ثبوت التفويض عن الإمام أحمد بن حنبل

  1. ثبوت التفويض عن الإمام أحمد بن حنبل
  2. عقيدة الإمام أحمد بن حنبل من كلام ابن تيمية
  3. لله تعالى صدقة جارية و عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي

ثبوت التفويض عن الإمام أحمد بن حنبل

قال الإمام أحمد في أصول السنة: “ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤيا كلها، وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع، وإنما عليه الإيمان بها، وألا يرد منها حرفاً واحداً، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات”. انتهى

و جاء في كتاب مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه للحافظ اﻟﺜﻘﺔ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ منصور اﻟﻤﺮﻭﺯﻱ الكوسج ما نصه:

ﻗﻠﺖ ﻷﺣﻤﺪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ: “ﻳﻨﺰﻝ ﺭﺑﻨﺎ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ اﺳﻤﻪ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺣﻴﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﺛﻠﺚ اﻟﻠﻴﻞ اﻷﺧﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺳﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ” ﺃﻟﻴﺲ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﻬﺬﻩ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ. ﻭ “ﻳﺮﻯ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﺭﺑﻬﻢ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ” و “ﻻ ﺗﻘﺒﺤﻮا اﻟﻮﺟﻪ ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ” ﻳﻌﻨﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭ “اﺷﺘﻜﺖ اﻟﻨﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻬﺎ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻀﻊ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪﻣﻪ” ﻭ “ﺇﻥ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻟﻄﻢ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻮﺕ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ”؟ ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ:” ﻛﻞ ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ”.

قال إسحاق-ابن راهوية-: كل هذا صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي.». انتهى

فمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي الله تعالى عنه هو مذهب التفويض أي إثباتها كما جاءت من غير خوض في معانيها أو تأويلها، ومن غير تشبيه ولا تكييف ولا تجسيم.

جاء في كتاب نهاية المبتدئين في أصول الدين للعلامة شيخ الحنابلة في عصره أحمد بن حمدان الحنبلي في تقرير مذهب الإمام أحمد بن حنبل: “وقال أحمد -أي الإمام أحمد بن حنبل-: “أحاديث الصفات تمر كما جاءت من غير بحث على معانيها وتخالف ما خطر في الخاطر عند سماعها، وننفي التشبيه عن الله تعالى عند ذكرها،مع تصديق النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بها. وكل ما يعقل ويتصور فهو تكييف وتشبيه. وهو محال”. انتهى

وكذا نقل ابن قدامة الحنبلي مذهب الإمام أحمد بن حنبل في هذه الأحاديث من قول أبي بكر الخلال مسندا عنه في كتابه ذم التأويل فقال: “قال -أي أبو بكر الخلال- : ﻭﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ ﺃﻥ ﺣﻨﺒﻼ ﺣﺪﺛﻬﻢ ﻗﺎﻝ ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ [أي الإمام أحمد بن حنبل] ﻋﻦ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺘﻲ ﺗُﺮﻭﻯ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻨﺰﻝ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﺴﻤﺂء اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﻳُﺮﻯ ﻭﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﻀﻊ ﻗﺪﻣﻪ ﻭﻣﺎ أشبهه.

ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: ﻧﺆﻣﻦ بها ﻭﻧﺼﺪﻕ ﺑﻬﺎ، ﻭﻻ ﻛﻴﻒ ﻭﻻ ﻣﻌﻨﻰ

ﻭﻻ ﻧﺮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻭﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺣﻖ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺄﺳﺎﻧﻴﺪ ﺻﺤﺎﺡ ﻭﻻ ﻧﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﻮﻟﻪ. ﻭﻻ ﻳﻭﺻﻒ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻭ وصفه ﺑﻪ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺑﻼ ﺣﺪ ﻭﻻ ﻏﺎﻳﺔ “ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺜﻠﻪ ﺷﻲء ﻭﻫﻮ اﻟﺴﻤﻴﻊ اﻟﺒﺼﻴﺮ”. انتهى

فقوله “بلا معنى” معناه بلا معنى يفيد التشبيه، ولعله وقع في كلام أحمد المنقول عنه سقط، فاكتفى الناقل بقوله: “بلا معنى”

بل قال أبو محمد ابن قدامة في نصرة مقالة التفويض: فإن عائب هذه المقالة عائب على رسول الله ﷺ فإنه كان يؤمن بالله وكلماته ولم يفسر شيئا من ذلك ولا بين معناه

ومن عاب على رسول الله ﷺ فليس بمؤمن به ﷺ ومن عاب على رسول الله ﷺ فهو المخطئ الآثم المعيب المذموم”. انتهى

وقال ابن بطة في الابانة: قال أبو عبد الله: “ونحن نؤمن بالأحاديث في هذا ونقرها، ونمرها كما جاءت بلا كيف، ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تعالى“. انتهى

وتفرد حنبل عن أحمد بالرواية لا يعني أنه كذاب أو وضاع. بل روايته مقبولة عند ابن حامد وهو من كبار الحنابلة.

