- بين البخاري و أبي حنيفة
- بيان سبب عدم رواية البخاري في صحيحه عن أبي حنيفة.
- توجيه سبب اشارة البخاري لأبي حنيفة في صحيحه بقوله: “وقال بعض الناس”.
- شبهة طعن البخاري في أبي حنيفة في التاريخ الكبير وفي خلق أفعال العباد
- التاريخ الكبير و الأوسط و الصغير للإمام البخاري
بين البخاري و أبي حنيفة
الجزء الأول: شيوخ البخاري من اتباع المذهب الحنفي
وذكر بعض رواة و شراح الصحيح منهم
قال محمد زكريا الكاندهلوي في مقدمة اللامع الدراري :”إن الحنفية من شيوخ البخاري وشيوخ مشايخه كثيرون لا يخفى على من مارس كتب الرجال”. انتهى
وفي ما يلي ذكر بعض مشائخ البخاري من اتباع المذهب الحنفي:
1-ذكر شيوخ البخاري من أصحاب أبي حنيفة الذين روى عنهم في غير الصحيح.
-المعلى بن منصور: قال أحمد بن حنبل: “معلى من كبار أصحاب أبي حنيفة وأبي يوسف و محمد ومن ثقاتهم في النقل و الرواية”. رواه السيوطي في تبييض الصحيفة.
2- ذكر شيوخ البخاري من أصحاب أبي حنيفة الذين روى عنهم في الصحيح:
-أبو عاصم النبيل
قال السيوطي في تبييض الصحيفة في مناقب الامام ابي حنيفة النعمان: “عده القسطلاني في شيوخ البخاري” ثم قال:”روى عنه البخاري ست روايات من الثلاثيات”. انتهى
وذكر عنه بدر الدين العيني في مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار، أنه من الذين رووا عن أبي حنيفة. ثم قال بعد ذلك مباشرة: ذكره أصحابنا من جملة الأئمة الحنفية. وقال الصيرمي: ومن أصحاب الامام أبي حنيفة الضحاك بن مخلد، أبو عاصم النبيل. وذكرت في تاريخي في ترجمة أبي حنيفة ان الضحاك هذا أكثر من أبي حنيفة في رواية الحديث و الفقه، وروى له مناقب كثيرة، وكان يذب عنه و يتعصب له، وروى أيضا عن أناس كثيرين. روى عنه البخاري و ابراهيم بن دينار…..”. انتهى
وجاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية لعبد القادر القرشي الحنفي ما نصه: “روى الطَّحَاوِيّ عَن بكار بن قُتَيْبَة سَمِعت أَبَا عَاصِم النَّبِيل قَالَ كُنَّا عِنْد أبي حنيف بِمَكَّة فَكثر عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث وَأَصْحَاب الرَّأْي”. انتهى
ورواية أبي عاصم عن أبي حنيفة مثبتة في مسند الإمام الأعظم لأبي نعيم الاصبهاني ونصه:” حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا أبو عاصم عن أبي حنيفة، عن عاصم بن كليب”. انتهى
وفي غيرها من الروايات
– مُحَمَّد بن عَبْد الله الأَنْصَارِيّ: ذكر الذهبي في السير عند ترجمة أبي حنيفة، أنه ممن رووا عنه.
قال السيوطي في تبييض الصحيفة في مناقب الامام ابي حنيفة النعمان: ” قال صاحب الجواهر: “أخذ عن زفر”
وقال: ” وحكى الخطيب أنه كان من أصحاب زفر و أبي يوسف”. انتهى
-مكي بن ابراهيم البلخي: قال السيوطي في تبييض الصحيفة في مناقب الامام ابي حنيفة النعمان: لزم أبا حنيفة و سمع منه الحديث و الفقه وأكثر عنه الرواية، و كان يحبه و يتعصب لمذهبه، كذا في المناقب للكردري، وأخرج عنه البخاري إحدى عشرة رواية من الثلاثيات”. انتهى
– يحيى بن سعيد القطان: “قال أحمد بن علي بن سعيد القاضي : سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: «لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، و قد أخذنا بأكثر أقواله».
و قال يحيى بن معين: «و كان يحيى بن سعيد يذهب في الفتوى إلى قول الكوفيين، و يختار قوله -أي قول أبي حنيفة- من أقوالهم، و يتّبع رأيه من بين أصحابه».
