فعل الله

  1. مناقشة الفخر الرازي لتقريرات الفلاسفة حول إشكالية التغير وتجدد فعل الله
  2. قال ابن خزيمة المتوفى سنة 311هـجري: ” “من زعم أن كلام الله من صفة الفعل فهو جهمي ضال مبتدع”. انتهى
  3. قاعدة في الصفات الخبرية: كُلُّ صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُفَسَّرُ بِلَازِمِهَا
  4. صفة التخليق
  5. معنى قوله تعالى: ” فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ‌ٱلۡخَٰلِقِينَ”
  6. رد دعوى أن الفخر الرازي وافق المعتزلة في قولهم بأن علم الله متغير.
  7. بيان أن معنى قول العلماء عن الله أنه لا يزول، أي لا يتصف بالحركة و لا التغير
  8. كلام الله عز وجل

مناقشة الفخر الرازي لتقريرات الفلاسفة حول إشكالية التغير وتجدد فعل الله

قال الفخر الرازي في المطالب العالية: ” الحجة الرابعة : قال بعضهم : لو حدث صفة في ذات اللّٰه تعالى ، لزم وقوع التغير وذلك محال بالاتفاق ، فوجب أن يكون حدوث تلك الصفة في ذات اللّٰه تعالى محالا . ولقائل أن يقول : إن عنيتم بهذا التغير حدوث صفة في ذات الله تعالى ، بعد عدمها ، فهذا يفيد إلزام الشيء على نفسه ، وذلك لا يفيد ، وإن عنيتم به وقوع التبدل في نفس تلك الذات المخصوصة ، فمعلوم أن هذا غير لازم . فيثبت أن هذا الكلام ضعيف”. انتهى

وقد نقل الرازي هذا التقرير عن بعض الفلاسفة، وكان من جملة اعتراضهم قولهم : “إن عنيتم بهذا التغير حدوث صفة في ذات الله تعالى ، بعد عدمها ، فهذا يفيد إلزام الشيء على نفسه ، وذلك لا يفيد”

معناه إن كان المقصود بالتغير هو تجدد صفة بعد أن لم تكن، فهذا عين محل الخلاف، ولا يجوز اتخاذه مقدمة في الدليل.” ويشبّه هذا النوع من الجدل بمن يقول: “إن تجدد الصفة يوجب التغير، والتغير يوجب حدوث الصفة، ومن ثم فهي حادثة”، فيدور في حلقة مغلقة من الافتراض والاستنتاج.

فهذا الإلزام إنما هو مصادرة على المطلوب، أي افتراض لما هو موضع النزاع وبناء البرهان عليه، وهو خلل منطقي في تركيب الحجة. وهذا النوع من الجدل لا يُلزم الخصم بشيء، وهذا التباس في الحجج.

ومن أجوبة أهل الحق على هذه الشبهة قولهم: ان حدوث الصفة يستلزم توارد حالين على الشيء كالحركة والسكون بالنسبة للجسم. فهو من حيث ذاته لا يترجَّح اتصافه بأحدهما دون الآخر، فإن اتصف بأحدهما احتاج إلى مُرجِّح رجَّح حركته على سكونه أو العكس، فاحتياجه يستلزم حدوث ذاته.

معناه: لمَّا جاز على الجسم صفة حادثة ومقابلها، افتقر إلى مُخصِّص خصَّه بصفة على صفة أُخرى قائمتين بذاته، فلزم بهذا الافتقار أن يكون الجسم حادثًا.

ومن جملة اعتراضات هؤلاء الفلاسفة أيضا قولهم: “إن عنيتم به وقوع التبدل في نفس تلك الذات المخصوصة ، فمعلوم أن هذا غير لازم”. انتهى

معناه بزعمهم ان وقوع التبدل في ذات الله تعالى، غير لازم لمن قال بتجدد فعل الله تعالى، مثل: الخلق والرزق والإحياء والإماتة، لأن تجدد الفعل لا يستلزم التبدل في ذات الفاعل، بل قد يكون التغير واقعًا في الفعل.

فيثبت بذلك أن القول بأن تجدد الفعل يوجب التغير، والتغير يوجب النقص، والنقص محال على الله – كلام ضعيف لأنه إما: يعود على نفسه ويدّعي ما هو محل النزاع وهو حدوث الصفة، أو يفترض أن تجدد الأفعال يستلزم تغير الذات، وهذا باطل”.

غير أن هذا النفي الفلسفي للتغير لا يخلو من اضطراب في التصور، وذلك أن زعمهم أن التغير إذا كان من غير نقص ولا زيادة في الكمال، فليس بصفة نقص” – هو قول باطل، لأن حقيقة التغير تستلزم بالضرورة الانتقال من حال إلى حال، سواء كان هذا الانتقال في الذات أو في الصفات.

أما إذا لم يكن هناك نقص ولا زيادة، ولا تبدل من حال إلى حال، فلا يُسمى ذلك تغيرًا أصلًا، بل هو مجرد تعلّق للصفة بالمفعول، لا تغير في ذات الفاعل ولا في فعله الأزلي ولا في أصل صفته. مثاله تعلق القدرة بالمقدورات المتغيرة، أو العلم بالمعلومات المتجددة، أو الإرادة بالأفعال المختلفة، فإن كل ذلك لا يقتضي تغيرًا في الذات ولا في كمالها. وقد نبّه القرآن على هذا المعنى في قوله تعالى:

“كل يوم هو في شأن” – الرحمن: 29-

أي أن تعلق صفات الله بأحوال الخلق يتجدد، كما فسره النبي ﷺ بأنه يعطي هذا ويمنع ذاك، ويحيي هذا ويميت ذاك، دون أن يكون ذلك دالًا على حدوث أو تغير في ذاته تعالى.

وبذلك يتبيّن أن الشبهة مبنية على تسوية باطلة بين تجدد فعل الله عز وجل وتجدد تعلق صفاته، وهذا من أعظم الخلط في مباحث الصفات.

ففعل الله تعالى قديم أزلي، والمفعولات هي الحادثة، ولا يلزم من حدوثها حدوث في الذات أو تبدل في الصفات. والمذهب الحق أن الصفات الإلهية لا تتغير، ولكن تتجدد متعلقاتها دون أن يلزم من ذلك نقص أو حدوث في الذات الإلهي.

ملاحظة: من محاولات ابن تيمية الفاشلة في نقض دليل الحدوث ، قوله في درء التعارض: ” وهذا- أي نفي قدم نوع العالم – قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم: يقرون بالصانع المحدِث ، من غير تجدد سبب حادث، ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع، وقال لهم الناس: هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع، وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، فإذا كانت الأوقات متماثلة، والفاعل على حال واحدة، لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً، ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح ” انتهى

وهذا من جملة ضلالته في هذا الباب، ونسبته لخصومه الأشعرية ما لا يقولونه ولا يلتزمون به من أصله، والا فكيف عرف هذا الحراني أن فعل الله متعلق بالزمان، وهذا جهل بكلام الأشعرية ومصادرة على المطلوب، والا فالأشعرية يقولون أن الله تعالى لا يختص بزمان ولا مكان لذلك لا تقبل ذاته التجدد والحدوث من أصله، وكذلك فعل الله هو أزلي لا يتعلق بالزمان، إنما المفعول فقط يختص بالزمان والمكان. وعليه فان مشيئة الله أزلية لا تتغير، وهي الصفة التي تتعلق بالمخلوق،يخصص الله بها الممكنات بصفات دون أخرى وبوقت دون آخر دون دون أن تتجدد له صفاته.

جهميات الحدادية

قال ابن خزيمة المتوفى سنة 311هـجري: ” “من زعم أن كلام الله من صفة الفعل فهو جهمي ضال مبتدع”. انتهى

نقله عنه الذهبي في السير.

ويفهم من ذلك أن ابن خزيمة يعدّ الكلام من صفات الذات لا من صفات الفعل، وأن من جعله من صفات الفعل فقد وقع في قول الجهمية. ويُقصد بالجهمية أتباع جهم بن صفوان، الذين نفوا أن يكون الله متكلّمًا حقيقة، وجعلوا الكلام من الأفعال الحادثة، فنفوا بذلك كونه صفة ذاتية لله.

