يتضمن ذلك نسبة التغير في ذاته، لأن ذلك محال على واجب الوجود.

شرح كلام الرازي الذي ذكره في المطالب العالية حول ماهية الزمان.

قال الرازي في المطالب العالية، تحت باب ” في تتبع سائر المذاهب والأقوال في ماهية الزمان ” ما نصه: ” وأما قول قدماء الحكماء، وهو أنه جوهر قائم بنفسه، مستقل بذاته، فالمتأخرون أبطلوا ذلك بأن قالوا: الزمان شيء سيال متجدد الوجود. وما يكون كذلك، فإنه يمتنع أن يكون جوهرا قائما بذاته، مستقلا بنفسه. هذا غاية الإلزام في إبطال هذا المذهب. ولمجيب أن يجيب عنه فيقول: لا نسلم أنه في ذاته وماهيته سيال متبدل منقض. ولم لا يجوز \[أن يقال : ] إنه جوهر باقي أزلي أبدي إلا أنه إذا حدثت الحوادث، صارت تلك الحوادث المتعاقبة مقارنة له، وحينئذ يلزم من وقوع التغير والتبدل، وقوع التغير والتبدل في نسب ذلك الجوهر إلى تلك الحوادث. والحاصل: أن السيلان والتبدل ما وقعا في ذات الزمان، وفي جوهره. بل وقعا في نسبته إلى الحوادث المتعاقبة. ومما يدل عليه: أن ذات واجب الوجود لذاته، تكون بالنسبة إلى كل شيء، إما قبله أو معه أو بعده. ثم إنه بحسب تغير المتغيرات، تتغير تلك النسب المسمّاة بالقبلية والمعية والبعدية في ذات واجب الوجود، ولم يلزم من تبدل تلك النسب والإضافات، وقوع التبدل والتغير في ذاته وفي صفاته الحقيقية فإنه واجب الوجود لذاته، وواجب الوجود من جميع جهاته. فإذا عقل هذا المعنى في حق واجب الوجود، فلم لا يعقل مثله في ذات الزمان وجوهره؟ فظهر أن هذه الحجة التي ذكرها المتأخرون في إبطال مذهب القدماء في ماهية الزمان: حجة ضعيفة ساقطة. بل عندي: أن هذا القول أقرب الأقوال المذكورة في ماهية الزمان وفي حقيقته. وهو مذهب الإمام أفلاطون. وظهر بهذه المباحث الغامضة التي أوردناها، والبينات الكاملة التامة التي قررناها: أن الحق في حقيقة المكان والزمان ما قاله أفلاطون الإلهي، لا ما اختاره أرسطاطاليس المنطقي. ولما تلخص هذا الكلام فنقول: القائلون بأن الزمان جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته فريقان: منهم من قال: إنه وإن كان كذلك لكنه ممكن بذاته واجب بغيره، للدلائل الدالة على أن واجب الوجود لذاته ليس إلا الواحد. ومنهم من قال: بل الزمان جوهر واجب الوجود لذاته ممتنع العدم لعينه “. انتهى

ثم عرض حجج كل فريق وقال بعدها: ” والأقرب من هذه الأقوال: أن يقال: دلت الدلائل على أن واجب الوجود لذاته واحد وثبت أن واجب الوجود لذاته، واجب الوجود من جميع جهاته، وذلك ينافي كونه سبحانه موردا للتغيرات والتبدلات لكن المدة والزمان مورد للتغيرات والتبدلات بحسب توارد القبليات والبعديات عليه، فلم يكن واجب الوجود لذاته [من جميع جهاته، فلم يكن واجب الوجود بحسب ذاته بل كان ممكن الوجود لذاته. وأما الإله فهو الموجود المقدس عن التغيرات، العالي عن أن يلحقه شيء ما بالقوة. فهذا هو الذي به نقول، وعليه نعوّل. والله الهادي”. انتهى

الشرح:

قول الرازي: “وأما قول قدماء الحكماء، وهو أنه جوهر قائم بنفسه، مستقل بذاته…”

قدم من خلاله موقف قدماء الحكماء ، أي قدماء الفلاسفة، من ماهية الزمان فقالوا أنه ذو وجود مستقل حقيقي، وليس مجرد علاقة بين الحوادث. وقد نُسب هذا القول إلى أفلاطون، الذي اعتبر الزمان جوهراً له ماهية قائمة بذاتها.