وفي تاريخ ابن معين: قال الدوري: سمعت يحيى يقول: قال يحيى بن سعيد القطان: «لا نكذب الله. ربما رأينا الشيء من رأي أبي حنيفة فاستحسناه فقلنا به».
-وكيع بن الجراح: جاء في “تذكرة الحفاظ” للحافظ الذهبي : قال حسين بن حبان، قال يحيى بن معين عن وكيع: «ما رأيت أفضل منه، يقوم الليل ويَسرُدُ الصوم، ويُفتي بقول أبي حنيفة. وكان يحيى القطان يفتي بقول أبي حنيفة أيضاً».
وقال يحيى بن مَعِين: “ما رأيتُ أحداً أُقدِّمه على وكيع، وكان يُفتي برأي أبي حنيفة، وكان يحفظ حديثَه كلَّه، وكان قد سمع من أبي حنيفة حديثاً كثيراً”. انتهى
3- بيان اعتناء فقهاء الحنفية بصحيح البخاري رواية و شرحا
من تلاميذ البخاري أتباع المذهب الحنفي الذين رووا عنه صحيحه: إبراهيم بن معقل النسفي وحماد بن شاكر الحنفيان.
ثم ان فقهاء الحنفية بعد ذلك اعتنوا بشرح صحيح البخاري منهم:
-بدر الدين العيني الحنفي.
– الشيخ المفتي المحدث رشيد أحمد اللدهيانوي، في إرشاد القاري شرح صحيح البخاري
-المحدث المسند الشهاب أحمد بن عليّ المنيني المولد الدمشقي المنشأ الحنفي، في إضاءة الدراري في شرح صحيح البخاري…
وغيرهم كثيرون
رابط ذو علاقة:
بيان سبب عدم رواية البخاري في صحيحه عن أبي حنيفة.
زعم بعض المتعصبين أن الامام البخاري رحمه الله لم يخرّج أي حديث في صحيحه من أحاديث أبي حنيفة، بسبب أنه كان يطعن فيه و فيه مروياته، وهذا من الجهل بمكان، فالبخاري كما أنه لم يرو في صحيحه عن أبي حنيفة، فإنه لم يرو كذلك عن الشافعي، وكذلك لم يرو عن الإمام أحمد الا حديثين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:
وليس للمصنف – البخاري – في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع، وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة”. انتهى
فالبخاري لم يشترط على نفسه أن يخرج لكل ثقة، ولا أن يخرج كل حديث صحيح.
وليس معنى ذلك أيضا ان عدم رواية البخاري له في صحيحه، موجب لتركه، فقد روى عنه غيره من الأئمة.
قال الشيخ عبد الرشيد النعماني في رسالته “ما تمس إليه الحاجة من سنن ابن ماجه” ما نصه: “إن صنيع الإمام البخاري مع الإمام الأعظم يشبه صنيعه مع الإمام جعفر الصادق. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة الإمام جعفر: لم يحتج به البخاري واحتج به سائر الأئمة”. انتهى
وقد أجاد الإمام الكوثري حين قال في تعليقه على كتاب “شروط الأئمة الخمسة للحافظ محمد بن موسى الحازمي”، صحيفة 60 وما بعدها : “ومما يلفت إليه النظر أن الشيخين لم يخرجا شيئاً من حديث الإمام أبي حنيفة، مع أنهما أدركا صغار أصحابه وأخذا عنهم، ولم يخرجا أيضاً من حديث الإمام الشافعي مع أنهما لقيا بعض أصحابه، ولا أخرج البخاري من حديث أحمد إلاّ حديثين: أحدهما تعليقاً والأخر بواسطة، مع أنه أدركه ولازمه. ولا خرَّج مسلم في صحيحه عن البخاري شيئاً مع أنه لازمه، ونسج على منواله، ولا عن أحمد إلا قدر ثلاثين حديثاً، ولا أخرج أحمد في مسنده عن مالك عن نافع بطريق الشافعي- وهو من أصح الطرق – إلا أربعة أحاديث، وما رواه عن الشافعي بغير هذا الطريق لا يبلغ عشرين حديثاً، مع أنه جالس الشافعي وسمع موطأ مالك منه، وعُدَّ من رواة القديم.