أما الحدادية، فقد تبنّوا نصف عقيدة الجهمية وقالوا إن كلام الله صفة ذات من حيث أصله، وصفة فعل من حيث تعلّقه بمشيئة الله وتجدّد آحاده، باعتبار قاعدتهم الفاسدة التي تقرر أن كلام الله “قديم النوع، حادث الآحاد”. وبذلك جمعوا بين جانب من قول الجهمية، وهو اعتبار الكلام من صفات الفعل، وبين محاولة إثبات الكلام كصفة ذات.

وبناءً على تقرير ابن خزيمة، فإن من يجعل كلام الله من صفات الفعل يدخل في وصف “الجهمي”، ويكون ضالًا مبتدعًا عنده.

ومن هنا رأى بعض النقاد أن الحدادية، وافقوا الجهمية في أصل جعل الكلام من صفات الفعل، مما يلزمهم ـ وفق هذا الفهم ـ حكم ابن خزيمة على الجهمية.

ثم إن الجهمية عند الحدادية أنفسهم خارجون عن الاسلام، فلزمهم أيضا نفس الحكم.

وهذا حال المدعو أبي موسى، محمد بن شمس الدين العايدي، الذي قال في مقال له بعنوان “تلخيص كتاب القواعد المثلى” – بزعمه: “وقد تكون الصفة ذاتية فعلية كالكلام، فإنه باعتباره صفة كان صفة ذاتية، وباعتبار ما يتكلم الله به إذا تكلم كان صفة فعلية”. انتهى

نعوذ بالله من سوء الحال وسوء المنقلب

قاعدة في الصفات الخبرية: كُلُّ صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُفَسَّرُ بِلَازِمِهَا

قَالَ الحَافِظ جلاَل الدِّين السُّيُوطِي في الاِتْقَان فِي عُلُومِ القُرْآن 8/2 – مَطْبَعَة حجَازِي بِالقَاهِرَة – ما نصه: “وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: كُلُّ صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ حَقِيقَتُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تُفَسَّرُ بِلَازِمِهَا”.انتهى

وهذه القاعدة قد بينها الإمام الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 1/ 223 فقال: “الغضب: تغير يحصل عند غليان دم القلب لشهوة الانتقام. واعلم أن هذا على الله تعالى محال، لكن هاهنا قاعدة كلية، وهي أن جميع الأعراض النفسانية – أعني الرحمة، والفرح، والسرور، والغضب، والحياء، والغيرة، والمكر والخداع، والتكبر، والاستهزاء- لها أوائل، ولها غايات،

ومثاله الغضب: فإن أوله: غليان دم القلب، وغايته: إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه، فلفظ الغضب في حق الله تعالى لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب، بل على غايته الذي هو إرادة الاضرار، وأيضا، الحياء: له أول وهو انكسار يحصل في النفس،

وله غرض وهو ترك الفعل، فلفظ الحياء في حق الله يحمل على ترك الفعل لا على انكسار النفس، وهذه قاعدة شريفة في هذا الباب”. انتهى

فالمراد بالغضب في حقه تعالى هو لازمه أو نتيجته، أي إرادة الانتقام أو نفس العذاب والعقاب.

فأكثر أهل السنة الأشاعرة يثبتون “الرحمة، والفرح، والغضب، والحياء، والغيرة، والتكبر، ونحوها على أنها صفات أفعال لا بمعنى تأثر و انفعالات، وبعضهم يثبتها لله تعالى على أنها صفات أزلية أبدية. وهؤلاء يفسرون الحديثِ الذي رواهُ البُخاريُّ مِنْ أنَّ ءادمَ وغيرَهُ يقولونَ: “إنَّ اللهَ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ” فيقولون: المرادُ بذلكَ ءاثارُ الغضبِ وليسَ المرادُ الصفةَ لأنَّ الصفةَ أزليةٌ أبديةٌ ليستْ طارِئةُ للهِ، معناه أنَّ اللهَ تعالى أَعَدَّ في ذلكَ اليومِ مِنْ ءاثارِ الغضبِ ما لم يَسْبِقْ قبلَ ذلكَ ولا يَفعلُ بعدَ ذلكَ ما هوَ أشدُّ منهُ لأنَّ اللهَ تعالى شاءَ أنْ يَكُونَ أنْ يَحصُلَ ذلكَ اليومِ منْ ءاثارِ الغضبِ مُنْتَهَى الآثارِ التي شاء أن تكون، لكنَّ اللهَ تعالى قادِرٌ على أنْ يَخْلُقَ ما هو أشدُّ منْ ذلكَ لكنَّهُ لا يَفعلُ، هذا معنى ما وَرَدَ في حديثِ الشفاعةِ وليس معناه أنَّهُ تَأَثَّرَ ذلكَ الوقت لأنَّ التأثرَ مستحيلٌ على اللهِ لأنَّ الذي يتأثرُ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ حادِثًا.

و قال الإمام الطبري في جامع البيان: “واختلف في صفة الغضب من الله جل ذكره:

فقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من خلقه، إحلال عقوبته بمن غضب عليه، إما في دنياه، وإما في آخرته، كما وصف به نفسه جل ذكره في كتابه فقال: “فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) الزخرف [55

وكما قال: “قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) المائدة 60

وقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من عباده، ذم منه لهم ولأفعالهم، وشتم لهم منه بالقول.

وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب، غير أنه – وإن كان كذلك من جهة الإثبات – فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم.

لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها”. انتهى

صفة التخليق

ذكر بعض أهل السنة أن التخليق هو صفة أزلية قائمة بذات الله، وان تخليق الله للمخلوقات أزلي و المخلوق حادث.

والماتريدية يعبرون عنها بالتكوين.

فالله تعالى قدر في الأزل وشاء في الأزل وعلم في الأزل أن هذا العالم سيكون موجودا، فأوجده في الوقت الذي علم وقدر وشاء أن يكون موجودا بتخليقه الأزلي.

ولما ثبتت صفة التخليق لله، ثبت أيضا أنه موصوف بالخالقية في الأزل، وان الله يسمى خالقا في الأزل.

فالله منذ الأزل اسمه الخالق، وهذا ليس لتحقق خلق بعض المخلوقات، إذ لا يقال عن الله أنه خلق المخلوقات في الأزل لأن هذا اللفظ يوهم أن المخلوقات كانت موجودة في الأزل.

فاطلاق اسم الخالق عليه عز وجل مبني على اتصافه بصفة التخليق وهو وصف حقيقي و ليس مجازيا.

فالتخليق هو صفة ثابتة لله يتأتى بها إيجاد وابراز الأشياء من العدم إلى الوجود، فلا يقال أنها كانت معطلة أو غير فاعلة حتى خلق الله الماء مثلا، لأن الأزلي لا يوصف بالتعطل والبداءة.

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: “باب ما جاء في تخليق السموات والارض وغيرها من الخلائق، وهو وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ وَهُوَ الْخَالِقُ الْمُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ”. انتهى

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده في خلق أفعال العباد فقال : اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر ، وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله ، وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا ” كن مخلوق ، وقال السلف : التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ، ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات”. انتهى

وقال فريق ٱخر من أهل السنة أن التخليق معناه القدرة على الاختراع، أي الابراز من العدم إلى الوجود وفق المشيئة الأزلية.

قال ابن عذبة في الروضة البهية : ” إن مبدأ الإيجاد عند الماتريدية هو صفة التكوين ، وعند الأشعرية صفة القدرة والإرادة”. انتهى

فالله هو الذي خلق هذا العالم وما فيه، خلق المكان و هو الفراغ الذي يشغله الحجم، فهو من صفات الاحجام ويسمى عرضا، وهو لا يقوم بنفسه انما يقوم بغيره .

في الازل اي فيما لا ابتداء له كان الله وحده لا شريك له لم يكن مكان ولا جهة ولا سماء ولا عرش ولا نور ولا ظلام

اول ما خلق الله الماء، فخُلق المكان الذي حوى الماء وخُلق الزمان.

قال تعالى: ” قل الله خالق كل شىء” فالذي ينفي ان المكان مخلوق فقد كذّب الله والعياذ بالله، ومن زعم أنه يوجد مكان غير مخلوق فهو مشرك.