وأفلاطون هو من الموحدين عند ابن تيميةو ذنبه ابن القيم.

راجع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/p/1GFLoybycF/

وقد أخذ ابن تيمية القول بأزلية جنس العالم من أفلاطون وأتباعه.

ثم ذكر الرازي اعتراض المتأخرين مثل أرسطو و من تبعوه من الفلاسفة الإسلاميين، فقال: “فالمتأخرون أبطلوا ذلك بأن قالوا: الزمان شيء سيال متجدد الوجود…”، أي أن الزمان يتغير في كل لحظة. وبالتالي فكل ما هو متغير لا يمكن أن يكون جوهراً قائماً بنفسه. لأن الجوهر، بحسب أفلاطون، ثابت لا يتغير في ذاته، بل في علاقاته.

ثم قال الرازي: “ولمجيب أن يجيب عنه فيقول: لا نسلم أنه في ذاته وماهيته سيال متبدل منقض…”

هنا الرازي يقدّم احتمالًا دفاعيًا عن موقف أفلاطون، حيث قال: ” لا نسلم أن الزمان ذاته هو الذي يتغير. بل: التغير واقع في نسبته إلى الحوادث، لا في ذاته. كما أن الله وهو واجب الوجود، تتغير نسبه إلى الأشياء، ولكن لا يعني ذلك تغير ذاته.

فهنا كأن الرازي يتكلم على لسان الفلاسفة أو الملاحدة القائلين: ” إن كنّا نقبل أن النسب تتغير في حق واجب الوجود من دون أن تتغير ذاته، فلماذا لا نقول إن الزمان جوهر تبقى ذاته، لكن تتغير نسبته إلى الحوادث؟”

وبالتالي توصل الرازي إلى نتيجة فقال: “فظهر أن هذه الحجة… حجة ضعيفة ساقطة. بل عندي: أن هذا القول – أي قول أفلاطون- أقرب الأقوال…” أي أن الرازي رجّح في هذا المستوى من البحث رأي أفلاطون، وقال إن اعتبار الزمان جوهراً قائماً بذاته هو القول الأقرب إلى الصواب، خلافاً لما ذهب إليه أرسطو والمتكلمون.

وأما قوله : ” والأقرب من هذه الأقوال: أن يقال: دلت الدلائل على أن واجب الوجود لذاته واحد وثبت أن واجب الوجود لذاته، واجب الوجود من جميع جهاته، وذلك ينافي كونه سبحانه موردا للتغيرات والتبدلات …”

فهذا النص الذي ختم به الرازي كلامه هو بمثابة حسم للموقف العقدي والكلامي، وفيه تقرير لمفهوم واجب الوجود، وتفريق بينه وبين الزمان، حتى لو افترضنا جدلاً أن الزمان جوهر. وإليك تفصيل معاني العبارات :

قوله: “والأقرب من هذه الأقوال أن يقال: دلت الدلائل على أن واجب الوجود لذاته واحد”

أي أن البراهين العقلية تثبت أن هناك إلهاً واحداً فقط، لا شريك له، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في وجوده، بل هو واجب بذاته.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن تفكير الرازي في الزمان الجوهري يبدو أنه لم يتبلور بشكل كامل، ولم يبلغ موقفه درجة

اليقين التام، كما تدل على ذلك عبارته ” والأقرب من كل هذه الأقوال”، فلا يصح هنا إلزام كل أهل السنة الأشاعرة بكلام الرازي بخصوص الزمان.

وقوله: “وثبت أن واجب الوجود لذاته، واجب الوجود من جميع جهاته”

هذا توكيد مهم: أي أن الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل من أي جهة كانت، فهو ثابت الوجود بكل اعتبار، ليس في ذاته قابلية للنقص أو القوة أو التبدل.