والظاهر من دينهم وأمانتهم أن ذلك من جهة أنهم كانوا يرون أحاديث هؤلاء في مأمن من الضياع، لكثرة أصحابهم القائمين بروايتها شرقاً وغرباً، وجل عناية أصحاب الدواوين بأناس من الرواة ربما كانت تضيع أحاديثهم لولا عنايتهم بها، لأنه لا يستغني من بعدهم عن دواوينهم في أحاديث هؤلاء دون هؤلاء”. انتهى
وغاية ما يقوله المجسمة لرد كلام الامام الكوثري أنه كان بزعمهم جهميا قبوريا، لا يؤخذ بكلامه، وهو من جملة كذبهم و افتراءاتهم عليه، وهذا كله دون تناول كلامه بالتعقيب العلمي.
فإن قيل أن البخاري أعرض عن أبي حنيفة بسبب مسألة الارجاء فجواب ذلك أن يقال: على تقدير صحة ذلك، فإن الإمام أحمد بن حنبل قد أجاز الرواية عن المرجئة ممن لم تصل بهم بدعتهم إلى حد الكفر، فقد ذكر الإمام أبو داود في سؤالاته عن الإمام أحمد بن حنبل ما نصه: “سمعت أحمد يقول احتملوا المرجئة في الحديث”. انتهى
بل إن البخاري رحمه الله ثبت عنه أنه أخرج عن بعض غلاة الخوارج و عن بعض فرق القدرية و الشيعة ممن لم تصل بهم بدعتهم لحد الكفر.
وعليه فان ادعاء بعض الجهلة أن البخاري أعرض عن الرواية عن أبي حنيفة في صحيحه بسبب بدعة الارجاء ادعاء باطل لا دليل عليه.
روابط ذات علاقة
توجيه سبب اشارة البخاري لأبي حنيفة في صحيحه بقوله: “وقال بعض الناس”.
من المعلوم ان الأئمة المجتهدون قد تختلف اجتهاداتهم الفقهية في بعض في المسائل، وقد تتوافق في بعض المسائل الأخرى التي لم يرد فيها نص نقلي صريح. وقد يحصل بسبب ذلك توجيه ردود لبعضهم البعض و انتقادات لأدلة كل مذهب و استنباطاته.
وقد كان البخاري رحمه الله من الأئمة المجتهدين، فخالفت اجتهاداته الفقهية، اجتهادات أبا حنيفة النعمان، و تعقبه في الكثير من المسائل في صحيحه.
وقد ذكر بعض شراح الصحيح، أن الإمام البخاري كان يتتبع الإمام أبا حنيفة في صحيحه، ولكنه لا يذكره باسمه انما يقول: “وقال بعض الناس”
قال ابن حجر في الفتح :” قال بن التين المراد ببعض الناس أبو حنيفة”. انتهى
وقال الزيلعي في نصب الراية: “والبخاري كثير التتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وقال بعض الناس كذا وكذا يشير ببعض الناس اليه ويشنع لمخالفة الحديث عليه”. انتهى
وقال الإمام بدر الدين العَيْنِيُّ:” أَرَادَ بِهِ أَيْضا أَبَا حنيفَة، وَأَرَادَ بِهِ التشنيع عَلَيْهِ”. انتهى
والجواب على ذلك من وجوه:
•الأول: الإمام البخاري أخذ ذلك عن الإمام الشافعي، فقد قال ابن الأثير في مقدمة كتاب “الشافي في شرح مسند الشافعي”: “قال أبو العباس: محمد بن يعقوب الأصم: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي – رحمه الله – إذا قال: أخبرنا الثقة: يريد يحيي بن حسان، وإذا قال أخبرنا: بعض الناس: يريد أهل العراق، وإذا قال أصحابنا: يريد به أهل الحجاز”. انتهى
فيكون قوله “قال بعض الناس” ليس متوجها لأبي حنيفة خاصة.
•الثاني: أن بعض المرويات التي ذكرها البخاري في صحيحه لم تكن بلغت للإمام أبي حنيفة النعمان في زمانه، او أنها بلغته بأسانيد أخرى لم تصح عنده فخالفها باعمال الرأي.
قال ابن خلدون في مقدمته: “وكان الحديث قليلًا في أهل العراق، فاستكثروا من القياس ومهروا فيه؛ فلذلك قيل أهل الرأي، وكان أهل الحجاز أكثر روايةً للحديث من أهل العراق؛ لأن المدينة دار الهجرة ومَأْوى الصحابة، ومَن انتقل منهم إلى العراق كان شغلهم بالجهاد أكثر، والإمام أبو حنيفة إنما قلَّتْ روايته للحديث لما شدد في شروط الرواية والتحمل”. انتهى.