و الله يسمى خالقا قبل خلقه للخلق. قال ابن الهمام في «المسايرة» : ” فقوله: “ذلك بأنه على كل شيء قدير” ، تعليل وبيان لاستحقاق اسم الخالق قبل المخلوق فأفاد أن معنى الخالق قبل الخلق، واستحقاق اسم الخالق بسبب قيام قدرته تعالى على الخلق، فاسم الخالق أزلي ولا مخلوق في الأزل لمن له قدرة الخلق في الأزل، وهذا ما يقول الأشاعرة. انتهى

وقال الطحاوي في عقيدته: “ليس بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري. له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالقية ولا مخلوق. وكما أنه محيي الموتى بعدما أحياهم استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم……ذلك بأنه على كل شىء قدير”. انتهى

وقد خالف ابن تيمية و سائر فرق المجسمة، مذهب أهل السنة، فقالوا أن جنس العالم أزلي مع الله، والله لا يسمى خالقا الا بعد انشاء الخلق بالفعل.

قاعدة: الله تعالى لا يقوم بذاته صفة حادثة، لأن قيام الصفة الحادثة في ذات يدل على حدوث الذات، لأن أقوى علامات الحدوث التغير .

رابط ذو علاقة:

قوله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين: https://www.facebook.com/share/p/15ASbLcRMU/

معنى قوله تعالى: ” فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ‌ٱلۡخَٰلِقِينَ”

خلق في لغة العرب تأتي على معاني عدة منها:

1- الإِبراز من العدم إلى الوجود: فلا خالق بهذا المعنى إِلا الله عز وجل .

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: «وخَلَقَ الله الشَّيْء يَخلُقه خَلْقاً: أحدثه بعد أَن لم يكن. والخَلْقُ يكون الْمصدر، وَيكون الْمَفْعُول». انتهى

2- افتراء الكَذِبَ : قال تعالى: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكا -العنكبوت: 17-

قال أبو بكر الأنباري في الزاهر :«والخالق في كلام العرب المُقَدِّر؛ قال الله عز وجل: ﴿وتخلقون إفْكاً﴾، معناه، وتقدرون كذباً

3- : مَلَّسَ و لَيَّنَ: قال ابن فارس في «مقاييس اللغة»: «الخاء واللام والقاف أصلان؛ أحدهما: تقدير الشيء…. والآخر: ملاسة الشيء.

4 :- التقدير : قال تعالى حكاية عن عيسى أنه قال: “إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير” -آل عمران :49-

وقال الشاعر:

ولأنت تَفْري ما خلقتَ وبعـ … ـض القوم يخلق ثم لا يَفْري

أي: لك قدرة تمضي وتنفذ بها ما قدّرته في نفسك، وغيرك يقدّر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها, إما لقصوره في تصور تقديره أو لعجزه عن تمام مراده.

ويقال أيضا خَلَقَ الأديم ثوبا: أي قَدَّرَهُ قبل القطع .

قال الجوهري في الصحاح «الخلق: التقدير، يقال: خلقت الأديم: إذا قدرته قبل القطع». انتهى

وقال القفطي في «حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر»: «{ فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} أَي المقدرين, وَلَيْسَ كل صانع إِذْ قدر فِي صَنعته تَقْديرا يَقع ذَلِك على وفْق تَقْدِيره وإرادته يتَبَيَّن لَك ذَلِك من تَقْدِير كل صانع فِي صَنعته وَإِنَّمَا يَأْتِي على وفْق تَقْدِير الله الْعَظِيم الْخَبِير وَهَذَا الْمَعْنى مَعْرُوف فِي اللُّغَة». انتهى

—————————————

ومما تقدم يفهم أن قوله تعالى: “أَحۡسَنُ ‌ٱلۡخَٰلِقِينَ” أي أحسن المقدرين:

– قال ابن الجوزي في زاد المسير : ” فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) وقوله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) ؟

فالجواب: أن الخلق يكون بمعنى الإِيجاد، ولا موجِد سوى الله، ويكون بمعنى التقدير، كقول زهير:

وبعض القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي .

فهذا المراد ها هنا، أن بني آدم قد يصوِّرون ويقدِّرون ويصنعون الشيء، فالله خير المصوِّرين والمقدِّرين، وقال الأخفش: الخالقون ها هنا ، هم الصانعون، فالله خير الخالقين” انتهى

– و قال ابن الأنباري في كتاب «الزاهر في معاني كلمات الناس»: “﴿فتبارَك اللهُ أحسنُ الخالقين﴾، معناه: أحسن المقدرين تقديراً”. انتهى

– وقال الراغب الأصفهاني في «المفردات في غريب القرآن»: «إن قيل: قوله تعالى:”فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ” – المؤمنون/ 14- ، يدلّ على أنّه يصحّ أن يوصف غيره بالخلق؟ قيل: إنّ ذلك معناه: أحسن المقدّرين، أو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أنّ غير الله يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أنّ هاهنا مبدعين وموجدين، فالله أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون، كما قال: “خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ” -الرعد/ 16- ، “وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ” -النساء: 119-» . انتهى

– قال العمراني في الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار»: «الخلق في اللغة ينقسم إلى: التقدير، وإلى الإنشاء والإبداع فالمراد بقوله: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} وبقوله: {تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} التقدير، فكأنه أراد أحسن المقدرين، وكذلك عيسى عليه السلام قدر وصور من الطين كهيئة الخفاش الذي هو لحم يطير بغير ريش، ونفخ فيه الروح فكان طيراً بإذن الله كما أخبر سبحانه، والله سبحانه خالق المُقَدِّر وتقدير المُقَدِّر وإنما أضاف التقدير إليهم لأنه كسب لهم، وأما خلق الذي هو الإنشاء والإبداع فلا يوصف به غير الله، بل نفى الله ذلك عن غيره وأثبته لنفسه بقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} وأكذب من ادعى أنه يخلق كخلقه فقال سبحانه: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، فمن قال: إن العباد يوصفون بإنشاء الخلق في أفعالهم وإبداعه، فقد أكذب الله في خبره، ولو كان كذلك لكان يطلق على الإنسان اسم الخالق كما يطلق ذلك على الله سبحانه كاشتراكهما في اسم الموجود والشيء، وفي اختصاص ذلك سبحانه بالله سبحانه، دليل على أنه لا يوصف غيره بالإنشاء والإبداع». انتهى

رد دعوى أن الفخر الرازي وافق المعتزلة في قولهم بأن علم الله متغير.

زعم بعضهم أن الرازي صحح في كتابه المطالب العالية الذي انتهى من تصنيفه سنة 606 هجري، مذهب أبي الحسين البصري المعتزلي المتوفى سنة 436 هجري في ادعاءه أن علم الله يتغير عند تغير المعلوم.

وقول هؤلاء من الكذب القبيح ، فهم يحاولون التلبيس على العوام، وضعفاء الفهم و الترويج لأباطيل واهية مفادها أن الرازي قد وافق المعتزلة في ٱخر حياته في عقائدهم الفاسدة.

ولفهم كلام الرازي على الوجه الصحيح ينبغي الرجوع لسياق النص بتمامه كما ذكره تحت المسألة الثانية: “في إثبات كونه تعالى متكلما”، ثم مقارنته مع ما نقله عن أبي الحسين البصري في نفس المسألة التي نقلها في تفسيره مفاتيح الغيب. لفهم ما يذكره.

وبالرجوع للمطالب العالية نجد أن الفخر الرازي نقل مقالات لفريقين من المتكلمين حول صفة الكلام لله عز وجل، ثم أورد حجج الفريقين وردودهما على بعضهما البعض.

فقال الرازي: “فأما الذين فسروا ذلك الطلب – أي كلام الله- بالإرادة فقالوا: ثبت أنه تعالى مريدا لبعض الأشياء وكارها لبعضها، فإذا خلق أصواتا في جسم مخصوص تدل تلك الأصوات بالوضع والاصطلاح على كونه تعالى مريدا، لما أراد، وكارها لما كره. وذلك هو الكلام”. انتهى

فهذا الكلام أورده الفريق الأول الذي فسر كلام الله بالإرادة، وهذا الفريق هو الذي ذكر الاعتراضات اللاحقة على خصمه، والتي نقلها الرازي بعد ذلك بقوله؛

“وأما الذين فسروا ذلك الطلب -أي كلام الله- بمعنى مغاير للإرادة فهم يحتاجون إلى إثبات مقدمات. أولها: الفرق المعقول بين ذلك الطلب وبين الإرادة. وثانيها: إقامة الدلالة على كونه تعالى موصوفا بذلك المعنى، وليس للقوم فيه دليل جيد على ما سيأتي شرحه. وثالثها: إن القائلين بهذا المعنى زعموا أن هذا الشيء قديم، وهو بعيد”. انتهى

فهذا بتمامه كلام الفريق الأول وهم المعتزلة كما سيأتي بيانه لاحقا من كتاب مفاتيح الغيب.