وهذا من لوازم كونه واجب الوجود بذاته: أنه لا يطرأ عليه شيء، لأن كماله محض.

وقوله: “وذلك ينافي كونه سبحانه مورداً للتغيرات والتبدلات”

أي أن الله سبحانه لا يكون محلاً للتغيرات. لأن التغير يعني انتقال من حال إلى حال، وهذا نقص، والله منزه عن ذلك.

فالتغير لا يليق بمن كان واجباً الوجود من جميع جهاته.

وقوله: “لكن المدة والزمان مورد للتغيرات والتبدلات بحسب توارد القبليات والبعديات عليه”، أي أن الزمان هو الذي تتغير فيه الأمور، وتطرأ عليه حالات مثل “قبل” و”بعد”.

هذه القبليات والبعديات تحصل بسبب تعاقب الحوادث.

فالتغير هنا ذاتي للزمان أو مرتبط به، وليس مجرد نسبٍ كما في حق الله.

وقوله: “فلم يكن واجب الوجود من جميع جهاته، فلم يكن واجب الوجود بحسب ذاته بل كان ممكن الوجود لذاته”

و هذه نتيجة استدلالية حاسمة من الرازي: فالزمان لأنه يتغير، لا يكون واجب الوجود من جميع جهاته.

بل هو ممكن الوجود: يحتاج إلى غيره في تحققه، ويمكن أن يوجد أو لا يوجد. وهذا ردّ ضمني على من قال إن الزمان جوهر واجب الوجود (كما نقل سابقاً عن بعض القدماء)، فيقول الرازي:

هذا مرفوض، لأن واجب الوجود لا يتغير، بينما الزمان يتغير بالضرورة.

وقوله: “وأما الإله فهو الموجود المقدّس عن التغيرات، العالي عن أن يلحقه شيء ما بالقوة”

معناه أن الله سبحانه وتعالى هو مقدس عن التغير: لا يتحول، لا يزداد، لا ينقص، و”لا يلحقه شيء بالقوة”: أي لا يوجد فيه استعداد لشيء لم يتحقق بعد، كما هو الحال في الموجودات الممكنة (التي لها قوة/قابلية للتحول).

ثم قال الرازي: “فهذا هو الذي به نقول، وعليه نعوّل. والله الهادي.”

هذا هو القول الذي يرتضيه الرازي ويعول عليه، ويعتبره الصحيح في العقيدة.

و الخلاصة أن الزمان ليس واجب الوجود لأنه يتغير وتتعاقب عليه النسب.

الله وحده واجب الوجود من جميع جهاته، فهو ثابت لا يتبدل.

كل ما يتبدل أو تتغير نسبه الذاتية فهو ممكن، لا واجب.

الزمان إذن مخلوق غير قائم بذاته كالخالق.

أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي المتوفى سنة 321 هجري

جاء في تذكرة الحفاظ أن الإمام ابنُ يونس قال في معرض كلامه عن أبي جعفر الطحاوي: “كان ثقةً ثَبْتاً فقيهاً عاقلاً، لم يخلِّفْ مثلَه”. انتهى

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء في الصحيفة 142 ما نصه: “وأبو جعفر الطّحاويّ انتهت إليه رئاسةُ أصحاب أبي حنيفة بمصر”. انتهى

وجاء في الجواهر المضية أن ابنُ عبد البر قال: “كان الطحاويُّ كوفيَّ المذهَب، وكان عالماً بجميع مذاهب الفقهاء”. انتهى

وقال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ما نصه: “من نَظر في تواليف هذا الإمام عَلمِ محلَّه من العِلْم، وسَعَة معارفه. انتهى

و جاء في لسان الميزان أن المحدّث مسلمة بن القاسم القرطبي قال: “وكان ثقة ثبْتاً، جليل القدر، فقيه البدن عالماً باختلاف العلماء، بصيراً بالتصنيف”. انتهى

و قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في المقالات : “وقد تلقى الطحاوي علوم هؤلاء في الاعتقاد والعمل عن سليمان بن شعيب الكيساني وبكار بن قتيبة وابن أبي عمران وأبي حازم. فالأول عن أبيه عن محمد عن أبي يوسف وأبي حنيفة، والثاني عن هلال بن أبي يحيي عن زفر وأبي يوسف عن أبي حنيفة، والثالث عن ابن سماعة وبشر بن الوليد، فالأول عن محمد وأبي يوسف والثاني عن أبي يوسف، والرابع عن عيسى بن أبان عن محمد، وعقيدة الطحاوي هذه مستفيضة عن أئمتنا متواترة إلى اليوم”. انتهى

وعقيدة الطحاوي تلقاها العلماء بالقبول، حتى قال فيها تاج الدين السبكي الأشعري: “وهذه المذاهب الأربعة، ولله الحمد، في العقائد واحدة، إلا من لحق منها بأهل الاعتزال والتجسيم، وإلا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة أبي جعفر الطحاوي، التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول”. انتهـى

وقال الناصري الحنفي: “إن كتاب العقائد الذي رواه أبو جعفر الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد هو الذي اعتمد عليه أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم”. انتهى

وقال أبو المعين النسفي: “إن أبا جعفر الطحاوي ممن احتوى على علوم سلف الأئمة على العموم، وعلى علوم أبي حنيفة وأصحابه على الخصوص”. انتهى

وحتى بعض أدعياء السلفية لم يجدوا أي عذر في الاعتراف بأن عقيدة الطحاوي متضمنة لعقيدة السلف رغم محاولاتهم لتحريف شرحها تارة و الطعن في بعض عباراتها تارة أخرى، من ذلك ما قاله المدعو جماز بن عبد الرحمن الجماز في كتابه “الإبحار في جمع الأسفار”، و نص عبارته: «عقيدة أهل السنة والجماعة» لأبي جعفر الطحاوي. متن محكم، ورسالة مختصرة، غزيرة النفع، ضمّنها ما يحتاج المكلَّف إلى معرفته واعتقاده. من أصول الاعتقاد ومسائله المهمة، على وجه الإيجاز، بأسلوب سهل وميسر. وهي سلفية المنهج، باستثناء مسائل يسيرة. وهي غير مرتّبة، بل أورد الموضوع الواحد في مواطن متفرّقة. وقد تلقّاها العلماء سلفاً وخلفاً بالقبول والرضا، ونالت شهرة واسعة، وإعجاباً عند أهل السنة على اختلاف مذاهبهم الفقهية، فتناولوها بالشرح والبيان”. انتهـى

و رغم توثيق كبار العلماء للطحاوي و الثناء عليه، تجد بعض شيوخ الوهابية يطعنون في الطحاوي، من ذلك ما قاله شيخهم عبد الرحمن بن ناصر البرّاك في شرحه على الطحاوية: ” الإمام الطحاوي أدخل في عقيدته الـمشهورة عبارات من جنس عبارات أهل البدع”. انتهى

وقال الشيخ ابن جبرين في التعليقات الزكية: “الإمام الطحاوي لَم يُصَرِّح في عقيدته بالمذهب الصحيح للسلف في إثبات الاستواء والعلو الحقيقي والصفات الفعلية، وقد تعاطى شبهات وبدع أهل الكلام” . انتهى

وقال الشيخ عبد العزيز الرّاجحي في الهذاية الربانية، ما نصه. ” أهل الكلام جروا الطحاوي وأدخلوا في عقيدته معاني باطلة” . انتهى

فعند هذه النحلة الوهابية، كل علماء الأمة الذين اجتمعوا على هذه العقيدة السنية حفظا و شرحا و تدريسا في المشرق و المغرب لم يقفوا على ما وقفوا هم عليه من عبارات بدعية ومخالفات تضمنها متن الطحاوية، حتى طلع زعماءهم وعرفوا الحق بزعمهم و نبهوا عليه.

روابط ذات علاقة:

ذكر بعض مخطوطات شروح العقيدة الطحاوية

https://www.facebook.com/share/p/iEYiiJJoRT2MiV5r/