وهذا ما جعل بعض المحدثين ينقمون عليه، قال الأوزاعي:” إنا لا ننقم على أبي حنيفة أنه رأى، كلنا يرى، ولكننا ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيخالفه إلى غيره”. انتهى
•الثالث: ان الامام البخاري لم يحقق مذهب أبا حنيفة النعمان، ففهم بعض المسائل على غير وجهها.
قال الشيخ محمد أنور الكشميري في فيض الباري ما نصه:”البخاري لم يتعلم فقه الحنفية حق التعلم، وان نقل عنه أنه رأى فقه الحنفية، لكن ما يترشح من كتابه أنه لم يحقق فقهنا ولم يبلغه الا شذرات منه”. انتهى
فيتلخص مما تقدم أن الخلاف بين أبي حنيفة النعمان والإمام البخاري فقهي بالأساس، ولا يصل إلى درجة الطعن في المعتقد.
شبهة طعن البخاري في أبي حنيفة في التاريخ الكبير وفي خلق أفعال العباد
التاريخ الكبير للإمام البخاري هو أحد أبرز الكتب في الجرح والتعديل وعلم الرجال، ألّفه البخاري في المدينة النبوية وهو في الثامنة عشرة من عمره. فهو بذلك من أوائل كتبه التي صنفها.
جاء في طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي أن البخاري قال: «فلما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم في الليالى المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله عندى قصة”. انتهى
وقد جاء في بعض المواضع من التاريخ الكبير طعن في الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه.
1- الطعن الأول
جاء في التاريخ الكبير للإمام البخاري ما نصه: “محمد بن مسلمة أبو هشام المخزومي المدني ، قال لي : عبد الرحمن بن شيبة ، حدثنا : محمد بن مسلمة المدني سمع مالكا ، عن نافع ، عن ابن عمر : نهى النبي عن القزع ، وقيل لمحمد ابن مسلمة : ما لرأي أبي حنيفة دخل البلاد كلها إلا المدينة ، فقال : إنه دجال من الدجاجلة ، وقال النبي: لا يدخلها الطاعون ولا الدجال”. انتهى
واسم أبي حنيفة مثبت في بعض نسخ التاريخ الكبيرة، وفي غيرها كُتب ” فلان”، و تمام الترجمة هي قوله: “مُحَمَّد بْن مسلمة أَبُو هشام المخزومي الْمَدَنِيّ، قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسلمةَ الْمَدَنِيِّ سَمِعَ مَالِكًا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَزَعِ، وقيل لمحمد ابن مسلمة ما لرأي فلان دخل البلاد كلَّهَا إلا المدينة؟ فقَالَ إِنَّهُ دجال من الدجاجلة وقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يدخلُهُا الطاعون ولا الدجال”. انتهى
فالظاهر ان اسم أبي حنيفة تم اقحامه في بعض المخطوطات للطعن فيه لاسيما و ان الترجمة أوردها الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، بسنده للبخاري و ليس فيها ذكر أبي حنيفة، ونص عبارته: ” أنبأنا أبو الغنائم ثم حدثنا أبو الفضل أنبأنا أبو الفضل وأبو الحسين وأبو الغنائم واللفظ له قالوا أنبأنا عبد الوهاب بن محمد زاد أبو الفضل ومحمد بن الحسن قالا أنبأنا أحمد بن عبدان أنبأنا محمد بن سهل أنبأنا البخاري قال: محمد بن مسلمة أبو هشام المخزومي المدني قال لي عبد الرحمن بن شيبة ثنا محمد بن مسلمة المدني سمع مالكا عن نافع عن ابن عمر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع، وقيل لمحمد بن مسلمة ما رئي فلان دخل البلاد كلها إلا المدينة فقال إنه دجال من الدجاجلة قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يدخلها الطاعون ولا الدجال”. انتهى
ثم ان هذه الرواية أوردها البخاري بصيغة التمريض، ومن غير ان يذكر سندها، لعلمه بضعفها بدليل أنه قال في الضعفاء الصغير: “حدثنا صاحب لنا عن حمدويه قال: قلت لمحمد بن مسلمة: ما لرأي النعمان دخل البلدان كلها إلا المدينة؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخلها الدجال ولا الطاعون، وهو دجال من الدجاجلة”. انتهى
فابهامه لصاحبه الذي حدثه بالحديث دليل على أنه مطعون في الحديث وأن الرواية مكذوبة عن محمد بن مسلمة.