ثم واصل الرازي في نقل أدلة هذا الفريق وهو قولهم: “ويدل عليه وجوه:

الأول: إنه لا معنى للأمر والنهي إلّا التزام الفعل، والتزام الترك، والعلم الضروري حاصل بأنه قبل وجود زيد فإنه يمتنع أن يحصل إلزامه فعلا، وإلزامه تركا. فإن معنى الإلزام أن نقول: يا زيد ألزمتك هذا الفعل. ويا عمرو ألزمتك هذا الترك. والعلم الضروري حاصل أن عند عدم زيد، وعدم عمرو، فإنه يمتنع أن نقول: يا زيد ألزمتك هذا الفعل، ويا عمرو ألزمتك هذا الترك، وإن لم يكن هذا العلم ضرورية، فليس عند العقل شيء من العلوم الضرورية. والثاني: إنه تعالى أخبر عن أشياء كقوله: “إِنّ إنا أرسلنا نوحا” و “عصى ٱدم”، ومعلوم أن المخبر عنه سابق في الوجود على حصول الخبر، فلو كان هذا الخبر أزليا، لزم أن يكون الأزلي مسبوقا بغيره، وهو محال. فإن عارضوا ذلك بالعلم نقول: قد ذكرنا: أن المذهب الصحيح في هذا الباب هو قول أبي الحسين البصري: وهو أنه يتغير العلم عند تغير المعلوم.

الثالث: وهو أنه تعالى لما ألزم زيدا إقامة صلاة الصبح، فإذا أتى زيد بذلك الفعل. فهل بقي ذلك الإلزام الأول، أو لم يبق، فإن بقي وجب أن لا يكون له سبيل إلى الخروج عن العهدة، لأنه وإن أتى بذلك الفعل ألف ألف مرة، فالإلزام الأول باقي (وإن لم يبق ذلك الالزام فقد عدم، والمتكلمون مصرون على أن القديم يمتنع عليه العدم، فلما عدم هذا الإلزام) وهذا الأمر، وجب على مقتضى قولهم: أن لا يكون قديما.

الرابع: إن النسخ عندهم جائز، والنسخ عبارة عن رفع الحكم بعد ثبوته. أو عن انتهاء (زمن) ذلك الحكم . وعلى التقديرين فقد عدم بعد وجوده، وما يثبت عدمه امتنع قدمه.

الخامس: إن الصفة القديمة الأزلية تكون تعلقاتها (بمتعلقاتها) أمرا ذاتيا لازما واجبا. فلو كان أمر الله قديما لوجب تعلقه بكل ما يصح (تعلقه) به، لكن الحسن والقبح العقليين باطل عند القائلين بهذا القول، فلا شيء إلا ويصح الأمر به، ولا شيء إلا ويصح النهي عنه، فيلزم تعلق الأمر بكل الأشياء، وتعلق النهي بكل الأشياء، فيلزم كون الأشياء بأسرها مأمورا بها، منهيا عنها، وذلك يوجب اجتماع الضدين، وهو محال.

السادس: إنا كما بينا: أن العلم بالشيء، يجب أن يتغير عند تغير المعلومات (فكذلك الخبر عن الشيء يتغير عند تغير المخبر عنه، وكل ما يتطرق التغير إليه وجب أن لا يكون قديما، لأنه) ثبت أن ما كان قديما كان العدم عليه محالا”. انتهى

فهذه الحجج التي نقلها الرازي، هي في الأصل حجج المعتزلة، وقد استدلوا بكلام زعيمهم أبي الحسن البصري المعتزلي الذي كان يقول بتغير العلم بتغير المعلوم، لأن العلم عنده ليس صفة بل مجرد نسبة فقط، ولذلك صحح المعتزلة مذهبه. ومجرد نقل الرازي لحجج الفريق الأول، لا يدل أن الرازي ينفي قيام الصفات بالذات متابعة لهم في هذا، فهو لا ينفي الصفات أو يقول بقول المعتزلة.

ثم شرع الفخر الرازي في ذكر حجج الفريق الثاني أيضا من غير تسميتهم وهم الأشعرية، بدليل قوله: “واحتج القائلون بقدم الكلام بأشياء” فاتضح هنا أن الرازي يستعرض أقوال الفريقين لا أنه يقر بها جميعها. وتمام النص هو قوله:”واحتج القائلون بقدم الكلام بأشياء:

الأول: إنه تعالى حيّ، وكل حيّ فإنه يصح أن يكون متكلما، وكل من صح عليه الاتصاف بصفة، فإنه يجب أن يكون موصوفا بتلك الصفة أو بضدها. وضد الكلام هو الخرس والسكوت. وذلك نقص، والنقص على الله تعالى محال، فوجب أن يكون في الأزل موصوفا بالكلام.

والثاني: وهو أنا أجمعنا على أنه تعالى متكلم، فأما أن يكون متكلما لذاته وهو باطل بالاتفاق أو يكون متكلما بالكلام، وذلك الكلام إن كان حادثا، فأما أن يحدث في ذاته، أو في غيره، أولا في محل. والأقسام الثلاثة باطلة، فبطل كون الكلام حادثا، فوجب أن يكون قديما. وإنما قلنا: إن حدوث الكلام في (ذات الله محال، لأنه يوجب قيام الحوادث بذات الله وهو محال. وإنما قلنا: إن حدوث الكلام في) غيره محال، لأنه لو جاز أن يكون متكلما بكلام حاصل في غيره، لجاز أن يكون جاهلا بجهل يقوم بغيره، وعاجزا بعجز يقوم بغيره. وذلك باطل. وإنما قلنا: إن حدوث الكلام لا في محل: محال بالاتفاق. وأيضا: فكلام الله تعالى صفة، وصفة الشيء تكون حاصلة فيه لا محالة. والثالث: إن الكلام إما أن يكون صفة كمال، أو صفة نقص. فإن كان صفة كمال وجب أن يكون موصوفا به أبدا. إذ لو لم يكن موصوفا به في الأزل لزم كونه خاليا عن صفة الكمال، والخلو عن صفة الكمال نقصان، والنقصان على الله محال. وإذا كان صفة نقص وجب أن لا يتصف به البتة، لأن النقص على الله عز وجل محال. وحيث توافقنا على أنه تعالى قد اتصف به، علمنا أنه ليس من صفات النقص.

الرابع: إن العلم الضروري حاصل بأن المتكلم أكمل وأفضل ممن لم يكن متكلم، ولا شك أن الواحد منا متكلم. فلو لم يكن الله في الأزل متكلما، لزم أن يكون حال الواحد منا عند وجوده أفضل وأكمل من الله تعالى، حين كان في الأزل، وذلك محال. فيثبت أنه تعالى موصوف بالكلام في الأزل”. انتهى

الى هنا انتهى كلام الفريق الثاني الذي يثبت قدم كلام الله عز وجل

ثم بدأ الرازي بمناقشة أدلة الفريق الثاني للوقوف على حجيتها، فوضع نفسه في موضع الخصم بدليل قوله بعد ذلك “ولقائل أن يقول”، وتمام عبارته كالتالي:

“ولقائل أن يقول: أما الوجه الأول: فقد تكلمنا عليه في مسألة السمع والبصر، والذي نريده هاهنا هو أن نقول: لا نسلم أن السكوت نقص، بل النقص أن يقول القائل: يا زيد صلّ، ويا عمرو صم. مع أن زيدا وعمروا يكونان معدومين، ألا ترى أن الرجل إذا جلس في دار نفسه وحده، خاليا (عن الناس) ثم يقول: يا مستقر اركب، ويا قائما أقبل . فإن كل أحد يقضي عليه بالجنون والنقص، فكذا هاهنا. وأما الوجه الثاني: وهو أن قولكم: أجمعنا على أنه تعالى متكلم. فنقول: إن عنيتم بكونه متكلما أنه فعل أفعالا مخصوصة، دلت تلك الأفعال على كونه تعالى مريدا لبعض الأفعال، وكارها لبعضها، فهذا مسلم إلا أن هذا القدر لا يدل على كونه تعالى موصوفا بشيء من الصفات المسماة بالكلام، وإن عنيتم بكونه متكلما: أمرا وراء ذلك فهذا ممنوع. والاتفاق ليس إلا في اللفظ.