وحتى ٱل تيمية أثبتوا ذلك عن الإمام أحمد، كما في الرابط التالي:

وقد بين الخلال معنى قول أحمد عن صفات الله أنها على الحقيقة دون المجاز، فقال: “ومذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أن لله عز وجل وجهًا، لا كالصور المصورة والأعيان المخططة، بل وجهه وصفه بقوله: ” كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ” -القصص: 88- ، ومن غيَّر معناه فقد ألحد عنه، وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز، ووجه الله باقٍ لا يبلى، وصفة له لا تفنى، ومن ادَّعى أن وجهه نفسه فقد ألحد، ومن غير معناه فقد كفر، وليس معنى وجه معنى جسد عنده، ولا صورة، ولا تخطيط، ومن قال ذلك فقد ابتدع”. انتهى

فالخلال نقل مذهب الإمام أحمد، وأن الله عز وجل له صفة الوجه لا بمعنى الأعيان والصور المصورة والجسد والتخطيط. فمعنى قوله: “وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز” أي ان صفة الوجه ثابتة لله عز وجل على المعنى اللائق به ، فعبارة “في الحقيقة” لا تعني مجرد ابقاء ظاهر اللفظ كما يزعم الحشوية لأن الإمام أحمد نفى ظاهر اللفظ بنفيه التخطيط والصورة والأعيان.

وهذا النقل يدحض أيضا دعوى الحشوية أن القول بالتجسيم والتركيب ليس ثابتا عن السلف نفيا او اثباتا.

والتفويض نسبه للإمام أحمد أيضا العلامة ابن التلمساني في شرحه على معالم أصول الدين، – راجع الصورة الثالثة المرفقة، في التعليق كلام الإمام الغزالي –

ملاحظة:

قال البيهقي في الارشاد : بلا تفسير يعني لا تفسير يقود للكيفية.

عقيدة الإمام أحمد بن حنبل من كلام ابن تيمية

جاء في كتاب المسودة في أصول الفقه لعائلة تيمية ما نصه: “قال شيخنا: قال أحمد انه لا يجوز التقليد فيما يطلب فيه الجزم ولايثبت إلا بدليل قطعي ويجوز التقليد فيما يطلب فيه الظن واثباته بدليل ظني ولا اجتهاد في القطعي ويلزم شرعا كل مسلم مكلف قادر معرفة الله بصفاته التي تليق به والايمان بما صح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع التنزيه عن التشبيه والتجسيم والتكييف والتمثيل والتفسير والتأويل والتعطيل وكل نقص وهي أول واجب لنفسه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا”. انتهى

فهذه عقيدة الإمام أحمد و فيها تنزيه الله عن الجسمية والكيفية.

وكتاب المسودة في أصول الفقه تتابع عليه ثلاثة أشخاص من آل تيمية . فقد بدأ بتصنيفه الجدّ أبو البركات مجد الدين عبد السَّـلام بْنُ عبد الله بن الخضر المتوفى سنة 652 هـجري . وأضاف إليه الأب أبو المحَاسن شهاب الدين عبد الحَـلِيم بْن عَبد السـَّلام المتوفى سنة 682هـجري ثم أكمله الحفيد المجسم أبو العباس بن تيمية الحراني المتوفى سنة 728هـجري.

وقد جمع هذا الكتاب وبيضه شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني، الحراني تلميذ ابن تيمية المجسم. فهو لما يقول “قال شيخنا” مراده بذلك أبو العباس بن تيمية الحفيد.

وأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني هو الذي قال فيه الذهبي في المعجم المختصر: “من أعيان مذهبه, فيه دين و تقوى و معرفة بالفقه”. انتهى

لله تعالى صدقة جارية و صدقة عن روح المرحوم بإذن الله فتحي المهذبي