2-الطعن الثاني
قال الإمام البخاري في ” التاريخ الكبير ” عند ترجمته لأبي حنيفة ما نصه : ” نعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي مولى لبني تيم الله بن ثعلبة روى عنه عباد بن العوام وابن المبارك وهشيم ووكيع ومسلم بن خالد وأبو معاوية والمقري كان مرجئا سكتوا عنه و عن رأيه وعن حديثه، قال أبو نعيم مات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة”.انتهى
وهذا النص، هو من أكثر النصوص التي يحتج بها المجسمة للطعن في أبي حنيفة.
وجوابه أن يقال أن البخاري قد أعرض في أول أمره عن الرواية عن أبي حنيفة و أصحابه بسبب مسألة أن الإيمان قول وعمل، أو هو قول فقط – والخلاف فيها لفظي- و تأثر البخاري بمقالات بعض شيوخه أمثال نعيم بن حماد المروزي والحميدي وأبي بكر بن أبي شيبة من الذين طعنوا في أبي حنيفة.
فأما نعيم المروزي فهو وضاع للحديث في تقوية السنة، كما ذكر ذلك عنه ابن حجر و الذهبي. وقد وضع بعض الأحاديث نكاية بأبي حنيفة.
وأما أبو بكر بن أبي شيبة صاحب كتاب ” المصنف “، فله في الجزء الأخير كتاب سماه ب ” الرد على أبي حنيفة “، وفيه مسائل الخلاف بين أهل الرأي وأهل الحديث.
فلأجل ذلك كله، أعرض البخاري في أول أمره عن الرواية عمن أُتهم بالارجاء، فقد روى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة بإسناده عن الحسين بن محمد الوضاح ومكي بن خلف بن عفان قالا: “سمعنا محمد بن إسماعيل يقول: كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل، ولم أكتب عمن قال: الإيمان قول. انتهـى
وهذا النقل على تقدير ثبوته فهو خاص بغير الصحيح وفي ما كتبه البخاري في أول طلبه للعلم.
وأما ما قاله الذهبي في السير: ” قال محمد بن أبي حاتم: سمعتُ البخاري قبل موته بشهر يقول: كتبت عن ألف وثمانين رجلًا، ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص”، فقد أورده الذهبي باسناد منقطع إلى ابن أبي حاتم، فهو بذلك نص لا يصح نسبته للإمام البخاري، ولعله قاله على تقدير صحته في معرض كلامه عن المرحلة الأولى التي طلب فيها الحديث.
ثم ان البخاري رضي الله عنه وان كان مخالفا لأبي حنيفة أول أمره في مسألة زيادة الايمان ونقصانه، فقد كان موافقا له في بقية المسائل الاعتقادية، كتنزيه الله عن الجسمية و تأويل بعض الصفات كصفة الوجه و مسألة القول بأن اللفظ مخلوق و ما المحنة التي حصلت له في ٱخر حياته الا دليل على ذلك.
وقد تراجع البخاري عن الطعن في من يقول بان الايمان واحد لا يزيد و لا ينقص، وروى بعد ذلك في صحيحه عن الكثير من أكابر أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه أمثال: أبو عاصم النبيل ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومكي بن ابراهيم البلخي ووكيع بن الجراح و غيرهم، وان كان رحمه الله يخالفهم في بعض المسائل الفقهية.
راجع الرابط التالي الذي قيل فيه
وتراجع البخاري في الطعن في بعض الأئمة و الرواية عنهم ثابتة عنه في غير موضع مثل “حصين بن عبدالرحمن السلمي” فقد جرحه في الضعفاء له ثم روى عنه في الصحيح.
قال الذهبي: “احتج به أرباب الصحاح ، وهو أقوى من عبد الملك بن عمير ، ومن سماك بن حرب ، وما هو بدون أبي إسحاق ، والعجب من أبي عبد الله البخاري ، ومن العقيلي ، وابن عدي ، كيف تسرعوا إلى ذكر حصين في كتب الجرح “. انتهى
وقال الذهبي أيضا في المغني: “تابعي ثقة عمر ونسي، قال النسائي تغير”. وفي الكاشف: “ثقة حجة”، وفي الميزان: “أحد الأعلام”، وقال: “وذكره البخاري في كتاب الضعفاء، وابن عدي والعقيلي، فلهذا ذكرته، وإلا فهو في الثقات”، ورمز للعمل على توثيقه، وذكره في الثقات. فلله العجب ما الإشكال في ذكر الإمام البخاري لهذا الراوي في الضعفاء , وإن كان كذلك فهو ثقة وإخراج الإمام البخاري لهُ من حديثهِ الصحيح في الصحيح وإنما تكلم فيهِ لأختلاطهِ كما تبين لنا “. انتهى
ثم إن في هذه الترجمة التي أوردها البخاري عن أبي حنيفة ثلاث قضايا:
ذكر من روى عنه.