وأما الوجه الثالث: وهو أن الكلام صفة كمال، والخلو عنه نقص، والنقص على الله محال. فجوابه: أن الاشتغال بالأمر والنهي حال عدم المأمور والمنهيه و النقص والسفه. وهذا بعينه هو الجواب عن الرابع: فهذا خلاصة الكلام المعقول في هذا الباب”. انتهى

إلى هنا انتهت نقولات الرازي عن الفريقين في كتابه المطالب العالية، من دون أن يورد أجوبة الفريق الثاني من أهل السنة على اعتراضات خصومهم من المعتزلة، وهو السبب لأجله لامه بعض الأشعرية، والصحيح أنه اعرض عن ذكر جوابها لأنه كان قد ذكرها في بعض كتبه الأخرى فاكتفى بها عن اعادة ذكرها، حيث نجد أنه في تفسيره مفاتيح الغيب مثلا، قد أفصح على هوية الفريق الأول الذي كان ينقل الرازي عنهم مقالاتهم في المطالب العالية، و هم المعتزلة، وساق الجواب على اعتراضاتهم وانتهى إلى تكفيرهم، حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ” – البقرة: 6- ما نصه: “احتجت المعتزلة بكل ما أخبر الله عن شيء ماض مثل قوله ” إن الذين كفروا ” أو ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” ، ” إنا أنزلناه في ليلة القدر ” ، ” إنا أرسلنا نوحا” على أن كلام الله محدث سواء كان الكلام هذه الحروف والأصوات أو كان شيئا آخر . قالوا لأن الخبر على هذا الوجه لا يكون صدقا إلا إذا كان مسبوقا بالمخبر عنه ، والقديم يستحيل أن يكون مسبوقا بالغير فهذا الخبر يستحيل أن يكون قديما فيجب أن يكون محدثا. أجاب القائلون بقدم الكلام عنه من وجهين:

الأول : أن الله تعالى كان في الأزل عالما بأن العالم سيوجد ، فلما أوجده انقلب العلم بأنه سيوجد في المستقبل علما بأنه قد حدث في الماضي ولم يلزم حدوث علم الله تعالى ، فلم لا يجوز أيضا أن يقال : إن خبر الله تعالى في الأزل كان خبرا بأنهم سيكفرون فلما وجد كفرهم صار ذلك الخبر خبرا عن أنهم قد كفروا ولم يلزم حدوث خبر الله تعالى .

الثاني : أن الله تعالى قال: “لتدخلن المسجد الحرام” فلما دخلوا المسجد لابد وأن ينقلب ذلك الخبر إلى أنهم قد دخلوا المسجد الحرام من غير أن يتغير الخبر الأول ، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز في مسألتنا مثله ؟

أجاب المستدل أولا – وهم المعتزلة- عن السؤال الأول فقال : عند أبي الحسين البصري وأصحابه؛ العلم يتغير عند تغير المعلومات ، وكيف لا والعلم بأن العالم غير موجود وأنه سيوجد لو بقي حال وجود العالم لكان ذلك جهلا لا علما ، وإذا كان كذلك وجب تغير ذلك العلم ، وعلى هذا سقطت هذه المعارضة .

وعن الثاني : أن خبر الله تعالى وكلامه أصوات مخصوصة ، فقوله تعالى ” لتدخلن المسجد الحرام” معناه أن الله تعالى تكلم بهذا الكلام في الوقت المتقدم على دخول المسجد لا أنه تكلم به بعد دخول المسجد ، فنظيره في مسألتنا أن يقال إن قوله ” إن الذين كفروا” تكلم الله تعالى به بعد صدور الكفر عنهم لا قبله إلا أنه متى قيل ذلك كان اعترافا بأن تكلمه بذلك لم يكن حاصلا في الأزل وهذا هو المقصود.

أجاب القائلون بالقدم بأنا لو قلنا إن العلم يتغير بتغير المعلوم لكنا إما أن نقول بأن العالم سيوجد كان حاصلا في الأزل أو ما كان ، فإن لم يكن حاصلا في الأزل كان ذلك تصريحا بالجهل . وذلك كفر ، وإن قلنا إنه كان حاصلا فزواله يقتضي زوال القديم ، وذلك سد باب إثبات حدوث العلم والله أعلم”. انتهى

وهنا تتضح الصورة بتمامها، واتضح أن نقول الفخر الرازي في المطالب العالية عن المعتزلة لا تدل البتة أنه كان ينتصر لكلامهم او كان موافقا لهم، كما يروج لذلك خصومه، فهو كان قد ردى عليهم وسد عليهم الباب في اثبات حدوث العلم.

ملاحظة: القول بحدوث علم الله مقالة مشهورة عن الجهمية والمعتزلة، فقد قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير ما نصه: “وقال بعض المعتزلة مثل جَهْم بن صَفْوَان وهِشام بن الحَكم : إنّ الله عالم في الأزل بالكلّيات والحقائق ، وأمَّا علمه بالجزئيات والأشخاص والأحوال فحاصل بعد حدوثها لأنّ هذا العلم من التصديقات ، ويلزمه عَدم سبق العلم . وقال أبو الحُسين البصري من المعتزلة ، رادّاً على السلف : لا يجوز أن يكون علم الله بأنّ القمر سيخسف عين علمه بعد ذلك بأنَّه خسف لأمور ثلاثة : الأوّل التغايُر بينهما في الحقيقة لأنّ حقيقة كونه سيقع غيرُ حقيقة كونه وقع ، فالعلمُ بأحدهما يغاير العلم بالآخر ، لأنّ اختلاف المتعلّقين يستدعي اختلاف العالم بهما . الثَّاني التغاير بينهما في الشرط فإنّ شرط العلم بكون الشيء سيقع هو عدم الوقوع ، وشرط العلم بكونه وقَع الوقوعُ ، فلو كان العلمان شيئاً واحداً لم يختلف شرطاهُما . الثَّالث أنّه يمكن العلم بأنَّه وقع الجهل بأنَّه سيقع وبالعكس وغير المعلوم غير المعلوم – هكذا عبّر أبو الحسين أي الأمر الغير المعلوم مغاير للمعلوم- ولذلك قال أبو الحسين بالتزام وقوع التَّغير في علم الله تعالى بالمتغيِّرات ، وأنّ ذاته تعالى تقتضي اتّصافه بكونه عالماً بالمعلومات الَّتي ستقع ، بشرط وقوعها ، فيحدث العلم بأنَّها وجدت عند وجودها ، ويزول عند زوالها ، ويحصل علم آخر ، وهذا عين مذهب جهم وهشام . ورُدّ عليه بأنَّه يلزم أن لا يكون الله تعالى في الأزل عالماً بأحوال الحوادث ، وهذا تجهيل . وأجاب عنه عبد الحكيم في « حاشية المواقف » بأنّ أبا الحسين ذهب إلى أنَّه تعالى يعلم في الأزل أنّ الحادث سيقع على الوصف الفلاني ، فلا جهل فيه ، وأنّ عدم شهوده تعالى للحوادث قبل حدوثها ليس بجهل ، إذ هي معدومة في الواقع ، بل لو علمها تعالى شهودياً حينَ عدمها لكان ذلك العلم هو الجهل ، لأنّ شهود المعدوم مخالف للواقع ، فالعلم المتغيّر الحادث هو العلم الشهودي”. انتهى

روابط ذات علاقة:

الفخر الرازي وشبهة ما يُنسب له بالقول بقيام الحوادث بذات الله ونسبة ذلك إلى الأشعرية

بيان ما نقله الحافظ ابن حجر عن الفخر الرازي

https://www.facebook.com/…/a.38068…/1127151890696889/…

بيان أن معنى قول العلماء عن الله أنه لا يزول، أي لا يتصف بالحركة و لا التغير

جاء في كتاب ” الرد على بشر المريسي” المنسوب للدارمي، قوله: ” معنى ” لا يزول ” لا يفنى و لا يبيد ، لا أنه لا يتحرك و لا يزول من مكان إلى مكان”. انتهى

وقوله الدارمي عن الله؛ “لا يزول، معناه الذي لا يفنى و لا يبيد ، لا أنه لا يتحرك و لا يزول من مكان إلى مكان”، غير مسلم به، فعبارة لا يزول وإن كانت تأتي بمعنى الذي لا يطرأ عليه الفناء، فمعناها أيضا الذي لا يتغير ولا يوصف بالحركة.

1- بيان أن عدم الزوال تفيد عدم التغير

الدليل أن معنى لا يزول، أي لا يتغير، ما قاله الإمام أبو الماتريدي في التوحيد ما نصه: ” وَقد بَينا أَن الله تَعَالَى إِذْ وصف بالْكلَام على تعاليه عَن إحتمال التَّغَيُّر والزوال فَمثله فِي صفة الْكَلَام وَالْفِعْل وَمَا ذكرت على أَن الله قد أضَاف المجئ إِلَى نَفسه ثمَّ لم يجب أَنه حدث بل صرف إِلَى الْوَجْه الَّذِي يحِق بالربوبية فَمثله الأول وَكَذَلِكَ وَجب صرف الْإِتْيَان إِلَى الْوَجْه الَّذِي يحِق بالربوبية لَا إِلَى مَا عرف بِهِ الْخلق من التَّغَيُّر والزوال فَمثله فِي حَقِيقَة الْفِعْل وَالْكَلَام على مَا قَالَ إِبْرَاهِيم {لَا أحب الآفلين} وَمن يكون على حَال ثمَّ على أُخْرَى فَهُوَ من الآفلين بالتحقيق وَالله أعلم”. انتهى

وقال أيضاً ما نصه: ” وَالله تَعَالَى لم يزل وَلَا يزَال بِلَا تغير وَلَا زَوَال وَلَا انْتِقَال من حَال إِلَى حَال وَلَا تحرّك وَلَا قَرَار إِذْ هُوَ وصف اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَمن تخْتَلف الْأَحْوَال عَلَيْهِ فَهُوَ غير مفارق لَهَا وَمن لَا يُفَارق الْأَحْوَال وَهن أَحْدَاث فَيجب بهَا الْوَصْف بالإحداث وَفِي ذَلِك سُقُوط الوحدانية”. انتهى

وقال أبو القاسم الأصبهاني، المُلقب بقوام السنة ، في الحجة في بيان المحجة، ما نصه: “والخالق ذَاته تَعَالَى، وذاته كَانَت فِي الْأَزَل، فَلَو لم يكن خَالِقًا وَصَارَ خَالِقًا لزمَه التَّغَيُّر”. انتهى

2- بيان أن عدم الزوال تفيد عدم الاتصاف بالحركة

الدليل أن معنى لا يزول، تفيد عدم الاتصاف بالحركة، ما نقله الطبري في تفسيره، قال: ” حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن الأعمش عن أَبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: من أين جئت ؟ قال: من الشأم. قال: من لَقيتَ؟ قال: لقيتُ كعبًا. فقال: ما حدثك كعب ؟ قال: حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك. قال: فصدقته أو كذبته ؟ قال: ما صدقته ولا كذبته. قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، وكذب كعب، إن الله يقول ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ).

حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب جُندَب البَجَلي إلى كعب الأحبار فقدم عليه ثم رجع فقال له عبد الله: حدثنا ما حدثك. فقال: حدثني أن السماء في قطب كقطب الرحا، والقطب عمود على منكب ملك. قال عبد الله: لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك، ثم قال: ما تنتكت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه، ثم قال ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا ) كفى بها زوالا أن تدور”. انتهى

وبما أن الدوران هو حركة، فقد دلّ هذا الأثر أن الزوال هو حركة بلا شك ولا ارتياب.

وهذا المعنى يعضده قول ابن عبد البر في التمهيد: ” قال الإمام مالك رضي الله عنه في حديث النزول في الثلث الأخير من الليل: ” ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل، سبحانه لا إله إلا هو”. انتهى

فجعل عدم الزوال في مقابل النزول الذي يفيد ظاهره الحركة حتى يُعلم أن نزول الله ليس بانتقال من مكان إلى مكان أو هو حركة من فوق إلى أسفل.

راجع موثوقية تأويل الإمام مالك لحديث النزول:

https://www.facebook.com/share/16MDCLHVPD/

وهذا المعنى يعضده أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بسنده عن أبي العباس حيث قال: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْنُ طَلْحَةَ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوبَ، إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: تُؤْمِنُ بِهِ؟ فَقَالَ طَاهِرٌ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ، مَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا؟ قَالَ إِسْحَاقُ: فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا أَنْتَ لَمْ تُؤْمِنْ أَنَّ لَكَ رَبًّا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ تَسْأَلَنِيَ. قُلْتُ: فَقَدْ بَيَّنَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّ النُّزُولَ عِنْدَهُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهُ نُزُولًا بِلَا كَيْفٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ فِيهِ الِانْتِقَالَ وَالزَّوَالَ. انتهى

ويشهد له ما رواه الإمام أبو عبد الحاكم في الروض الباسم، بسنده عن أبي محمد المزني أنه قال ما نصه: ” حديث النزول قد ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من وجوه صحيحة، وورد في التنزيل ما يصدقه، وهو قوله-عز وجل-: ” وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا” -الفجر: 22-، والنزول والمجيء صفتان منفيتان من صفات الله -عز وجل- من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله -عز وجل- بلا تشبيه، جل الله عما تقول المعطلة بصفاته والمشبّهة بها علوّاً كبيراً”. انتهى

و قد صرّح الإمام الطبري بنفي الزوال والانتقال في أكثر من موضع من كتبه، فقال في تاريخه : “الحمد لله الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، والدائم بلا زوال، والقائم على كل شيء بغير انتقال…..) انتهى

وقال في تفسير الاستواء ما نصه: ” كذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال “. انتهى

كذلك نُقل عن المنذر بن سعيد البلوطي، أنه قال في تأويل المجيء ما نصه: “معناه ظهر سبحانه للخلق هنالك وليس بمجيء نقلة”. انتهى

كما في البحر المحيط، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، و روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني.

وقد أكّد كبار علماء الحنابلة أن الله منزه عن الزوال بمعنى أنه لا يفنى ولا يتغير و لا يوصف بالحركة، مثل الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي. ففي مقدمة كتابه عن محنة الإمام أحمد، ذكر تنزيه الله عن الكيف والزوال.

التاريخ و السير و العقائد

كلام الله عز وجل

ورد بعض شبه المجسمة

1- القول في كلام الله عز وجل عند أهل السنة

كلام الله سبحانه وتعالى القائم بذاته واحد لا تعدد فيه ولا يوصف بالتجزء ولا بالتركيب و لا يتعلق بمشيئته عز وجل، فلا يقال عن صفة الكلام أنها قديمة الجنس حادثة الأفراد كما يزعم الحشوية والمجسمة.

بل هو متكلم عز وجل بكلام أزلي لا يوصف بالحرف أو الصوت أو اللغة او التعاقب أو الابتداء أو الانتهاء، أو التفاضل، ولا يوصف بالتعدّد ولا بالتكثّر، إذ لا يفهم التكثّر إلاّ بالتركيب و كلامه تعالى غير مركّب. وهذا اعتقاد عامة أهل السنة والجماعة.

وهذا الأصل ذكره الإمام أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة 150 هـجري في كتابه الفقه الأكبر، حيث قال : «ويتكلم لا ككلامنا ويسمع لا كسمعنا ‌ونحن ‌نتكلم ‌بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق». انتهى

وقد قرره لاحقا عبد الله بن ‌كلاب المتوفى سنة 241 هـجري، حيث قال: ” وإن الكلام ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت، ولا ينقسم، ولا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يتغاير وإنه معنى واحد بالله تعالى”. انتهى

وأقره أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري.