اتهامه بالارجاء.
ذكر أنهم سكتوا عنه.
وتفصيلها كما يلي:
أ•ذكر من روى عنه: ذكر البخاري هنا بعض كبار المحدثين الذين رووا عن أبي حنيفة النعمان منهم: عباد بن العوام وابن المبارك وهشيم ووكيع ومسلم بن خالد وأبو معاوية والمقري. بل روى عنه غير هؤلاء أمثال سفيان الثوري، وحماد بن زيد وكثيرون. وهذا يناقض قوله بعد ذلك : ” سكتوا عنه”
ب• اتهامه بالارجاء: لقد اشتهرت عن أبي حنيفة وأصحابه تسميتهم من طرف المعتزلة و الخوارج” مرجئة السنة”.
قال الشهرستاني في الملل والنحل: “كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه: مرجئة السنة”. انتهى
وقال:”والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر: مرجئاً، وكذلك الوعيدية من الخوارج؛ فلا يبعد أن اللقب إنما لزمه من فريقي المعتزلة والخوارج”. انتهى
وقال الآمدي: “إن المعتزلة كانوا في الصدر الأول يلقبون من خالفهم في القدر مرجئة”. انتهى
ثم ان هذه التسمية أطلقها بعض المحدثين ومنهم البخاري على بعض فقهاء أهل السنة و لقبوهم بمرجئة الفقهاء بسبب مسألة الإيمان. فقد جاء فِي شرح الْفِقْه الاكبر الْمُسَمّى بالمنهج الاظهر لعَلي الْقَارئ الْمَكِّيّ ما نصه:” ثمَّ اعْلَم ان القونوي ذكر ان ابا حنيفَة كَانَ يُسمى مرجئا لتأخير امْر صَاحب الْكَبِيرَة الى مَشِيئَة الله والارجاء التَّأْخِير”. انتهى
و قال الشهرستاني في الملل والنحل: “وعده كثير من أصحاب المقالات: من جملة المرجئة؛ ولعل السبب فيه: أنه لما كان يقول: الإيمان: هو التصديق بالقلب، وهو لا يزيد ولا ينقص، ظنوا أنه يؤخر العمل عن الإيمان. والرجل مع تحريجه في العمل كيف يفتي بترك العمل”. انتهى
وقد كان الإمام البخاري يرى أن تارك العبادات يعُذب بالنار في الآخرة، في حين كان يرى الإمام أبو حنيفة أن من سلم له الإيمان وفعل المعاصي المختلفة ومات دون توبة، فإن أمره مؤخر إلى الله تعالى، إن شاء عذبه بها بعدله، وإن شاء عفا عنه فيها بفضله، كما قال تعالى: “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” -سورة النساء :48-. وليس مراد البخاري من اتهام أبي حنيفة بالارجاء أنه كان يقول: “لا تضر معصية مع الإيمان بحال”، كما هو رأي الجهمية ومن وافقهم، فهذا مردود على قائله أياً كان.
فبسبب خلاف البخاري مع أبي حنيفة في هذه المسالة سماه مرجئا في كتاب التاريخ الكبير، وهو من أوائل الكتب التي ألفها.
قال المجسم ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدة الطحاوية ما نصه: “إن الخلاف بين جمهور أهل السنة وأبي حنيفة وأصحابه خلاف لفظي، والنزاع نزاع ٌ في أمرٍ اسمي لفظي لا يترتب عليه فسادٌ في الاعتقاد”. انتهى
وقال زعيم المشبهة ابن تيمية الحراني: “وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ أَحَدًا مِنْ ” مُرْجِئَةِ الْفُقَهَاءِ “. انتهى
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: “الارجاء مذهب لعدة من جلة العلماء، لا ينبغى التحامل على قائله”. انتهى
ونقله الحافظ ابن حجر في هدي الساري وفي تغليق التعليق.