قال ابن عبد البرّ في التمهيد : القُرْآنَ عِنْدَنَا كَلَامُ اللَّهِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا يَدْخُلُ التَّفَاضُلُ فِي صِفَاتِهِ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي المَفْضُولِ مِنْهَا. انتهى

وهذا أيضا رأي بعض كبار الحنابلة و فضلائهم، فقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ” وسلك طريقة ابن كُلاب في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة و الصفات الاختيارية وأن الرب يقوم به الأول دون الثاني-كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتميميين أبي الحسن التميمي، وابنه أبي الفضل التميمي، وابن ابنه رزق الله التميمي، وعلى عقيدة الفضل ـ التي ذكر أنها عقيدة أحمد ـ اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد من الاعتقاد”. انتهى

و قد نقل الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، الملقب بابن القطان الاجماع على ما تقدم في كتابه الاقناع في مسائل الاجماع فقال: ” كلام الله باقٍ، وكلام غيره عرض لا يبقى. وأجمعوا على أن كلام الله عز وجل ليس بحروف ولا أصوات”. انتهى

وقال: “واتفق العقلاء على استحالة بقاء الأصوات مع اختلافهم في بقاء سائر الأعراض، فلا يتقرر إثبات صوت قديم أصلاً. واتفق أهل الحق على قدم كلام الله تعالى. واتفقت الأمة على وحدانيته تعالى، فلو قامت به أصوات متضادة لكان ذلك اجتماع المتضادات في الموجود الواحد. وجميع المسلمين سائرون إلى وجوب العلم بأن القرآن كلام الله تعالى. واتفق المسلمون أن القرآن من كلام الله. وأجمع أهل الحق والسنة والجماعة أن أمره الذي هو قوله وكلامه غيرمحدث ولا مخلوق”. انتهى

بل قال الحافظ أبو بكر بن سابق الصقلي المالكي في كتابه ” مسألة الشارع في القرءان”: و قد أجمع اهل السنة و سائر اهل البدع من الخوارج و القدرية على اختلاف مذاهبهم على انه لا يجوز ان يكون بذات الله كلام هو حروف و أصوات و على أن من قال إن كلام الله الموجود بذاته حروف و أصوات فهو كافر.” انتهى

2- الفرق بين صفة الكلام القائمة بذات الله واللفظ المنزل:

إن أهل السنة و بعض كبار المحدثين و الحنابلة يفرقون بين كلام الله الأزلي ويقولون عنه غير مخلوق، وبين اللفظ المنزل المكتوب بين دفتي المصحف.

فهذا هشام بن عبيد الله الرازي، الذي ترجم له الذهبي بقوله: “هشام بن عبيد الله الرازي السني، الفقيه، أحد أئمة السنة”، قال: “القرآن كلام الله غير مخلوق. فقال له رجل أليس الله يقول ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، فقال محدث إلينا وليس عند الله بمحدث”. انتهى

ونقله الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فقال: “وأخرج بن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية فقال له هشام: محدث إلينا محدث إلى العباد وعن احمد بن إبراهيم الدورقي نحوه”. انتهى

ونقل ابن كثير في البداية والنهاية، عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل مثل ذلك، فقال : “ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى: “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون” -الأنبياء: 2- . قال: يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث، لا الذكر نفسه هو المحدث”. انتهى

وهذا عينه كلام أهل السنة من الأشعرية، فهم يفرقون بين الكلام الأزلي القائم بذاته تعالى وبين اللفظ المنزل، و جميعه يقال له كلام الله.

لكن المجسمة يقومون بالتشنيع على الأشعرية في هذه المسألة، لأنه لا يعجبهم هذا التفصيل، وقد بين عوار كلامهم الشيخ عبد الله بن عودة بن عبد الله صوفان القدومي الحنبلي، حيث قال في “المنهج الأحمد في درء المثالب التي تنمى لمذهب الإمام أحمد” ما نصه: ” وأمّا من قال إن كلام الله تعالى معنى قديم قائم بذاته تعالى ، مُعبّر عنه بالعبارات التي نقرأها ونكتبها ونحفظها ، وهو قديم ، فليس من الكفر في شيء”. انتهى

وبعض هؤلاء المجسمة يزعمون أن الأشعرية يقولون أن القرٱن ليس كلام الله، بل هو كلام جبريل، وقد نقض قولهم ابن تيمية في مجموع الفتاوى فقال: “ويظن أن هذا قول الأشعري بناء على أن الكلام العربي لم يتكلم الله به عنده, وإنما كلامه معنى واحد قائم بذات الرب هو الأمر والخبر إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا , وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة, وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا , وهذا القول وإن كان قول ابن كلاب والقلانسي والأشعري ونحوهم فلم يقولوا إن الكلام العربي كلام جبريل، ومن حكا هذا عن الأشعري نفسه فهو مجازف”. انتهى

3- منع القول بأن كلام الله الذي هو صفة ذاته محدث، متعلق بمشيئته

القول بأن كلام الله مُحدث أو أنه يتعلق بمشيئته منعه علماء أهل السنة و أئمة الحديث:

– قال أبو بكر بن خزيمة: «القرآن كلام الله تعالى، وصفة من صفات ذاته، ليس شيء من كلامه مخلوقا ولامفعولا ولامحدَثا، فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدَث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل فهو جهمي ضال مبتدع، وأقول : لم يزل الله متكلِّماً، والكلام له صفة ذاتٍ”. انتهى

نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء.

– وقال الامام المجتهد ابو ثور ابراهيم بن خالد: من قال إن كلام الله – اي القائم به- سبحانه مخلوق فقد كفر وزعم ان الله عز و جل حدث فيه شىء لم يكن. انتهى رواه اللالكائي في الفصل المعقود لذكر اعتقاد ابي ثور

وهذا الأصل موافق لما جاء في مسائل ابن هانئ، حيث نقل عن الإمام أحمد أنه قال: “القرآن عِلمٌ من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر”. انتهى

فكما أن العلم قائم بذاته تعالى أزلي غير مخلوق و لا حادث، فالكلام أيضًا قائم بذاته، غير مخلوق و لا حادث. فلو تعلق كلامه تعالى بإرادته كما تزعم الكرامية لكان حادثا.

-قال أبو علي الهاشمي الحنبلي: “والقرآن كلام الله تعالى , وصفة من صفات ذاته, غير مخلوق ولا محدث”. انتهى نقله ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة.

وزعم بعض المشبهة أن كلام الله قديم النوع حادث الأفراد، وهي من أشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ولازم قوله أن كلامه القائم بذاته، بعضه أفضل من بعض.

وقد التزم ابن تيمية ذلك حتى قال بتفاضل صفات رب العالمين القائمة بذاته، ونص عبارته كما في مجموع الفتاوى: “الصفات تتفاضل من وجهين : أحدهما: أن بعض الصفات أفضل من بعض، وأدخل في كل الموصوف بها…..”. انتهى

فجعل القديم يتفاضل و يتمايز وبعضه أكمل من بعض، وهو من حيث لا يشعر قد هدم قاعدته: “القول في بعض صفات الله تعالى كالقول في البعض الآخر”

فلو كانت الصفات تتمايز فكيف يكون القول في بعضها كالقول في البعض الٱخر؟

وقد برأ الله أهل السنة الأشعرية من مثل هذه اللوازم الفاسدة باعتراف ابن تيمية نفسه حيث قال في مجموع الفتاوى: “وأما نقل هذا القول عن الأشعري وموافقيه فغلط عليهم؛ إذ كلام الله عندهم ليس له كل و لا بعض و لا يجوز أن يقال هل يفضل بعضه بعضا أو لا يفضل فامتناع التفاضل فيه عنده كامتناع التماثل , ولا يجوز أن يقال أنه متماثل ولا متفاضل إذ ذلك لا يكون إلا بين شيئين”. انتهى

و راجع الرابط التالي:

4- نقض شبهة أولى يذكرها المجسمة

حاول بعض المجسمة ايراد اعتراضات على قول الأشعرية بأن كلام الله واحد لا يتبعض ولا يتجزأ، فقالوا : “ما ذهب إليه الأشاعرة في هذه المسألة أمر لا يقبله العقل ولا يسوغه الشرع، ، لأنه يؤول لاستواء الأمر والنهي والخبر والإنشاء، ويلزم منه أن :قل هو الله أحد هي بعينها :تبت يدا أبي لهب وتب ، ولا تقربوا الزنا؛ ثم قالوا عن هذا المعنى النفسي: إن عُبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة. ويلزم من هذا أن ما في القرآن من المعاني هو ما في التوراة والإنجيل، وهذا باطل يكفي في بطلانه مجرد تصوره”

و هذه الشبهة أجاب عنها بعض العلماء فقالوا: كلام اللّه تعالى هو صفة قائمة بذاته تتعلّق بكلّ ما يتعلّق به العلم من المتعلّقات، ولكنّ تعلّق العلم يكون تعلّق كشف، وأمّا تعلّق الكلام فإنّه يكون بياناً ودلالة لما كشف عنه العلم.

فكلام اللّه تعالى لا حدّ له من حيث إنّه متعلّق بما لا حدّ له، وهو نفس ما يتعلّق به العلم.