ج• ذكر أنهم سكتوا عنه: البخاري رحمه الله ذكر بعض كبار المحدثين الذين رووا عن أبي حنيفة النعمان، ومنهم: عباد بن العوام وابن المبارك وهشيم ووكيع ومسلم بن خالد وأبو معاوية والمقري. فرجل مثل أبي حنيفة روى عنه هؤلاء وأمثالهم، لا يقال فيه بعد ذلك “سكتوا عنه”.
وقد ذكر المحدثون ان مراد البخاري من قوله: “سكتوا عنه”، أي تركوا حديثه:
– قال الذهبي في الموقظة: “أما قول البخاري: “سكتوا عنه”، فظاهرها: أنهم ما تعرّضوا له بجرح ولا تعديل، وعلمنا مقصده بها بالاستقراء: أنها بمعنى تركوه”.
-قال العراقي في شرح الألفية: “فلان فيه نظر وفلان سكتوا عنه يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه”. انتهى
-قال السيوطي في تدريب الراوي: “تنبيهات الأول البخاري يطلق فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه”. انتهى
-وقال التهانوي: “البخاري يطلق فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه”. انتهى
و زعم ابن كثير انها من أشد عبارات التجريح، حيث قال : “من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح”. انتهى
وهذا الذي قاله البخاري عند التحقيق غير صحيح، فان كبار الأئمة أخذوا عنه الحديث.
قال أبو عمر ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله ما نصه: “الذين رَوَوْا عن أبي حنيفة ووثّقوه وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه”. انتهى
وذكر الذهبي في السير، و أبو اسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء، بعض نن روى عنه الحديث ومنهم: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، وأبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان، وأبيض بن الأغر بن الصباح المنقري، وأسد بن عمرو البجلي، وإسماعيل بن يحيى الصيرفي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وحفص بن عبد الرحمن القاضي، وابنه حماد بن أبي حنيفة، وحمزة الزيات وهو من أقرانه، وداود الطائي، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، ومحمد بن الحسن الشيباني، ويوسف بن خالد السمتي، وغيرهم كثير روى عنهم البخاري نفسه.
3- ما رواه البخاري في خلق أفعال العباد
قال البخاري في خلق أفعال العباد: “وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قال : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْقَارِئُ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ : أَبْلِغْ أَبَا حنيفة الْمُشْرِكَ , أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دِينِهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ”. انتهى
وهذا السند فيه أبو نعيم ضرار بن صرد، وهو متهم بالكذب.
التاريخ الكبير و الأوسط و الصغير للإمام البخاري
يُنسب للبخاري رضي الله عنه ثلاثة تواريخ:
1- التاريخ الكبير:
نسبه للبخاري، الزيلعي و غيره.
راجع الرابط التالي:
2- التاريخ الأوسط :
التاريخ الأوسط نسبه للبخاري، الزيلعي و فرّق بينه و بين التاريخ الكبير، وايضا ابن حجر في المعجم المفهرس، و ابن خير الإشبيلي في الفهرسة.
وقد نبه بعض الباحثين أن نُقول بعض العلماء من التاريخ الأوسط تخالف ما هو مطبوع منه في هذا الزمان، مثل بعض النصوص التي نقلها الزيلعي في نصب الراية، وعزاها للتاريخ الأوسط و هي ليست فيه. وبعضها الٱخر موجود في المطبوع مع اختلاف شديد في سبك العبارات.
من ذلك ما قاله الزيلعي في نصب الراية : “وفي سماع الحسن من سمرة ثلاث مذاهب: أحدها أنه سمع منه مطلقا، وهو قول ابن المديني، ذكره عنه البخاري، في أول تاريخه الوسط” انتهى
وهذا غير موجود في المطبوع.
وقال الزيلعي في نصب الراية: “فحديث أبي هريرة رواه البخاري في تاريخ الوسط “في باب القاف” في ترجمة “قهيد بن مطرف الغفاري” فقال: قال لي إسماعيل بن أبي أويس حدثني وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن قهيد بن مطرف عن أبي هريرة قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ان أراد أحد ان يأخذ مالي قال أنشده والإسلام ثلاثا قال قد فعلت قال قاتل دون مالك قال فان قتلت قال في الجنة قال فان قتلته قال في النار انتهى ثم قال وقال لي أبو صالح ثنا الليث حدثني بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو به نحوه قال وحدثنا عبد العزيز بن عبد الله ثنا سليمان عن عمرو بن أبي عمرو به”. انتهى
وهذا مخالف لترتيب المطبوع، وهذا النص ليس فيه.