فالصّفة القائمة بالذّات لا توصف بالكثرة ولا بالقلّة، ولكن الموصوف بذلك هو تعلّقاتها، أي يقال: إنّ تعلّقات الكلام كثيرة.

وأمّا الكلمات اللّفظيّة التي أنزلها اللّه تعالى على رسله على هيئة كتب أو غير ذلك، فهذه لا يقال فيها: أنّها صفة من صفات اللّه، بل هي عبارة عن كلام الله الأزلي.

فكلام اللّه تعالى يطلق على أمرين، الأوّل: الصّفة القائمة بذاته تعالى، والثّاني: هو اللّفظ المنزّل على رسله، وهذا مع أنّه حادث ومخلوق، إلاّ أنّه يقال عنه أنّه كلام اللّه على هذه الجهة، وذلك من حيث هو دالّ على كلام اللّه تعالى، أي على بعض متعلّقات كلام اللّه تعالى الأزلي، المتعدّدة إضافاته وتعلّقاته.

فالذي أنزله اللّه تعالى على النبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام هو عبارة عن كلامه تعالى الأزلي الذي لا يبتدأ ولا يختتم، ويدلّنا على بعض متعلّقات كلامه، ويسمّى القرآن، والذّكر والفرقان، فالقرٱن يعبر عن كلام اللّه تعالى الواحد الذي هو صفة ذاته غير المتعدّد ولا المتكثّر، وهو يدلّنا في الوقت نفسه على بعض متعلّقات هذه الصّفة، ولا يجوز أن يكون دالاّ على جميع متعلّقات كلامه الذاتي، فهذا باطل وغير لازم، لأنّ المنزل على سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ليس هو نفس الصّفة الأزلية حتّى يقال إنّه يجب أن يكون دالاّ على جميع المتعلّقات، بل هو معبّر عنها، ودالّ على بعض متعلّقاتها.

ونحن نجزم أنّ متعلّقات أيّ مدلولات الكتاب المنزل على سيّدنا محمّد محدودة، وهي ليست دالّة قطعاً على جميع معلومات اللّه تعالى.

فوجب إذن ألاّ يكون ما أنزله اللّه على نبيّه عليه السّلام هو نفس الصّفة لاستحالة ذلك. وكذلك يقال فيما أنزله اللّه تعالى على أنبيائه عليهم السّلام مثل موسى وعيسى، فما أنزل على موسى يسمّى توراة، وأنزله اللّه تعالى باللّغة العبريّة، وهو معبّر عن كلام اللّه الذاتي ودالّ على بعض متعلّقاته.

وكذلك الإنجيل الذي أنزله اللّه تعالى على عيسى عليه السّلام فهو معبّر عن كلام اللّه تعالى الذاتي ودالّ على بعض متعلّقات كلام اللّه تعالى الأزليّ. فكلّ هذه الكتب يقال عنها أنّها معبّرة عن كلام اللّه تعالى الأزليّ لأنّه واحد بالذّات لا يتعدّد، فلو قلنا إنّ ما يعبّر عنه القرآن غير ما يعبّر عنه الإنجيل، وكلّ منهما معبّر عن صفة الكلام القائمة باللّه تعالى، أي القائمة بذات اللّه تعالى، للزم أن تكون الصّفة القائمة بذاته تعالى متكثّرة متعدّدة ومركّبة من أجزاء، وكلّ هذا باطل، لأنّ ما كان كذلك فهو حادث ولا شكّ، والحادث لا يقوم بذات القديم، بخلاف المشبهة والكرامية.

ولكنّا نقول إنّ كلّ الكتب معبّرة عن الصّفة الواحدة القائمة بالذّات، ودالّة لنا على بعض ما تتعلّق به هذه الصّفة من المتعلّقات.

ومعلوم أنّه لا ينكر توحّد الصّفة وتكثّر التعلّقات، كما في القدرة والعلم مثلاً، فعلم اللّه تعالى واحد بالذّات ولكنّه متعلّق بما لا يتناهى من المتعلّقات، وهذا المعنى هو الذي يريده أهل الحقّ بقولهم إنّ كلام اللّه تعالى واحد قائم بذاته تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، فإن عبّر عنها بالعربيّة فقرآن، وبالسّريانيّة فإنجيل، وبالعبرانيّة فتوراة، والاختلاف إنّما هو في العبارات دون المسمّى.

5- نقض شبهة ثانية يذكرها المجسمة

قال ابن أبي العزِّ في شرحه على الطَّحاويَّة، ما نصه: “ويقال لِمَن قال: إنه معنى واحد: هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه؟ فإن قال: سمعه كله فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله، وفساد هذا ظاهر، وإن قال: بعضه، فقد قال: يتبعض وكذلك كل من كلمه الله، أو أنزل إليه شيئاً من كلامه . ولمَّا قال تعالى للملائكة”إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة” -البقرة:30- ولما قال لهم “اسْجُدُوا لِآدَمَ” -البقرة:34- وأمثال ذلك هل هذا جميع كلامه أو بعضه؟ فإن قال: إنه جميعه، فهذا مكابرة، وإن قال بعضه فقد اعترف بتعدده”. انتهى

وقال سفر الحوالي في شرح كلام ابن أبي العزِّ: ” فيقال: ما الذي سمع موسى عليه السلام من ربه -عز وجل- لما كلمه؟ إن قالوا: سمع جميع كلام الله؛ لأنه معنى واحد لا يتجزأ ولا يتبعض، فهذا واضح البطلان؛ لأنه إنما سمع بعضه. وإن قالوا: سمع البعض.

قلنا: إذاً قد أقررتم أنتم بالتبعيض وبالتعدد، فقد ناقضتم أنفسكم، وهذا اعتراف منكم بأن قولكم: “إنه معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد قائم بالنفس” باطل، ثم نقول: هل سمع موسى عليه السلام كل ما في نفس الله سبحانه وتعالى، فإن قالوا نعم فهذا باطل؛ لأنه -سبحانه وتعالى- لا أحد يحيط بعلمه أبداً فعلمه -سبحانه وتعالى- فوق إدراك كل إنسان”. انتهى

والجواب على هذه الشبهة أن يقال: ان أهل الحق الأشعرية والماتريدية لا يقولون إنَّ سيدنا موسى عليه السلام قد سمع عين صفة الكلام القائمة بذات الله، إنما لهم قولان في هذه المسألة:

-أما الأشعرية ، فيقولون أن سيدنا موسى عليه السلام قد سمع بعض متعلَّقات صفة الكلام. فالله خلق في سيدنا موسى إدراكاً مباشرا لبعض ما تعلَّقت به صفة الكلام من دون واسطة حرف و صوت.

فلا إشكال من أيِّ وجه في أن نقول إنَّ سيدنا موسى قد سمع كلام الله ويراد بذلك بعض ما تعلَّقت به صفة الكلام.

ثم هل يقول هؤلاء المشبهة أن الله لما كلم موسى عليه السلام، سمع موسى القرٱن بما أنه سمع كلام الله الأزلي؟ أم أنه سمع بعض متعلقات الكلام الأزلي؟

قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في التحرير و التنوير:” أمّا تكليم الله تعالى بعض عباده من الملائكة أو البشر فهو إيجاد ما يعرِف منه الملَك أو الرسول أنّ الله يأمر أوْ ينهَى أو يخبر. فالتكليم تعلُّق لصفة الكلام بالمخاطب على جَعْل الكلام صفة مستقِلّة، أو تعلّق العِلم بإيصال المعلوم إلى المخاطب، أو تعلّق الإرادة بإبلاغ المراد إلى المخاطب. فالأشاعرة قالوا: تكليم الله عبده هو أن يخلق للعبد إدراكاً من جهة السمع يتحصّل به العلم بكلام الله دون حروف ولا أصوات.

وقال: “فعلى هذا القول لا يلزم أن يكون المسموع للرسول أو الملك حروفاً وأصواتاً بل هو علم يحصل له من جهة سمعه يتّصل بكلام الله، وهو تعلّق من تعلّقات صفة الكلام النفسي بالمكلِّم فيما لا يَزال، فذلك التعلّق حادث لا محالة كتعلّق الإرادة”. انتهى

-وأما الماتريدية فقالوا: الله تعالى متصف بكلام أزلي، ولما كلم الله موسى، خلق الله حرفا و صوتا يدل على مراد الله عز وجل.

ملاحظة: ابن عثيمين ذكر ان الكلام الذي في المصحف مخلوق- انظر الصورة-