كما نبهوا على وجود إشكالات اخرى في تبويب الكتاب، فقد نقل الزيلعي عن التاريخ الأوسط للبخاري بعض الأبواب فقال مثلا: “في باب العين المهملة” وقال: “في باب القاف”. وهذه النقول تدل على أن التاريخ الأوسط للبخاري كان مرتبا على حروف المعجم مثل التاريخ الكبير تماما، لكن في المطبوع من التاريخ الأوسط نجده مرتبا على السنين و الأعوام.
ثم ان هذا المطبوع طبع على روايتين، رواية الخفاف ورواية زنجوية. وقد قال عادل الزرقي في تاريخ البخاري صحيفة 27 ما نصه: “يظهر أن للأوسط راو ثالث هو محمد بن شاذان بن إسماعيل النيسابوري المتوفي سنة 386 هجري، وقد أسند هذه الرواية الدارقطني في المؤتلف عن النقاش – وهو متهم- عن ابن شاذان.
وعليه فان اختلاف النصوص و التبويبات بين المطبوع و المروي بالسند، يحيلنا على حجم التحريف الواقع في هذا الكتاب، وأنه لا يمكن الوثوق في جميع ما ورد فيه و نُسب للبخاري.
ومن تلك النصوص ما ورد فيه طعن في أبي حنيفة النعمان، حيث قيل: “حدثنا : نعيم بن حماد ، قال : حدثنا : الفزاري ، قال : كنت عند سفيان فنعى النعمان ، فقال : الحمد لله كان ينقض الإسلام عروة ما ولد في الإسلام أشأم منه”. انتهى
وهذا الأثر موضوع، فيه نعيم بن حماد، وهو و ان وثقه بعضهم فقد طعن فيه ٱخرون:
-جاء في التهذيب نقلا عن ابن عدي أنه قال: «قال لنا ابن حماد – يعني الدولابي – نعيم يروي عن ابن المبارك قال النسائي: ضعيف، وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات في ثلب حنيفة كلها كذب”. انتهى
-وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: “سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة والسنن، ثم قيل له في قبول حديثه؟ فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة فصار في حد من لا يحتج به» . انتهى
-قال فيه الدارقطني: “إمام في السنة كثير الوهم”. انتهى
-وقال صالح بن محمد «كان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها». انتهى
-ضعفه أبو داود.
-قال الذهبي: “لا تركن النفس إلى رواياته”. انتهى
-وقال: “وقد صنف كتاب الفتن، فأتى فيه بعجائب ومناكير”. انتهى
-قال الإمام الكوثري في التأنيب: «معروف باختلاق مثالب ضد أبي حنيفة، وكلام أهل الجرح فيه واسع الذيل، وذكره غير واحد من كبار علماء أصول الدين في عداد المجسمة بل القائلين باللحم والدم”. انتهى
وقال:” ولا شك أنه كان وضاع مثالب كما يقول أبو الفتح الأزدي وأبو بشر الدولابي وغيرهما، وكم أتعب أهل النقد بمناكيره، ويوجد من روى عنه من الأجلة رغبة في علو السند، ولا يرفع ذلك من شأنه إن لم يضع من شأن الراوي، ومن حاول الدفاع عنه يتسع عليه الخرق”. انتهى
وهذا تماما ما حصل مع المعلمي في تنكيله لما حاول تعقب الكوثري حتى قال زورا: “وقد روى عنه البخاري في صحيحه وروى له بقية الستة بواسطة إلا النسائي”. انتهى
وهذا محض افتراء، اذ لم يخرج له الشيخان أي حديث مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن أخرج له البخاري مقروناً بٱخر كما في خاتمة «الترغيب» للمنذري، وترجمته في السير للذهبي حيث قال «روى عنه البخاري مقرونا بآخر،» . وأما مسلم، فأخرج له في مقدمة «صحيحه» لا كما يوهم كلام المعلمي
3- التاريخ الصغير
التاريخ الصغير ، هو مطبوع خطأ بهذا الاسم، والصحيح أنه التاريخ الأوسط للبخاري. أما التاريخ الصغير فإلى اليوم لا يعرف له وجود، وإن كان بعضُ الباحثين قد جعل التاريخ الصغير هو نفسه كتاب الضعفاء الصغير المطبوع للإمام البخاري.
وقد طُبع هذا الكتاب أولا باسم التاريخ الصغير، ثم طبع بعد ذلك، باسم “التاريخ الأوسط” بتحقيق محمد بن إبرهيم اللحيدان.
